U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

إنجلترا في القرن السادس عشر (عصر أسرة تيودور) 1485-1603

 

إنجلترا في القرن السادس عشر (عصر أسرة تيودور) 1485-1603



 إنجلترا في القرن السادس عشر (عصر أسرة تيودور) 1485-1603


تمهيد
هنري السابع 1485-1509
هنري الثامن (1509-1547(
حركة الإصلاح الديني في إنجلترا
طلاق كاثرين الأراجونية
توماس كرمويل
قائـمة المراجع المعتمدة



يبدأ تاريخ الشعب الإنجليزي كأمة حديثة منذ فتح النرمنديون بلادهم عام 1066 بقيادة وليم الفاتح دوق نرمندية، وقد استوطن النورمنديون البلاد وتناسلوا مع أهلها الإنجليز، ومن امتزاجهم نشأ الشعب الإنجليزي الحديث تحت حكم ملوك أقوياء لم يقتصر حكمهم على إنجلترا فقط بل أصبحت نرمندية تابعة للتاج الإنجليزي منذ أن اتخذ وليم الفاتح إنجلترا مقرا له، ثم اتسعت الأملاك الإنجليزية في فرنسا وأدى ذلك إلى ما يعرف باسم "حرب المائة سنة" وهي الحرب التي كان لها أبعد الآثار في تاريخ الدولتين، والتي يرجع أصلها إلى تصميم ملوك إنجلترا على البقاء في ممتلكاتهم الفرنسية، وإلى عزم ملوك فرنسا على إجلاء الإنجليز عن بلادهم، وأخيرا لم يستطع الإنجليز الاحتفاظ بالأراضي الفرنسية التي كانت تابعة لهم لأن الشعب الفرنسي نفسه أخذته العزة القومية وثار ضد الاحتلال الإنجليزي وتجلت قوته الوطنية فيما قامت به جان دارك من بطولة نادرة، إذ تألبت بفضل حماستها وتضحيتها جميع القوى التي طردت الإنجليز من الأراضي الفرنسية وبعد عامين فقط من جلاء الإنجليز عن فرنسا شبت بإنجلترا نفسها حرب أهلية وهي "حرب الوردتين" (1455-1485) وهي الحروب التي سميت بهذا الاسم، إشارة إلى الوردة البيضاء التي كانت شعار آل يورك، والوردة الحمراء التي كانت شعار آل لانكستر، وهما أسرتان تنتميان إلى أصل واحد ولكنهما تنازعا على العرش.

وقد فاز آل يورك في حرب الوردتين عام 1471، إلا أن ملكهم (ريتشارد الثالث) لم يكن موفقا في حكمه، وأغضب الشعب بارتكاب أفعال منكرة منها قتل ابني أخيه إدوارد الرابع، فاستطاع "هنري تيودور من أسرة لانكستر أن يكتسب تأييد الشعب وينتزع العرش من أسرة يورك ويؤسس أسرة تيودور القوية التي قدر لها أن تقود البلاد حقبة من الزمن كانت مليئة بالمصاعب الدينية والسياسية، وقد اعتلى هنري تيودور الحكم باسم هنري السابع.

هنري السابع 1485-1509:

يعتبر اعتلاء هذا الملك الجديد عرش البلاد أهم حدث في تاريخ إنجلترا في ختام القرن الخامس عشر فقد أنهى عهدا طويلا من الحروب الإقطاعية التي أضعفت الكيان القومي للبلاد، وكان عهده فاتحة لعصر تقدم اقتصادي كبير، قام على سواعد أفراد من الطبقة الوسطى، قاموا بمغامرات وراء البحار حيث أفسحت الكشوف الجغرافية طريقا للاستغلال الاقتصادي، هذا إلى أن حركة النهضة وإحياء العلوم وحركة الإصلاح الديني كان لها أثرها في انتعاش الفكر واتساع الأفق، فانصرف الناس في إنجلترا إلى اكتساب العلوم وجمع الثروة عن طريق التجارة، ولم تعد الخلافات السياسية أو الطائفية تهمهم كثيرا، وأصبح الملك صاحب الحل والعقد في الشئون السياسية.

وكانت الروح الاستبدادية هي السائدة في أوربا في ذلك العصر، ففي إسبانيا قضى كل من شارل الخامس وفيليب الثاني على كل الحقوق الدستورية، وفي فرنسا أخذ مجلس الأمة النيابي يضعف بالتدريج حتى ألغي نهائيا عام 1614، أما إنجلترا فقد ظلت تتمتع بالحكم النيابي حتى جاء هنري السابع الذي كان معتدا بسطوته وقوته، فتظاهر بالتمسك بقوانين البلاد وأنظمة البرلمان، إنما كان ذلك في المظهر لا في الجوهر، وقد سار ابنه هنري الثامن على نهج أبيه، كلاهما لم يعبأ بأنظمة البرلمان ولكنهما كانا يسعيان إلى جعل السلطة للملك عن طريق التسلط على أعضاء البرلمان بشتى الوسائل ليكونوا أداة طيعة في يد الملك، وبذلك ضعف الحكم النيابي في عهد أسرة تيودور، إلا أنها لم تتبدد نهائيا إلى أن أتيح لها فرص العودة والنمو والانتعاش حتى أصبحت السلطة الفعالة في الدولة.

ولم يجد ملوك أسرة تيودور معارضة لسلطانهم وساعدهم على التسلط أن معظم الأسرات الكبيرة انهارت خلال الحروب الطويلة التي كانت تقوم بينها وزال النظام الإقطاعي، وبلغت إنجلترا في عهد أسرة تيودور درجة من الانسجام القومي لم تشهده من قبل.

واستطاع هنري السابع أن يعيد السلام والهدوء إلى البلاد، وفي مقابل ذلك استطاع تدعيم الملكية بإصدار عدة قوانين أهمها القانون الخاص بتأسيس غرفة النجم Star Chamber عام 1487 وهي بمثابة محكمة ذات سلطات واسعة لمراقبة تصرف النبلاء ومحاكمتهم، وقانون آخر يقضي بتقديم المعارضين لحكومة الملك، وكذلك الذين يؤيدون المطالبين بالعرش إلى المحكمة بتهمة الخيانة، وقانون ثالث لمنع النبلاء من جمع الأتباع طمعا في النفوذ وأخيرا أصدر قانونا يفرض سيطرة الملكية على شئون الصناعة. وهكذا استطاع هنري السابع أن يؤسس ملكية ذات سلطة تكاد تكون مطلقة ولكنها لم تكن تمثل الملكية الاستبدادية التي سادت أوربا في العصور الحديثة.

ولم يهتم هنري بالحروب، وكانت سياسته تتجه إلى التقارب مع أسبانيا عن طريق مصاهرة المالك فيها، ففي سنة 1501 زوج ابنه آرثر بالأميرة كاترين بنت فرديناند ملك أسبانيا، ولم يدم هذا الزواج طويلا، إذ مات آرثر بعد خمسة شهور من زواجه فعمد هنري السابع إلى عقد زواج ثاني أبناء هنري من كاترين زوجة أخيه الراحل وكان ذلك منافيا لقوانين كنيسة روما، ومع ذلك فقد منحه البابا إذنا بذلك، كذلك وطد العلاقة التي تربط بين العرش الإنجليزي وعرش اسكتلنده، وذلك بزواج ابنته مرجريت بجيمس الرابع ملك اسكتلنده (1503)، وكان ذلك الزواج نواة للتفكير في توحيد المملكتين.

هنري الثامن (1509-1547):

اعتلى هنري الثامن العرش بعد وفاة والده عام 1509، ويختلف عهده عن عهد أبيه اختلافا بينا، إذ كان الإنجليز قد سئموا عهد أبيه الراكد الذي لم يمنح إنجلترا قوة دولية تبهر الأنظار، وكان هنري الثامن على استعداد للقيام بأعمال في الخارج يرفع بها اسمه واسم بلاده وكان المحرك لسياسته هو الوزير العظيم تومس ولزاي Wolsey الذي تربى في الكنيسة تربية دينية ووصل بذكائه وكفاءته إلى منصب رئيس أساقفة يورك ثم ارتقى مستشارا دينيا فكردنالا إلى أن وصل إلى رتبة نائب البابا، وبذلك أصبح مسيطرا على الكنيسة الإنجليزية، وعندما أصبح وزيرا لهنري الثامن، كان اليد المحركة لسياسة الملك.

وقد خاضت إنجلترا عدة حروب خارجية ضد فرنسا منذ عام 1513، ثم تجددت في عام 1522، وفي عام 1525 إلى أن تهادنت مع هنري على أن تدفع له إتاوة سنوية. كذلك حاولت اسكتلندة في عهده غزو إنجلترا ولكنها هزمت وقتل ملكها (1513) وهادنتها إنجلترا مشترطة عليها ألا تمد يد المساعدة لفرنسا.

وقد رأينا كيف أدت الحروب التي خاضتها فرنسا لغزو إيطاليا إلى قيام سلسلة من الحروب بين فرنسا وإسبانيا، وإن مبدأ جديدا انبثق في أوربا في ذلك الحين وهو مبدأ المحافظة على التوازن الدولي، وقد أقحم ولزي إنجلترا في النزاع الإيطالي، ولكن بغير نتيجة عادت على البلاد، وقد ناصر هنري الثامن أسبانيا ضد فرنسا في الحلف المقدس عام 1511، وقامت قوات إنجليزية بغزو فرنسا، وحازت بعض الانتصارات على الأرض الفرنسية.

وعندما كانت الحرب دائرة بين فرانسوا الأول وشارل الخامس انحاز هنري الثامن إلى إسبانيا بتأثير من سياسة "ولزي"، ولكن عندما حدث واقعة باقيا (1525) التي انهزم فيها فرانسوا حوّل هنري تحالفه إلى عدوته فرنسا احتفاظا بمبدأ التوازن الدولي، ومع ذلك فلم تستطع إنجلترا تحقيق أي مكاسب من إقحام نفسها على هذه الحروب.

حركة الإصلاح الديني في إنجلترا:

تعتبر حركة إدخال الإصلاح الديني إلى إنجلترا أهم ظاهرة حدثت في عهد الملك هنري الثامن، على أن الإصلاح لم تكن دوافعه عند الملك دينية، بل ابتدأت الحركة في إنجلترا سياسية في أول الأمر ثم انقلبت دينية بعد ذلك، والواقع أن هنري الثامن كان يعارض حركة لوثر منذ نشأتها وكتب رسالة ضمنها آراءه معارضا فيها مذهب لوثر (1521) مما دعا البابا إلى منحه لقب حامي حمى العقيدة Defendre of the Faith وهو لقب كان ملوك الإنجليز جميعا يعتزون بحمله.

وقد ظهرت جماعة من إنجلترا على رأسهم كولث Colet ومور More والمصلح الهولندي أرزمس عكفت على دراسة النسخة اليونانية من الإنجيل (العهد الجديد New testament) من الناحية العلمية، واكتشفوا مثالب ومعايب في الكنيسة، وكان يطلق على هؤلاء لقب "مصلحي اكسفورد The Oxford Reformers" ومع ذلك فلم يكن هؤلاء من مؤيدي لوثر ولا يعطفون على حركته. ولم ينهاضوا الكاثوليكية كعقيدة للكنيسة، ولكنهم كانوا يبرزون المعايب ويطالبون بالإصلاح.

ولم يكن لأي مؤرخ أن يتكهن بالدور الذي ستلعبه إنجلترا في حركة الصراع الديني في أوربا لو لم تضطر الظروف هنري الثامن –لأسباب شخصية محضة- أن يلقي بكل ثقله في حركة تأييد الإصلاح الديني، ولولا تلك الأسباب الشخصية لتغير موقف إنجلترا تجاه الحركة.

طلاق كاثرين الأراجونية:

كان هنري الثامن عاطفيا مغرما بالمرح واللذة الشخصية، وقد ولدت له كاترين عديدا من الأطفال لم يعش منهم سوى الأميرة ماري ولم تنجب ولدا يكون وليا للعهد، وكانت كاترين أكبر منه سنا ولا تشارك زوجها في نوازعه وميوله الشخصية. وفي الوقت نفسه كان متعلقا بحب آن بولين إحدى سيدات البلاط ووصيفة الملكة، فقرر أن يتخلص من الملكة ليتزوج الوصيفة.

وكان الأمر يبدو صعبا، إذ لابد من صدور قرار من البابا يجيز له طلاق كاترين، ولابد من إيجاد سبب يستند إليه البابا في إصدار قرار بعدم شرعية زواج هنري الثامن من كاترين. وكان من عادة البابوات أن يستجيبوا في بعض الأحيان لرغبات الملوك، ولكن في ذلك العام 1527، كما رأسنا كانت القوات الإسبانية قد دخلت روما واحتلتها، وأخذ البابا "كلمنت السابع" أسيرا عند الإمبراطور شارل الخامس وأصبح خاضعا لنفوذه ولا يسعه إغضابه.

وحاول الكردينال ولزي أن يستصدر من روما قرار يلغي قرار البابا الأسبق يوليوس الثاني الذي أتاح زواجهما ولكنه أخفق كما رأينا ولما كان ولزي هو صاحب الرأي في ايتصدار قرار الإلغاء من روما فقد حقد عليه الملك وعزله وصادر أملاكه واتهمه بالخيانة ولكنه مات قبل المحاكمة سنة 1530.

توماس كرمويل:

ولما طالت مراوغة البابا في مسألة طلاق كاترين، تفاقم الخلاف بين هنري الثامن والكنيسة البابوية، واختار الملك رجلا كان يعمل تحت رئاسة الكاردينال ولزي، ولكنه كان أصلب عودا من الكاردينال، ويعتنق مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" وهو توماس كرمويل، الذي أشار على الملك بالانفصام عن كنيسة روما وفصل كنيسة إنجلترا ووضعها تحت سيادة الملك، وذلك بأن يحذو الملك حذو الأمراء الألمان الذي تخلصوا من سلطان البابوية ونبذوا كنيسة روما وأنشأوا كنائس أهلية.

وقد اقتنع هنري بهذا الحل واعتبر نفسه زعيما من زعماء الإصلاح الديني، ولكنه ان في داخلية نفسه يهدف إلى توحيد السيادة على البلاد، إذ كانت تقتسم السيادة قبل ذلك سلطتان: سلطة الكنيسة ممثلة في شخص البابا رئيسها الأعلى، وسلطة الملكية، وبالتخلص من سيادة الكنيسة البابوية يستطيع تحقيق مآربه الثلاث الكبرى. طلاق كاترين والزواج من آن بولين، الاستيلاء على الأموال التي كانت ترسل في الأصل إلى كنيسة روما، وتدعيم سلطانه على الدولة الحديثة بفضل سيطرته وسيادته على جميع رعاياه من علمانيين ودينيين.

وهكذا ظهر الإصلاح الديني في إنجلترا بشكل ديني وسياسي معا، وقد ترك الشعب أمر اختيار المذهب الديني لمليكه وخضع لما يصدره من قوانين دينية، وساعد الملك على تحقيق ذلك أن البرلمان بمجلسه كان خاضعا له يوافق على تشريعاته وظل معتقدا لهذه الغاية ستة أعوام متتالية 1529-1535 دون أن يكون لذلك سابقة([1]). وقد عين الملك "توماس كرمويل" نائبا عنه في الأمور الدينية، فأخذ الأخير يعمل على محو الأديرة من البلاد ومصادرة أراضي الكنيسة.

وهكذا استطاع الملك أن يحقق استقلال الكنيسة الإنجليزية ويكون هو رئيسها الأعلى، واستطاع أن يحقق رغبته في طلاق كاترين والزواج من آن بولين، وأن يملأ خزائنه بالأموال التي كانت تتدفق من إنجلترا على كنيسة روما، وأن يصبح صاحب السلطان الأوحد على رعاياه من دينيين وعلمانيين.                                                    



([1])-وكان البرلمان مستعدا لتأييد الملكية في طريق الإصلاح ما دام الملك يتحاشى التعرض بسوء للعقيدة نفسها.


قائـمة المراجع المعتمدة

1-                             موريس كروزيه، تاريخ الحضارات العام،ط2، منشورات عويدات، بيروت، 1987.

2-         جان بيرنجيه وآخرون، أوروبا منذ بداية القرن الرابع وحتى نهاية الثامن عشر، ط1، منشورات عويدات، بيروت، 1995.

3-         خليل علي مراد وآخرون، دراسات في التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل،1988.

4-         عبد الحميد البطريق وعبد العزيز نوار، التاريخ الأوروبي الحديث من عصر النهضة إلى أواخر القرن الثامن عشر، دار الفكر العربي، القاهرة،1982.

5-                             عبد الحميد البطريق، التيارات السياسية المعاصرة1815-1960،بيروت،1974.

6-         عبد العظيم رمضان، تاريخ أوروبا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوروبية إلى الحرب الباردة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،1997.

7-         جلال يحيى، التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر حتى الحرب العالمية الأولى، الإسكندرية،1983.

8-                             هـ.أ.ل .فشر، تاريخ أوروبا في العصر الحديث(1789-1950)،ط7، القاهرة،1976.

 

   اقرأ ايضا:

التوسع الأوروبي وحركة الكشوف الجغرافية

حركة الاصلاح الديني

النهضة الأوروبية

انتعاش الكنيسة الكاثوليكية حركة الإصلاح المضادة

حرب الثلاثين عاما(1618-1648)

إنجلترا في القرن السادس عشر (عصر أسرة تيودور) 1485-1603

إسبانيا وثورة الأراضي المنخفضة

الثورة الفرنسية

 

 

 

 

تعليقات
تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. El Yucateco Resort & Casino - Mapyro
    El Yucateco Resort 상주 출장안마 & 정읍 출장샵 Casino in El Yucateco, CA is an 8-table casino with 전라남도 출장샵 a full-service 고양 출장안마 spa, golf course, and a casino. The 사천 출장안마 resort's 4,000 ft² gaming

    ردحذف

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة