طرابلس الغرب بين نهاية فترة الحكم علي باشا وطموحات يوسف باشا
طرابلس الغرب بين نهاية فترة الحكم علي باشا وطموحات يوسف باشا
تمهيد
- انهيار حكم الأسرة القرمانلية بطرابلس بین 1793-1795م
أولا: صراع أبناء علي باشا القرمانلي على الحكم
ثانيا: استيلاء علي برغل على طرابلس الغرب
-الشخصية القيادية ليوسف باشا القرمانلي
أولا: المولد والنشأة
ثانيا: شخصيته
ثالثا: انجازاته وإصلاحاته
1- على المستوى الإداري
2- على المستوى الاقتصادي
3- على المستوى الأمني والعمراني
4- على المستوى الفكري
- جهود حمودة باشا في طرابلس
أولا: حملة جرية واستردادها.
ثانيا: حملة طرابلس الغرب واسترجاع عرش القرمانليين بها.
تمهيد
شهدت ولاية طرابلس الغرب في نهاية فترة حكم علي باشا القرمانلي، اضطرابات سياسية أثرت على واقعها الاقتصادي والاجتماعي، بسبب سيطرة الانكشارية على قرارات الباشا من جهة، وصراع أبناءه الثلاثة حسن بك، أحمد ويوسف على العرش من جهة ثانية، ومقتل ابنه البكر وولي العهد حسن بك على يد أخيه يوسف، ومحاصرة هذا الأخير للمدينة، في محاولة منه خلع الباشا وتنصيب نفسه عليها.
إن تردي الأوضاع السياسية والأمنية بالولاية مع نهاية الثمانيات وبداية التسعينيات من القرن 18م، حملت السكان على رفع رسالة إلى الباب العالي يستنجدون فيها بالسلطان العثماني للتدخل لإعادة الأمن والنظام للولاية وتخليصهم من تحیر وبطش القرمانليين، وفي تلك الأثناء ظهر بسواحلها مغامر اسمه علي برغل، ادعى امتلاكه فرمانا سلطانيا ينصبه واليا على المدينة خلفا لعلي باشا القرمانلي، وبعد مقاومة فاشلة من القرمانليين لعلي برغل، غادروا فارين بأنفسهم إلى تونس للاحتماء والاستنجاد يحاكمها حمودة باشا الحسيني
سوف نتطرق في هذا المقال إلى الأوضاع السياسية للإيالة خلال تلك الفترة، والتطرق لأهم الأحداث التي شهدتها المدينة من صراع أبناء علي باشا على الحكم، وفقدانهم لعرشهم لصالح علي برغل، ثم استعادته بمساعدة حمودة باشا، وظروف تولي يوسف باشا للحكم.
- انهيار حكم الأسرة القرمانلية بطرابلس بین 1793-1795م
أولا: صراع أبناء علي باشا القرمانلي على الحكم
إن حسن معاملة حسن بك(1)، ابن علي باشا للرعية، وشجاعته وبسالته في الذود عن بلاده، وبصيرته وحسن تدبيره لشؤون الناس، من جهة وباعتباره وليا للعهد ووريث العرش من جهة ثانية، جعله ينفرد باحترام وحب وود الرعية، مقارنة بأخويه أحمد ويوسف، مما جلب له کره، غل وحقد إخوته له، خاصة يوسف، وكانت القطرة التي أفاضت الكأس هي مرض علي باشا بمرض السل في ديسمبر 1787م، وتحدث الناس عن إمكانية تنازله عن العرش لصالح ابنه البكر حسن بك، ليلقى هذا المقترح معارضة شديدة من أخويه، وأشعل فتيل الحقد والغل في نفسيهما تجاه أخيهما الأكبر، ومن مظاهر ذلك الانشقاق نشوب عدة خلافات وخصومات بينهما(2) منها ما وقع بينهم في مراسيم تقاسم الولاء للباشا بمناسبة الاحتفال بعيد الفطر لسنة 1789م، فقد قدم الثلاثة على انفراد إلى القصر ، وقد شكل كل منهم حامية وألف فرقة خاصة به، و دخلوا على الباشا مسلحين رفقة كبار ضباطهم وعبيدهم، في أسلوب غريب يلفت النظر، فصعدوا إلى الباشا منفردين بأسلحتهم وحرسهم الخاص لتقبيل يده، ولا أحد منهم كلم الآخر أو تنظر إليه، وتحدث كل منهم مع قناصل الدول والحضور بحرية، حتى إن الباشا أوجس في نفسه خيفة منهم على حياته وملکه (3)
وقد حاولت والدتهم التوفيق بينهم في عدة مناسبات سابقة، واستغلت مناسبة قدوم البك إلى حجرتها لتقاسم تهاني العيد لها، لتصر عليه قبول الصلح مع إخوته، ورفضت تقديم يدها للبك ليقبلها إن هو رفض طلبها، فلم يجد البك سبيلا للخلاص إلا الموافقة على طلب أمه، فأرسلت السيدة حلومة في طلب زوجة أحمد الحضور إلى حجرتها، لتقبل يد البك، والبدء في إجراءات الصلح، مع زوجها أحمد، ومن سوء الحظ أن الرسالة الموجهة لزوجة أحمد بك قرأت عليها على مسمع من زوجها، الذي شك في الأمر، وأمرها بالاعتذار من السيدة حلومة، وأنها ليست مستعدة للتوسط بين
______________________
(1)حسن القرمانلي: ابن علي القرمانلي أكبر إخوة يوسف، ولاه أبوه على بنغازي، هادئ الطباع، تميز حكمه بالعدل والسماحة وحسن الاستقبال فكسب حب وود الجميع، وهو ولي العهد ووريث الحكم، من صفاته أنه يجيد فنون القيادة ، مقدام وشجاع حتى أن جل القبائل البدوية خضعت لطاعته، دافعة له الغرب. للتفصيل ينظر، يان فنينا: تكملة تاريخ إيالة طرابلس الغرب حكم علي القرمانلي باشا طرابلس الغرب 1793م تر: عبد الحليم الأرد، تعلیق وتقديم: خالد الأمين المغربي، مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية. طرابلس الغرب، ليبيا، 1980م، ص23.
(2)- رودولفو میکاکي: المرجع السابق، ص ص 110-111.
(3) - الأنسة توليلي: المصدر السابق، ص ص 237-238
الأخوين، وما إن وصل الجواب إلى البك حتى غادر مجلس أمه غاضبا، قاصدا جناحه القصر، ليلاحظ فور قدومه، تعرض أحد خدمه للجلد المبرح من طرف أخيه الصغير يوسف(1).
وفي اليوم الموالي المصادف لليوم الثالث من أيام العيد قصد البك القصر في حضرة الباشا وبوجود أخويه أحمد ويوسف، أين حذرهما من التمادي في إحراجه فطنته، منبها إياهما أنه لا ينوي اتخاذ أي ممارسة جائرة وطائشة في حقهما، ليتقدم بعدها البك بإلقاء التحية على الباشا وهم منسحبا من المجلس(2).
ومنذ ذلك الحين بدا يوسف يتحين الفرصة للقضاء على أخيه الأكبر، والتخطيط لإزاحته من طريقه، بتدبير المكائد والدسائس وتحريض والده والرعية عليه، تمهيدا لاستيلائه على عرش الأسرة القرمانلية، فبدأ بتفكيك روابط الثقة التي كانت تربط الباشا بابنه حسن بك، من خلال ترويجه الإشاعات كاذبة مفادها محاولة أخيهما خلع والده وتنصيب نفسه حاكما لطرابلس، ولم يتوقف الأمر هنا بل تعداه إلى رفضهما المشاركة في حملة التأليب على بعض القبائل المتمردة تحت قيادته سنة 1789م، وقد أدى انتصار البك على القبائل الثائرة بإيعاز من سيف النصر، إلى زيادة حقد أخويه عليه، ولم يجد الباشا وسيلة للتوفيق بينهما سوى التفريق بينهما بإرسال يوسف إلى قصر المنشية، وهناك بدا في إعداد مخططائه للفتك بالبك والقضاء عليه، مستعينا في ذلك ببعض القبائل المتمردة وشيوخها، كخلیل بن عون المحمودي رئيس منطقة يفرن، وبعد أن عقد يوسف العزم على قتل الحسن، توجه إلى المدينة في 20 جويلية 1790م على رأس حاشية من أتباعه، قاصدا القلعة لزيارة والديه(3).
وما إن التقى بأمه حتى أخبرها أنه يود تحقيق الصلح مع الحسن، راجيا إياها التوسط بينهما لتحقيق ذلك، استقبلت السيدة حلومة الخير بغبطة وسرور، متحمسة لتحقيق ذلك على أمل التوفيق بين أبناءها، فأرسلت على الفور رسالة إلى الحسن تدعود للقدوم إلى القصر، فهي في انتظاره رفقة اینها يوسف المجرد من السلاح، مؤكدة له حسن نية أخيه، وأن الصلح يتم برعايتها وتحت تصرفه(4) مشرطة عليه القدوم إلى حجرتها مجردا من سلاحه، ومجرد وصول اخير إلى البك حتى أسرع مهرولا إلى جناح والدته مدججا بأسلحته، إلا أن زوجته عائشة أصرت على خروجه لملاقاة أمه مجردا من
_____________________
(1)- الأنسة توليني: المصدر السابق، ص ص 238-239
(2)-نفسه، ص 240
(3)- رودولفو میکاکي: مرجع سابق، ص ص 112-113.
(4)نفسه، ص 113
أسلحته، لأنها كانت واثقة كل الثقة في عدم وجود أي خطر واضح يهدد حياة زوجها، بما أنه في جناب السيدة الأولى بالقصر، وبالرغم من ذلك ترددت الزوجة في قرارها، وألحت عليه ألا يدخل حجرة السيدة وهو مجردا من جميع أسلحته(1).
وعندما وصل حسن بك إلى الجناح توسلت منه أمه أن يترك السلاح جانبا، وقد تبادل الأخوين أطراف الحديث بحضور أمهما، وقد أعرب يوسف عن حسن نيته، والتي قابلها البك بالحب والعطف على أخيه الصغير، وللتعبير عن حسن نيته طلب يوسف القسم على المصحف لتكتمل فرحة وسعادة أمهما، فرد البك أنه على استعداد لذلك، لينهض يوسف من مكانه ونادى خدمه لإحضار المصحف، فقدم له الخدم مسدسين عوض المصحف لأنها كانت كلمة السر بينهم، أطلق منهما النار فجأة على البك الذي كان يجلس بجوار والدته، وقد رفعت يدها لحمايته ولكنها أصيبت بجروح وحاول البك أن ينهض ويحمل سيفه ليوجه به ضربة إلى يوسف لكن هذا الأخير أفرغ فيه مسدسه الثاني وأصابه في قلبه(2) وقبل أن يلفظ أنفاسه هتف وهو يهوي «آه، يا سيدتي، هل هذه هي أخر هدية قد احتفظت بها لابنك الأكبر !؟ » وقد صاح يوسف بك بعبيده السود قائلا: « هذا هو البك مطروحا على الأرض - أقضوا عليه واخمدوا أنفاسه الأخيرة، وافرغوا في جسمه مسدساتكم » (3) وقام الخدم بجر وسحب البك وهو لا يزال في سكرات الموت، ثم أطلق كل منهم عليه طلقة نارية من سلاحه، ليغادر يوسف القصر هاربا، وفي طريقه التقى بعبد الله بك الكخيا الكبير، الموظف المحترم والموقر، الحبوب من طرف الجميع (4) الذي سأله عن سبب الاضطراب الذي يكتنفه، فما كان من يوسف إلا أمر خدمه بالإجهاز عليه فأرداه قتيلا(5).
خلفت تلك الجريمة سخطا وغضبا داخل القصر وخارجه، وسببت ألما شديدا لوالدة البك وزوجته، إلا أن الباشا لم يقدم على أي إجراء عقابي في حق يوسف، بل بالعكس دعاه للقدوم إلى القصر، لحضور مراسيم تعيين البلك الجديد، بعد أن خرج منه فارا من العقوبة التي قد تطاله(6)
_____________________
(1)- الأنسة توللي: المصدر السابق، ص ص 370-371
(2)- ایتوري روسي:المرجع السابق، ص 367
(3)- الأنسة توللي: المصدر السابق ، ص ص 371-372
(4)- نفسه، ص 373
(5)- شارل فيرو : المصدر السابق، ص347، هنا نجد أن شارل فيرو يختلف عن الأنسة توللي في وصف الحادثة حيث ذكرت هاته الأخيرة أن يوسف هو من طعن الكخيا الكبير بخنجر في قلبه، فأرداه قتيلا. ينظر: الأنسة توللي، المصدر السابق، ص373.
(6)- نفسه، ص ص 374-375
إن حسن معاملة حسن بك(1)، ابن علي باشا للرعية، وشجاعته وبسالته في الذود عن بلاده، وبصيرته وحسن تدبيره لشؤون الناس، من جهة وباعتباره وليا للعهد ووريث العرش من جهة ثانية، جعله ينفرد باحترام وحب وود الرعية، مقارنة بأخويه أحمد ويوسف، مما جلب له کره، غل وحقد إخوته له، خاصة يوسف، وكانت القطرة التي أفاضت الكأس هي مرض علي باشا بمرض السل في ديسمبر 1787م، وتحدث الناس عن إمكانية تنازله عن العرش لصالح ابنه البكر حسن بك، ليلقى هذا المقترح معارضة شديدة من أخويه، وأشعل فتيل الحقد والغل في نفسيهما تجاه أخيهما الأكبر، ومن مظاهر ذلك الانشقاق نشوب عدة خلافات وخصومات بينهما(2) منها ما وقع بينهم في مراسيم تقاسم الولاء للباشا بمناسبة الاحتفال بعيد الفطر لسنة 1789م، فقد قدم الثلاثة على انفراد إلى القصر ، وقد شكل كل منهم حامية وألف فرقة خاصة به، و دخلوا على الباشا مسلحين رفقة كبار ضباطهم وعبيدهم، في أسلوب غريب يلفت النظر، فصعدوا إلى الباشا منفردين بأسلحتهم وحرسهم الخاص لتقبيل يده، ولا أحد منهم كلم الآخر أو تنظر إليه، وتحدث كل منهم مع قناصل الدول والحضور بحرية، حتى إن الباشا أوجس في نفسه خيفة منهم على حياته وملکه (3)
وقد حاولت والدتهم التوفيق بينهم في عدة مناسبات سابقة، واستغلت مناسبة قدوم البك إلى حجرتها لتقاسم تهاني العيد لها، لتصر عليه قبول الصلح مع إخوته، ورفضت تقديم يدها للبك ليقبلها إن هو رفض طلبها، فلم يجد البك سبيلا للخلاص إلا الموافقة على طلب أمه، فأرسلت السيدة حلومة في طلب زوجة أحمد الحضور إلى حجرتها، لتقبل يد البك، والبدء في إجراءات الصلح، مع زوجها أحمد، ومن سوء الحظ أن الرسالة الموجهة لزوجة أحمد بك قرأت عليها على مسمع من زوجها، الذي شك في الأمر، وأمرها بالاعتذار من السيدة حلومة، وأنها ليست مستعدة للتوسط بين
______________________
(1)حسن القرمانلي: ابن علي القرمانلي أكبر إخوة يوسف، ولاه أبوه على بنغازي، هادئ الطباع، تميز حكمه بالعدل والسماحة وحسن الاستقبال فكسب حب وود الجميع، وهو ولي العهد ووريث الحكم، من صفاته أنه يجيد فنون القيادة ، مقدام وشجاع حتى أن جل القبائل البدوية خضعت لطاعته، دافعة له الغرب. للتفصيل ينظر، يان فنينا: تكملة تاريخ إيالة طرابلس الغرب حكم علي القرمانلي باشا طرابلس الغرب 1793م تر: عبد الحليم الأرد، تعلیق وتقديم: خالد الأمين المغربي، مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية. طرابلس الغرب، ليبيا، 1980م، ص23.
(2)- رودولفو میکاکي: المرجع السابق، ص ص 110-111.
(3) - الأنسة توليلي: المصدر السابق، ص ص 237-238
الأخوين، وما إن وصل الجواب إلى البك حتى غادر مجلس أمه غاضبا، قاصدا جناحه القصر، ليلاحظ فور قدومه، تعرض أحد خدمه للجلد المبرح من طرف أخيه الصغير يوسف(1).
وفي اليوم الموالي المصادف لليوم الثالث من أيام العيد قصد البك القصر في حضرة الباشا وبوجود أخويه أحمد ويوسف، أين حذرهما من التمادي في إحراجه فطنته، منبها إياهما أنه لا ينوي اتخاذ أي ممارسة جائرة وطائشة في حقهما، ليتقدم بعدها البك بإلقاء التحية على الباشا وهم منسحبا من المجلس(2).
ومنذ ذلك الحين بدا يوسف يتحين الفرصة للقضاء على أخيه الأكبر، والتخطيط لإزاحته من طريقه، بتدبير المكائد والدسائس وتحريض والده والرعية عليه، تمهيدا لاستيلائه على عرش الأسرة القرمانلية، فبدأ بتفكيك روابط الثقة التي كانت تربط الباشا بابنه حسن بك، من خلال ترويجه الإشاعات كاذبة مفادها محاولة أخيهما خلع والده وتنصيب نفسه حاكما لطرابلس، ولم يتوقف الأمر هنا بل تعداه إلى رفضهما المشاركة في حملة التأليب على بعض القبائل المتمردة تحت قيادته سنة 1789م، وقد أدى انتصار البك على القبائل الثائرة بإيعاز من سيف النصر، إلى زيادة حقد أخويه عليه، ولم يجد الباشا وسيلة للتوفيق بينهما سوى التفريق بينهما بإرسال يوسف إلى قصر المنشية، وهناك بدا في إعداد مخططائه للفتك بالبك والقضاء عليه، مستعينا في ذلك ببعض القبائل المتمردة وشيوخها، كخلیل بن عون المحمودي رئيس منطقة يفرن، وبعد أن عقد يوسف العزم على قتل الحسن، توجه إلى المدينة في 20 جويلية 1790م على رأس حاشية من أتباعه، قاصدا القلعة لزيارة والديه(3).
وما إن التقى بأمه حتى أخبرها أنه يود تحقيق الصلح مع الحسن، راجيا إياها التوسط بينهما لتحقيق ذلك، استقبلت السيدة حلومة الخير بغبطة وسرور، متحمسة لتحقيق ذلك على أمل التوفيق بين أبناءها، فأرسلت على الفور رسالة إلى الحسن تدعود للقدوم إلى القصر، فهي في انتظاره رفقة اینها يوسف المجرد من السلاح، مؤكدة له حسن نية أخيه، وأن الصلح يتم برعايتها وتحت تصرفه(4) مشرطة عليه القدوم إلى حجرتها مجردا من سلاحه، ومجرد وصول اخير إلى البك حتى أسرع مهرولا إلى جناح والدته مدججا بأسلحته، إلا أن زوجته عائشة أصرت على خروجه لملاقاة أمه مجردا من
_____________________
(1)- الأنسة توليني: المصدر السابق، ص ص 238-239
(2)-نفسه، ص 240
(3)- رودولفو میکاکي: مرجع سابق، ص ص 112-113.
(4)نفسه، ص 113
أسلحته، لأنها كانت واثقة كل الثقة في عدم وجود أي خطر واضح يهدد حياة زوجها، بما أنه في جناب السيدة الأولى بالقصر، وبالرغم من ذلك ترددت الزوجة في قرارها، وألحت عليه ألا يدخل حجرة السيدة وهو مجردا من جميع أسلحته(1).
وعندما وصل حسن بك إلى الجناح توسلت منه أمه أن يترك السلاح جانبا، وقد تبادل الأخوين أطراف الحديث بحضور أمهما، وقد أعرب يوسف عن حسن نيته، والتي قابلها البك بالحب والعطف على أخيه الصغير، وللتعبير عن حسن نيته طلب يوسف القسم على المصحف لتكتمل فرحة وسعادة أمهما، فرد البك أنه على استعداد لذلك، لينهض يوسف من مكانه ونادى خدمه لإحضار المصحف، فقدم له الخدم مسدسين عوض المصحف لأنها كانت كلمة السر بينهم، أطلق منهما النار فجأة على البك الذي كان يجلس بجوار والدته، وقد رفعت يدها لحمايته ولكنها أصيبت بجروح وحاول البك أن ينهض ويحمل سيفه ليوجه به ضربة إلى يوسف لكن هذا الأخير أفرغ فيه مسدسه الثاني وأصابه في قلبه(2) وقبل أن يلفظ أنفاسه هتف وهو يهوي «آه، يا سيدتي، هل هذه هي أخر هدية قد احتفظت بها لابنك الأكبر !؟ » وقد صاح يوسف بك بعبيده السود قائلا: « هذا هو البك مطروحا على الأرض - أقضوا عليه واخمدوا أنفاسه الأخيرة، وافرغوا في جسمه مسدساتكم » (3) وقام الخدم بجر وسحب البك وهو لا يزال في سكرات الموت، ثم أطلق كل منهم عليه طلقة نارية من سلاحه، ليغادر يوسف القصر هاربا، وفي طريقه التقى بعبد الله بك الكخيا الكبير، الموظف المحترم والموقر، الحبوب من طرف الجميع (4) الذي سأله عن سبب الاضطراب الذي يكتنفه، فما كان من يوسف إلا أمر خدمه بالإجهاز عليه فأرداه قتيلا(5).
خلفت تلك الجريمة سخطا وغضبا داخل القصر وخارجه، وسببت ألما شديدا لوالدة البك وزوجته، إلا أن الباشا لم يقدم على أي إجراء عقابي في حق يوسف، بل بالعكس دعاه للقدوم إلى القصر، لحضور مراسيم تعيين البلك الجديد، بعد أن خرج منه فارا من العقوبة التي قد تطاله(6)
_____________________
(1)- الأنسة توللي: المصدر السابق، ص ص 370-371
(2)- ایتوري روسي:المرجع السابق، ص 367
(3)- الأنسة توللي: المصدر السابق ، ص ص 371-372
(4)- نفسه، ص 373
(5)- شارل فيرو : المصدر السابق، ص347، هنا نجد أن شارل فيرو يختلف عن الأنسة توللي في وصف الحادثة حيث ذكرت هاته الأخيرة أن يوسف هو من طعن الكخيا الكبير بخنجر في قلبه، فأرداه قتيلا. ينظر: الأنسة توللي، المصدر السابق، ص373.
(6)- نفسه، ص ص 374-375
بعد تلك الحادثة واصل يوسف طوقه الملتوية للوصول إلى الحكم، فبالرغم من إقرار الباشا، بتعيين أحمد سيف النصر في منصب الملك، إلا أن حب يوسف للسلطة والزعامة، جعله يتبع أساليب الخداع، لتحقيق مبتغاه، ففي سنة 1790م انطلق الأخوان إلي مصراته على رأس حامية بالرغم من رفض البك الذهاب، غير أن الباشا قرر خروج الحامية تحت قيادتهما معا، وكان سيف النصر شیخ منطقة سرت، قد هدد بالوقوف إلى جانب المصراتيين إذا قدم يوسف إلى المنطقة وأنه سوف يقف إلى جانب مصطفى أحد باشوات مصر، لتحقيق مطالبه(1).
فخرج الاثنان على رأس الحامية العسكرية إلى مصراته لتأديب بعض القبائل العربية المتمردة بها، بالرغم من رفض سكانها قدوم يوسف، مصرين على أن قدوم البك لوحده يجعلهم خضعون لسلطته محض إرادتهم، إلا أنه في حالة قدوم يوسف فإنهم مستعدون لتدبر أمورهم لوحدهم، إلا أن يوسف أصر أن يقود الحملة بنفسها(2).
وبعد تعيينه على مصراته وسعيا منه للاستئثار بالحكم لنفسه، بعد فشل خطته الرامية للقضاء على البك، عمل يوسف على تأليب البك على الباشا، وإقناعه بعزله، وتولي العرش مكانه، إلا أن رفض البك المقترحه جعله يخاصمه ويغادر إلى أحد قصوره بالمنشية، وهناك شرع بطوف على شيوخ البدو طلبا منهم مساعدته في اغتصاب العرش مقابل منحهم أموال ومزايا كثيرة، وبدأ في جمع الرحال والأسلحة لتحقيق ذلك، وقام بتحريض القبائل العربية للخروج عن طاعة والده والتمرد عليه، كما قام سنة 1791م بمحاصرة طرابلس محاولا الاستعلاء عليها بالقوة بشته لعدة غارات على أسوارها، بعد اتحاده مع الشيخ الفطيسي، وبعض القبائل العربية على غرار عرب ترهونة وغريان وظل كذلك حتى النصف الأول من سنة 1793م، في مواجهة الباشا والبك، ومن معهما من عرب المحاميد، وأولاد سليمان والنوائل(5).
إن طول مدة حصار مدينة طرابلس من قبل يوسف القرمانلي لما يزيد عن 50 يوم، حتى طلب الباشا النجدة من باي تونس، وأعلن عن مكافئة لمن يأتيه برأس ابنه يوسف، باعتباره ثائرا ومتمردا
______________________
(1)- شارل فيرو: المصدر السابق، ص 349
(2)- الأنسة توللي: المصدر الساق، ص 337
(3)- رودولفو میکاکي: المرجع السابق، ص118
(4)- نفسه، ص 118
(5)- إيتوري روسي: المرجع السابق ، ص 367.
على سلطته(1) ومع طول مدة الحصار جعل السكان يعيشون في ضيق وخوف شديدين، خاصة بعد أن انضم أهل مسلاته إلى جانب يوسف، وأخذوا في تقوية جيوشه(2).
وعلى الرغم من وصول صهر الباشا محمد(3) من ينغازي، ومعه الإمدادات والمؤن، إلا أن ذلك لم يمنع أهالي المدينة من إرسال عريضة إلى السلطان العثماني يطلبون منه التدخل العاجل لإقرار النظام، وإعادة الأمن والأمان للبلاد(4).
ثانيا: استيلاء علي برغل(5) على طرابلس الغرب
بينما كانت الأسرة القرمانلية تنهار وتتفكك بفعل خلافاتها الداخلية، كان علي برغل وكيلا للحرج بالجزائر المختص بالشؤون البحرية قد طرد منها في فيفري 1743م بسبب ميله إلى حياة الترف وجمع الأموال على حساب مصالح الرعية، لينتقل إلى الأستانة (6) والمكوث عند أخيه نائب أميرال البحرية العثمانية، في زمن السلطان سليم الثالث(7) الذي ومنذ اعتلاءه عرش الإمبراطورية العثمانية وهو يعمل على النهوض بها من كبوتها، واسترجاع وصايته الفعلية والمباشرة على الولايات
____________________
(1)- اتوري روسي: المرجع السابق، ص117
(2)- رودولفو میکاکي: المرجع السابق، ص 119.
(3)- سيدي محمد: هو صهر الباشا بمعنى زوج ابنته، وكان في خلاف مع سليمان البوني، للتفصيل ينظر، يان فنينا: المرجع السابق، ص 30
(4)- عزیز سامح ألتر: المرجع السابق، ص 154
(5)-علي أفندي: وهو انكشاري من بلاد جورجيا، أقام في الجزائر، حيث عمل بحارا مغامر، وتدرج في الرتب حتى وصل إلى منصب رئيس البحرية، وبعد أن فقد منصبه لجأ إلى القسطنطينية، أين أقام عند أخيه نائب أميرال الأسطول العثماني، والذي شجعه على تنظيم حملة على طرابلس الغرب، وإعادة إقرار النظام بها، ليتعهد بتنظيم الحملة على نفقته الخاصة، كما وعد بدفع الجزية السنوية بانتظام، فور استلامه مقاليد الحكم. للتفصيل ينشر، رودولفو میکاکي، المرجع السابق، ص120، وينظر أيضا محمود علي عامر ومحمد خير فارس، المرجع السابق، ص 219، أما البرغل فهي كلمة تركية تعني القمح المسلوق، وأطلق عليه هذا اللقب لأنه كان يطعم جنوده البرغل عوض القمح. ينظر، رودولفو میکاکي، للمرجع نفسه، ص 122. وقد اختلف المؤرخون في كنيته فالأنسة توللي تسميه علي بن زوول. ينظر الأنسة تونللي، المصدر السابق، ص 510، في حين أن أحمد النائب سميه علي باشا برغل الجزيري. ينظر، أحمد بك الأنصاري، المصدر السابق، ص300.
(6)- إيتوري روسي: المرجع السابق ، ص ص 367-368
(7)- سليم الثالث: ابن السلطان مصطفى الثالث للمولود سنة 1762م عمل منذ توليه السلطة على تقوية الجيوش وارسال المؤن والذخائر، في عهده استول الروس بمساعدة القوات النمساوية، على مدينة بندر، واحتلوا معظم بلاد الفلاخ والبغدان وبسارابيا كما دخل النمساويون مدينة بلغراد. التفصيل ينظر، محمد فريد بك الحامي: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تح: إحسان حقي، دار النفائس، ط1، بیروت، لبنان، 1981م، ص 363
التابعة للباب العالي(1) فجاءته الفرصة مواتية بوصول رسالة من أعيان طرابلس تطالبه التدخل العاجل في الولاية لإعادة النظام والأمن ورقع التظلم الذي يتعرضون له من قبل الحكام القرمانليين (2).
ومجرد وصول هذا الخير إلى مسامع علي برغل حتى تحمس لتنظيم حملة على طرابلس الغرب، بتشجيع من أخيه نائب أميرال البحرية العثمانية، وتعهد بإعداد الحملة من ماله الخاص، وأنه يتعهد كذلك بدفع الجزية السنوية للباب العالي فور استلامه للحكم بالولاية (3) فقام أخوه بشرح الأوضاع المضطرية والمتدهورة التي تعيشها طرابلس للسلطان، وأن الحملة لن تكلف الباب العالي لا مالا ولا جندا (4) نظرا لاطلاعه على أوضاع البلاط القرمانلي، وحالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تعيشها طرابلس، من خلال شخصه المدعو کمارتي، الذي كان يسرب له المعلومات اللازمة (5) ليتمكن علي برغل من الحصول على فرمان توليته على طرابلس(6) وبدأ بالتجهيز للحملة بجمعه للمغامرين والمرتزقة ، وسار بأسطوله المقدر ب تسعة 09 سفن(7) باتجاه سواحل طرابلس الغرب، وظهر قبالتها أمسية 29جويلية 1792م، على حين غفلة من أهلها، المنهمكين في إيجاد الحلول للخروج من حالة الحصار المفروضة عليهم من يوسف القرمانلي، مخيرا أهلها بأن بيده فرمانا سلطانيا يقر بولايته عليها، وأن المدد العثماني في طريقه إليه(8).
ليتملك الخوف والقلق جميع سكان المدينة، وتضطرب أحوال الناس(9) ووجه علي برغل خطابا إلى علي باشا القرمانلي يلزمه فيه بتنفيذ محتوی فرمان السلطان العثماني، الذي يلزمه ترك منصبه له، وبالرغم من کبر سن علي باشا ومرضه، إلا أنه أبدى نوعا من المقاومة وأمر قواته بإطلاق النار على المرتزقة (10) إلا أنذلك لم يجدي نظرا لتطويق جنود علي برغل للمدينة وتحكمهم في أبواب الميناء،
_______________________
(1)-نيكولاي ايليتش بروشين: المرجع السابق، ص ص 140-141.
(2)- رودولفو میکاکي: المرجع السابق، ص 120
(3)-نفسه، ص 120.
(4)- رشدي راسم، المرجع السابق، ص97
(5)-نيكولاي ايليتش بروشين: المرجع نفسه، ص ص 140-141.
(6)- إيتوري روسي، المرجع السابق، ص 368.
(7)- عزز سامع ألتر: المرجع السابق، ص 154. في حين يذكر يان فنينا أن علي برغل كان على رأس سبعة 07 سفن منها خمسة 05 تحمل العلم التركي، ينظر یان فنينا: المرجع السابق، ص 34. أما شارل فيرو فيذكر أن عددها كانت ستة سفن 06 في البداية ثم أصبحت ثمانية 08 سفن بعد استيلائه على سفينتين بالقرب من صقلية، ينظر شارل فيرو، المصدر السابق، می 354.
(8)- أحمد النائب الأنصاري، المصدر سابق، ص 301
(9)- الأنسة توللي، المصدر السابق، ص510
(10)-إيتوري روسي، لمرجع نفسه، ص 359.
ليعجل الباشا برسالة إلى ابنه يوسف يطلب منه أصطحاب قواته إلى داخل المدينة ليشكلوا قوة تستطيع بمحاكمة الغزاة وطردهم(1) وفتحت الأبواب ليوسف وجيشه، وعقد مجلس للمفاوضة، الذي أقر بضرورة تمكين البلاد لعلي برغل، وتطبيق محتوى الفرمان السلطاني ، وعدم الخروج عن طاعته(2).
قرر الباشا تسليم المدينة لعلي برغل، والفرار للنجاة بنفسه وبأهله، فخرج منها قاصدا باي تونس حموده باشا(3)، لعله يساعده في استعادة ملکه، باعتباره على خلاف مع شقيق برغل داي الجزائر، وكان مرفوقا بابنه البك أحمد وبأهله وكبار معاونيه، باستثناء زوجته حلومة، التي تعذر عليها الخروج لمرضها، وبقيت بأحد المنازل بطرابلس، وقلبها يقطر ألما وهي ترى أسرتها مشتتة وممزقة»، إلى أن وافتها المنية سنة 1993م(5) وقبل مغادرته لطرابلس اجتمع البك مع أخيه المتمرد، وأجمعا على ترك خلافاتهما جانبا، والسعي للعمل المشترك لاستعادة مجد الأسرة والقضاء على مغتصب العرش (6).
لم يجد علي بن زوول - برغل - وجنوده البالغ عددهم أربع مائة 400 جندي أي صعوبة في الاستيلاء على طرابلس، بعد فرار علي الباشا ومن معه إلى تونس، واضطر بعد ذلك أهل طرابلس إلى قبول علي برغل واليا لأهم لا يريدون الخروج عن طاعة السلطان (7)
ابتهج الناس بقدومه بعد أن التمسوا فيه مخلصهم من الفوضى والاضطرابات التي خلفها تنافس أبناء علي باشا على الحكم، وبمجرد دخوله القلعة حتى صرح للمجتمعين أنه سوف يعمل على الرقي بدولته لتضاهي دولة الجزائر من حيث الأهمية، وشرع في إصلاح الحصون، والقلاع، وتعهد يقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأوربية الضعيفة حتى يجبرها على دفع الجزية كما تفعل مع الجزائر ليتملك الخوف والفزع، الأجانب المقيمين بالبلد، وخوفهم من تعرضهم للتعنيف والتقتيل
_____________________
(1)- الأنسة توللي: المصدر السابق، ص 512.
(2)- أحمد بك الأنصاري، المصدر السابق، ص 301
(3)- حمودة باشا ذكره میکاکي باسم محمود باشا. للتفصيل ينظر: رودولفو ميکاکي: المرجع السابق، ص 127
(4)- الأنسة توللي، المصدر نفسه، ص 514. هنا نجد اتخلاف في الروايات، فأبي الضياف، أورد أن علي باشا القرمانلي خرج من طرابلس فارا بنفسه وأنا ابيه أحمد بك ويوسف بقيا بالمنشية يحاربان على برغل، ولم يلتحقا بأبيهما إلا بعد أن ضعفت شوكتهما وإدراكهما استحالة الوقوف في وجه علي برغل - للتفصيل ينظر، أحمد بن أبي الضياف: إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، تح: لجنة من وزارة الشؤون الثقافية، الدار العربي للكتاب، تونس، 1999م، المجلد 2، ج 3، ص 22
(5)- إيتوري روسي، المرجع السابق، ص ص 368-369 و بيان قيناء المرجع السابق، ص36
(6)- إيتوري روسي، المصدر نفسه، ص 369
(7)- النائب الأنصاري، المصدر نفسه، ص 302
(8)- رودولفو میکاکي، المرجع السابق، ص 122.
والطرد من البلاد مع مصادرة أملاكهم، خاصة اليهود منهم نظرا للعداء والكره الشديد الذي يكنه لهم الأتراك، أما بالمنشية فإن كل شيء بما هادئ، ولا يرى بها بعض الأعداد من جنود يوسف القرمانلي، الذي تضاربت الآراء بين ذهابه مع والده إلى تونس وبين بقاءه يجمع الأعراب من المناطق المحاورة لشن هجوم على علي برغل لاسترجاع عرش الأسرة القرمانلية ليغادر بعدها إلى تونس ملتحقا بأبيه وأخيه بعد تأكده من استحالة استرجاع عرش طرابلس (1).
وبمجرد أن استب الحكم لعلي برغل بطرابلس حتى أباح المدينة لعساکره فنهبوا أموال وأعراض الناس، وأرهقوهم بضرائب إضافية، وعرفت البلاد ركودا اقتصاديا وعجزا تجاريا، أدى إلى ضعف المستوى المعيشي، وظهرت الأمراض والأوبئة، وقد أنجر عن هذا اضطرابات عدة بعد أن عجز عن دفع مرتبات جنوده المرتزقة(2) ولم يكتفي بذلك فجشعه أعمى بصيرته، وجعله يدخل في حرب مع باي تونس حمودة باشا، بعدما قام بالاستيلاء على سفن تونسية كانت تحمل الذخيرة، بعد أن منعها عنه باي تونس، وقام بضم جزيرة حرية التونسية، فاستغل القرمانليون ذلك، وأقنعوا حمودة باشا بضرورة استرجاعها باعتبارها امتدادا للأراضي التونسية، وهكذا أوقعوا بين علي برغل وحمودة باشا حرب، استغلها القرمانليون في استعادة حكمهم على طرابلس الغرب بعد أن حكمها على برغل لمدة سنة وخمسة أشهر وتم تعيين أحمد بك واليا عليها(3).
_______________________
(1)- الأنسة توللي: المصدر السابق، ص ص 515-516.
(2)- أحمد الطاهر الزاوي: ولاة طرابلس من بداية الفتح العربي إلى نهاية العهد التركي، المرجع السابق، ص 227
(3)- نيكولاي ابليتش بروشين : المرجع السابق، ص 146
-الشخصية القيادية ليوسف باشا القرمانلي
أولا: المولد والنشأة:
هو يوسف بن علي بن محمد بن أحمد القرمانلي(1) أصغر أولاد علي باشا(2) وأمه تسمی حلومة، من مواليد الخامس عشر من أوت 1766م بمدينة طرابلس(3) تولى أمر طرابلس الغرب سنة 1211ه الموافق ل 1796م(4) لديه ثلاث أخوات وأخوان أكبر منه، وهما حسن بك الشاب القوي الشخصية المحترم والموقر من عامة الناس أكثر من والده، وهو بك بنغازي ووريث العرش، أما الأخ الثاني فهو أحمد الذي عينه والده حاكما بمنطقة زوارة وهو شخص هادئ رزين الطباع مسام، أمضى طفولته في القصر مع عائلته وإخوته، كان كثير الدلال والحظوة من قبل والديه باعتباره أصغر إخوته، تتلمذ ودرس العلوم العربية والدينية بالقصر على يد الكخيا(5) الكبير ، وتعلم اللغة الايطالية من خلال احتكاكه بالأجانب، ورغم صغر سنه إلا أنه كان مهووسا بالسلطة والحكم، لذلك كان يكن الكره لأخيه الأكبر حسن بك، ويتحين الفرص لينال منه، فحاول والدهما التوفيق بينهما في العديد من المرات بدون جدوى، ومع احتدام الصراع بينهما، اضطر علي باشا لتفريقهما فأرسل يوسف إلى قصر المنشية (6) ليكون بعيدا عن أخيه(7).
إلا أن ذلك لم يمنعه من الفتك بأخيه سنة 1790م وقتله بعد أن دبر له مكيدة، ليزيح بذلك أول عقبة تحول بينه وبين الوصول إلى العرش، ولما بلغ أشده عينه أبوه على منطقة جنزور(8).
_______________________
(1)- ابن غليون: المصدر السابق، ص 316.
(2) نيكولاي ابلیش بروشون: المرجع السابق، ص 133. وينظر كذلك عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص50.
(3) محمد عبد علوان: دور يوسف باشا القرماني السياسي في طرابلس الغرب 1795-1832م، ماجيستير في التاريخ الحديث، إشراف: كفاح أحمد محمد الحار، كلية الآداب، جامعة بغداد، العراق ، 2017م ص 35
(4) ابن غلبون: المصدر نفسه، ص 316
(5) الكيحيا أو الكاهية: مصطلح إداري تركي مشتق من الفارسية، وتعني الصاحب أو رب، والقائم على المزرعة أو القرية أو القصر، أما خلال القوة العثمانية فغالبا يعني نائب الباشا، التفصيل ينظر الأنسة توللي: عشرة أعوام في طرابلس 1783-1793م، تر: عبد الجليل الطاهر، دار ليبيا للنشر والتوزيع، بنغازي، ليبيا، 1967م، ص 115. وينظر أيضا محمد أحمد دهمان، معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي، دار الفكر المعاصر، ط1، بيروت، لبنان، ودار الفکر، دمشق، سوريا، ، 1990م، ص 129.
(6)المنشية: منطقة ساحلية تقع شرق مدينة طرابلس، ينظر: أمحمد سعيد الطويل: البحرية الليبية الطرابلسية في عهد يوسف باشا القرمانلي 1795-1832م، منشورات المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، ط2، طرابلس، ليبيا، 2012م ، ص130
(7)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص ص 46-47
(8)- شارل فيرو، المرجع السابق، ص ص 342-344.
كان ليوسف القرمانلي ثلاث زوجات، الأولى بيضاء البشرة وتعرف بالسيدة الكبيرة، أنجب منها خمسة أولاد، ثلاثة ذكورهم محمد بك ، أحمد بك وعلي بك، وبنتان هن خدوجة وهي زوجة سليم الخزندار، وفاطمة زوجة مصطفی قورجي أمير البحرية الطرابلسية، في عهد يوسف باشا، واثنتان سوداوتان رزق منهما بثلاث ذكور و بنات(1).
تولى أمر طرابلس بأساليبه المعتادة من مكر وخداع، فبعد تخلصه من عقبة أخيه البكر حسن بك، بقتله سنة 1790م، حاول التمرد والانقلاب على والده علي باشا، فقام بمحاصرة المدينة ولولا تدخل السلطان العثماني بتعيين والي جديد على طرابلس وعزل علي باشا لتمكن من الاستئثار بالحكم لنفسه، وبعد استعادة عرش القرمانلبين بطرابلس، واصل سعيه للوصول إلى الحكم، حتى تمكن من عزل أخيه أحمد باشا الثاني بعد تأليب الأهالي عليه، ونصب نفسه واليا على طرابلس سنة 1796م(2) وما لبث أن جاءه التقليد من السلطان العثماني سليم الثالث بفرمان رسمي في نفس السنة لتبدأ فصول جديدة من تاريخ طرابلس الغرب في ظل حكم يوسف باشا، اهتم منذ توليه عرش طرابلس بإعادة فرض النظام في ربوع الولاية، وعمل على إصلاح وتقوية الأسطول البحري، حتى أصبحت البحرية الطرابلسية في عهده مهابة بين الأساطيل الأوربية، ولها كلمتها بالبحر المتوسط (3).
وعندما تقدم به العمر في غاية عهده، انصرف عن أمور الرعية واتبع الشهوات، ومال إلى السكر والمجون، حتى أنه أقدم على بيع قطع من الأسطول البحري، وحول بعض مدافعه النحاسية إلى فلوس (4) تاركا أبناءه وأصهاره يتصرفون في أمور الإيالة، حتى أنه أقدم على تقسيم أقاليم البلاد على أبناءه، فعهد غريان لعلي بك، ومصراتة لمصطفى بك، والخمس لعثمان بك، ومنح أورفلة لعمر بك، و بزلتين الإبراهيم بك، كما أسند درنة لمملوكه مصطفى(5).
ثانيا: شخصيته:
ذهب معظم المؤرخين إلى القول أن شخصية يوسف باشا مميزة، فهو شخص متسلط، محب للثروة، وأنه خليط بين الوحشية والكرم، ومزيج بين الفضائل والرذائل، اجتماعي وذكي، وأب عطوف
______________________
(1) إيتوري روسي: المرجع السابق، ص ص 385-386.
(2) رأفت الشيخ: المرجع السابق، ص 311. وينظر كذلك أحمد الطاهر الزاوي: ولاة طرابلس من بداية الفتح العربي إلى نهاية العهد المركي، المرجع السابق، ص 231
(3) نفسه، ص 231
(4) أحمد النائب الأنصاري، المصدر الساق، ص 332 وينظر كذلك أحمد الطاهر الزاوي، ولاة طرابلس من بداية الفتح العربي إلى نهاية العهد التركي، المرجع نفسه، ص 232
(5) رأفت الشيخ، المرجع السابق، ص 404. وينظر كذلك أحمد النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص 332.
وحنون، وصديق مخلص(1) مقدام، لا يعتريه الندم أبدا فيما يقدم عليه، قراراته سريعة لا رحمة فيها، وسیم، جميل، متهور، يجيد فن التظاهر، ويميل إلى استعمال الخديعة والحيلة للوصول إلى أهدافه وغاياته، حتى أنه كان يشكر في زي امرأة داخل القصر للوقوف على ما يجري وراء به(2).
عرف عليه حسن التخطيط والتدبير لمستقبله، عرف عليه في بداية حياته بأنه لا يشرب الخمر ولا يدخن، تمرس وتعلم من مدرسة الحياة وصعوباتها، وتخرج منها مجيدا لفن القيادة والحكم، اللذين وظفهما في استعطاف الرعية، والولوج إلى قلويكم(3).
اختفت الصفات القبيحة التي طغت على شخصية يوسف القرمانلي في شبابه، نهائيا فور اعتلاءه عرش الأسرة القرمانلية، فغابت عنه القسوة والتسرع، حتى أن حكمه امتاز بصرامة عادلة وكياسة لم يعهد بها من قبل، حكم البلاد عادل، متحررا ومسالما، حتى غدت طرابلس في عهده متميزة ومنفردة بأعمال التمدن والأفكار التحررية(4).
وقد وصفه بعض المؤرخين الأجانب بأنه ليس بالرجل القاسي، لكنه شخص عنيد ومترفع ومتكبر، لا يحترم القناصل ولا الدول الإيطالية والأوروبية، وأن التجارب والمحن التي مر بها في حياته، أدت إلى طغيانه الجامح وخلو فكره من الثقافة(5). وقد وظف يوسف باشا شخصيته وصفاته في المحافظة على ولاء الرعية ورضاهم عنه، حافظ یوسف باشا في سن الأربعين على حسن المظهر، وكان لا يخلو من الذكاء وحضور البديهة يتحدث الإيطالية ببراعة، يحتفظ بالوقار والحشمة دون أن يهمل المعاملة والكياسة، ولقد انقضت عشر سنوات ونصف وكل الرعية راضية عنه(6)
_____________________
(1)- رأفت الشيخ، المرجع السابق، ص 373.
(2)الأنسة توللي المصدر السابق، ص 267.
(3)ايتوري روسي، المرجع السابق، ص 372.
(4)- رودولفو میکاکي، المصدر السابق، ص 131.
(5)ايتوري روسی، مرجع نفسه، ص 373
(6)-رودولفو میکاکي، المرجع السابق، ص 132.
ثالثا: انجازاته وإصلاحاته
1- على المستوى الإداري
تمكن يوسف باشا من فرض إرادته على بلاده، من خلال تنظيم الأمور الإدارية بها، بما يضمن السير الحسن لمؤسسات دولته،
تعد وظيفة الحاكم أو الوالي أو الباشا أهم الوظائف الإدارية بالإيالة وأعلاها رتبة، وقراراته غير قابلة للمناقشة أو الاعتراض، يليه في الأهمية البك(1)، الذي عادة ما يكون من نصيب الابن الأكبر للحاكم، ومهمته هي رئاسة القوات العسكرية، ومسؤولية الأمن والاستقرار في ربوع الإيالة، كما يترأس الديوان في حالة غياب الباشا، أو مرضه، بالإضافة إلى مهمة جمع الضرائب، غير أن البك في عهد يوسف باشا قد نزعت عنه المهمة الأخيرة، وأسندت إلى رؤساء الجند، خوفا على حياة أبناءه، نظرا لخطورة قيادة المحلة(2) لجمع الضرائب لرفض الأهائي دفعها، وبالتالي تنتهي في أغلب الأحيان بوقوع مواجهات ومعارك بين جيش المحلة والأهالي(3).
يلي البك في الأهمية قائد الأسطول أو رئيس البحرية، ومهامه تتمثل في الإشراف على الأسطول وتوفير كل احتياجاته ولوازمه، بتجهيز السفن، ووضع الترتيبات والنظم الكفيلة بإبحار السفن وتحصيل الضرائب الجمركية، يشغل هذا المنصب في غالب الأحيان الأعلاج(4) ولرئيس البحرية مكانة مميزة لدى الباشا، نظرا لتأثير المنصب وخطورته، لذا غالبا ما يرتبط الباشا مع قائد الجيش بعلاقة قرابة أو علاقة مصاهرة، فمصطفی قوجي قائد الأسطول الطرابلسي كان زوج ابنة الباشا فاطمة(5).
__________________
(1)- البك: من ألقاب التشريفات عند الأتراك العثمانيين، وغالبا ما كان يطلق على الابن البكر للباشا أو الحاكم. للتفصيل ينظر، رينهارت دوزي: تكملة المعاجم العربية، تر: محمد سلیم النعيمي، دار الرشيد للنشر، وزارة الثقافة والإعلام، العراق،
1980م، ج 1، ص 506، وينظر أيضا أمحمد سعيد الطويل، البحرية الليبية الطرابلسية في عهد يوسف باشا القرمانلي، المرجع السابق، ص 103
(2)- المحلة: لفظ يطلق على الجند المتنقل في الأرياف مقابل النوبة التي تعني الجند المقيم بالأبراج أو الثكنات، وتخرج هاته الفرق مرتين في السنة مرة في الربيع وأخرى في الخريف، بقيادة أغا لجمع واستخلاص الضرائب وإقرار الأمن التفصيل ينظر: ج. او . هابنسترايت، المصدر السابق، ص29. ينظر كذلك عبد الجليل التميمي: * الولايات العربية ومصادر وثائقها في العهد العثماني القسم العربي، بحوث المؤتمر الخامس للجنة العالمية للدراسات ما قبل العهد العثماني والفترة العثمانية، مركز البحوث والدراسات عن الولايات العربية في العهد العثماني، ط1، تونس، 13-18 سبتمبر 1982م، ص134
(3) نيكولاي ابلیش بروشين: المرجع السابق، ص 156
(4)- الأعلاج: جمع علج أطلقت على الأوريين المسيحيين، الذين اعتنقوا الإسلام للدلالة على أصلهم المسيحي، أما الأوربيون فيطلقون عليهم اسم المرتدين. التفصيل ينظر جميلة ثابت: دور الإعلاج في العلاقات بين الجزائر ودول جنوب غرب أوربا خلال القرنين 10-11هـ/ 16-17م، رسالة ماجيستير في تاريخ حدیث، إشراف: عمار بن خروف بمساعدة صالح بوسليم قسم التاريخ، المركز الجامعي بغرداية، الجزئر، 2010-2011م، ص ص 40-41
(5)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص 164.
و يأتي بعده الخزندار(1) أو مسؤول المالية، الذي اهتم به يوسف باشا اهتماما كبيرا، أما مهمته فهي الإشراف على الشؤون المالية، وإرسال الرسائل الرسمية، ولأهمية المنصب فإن الذي يسند له يجب أن تتوفر لديه الخبرة اللازمة في إدارة شؤون الخزينة، والإشراف على جميع الأمور المالية للإيالة من مصروفات الجند ورواتب الموظفين الإداريين(2) .
كما استحدث يوسف باشا وظيفة جديدة أضيفت للجهاز الإداري أطلق على صاحبها اسم كبير الوزراء، والذي عمله يشبه عمل الصدر الأعظم(3) في الدولة العثمانية، وكذلك وظيفة يسمى شاغلها بوزير الشؤون الخارجية، وقد وضع يوسف باشا ثقله على تلك الوزارة نتيجة اتساع علاقات طرابلس الغرب الخارجية، ومنحه صلاحيات كبيرة فكان لا يقدم على أي عمل إلا بعد الرجوع إليه واستشارته، كما كان يتفاوض مع الدول الأجنبية في حالة حدوث أزمات دبلوماسية بينها وبين طرابلس الغرب، ونظرا لعلو مكانة هذا الوزير فإن قناصل الدول الأجنبية تتنافس للتقرب منه للفوز بصداقته، ليستخدم كوسيط بينهم وبين الباشا إذا اضطرهم الأمر لذلك (4)
أما الكخيا الكبير أو الكاهية، وهي من المصطلحات الإدارية العثمانية التي تعني نائب الوالي، ومهمته تقديم المشورة للباشا، إذا ما طلب ذلك، والفصل في الخصومات التي تقع بين القبائل المختلفة، وتطبيق أوامر الباشا، بمعاقبة المخالفين لها، وعلى الرغم من اعتماد يوسف باشا على مستشاره إلا أنه لم يمنعه ذلك من استشارة من يراه مناسبا وأهلا للاستشارة، ومن مهامه الإشراف على التشريفات بالقصر، وتعلیم وتربية أبناء الباشا، والذي يساعده في ذلك الكيخيا الصغير، الذي يتولى مهام الكيخيا الكبير في حالة غيابه أو مرضه، أما مهامه الثابتة والأصيلة فهي الاهتمام بشؤون القلعة ورئاسة الحرس الخاص للباشا، ونظرا لحساسية المنصب فإنه كان يمنح فقط لأفراد الأسرة الحاكمة(5).
_______________________
(1)- الخزندار: كلمة تركية الأصل تعني صاحب خزانة المال للتفصيل ينظر، محمد أحمد دحمان، المرجع السابق، ص 68.
(2) نيكولاي ايليتش بروشين: المصدر السابق، ص 156.
(3)- الصدر الأعظم: هو رئيس الوزراء الدولة العثمانية، ووكل مطلق للسلطان، لقب بالوزير الأعظم، وبالصدر العالي وصاحب الدولة، لديه صلاحيات كثيرة، يترك بحوزته ختم السلطان، وهو رئيس الديوان الهيمایوني، هو الذي يصدر كافة القرارات المهمة للدولة، منها السبب والعزل، وغيرها. التفصيل ينظر، سهيل صابان، المرجع السابق، ص ص143-144
(4)- رودولفو ميکاکي: المصدر السابق، ص 210
(5)- کامل علي مسعود الوية: الإدارة العثمانية في طرابلس الغرب (1842-1911م)، تح: طاهر خلف البكاء، مرکز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، بنغازي، ليبيا، 2005م، ص22.
أولى يوسف باشا اهتماما كبيرا بأعضاء الديوان، وهو أشبه بمجلس الوزراء، ويتألف عادة من كبار موظفي الدولة الذين يعتمد عليهم مثل رئيس البحرية والخازندار وشیخ البلد والقاضي الشرعي وقائد الانكشارية، وأربعة من الموظفين للقيام بالأعمال الكتابية، واثنين من المترجمين أحدهما يتولى مهمة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة التركية والآخر من التركية إلى العربية، كون المحاضر كانت ترفع إلى الباب العالي، وكان الباشا في الحالات الطارئة التي تمر بها البلاد، يلحق بعض الوجهاء والأعيان البارزين بأعضاء الديوان (1).
أما طبيعة اجتماعات الديوان فكانت تتم بناء على دعوة من الباشا، ويعقد الديوان جلساته الاعتيادية كل يوم باستثناء يوم الجمعة باعتباره يوم عطلة ، ويستقبل الديوان شكاوي المواطنين في الفترة الصباحية لليوم ويناقشها بحضورهم، ويخصص الفترة المسائية لمناقشة قضايا وأمور الإيالة في جلسة مغلقة ومناقشة مقترحات الباشا، وكانت جلسة يوم الثلاثاء استثنائية لأنها تعقد بحضور الباشا، وكبير الوزراء ووزير الخارجية، يتم فيها تقاسم تقارير الديوان للباشا، الذي يطرحها بدوره للمناقشة، ويعطي رأيه فيها بعد التوصل إلى حل للقضية قيد المعالجة(2).
2- على المستوى الاقتصادي:
استطاع يوسف باشا بناء اقتصاد قوي يضمن موارد جيدة للدولة واهتم بالتجارة التي عرفت رواجا منقطع النظير خاصة تجارة العبور مع الدويلات الايطالية(3) بفضل حنكة يوسف ومقدرته الهائلة على الإقناع فقد استطاع نقل البلاد في مدة وجيزة من حالة الاضطراب والفوضى إلى الاستقرار والطمأنينة، حيث غدا أهالي المنطقة يمارسون حياتهم وكأن الأمور عادية ومستقرة منذ مدة، وبذلك عرفت الحياة الاقتصادية بكل قطاعاتها نشاطا وازدهارا كبيرين لم تعهده طرابلس من قبل، وفي مقدمة هذه القطاعات نجد الصناعة ، وكانت هذه الأخيرة طيلة العهد القرمانلي صناعة يدوية، غير أن هذا القطاع عرف ازدهارا وصيغة جديدة في عهد يوسف باشا، وفي مقدمة هذه الصناعات نجد صناعة السفن التي حظيت بمهندسين متخصصين في بناء السفن وبعض العمال خاصة من إسبانيا التي رغبت في تقوية علاقتها مع يوسف باشا، فأرسلت مهندسين إلى طرابلس لبناء وصناعة
__________________________
(1) - نيكولاي ايليتش برشين، المرجع السابق ، ص 158.
(2)- فرانشيسكو کورو: ليبيا أثناء العهد العثماني الثاني، تع: خليفة محمد التليسي، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان ط1، ط2، طرابلس، ليبيا، 1971م، 1984م، ص 29
(3) أحمد إسماعيل راشد، المرجع السابق، ص 25
السفن(1) ، كما عرفت صناعة الخمر والصابون رواجا كبيرا هي الأخرى، و كانت تدر أموالا كبيرة على الخزينة نتيجة الضرائب المفروضة على المصانع والحوانيت. أما الزراعة فكانت أثناء العهد القرمانلي تنقسم إلى نوعين زراعة الحبوب وزراعة الخضر والفواكه، وكانت الأولى تعتمد على مياه الأمطار، وكلما كان العام ممطرا كان الإنتاج أوفر والعكس، وخلال العام الممطر تقوم السلطة بتصدير الجزء الفائض عن الاستهلاك، وأما زراعة الخضر والفواكه كانت تعتمد على مياه الأمطار ومياه الآبار، وما يمكن قوله عن هذه الزراعة أننا نجدها أكثر تقدما وإنتاجا في مدينة طرابلس عنها في بنغازي، وذلك في عهد يوسف باشا أين تم توفير المياه واليد العاملة المؤهلة يفضل الاستقرار السياسي والأمني، كما أن حكومة يوسف باشا لم تزاحم الفلاحين في الإنتاج والبيع وتركت لهم الحرية في ذلك، نظرا للرخاء الاقتصادي في ذلك الوقت الناجم عن قوة ونشاط البحرية(2).
وفيما يتعلق بالتجارة فكان هذا القطاع الأكثر تقدما ورواجا بفضل الأمن الذي وفره يوسف باشا، فغدت طرابلس حينها حلقة وصل بين مدن إفريقيا الوسطى والمدن الأوروبية عن طريق واد بورنو وبقية مدن السودان عبر فزان وغدامس، كما زادت الصلات التجارية بين مصر وبنغازي ولعل أهم المنتجات التي كانوا ينقلوها من فزان إلى السودان هي المرجان والإبر والحرير والأقمشة، الزجاج الأسود والأزرق، ويحضروا من السودان العبيد ومختلف العطور، وتعتبر تجارة العبيد بالذات الممول الرئيسي لخزينة الدولة، وبفضل سن يوسف باشا لقانون تشديد العقوبات على اللصوص وقطاع الطرق، فقد ترك هذا طمأنينة لدى التجار الذين أقبلوا على طرابلس من كل مكان ، كما وفر الباشا فنادق لإقامة هؤلاء والعديد من الأسواق لتبادل تجارتهم(3).
3- على المستوى الأمني والعمراني:
غاب الأمن والاستقرار عن طرابلس الغرب في الفترة الممتدة من 1791 -1795م بعد أن انتشر فيها النهب والسلب والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، ولما تولى يوسف باشا الحكم تعهد للرعية بالعدل وتوفير الأمن والاستقرار.
استطاع يوسف باشا توطيد الأمن والنظام في ربوع البلاد، وأمر بتعزيز التحصينات، وقام بتنظيم وتحسين الأسطول البحري، وزاد اهتمامه بصناعة السفن، كما تمكن من تحويل الأسطول البحري إلى
_______________________
(1) رودولفو میکاکي: المرجع السابق، ص 137.
(2)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص 181.
(3) عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص ص 182، 186.
قوة إقليمية لها مكانتها بين الأمم المتوسط، وفرض الضرائب والإتاوات على الدول الأوربية (1) كما قام بتحسين الأوضاع الدفاعية للمدينة، التي ضعفت نتيجة الإهمال الطويل للحكام السابقين وحصار سنوات 1793- 1795م فشرع في ديسمبر 1795م بإعادة رسم أسوار المدينة، وبدأ بباب الفلول الواقع عند المقبرة المسيحية قرب الحصن الإسباني، ونظم الجيش وزوده بأحدث الأسلحة وبالمدفعية المقدر عددها بحوالي سبعين 70مدفع موزعا على النقاط الدفاعية، وبلغ تعداد أسطوله البحري ثمانية سفن أكبرها مزودة بأربعة عشر مدفعا(2).
شجع الجهاد البحري وحببه في نفوس الشباب، لتشجيعهم على ممارسة الأعمال البحرية، قام بتحصين الميناء وتوسيعه، وأقام به ورشات الصناعة السفن والأسلحة تمهيدا لإنشاء أسطول بحري يضاهي أساطيل الدول الكبرى بالمتوسط ويرهبها، ضمانا لأمن البلاد ومساهمة في اقتصادها باعتباره موردا أساسيا لتطوير الاقتصاد الطرابلسي والدرع الحامي للمدينة من أي اعتداء(3) وبذلك أصبحت طرابلس في وقت قصير لا تقل أهمية عن مدينة تونس والجزائر كما نشطت الحياة الدبلوماسية وتتابع وصول الوفود السياسية والممثلين والمندوبين للتفاوض مع الباشا(4).
بنى يوسف باشا العديد من الأبراج وفي مواقع متباعدة من سور الميناء مثل البرج الجديد عام 1817م، فضلا عن تحديده للأبراج القديمة منها البرج المواجه للبحر الذي يعرف ببرج المجزرة1800 - 1801م كما بث عيونه في كل مكان لملاحقة اللصوص وقطاع الطرق وطلب العون
والمساعدة من الرعية في ذلك(5)، كما أمر يوسف باشا ببناء العديد من الفنادق حرصا على راحة التجار والتجارة(6).
_______________
(1) أحمد إسماعيل راشد، المرجع السابق، ص 25 (2)- إيتوري روسي، المرجع السابق، ص 374
(3)-شوقي عطا الله الحمل، المرجع السابق، ص 137. ومحمود علي عامر ومحمد و فارس، المرجع السابق، ص 224
(4)- خليفة التليسي، مرجع سابق، ص 146.
(5)-محمود علي عامر ومحمد خير فارس، المرجع السابق، ص 221
(6)- مفيدة محمد جبران: فنادق مدينة طرابلس القديمة، منشورات مكتب إدارة المدن التاريخية، ط2، بنغازي، نهيا، 2010، م ص 22، 27.
4- على المستوى الفكري:
عرف عن حكام الأسرة القرمانلية بحبهم للعلم والعلماء أين كان لهم مكانة ومنزلة رفيعة لديهم، ويوسف باشا كغيره من حكام الأسرة فقد شجع العلماء، وقربهم منه وخصص لهم بديوانه مكانا الاستشارتهم والأخذ بنصائحهم، ونظرا للأمن الذي وفره يوسف باشا فقد زاد الإقبال على التعليم وكثرت جلسات العلم والذكر والمناظرة فضلا عن إحيائه اللغة العربية لاعتماده عليها وإقرارها في معاملات الوثائق الرسمية للإيالة (1)
نظرا للمكانة العالية التي يحتلها مشايخ الصوفية والمرابطين بين أوساط الرعية، وحتي يتمكن يوسف باشا من المحافظة على مكانته ووقاره عند عامة الشعب تقرب من شيوخهم وقربهم منه، فنجده تقرب من محمد ظافر المدني شيخ الصوفية أين أقام له استقبالا كبيرا في قصره(2) كما استعان بمشايخ المرابطين في تهدئة الناس وحل النزاعات في صفوف الرعية، على غرار استعانته كم لحل النزاع الذي نشب بالجبل الغربي سنة 1828 م، رغبة منه في حقن دماء العباد وإنقاذ البلاد من الدمار والخراب(3) كما أسقط دفع الضرائب عن أهل المنشية في بداية حكمه تكريما للمرابط سيدي الصيد ولم يفرض عليهم دفعها إلا في نهاية عهده بعد الأزمة المالية التي كانت تتخبط فيها بلاده، وعجزه عن دفع ما عليه من ديون تجاه الدول الأوربية (4).
وأصبحت طرابلس قبلة للعديد من العلماء والأئمة ومنار التبادل العلم والمناظرات الأدبية ، وأيضا حل المسائل الفقهية في عهد يوسف باشا لما وفره لهم من احترام وتبجيل وتعظيم، ولعل أشهر العلماء الذين كان لهم اتصال وثيق بعلماء طرابلس الشيخ علي بن محمد الميلي المصري الجزائري والذي أجاب في مؤلفه عن أسئلة الشيخ إبراهيم التاجوري والذي كان بعنوان "من محبوب محب من طرابلس الغرب " وأيضا الرحالة الشنقيطي أحمد مصطفی بن طوير والذي مر ببنغازي وكتب لهم رسالة سماها فيض المنان في الرد علی مبتدعة الزمان ويقصد بالمبتدعة المعتزلة، كما أن الموقع الجغرافي المتميز لطرابلس الغرب، جعلها محطة من محطات الرحلات الحجية القادمة من بلدان المغرب العربي وبلاد السودان الغربي، وقد مر بها العديد من الرحالة منهم الناصري 1796-1797م، الورتلاني، العياشي خلال القرن 17م، این طوير، والفاسي، وغيرهم، ولعل ما يميز الرحلات الحجازية كونها تعد من أهم مصادر الحياة الفكرية في العهد القرمانلي نظرا لمكانة مؤلفيها في النشاط الثقافي، كما أنها
___________________
(1) - عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص ص 165،183 (2)- أحمد بك النائب الأنصاري، المصدر الساق، ص ص 370-371
(3)- ايتوري روسی، المرجع السابق، ص 399
(4)-شارل فيرو، المصدر السابق، ص 423، وينظر أيضا أحمد بك النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص 311.
تكاد تغطي العهد تغطية جيدة فضلا عن تباينها النوعي إذ دونها علماء وفقهاء ومفكرون، أما علماء المنطقة ومؤرخوها فقد اشتهر منهم الكثير، فإذا كان ابن غليون أشهر علماء فترة أحمد باشا، فإن ابن غلبون الحفيد كان أهم علماء فترة يوسف باشا، حيث كان هذا الأخير العديد من المؤلفات منها، "تحفة الإخوان البهية على المقدمة الرحية في علم المیرات (1)
كما اشتهر خلال هذه الفترة ما يطلق عليهم بالمجموعة الخاصة و التي كانت تضم تجارا وسياسيين اهتموا بالتأليف والكتابة نذكر منهم حسن الفقيه حسن الذي كان تاجرا مشهورا وله علاقات تجارية و ودية مع يوسف باشا وعائلته، والذي أفاد طرابلس مجموعة تاريخية لأهم أحداث طرابلس خلال عهد يوسف باشا وما بعده تعرف باليوميات(2) فضلا عن حسونة الدغيس هذا المثقف المشهور الذي كان يملك نسخة كاملة من كتاب العبر في أربع مجلدات ولعل أهم أعماله ترجمته لكتاب المرأة لحمدان خوجة إلى الفرنسية(3).
____________________
(1)- عمار جحيدر: آفاق ووثائق في تاريخ ليبيا الحديث، الدار العربية للكتاب، (د.ط)، لیبيا، 1991م، ص 132. (2)- حسن الفقيه حسن، اليوميات الليبية 1551-1832م، تح محمد الاسطي وعمار جحيدر، دار الكتب الليبية ط1، ط2، بنغاري، ليبيا، 1984م 2001م، ج 1، م 279.
(3) - عمار جحيدر: آفاق ووثائق في تاريخ ليبيا الحديث، المرجع نفسه، ص 279
- جهود حمودة باشا(1) في طرابلس
أولا: حملة جرية واستردادها.
بعد التحاق يوسف بأبيه وأخيه في تونس، اللذان كانا في ضيافة حاكمها حمودة باشا، الذي أكرم وفادتهن وأحسن استقبالهم، إلا أن ذلك لم يئن أفراد الأسرة القرمانلية على السعي لاسترجاع عرشهم المغتصب بطرابلس ، فبدا يوسف القرماني عن طريق معاویه يلح على باشا تونس بتنظيم حملة ضد علي برغل الذي ضم جزيرة جربة لممتلكاته، بعد أن كانت من ممتلكات تونس(2) وأعطى أوامره لقواته بتتبع السفن التونسية وأسرها، ردا على رفض باي تونس تزويده بالذخيرة (3) وبالفعل مجرد دخول جيش برغل بقيادة نائبه قارة محمد(4) إلى جزيرة جربة في 24 سبتمبر 1794م، فما كان من حمودة باشا سوى رفع رسالة تظلم إلى الباب العالي حول تصرفات حاکم طرابلس الجديد، منحاشها بذلك الدخول في حرب ومواجهة مباشرة مع علي برغل خشية إغضاب السلطان العثماني(5) فكان رد السلطان العثماني بأنه لم يصدر أي فرمان لتعيين علي برغل على طرابلس(6).
أعلن حمودة باشا الحرب على برغل وجيشه، وأعد له حملة قوامها عشرون ألف جندي (7) ووجهها إلى جزيرة جربة التي احتلها برغل لطرده منها ولاستعادة عرش القرمانليين على طرابلس، واسند قيادة الجيش المصطفى خوجة (8) الذي قسم جيشه الى فوجين الأول وضعه تحت قيادة علي
______________________
(1)- حمودة باشا: من مواليد يوم السبت 18 ربيع الثاني 1173ه الموافق ل. 08 ديسمبر 1759م، أمه جارية من أعلاج الفرج اسمها محبوبة، أعتنى أبوه بتربيته، قرأ ما تيسر من القران، تعلم الفقه الحنفي وعلم الكلام، على يد أبي محمد حمودة باكير،وأخد النحو والحساب والتاريخ على يد أبي محمد حمودة بن عبد العزيز، وتعلم اللغة التركية من خلال مخالطته للأتراك، بويع في حياة والده في فيفري 1777م، ولما توفي هذا الأخير تجددت له البيعة في 31 ماي 1782م إلى وفاته 1814م ينظر: أحمد بن أبي الضياف، المصدر السابق، المجلد 2، ج 3، ص 11، وينظر أيضا، شوقي عطا الله الجمل، المرجع السابق، ص112 (2)-يان فنينا: المرجع السابق، ص ص 154، 165
(3) نيكولاي ايليتش بروشين، المرجع السابق، ص 146
(4)- قاره محمد التركي: من أصول تركية، أرسله على برغل، على رأس أسطول يضم سبع 7 سفن للسيطرة على جزيرة جربة ، دون علم السلطان العثماني، فطرد حاكمها حميدة بن قاسم بن عياد، إلى صفاقس، وادعی قاره محمد إنما أرسل من قبل السلطان العثماني، وأنه دخل جرية لمنح الأمن والأمان للسكان، ينظر: أحمد النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص ص 302-303.اختلف النائب الأنصاري في تسميته مع شارل فيرو الذي ذكره تحت اسم قاره مصطفى وأنه أبحر بأسطول يضم ست 06 سفن، ينظر شارل فيرو، المصدر سابق ، ص 360 في حين تفق أحمد بن أبي الضياف مع الأنصاري في تسميته يقاره محمد، ينظر أحمد بن أبي الضياف، المصدر نفسه، محلد2، ج 3، ص23.
(5)- نيكولاي ابلیش بروشین، المرجع نفسع، ص 146-147.
(6)- نفسه، ص 147.
(7)- رودولفو میکاکي، المرجع السابق ، ص 128.
(8)- مصطفی خوجة: مملوك من أصل جورجي، من وزراءه علي باي ثم وزير ابنه حمودة باشا، انصب اهتمامه على فرنسا، وساهم في الحفاظ على مصالحها في تونس، ارتبط بعلاقات قوية مع قنصلها بتونس، توفي سنة 1800م. للتفصيل ينظر، شافعی درویش: العلاقات السياسية والتجارية بين تونس ودول غرب أوربا المتوسطية خلال الفرن 18م مقاربة من خلال الوثائق الأرشيفية أطروحة دكتوراه في التاريخ الحديث، إشراف: عمار بن حروف، قسم التاريخ، جامعة غرداية، الجزائر، 2015-2016م، ص 52 .
باشا القرمانلي، اتخذ طريق البحر، أما الثاني فوضعه تحت قيادة أحمد القرمانلي وأخيه يوسف أما القيادة العامة للجيش فكانت تحت قيادته(1).
ظهر جيش مصطفی خوجة الجرار قبالة سواحل جزيرة جربة في 24 نوفمبر 1794م(2) ووجه نداء لمحمد قاره للاستسلام أو مغادرة الجزيرة مانحا إياه مدة 24 ساعة لتنفيذ الأمر، ليغادر محمد قاره وجنوده فارين من الجزيرة بعد أن عاثوا فيها فسادا لمدة ثمانية وخمسين يوما وبذلك عادت جربة لممتلكات باي تونس(3).
بعد استرجاع جربة واصل الجيش التونسي طريقه نحو طرابلس، مرفوقا بيك طرابلس السابق أحمد وأخيه يوسف، بعد أن تعاظم عدده ليناهز ثلاثين ألف جندي (4) بعد انضمام معظم القبائل العربية القاطنة بين طرابلس وصفاقس(5) وصل الجيش التونسي في يوم الجمعة 25 جمادی الثاني 1209م الموافق ل 16 جانفي 1795م إلى طرابلس، وفي اليوم الموالي تم تنظيمه، وتقسيمه إلى فوجين الأول وجه إلى المنشية وتاجوراء، وما هي إلا أيام حتى تمكن من استرجاع مدن المنشية، والساحل وتاجوراء دون مقاومة تذكر(6)، حتى أن أعيان تلك المناطق أغدقت على أبناء القرمانلي بالهدايا، باستثناء قبيلة الجراجرة التي امتنعت عن تقاسم الولاء لهم، فتمت الإغارة عليهم بطلب من يوسف القرمائلی(7) أما الفوج الثاني فتوجه إلى مدينة طرابلس، وما إن اقتربوا حتى لاحظوا أن أبواها مغلقة وأهلها على الأسوار، فعلموا بفرار علي برغل، بعد أن نقل أمواله وأمتعته على ثلاث سفن، أبحرت قبل وصول جيش مصطفی خوجة، ونقل جميع ما اغتصبه على سفينتين أخرتين، ونزع المدافع
_______________
(1) نيكولاي ايليتش بروشن، المرجع السابق ، ص 148. (2) نفسه، ص 148
(3) نيكولاي ایلیش بروشن، المرجع نفسه، ص 148.
(4)- رودولفو میکاکي، المرجع السابق، ص 128.
(5) أحمد بك الأنصاري، المصدر الساق، ص 305
(6)- شارل فيرو، المصدر السابق، ص 361، وقد خالفه أحمد بك الأنصاري الرأي والذي أورد أن الجيش التونسي لم يدخل المشية دون قتال بل وقعت معركة طاحنة بينه وبين أهالي المنشية، حتى تمكن منها التونسيون يوم 27 جمادی الثانية 120م ، ينظر، أحمد بك الأنصاري، المصدر نفسه، ص 306
(7) نفسه، ص ص 305-306
المصوبة للبحر، حتى لا يتمكنوا من تصويبها عليه(1) وبعد أن ارتكب آخر أعماله الوحشية بطرابلس بذبحه لعدد من الرهائن والأسرى غادر مبحرا باتجاه مصر(2).
وبالرغم من فرار على برغل إلا أن أهالي طرابلس رفضوا فتح أبواب المدينة للجيش التونسي،خوفا من تعرض الأهالي لأعمال السلب والنهب، مفضلين الدفاع عنها بالرغم من تيقنهم باستحالة ذلك واشترطوا قبل فتح الأبواب قدوم الوزير التونسي بنفسه، فأجابهم بذلك وطلبوا منه الأمان، ومنحهم إياه مقابل ضريبة يدفعونها لتعويض مجهودات جنوده في تخليصهم من بطش المغتصب علي برغل(3) ودخل المدينة مرفوقا بالأخوين أحمد ويوسف القرمانلي، اللذين استقبلهما الأهالي بمظاهر الفرح والسرور بقصر الإمارة أين رحب بهم الأهالي أشد ترحيب(4) وبذلك تم استعادة ملك الق رمانليين بطرابلس وتم تعيين أحمد بك القرمانلي واليا عليها باسم أحمد باشا الثاني، بعد أن تنازل له والده عن العرش(5).
بعد أن استتب الحكم لأحمد باشا الثاني، عادت حملة مصطفى خوجة إلى تونس في 62 جانفي سنة 1795م ،وعاد علي باشا إلى طرابلس بعد حوالي شهر من ذلك، وكان حمودة باشا قد بعث برسالة إلى السلطان العثماني يطلعه على أسباب تنظيمه لحملة على طرابلس(6).
أما علي برغل فقد خرج فارا منها على ظهر ط راد(7) ملك للقبطان الفرنسي لوتييه،كان قد استولى عليه سابقا، متجها إلى درنة ومنها إلى مصر(8)
____________________
(1)- شارل فيرو، المصدر السابق، ص 362.
(2)- رودولفو ميكاكي، المرجع السابق، ص 128. ينظر كذلك، نيكولاي ايليتش بروشين ،المرجع السابق، ص ص148-149. ينظر أيضا، الآنسة توللي ،المصدر السابق، ص 551.
(3)- رودولفو ميكاكي، المرجع نفسه، ص 129. ينظر كذلك ،كولافو لايان: ليبيا أثناء حكم يوسف باشا القرمانلي ،تر: عبد القادر مصطفى المحيش ، مراجعة: صلاح الدين السوري، مركز دراسة جهاد اللبيبين ضد الغزو الايطالي ،ط1 ،دار الكتب ، طرابلس، ليبيا ، 1988م، ، ص38.
(4)- أحمد بك الأنصاري، المصدر السابق، ص 306.
(5)- رودولفو ميكاكي، المرجع نفسه، ص 129.
(6)-نفسه، ص 129
(7)- طراد: وهي سفينة صغيرة سريعة، تعد من المراكب الحربية الأكثر شبها بالبرميل الهائل من السفينة، وكانت تستعمل في حمل الخيول والفرسان، يصل عدد ما يحمل عليها أربعون فارسا، اطلق عليها الفرنسيين اسم TARTAN. للتفصيل ينظر، نبيل عبد الحي رضوان:* تطور الأسطول العثماني في ظل ابرز الحضارات البحرية للبحر المتوسط،* في مجلة المؤرخ المصري دراسات وبحوث في التاريخ والحضارة، قسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة القاهرة، مصر، ع20، جويلية 1998م، ص 230.
(8)- شارل فيرو، المصدر السابق، ص363.
التي مكثث عند مراد بك(1) الذي أسكنه (3)بقصر في الجيزة(2) ومكث بمصر مدة ست سنوات، ثم غادرها إلى الشام، ومنها إلى الباب العالي ،ليحصل سنة 1803م على فرمان توليته على مصر، ثم ما لبث أن قتل بها بعد أن طعن بخنجر .
ثانيا: حملة طرابلس الغرب واسترجاع عرش القرمانليين بها.
تمكن أبناء علي باشا القرمانلي من استعادة عرش طرابلس، بعد طردهم للمغتصب علي برغل الجزائري، فاجتمع العلماء والأعيان في 19جانفي 1795م وأعلنوا أحمد بك واليا على طرابلس(4) وأخاه يوسف وليا للعهد وقائدا للجيش(5) وبعد إن استتب الأمن بطرابلس وخضعت لأبناء علي باشا القرمانلي، غادر مصطفى خوجة وجيشه عائدين إلى تونس، وبمجرد وصوله إلى هاته الأخيرة، حتى بعث حاكمها حمودة باشا وزيرا إلى الباب العالي محملا بالهدايا، وبرسالة(6) اعتذار للسلطان العثماني عن محاربته لعلي برغل، شارحا فيها الأسباب التي جعلته يقدم على فعلته، مبينا ولاءه للباب العالي، وملتمسا منه تولية أحمد القرمانلي على طرابلس ،فأرسل السلطان العثماني فرمان تولية أحمد بك على طرابلس(7) .
وفور توليه أمر طرابلس وجه أحمد باشا خطابا إلى الباب العالي حرره الأهالي بإيعاز منه في
10رجب 1209ه/13 جانفي 1795م، أطلعه فيه على الأوضاع المزرية التي خلفها علي برغل
______________________
(1)- مراد بك: زعيم المماليك في مصر اشتبك مع نابليون بونابرت في معركة الأهرام 1798م، للتفصيل ينظر، نفسه ص363.
(2)- أحمد الطاهر الزاوي ،ولاة طرابلس من بداية الفتح العربي الى نهاية العهد التركي، المرجع السابق، ص228.
(3)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص ص74-75.
(4)- راسم رشدي، المرجع السابق، ص97. الملاحظ هنا وجود بعض الاختلافات بين المؤرخين في ذكر كيفية تولي أبناء علي باشا الحكم ،فرودولفو ميكاكي أورد أن علي باشا القرمانلي هو الذي تنازل عن العرش لابنه أحمد، ينظر، رودولفو ميكاكي ،المرجع السابق، ص 129. يوافقه في ذلك محمود ناجي الذي يضيف أن علي باشا أقر ابنه يوسف بك، ينظر: محمود ناجي، المرجع السابق، ص164. في حين ذهبت الآنسة توللي للقول أن الحكم في طرابلس بعد طرد برغل كان مشترك بين بك تونس، وعلي باشا، وبك طرابلس، وسيدي يوسف، بموجب الفرمان السلطاني الذي أقر ذلك، قبل أن ينقلب يوسف على أخيه فيما بعد ،ينظر: الآنسة توللي ،المصدر السابق، ص551. أما كولافو لاين فذكر أنه تم تعيين أحمد بك واليا لمرض علي باشا وتواجده بتونس، ينظر، كولافو لاين، المرجع السابق، ص 39.
(5)- محمود علي عامر ومحمد خير فارس، المرجع السابق، ص 220.
(6)- الملحق رقم05، ص 128.
(7)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع نفسه، ص77. نفس الطرح أورده أحمد النائب الأنصاري، الذي أضاف أن السلطان العثماني، امتعض من منح طرابلس لأبناء علي القرمانلي مرة أخرى بعد طرد علي برغل الجزائري، فرأى بذلك أن باي تونس إنما أصلح الفساد بالفساد، بقوله لمبعوث حمودة باشا انه الأجدر كان تولية قائد جيشكم عليها، وبعد استماعه لتبريرات وزير حمودة باش اقتنع بالأمر، وأرسل فرمان تولية أحمد القرمانلي الثاني على طرابلس، ينظر أحمد بك النائب الأنصاري ،المصدر السابق، ص ص 310-311.
(4)- قاره محمد التركي: من أصول تركية، أرسله على برغل، على رأس أسطول يضم سبع 7 سفن للسيطرة على جزيرة جربة ، دون علم السلطان العثماني، فطرد حاكمها حميدة بن قاسم بن عياد، إلى صفاقس، وادعی قاره محمد إنما أرسل من قبل السلطان العثماني، وأنه دخل جرية لمنح الأمن والأمان للسكان، ينظر: أحمد النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص ص 302-303.اختلف النائب الأنصاري في تسميته مع شارل فيرو الذي ذكره تحت اسم قاره مصطفى وأنه أبحر بأسطول يضم ست 06 سفن، ينظر شارل فيرو، المصدر سابق ، ص 360 في حين تفق أحمد بن أبي الضياف مع الأنصاري في تسميته يقاره محمد، ينظر أحمد بن أبي الضياف، المصدر نفسه، محلد2، ج 3، ص23.
(5)- نيكولاي ابلیش بروشین، المرجع نفسع، ص 146-147.
(6)- نفسه، ص 147.
(7)- رودولفو میکاکي، المرجع السابق ، ص 128.
(8)- مصطفی خوجة: مملوك من أصل جورجي، من وزراءه علي باي ثم وزير ابنه حمودة باشا، انصب اهتمامه على فرنسا، وساهم في الحفاظ على مصالحها في تونس، ارتبط بعلاقات قوية مع قنصلها بتونس، توفي سنة 1800م. للتفصيل ينظر، شافعی درویش: العلاقات السياسية والتجارية بين تونس ودول غرب أوربا المتوسطية خلال الفرن 18م مقاربة من خلال الوثائق الأرشيفية أطروحة دكتوراه في التاريخ الحديث، إشراف: عمار بن حروف، قسم التاريخ، جامعة غرداية، الجزائر، 2015-2016م، ص 52 .
باشا القرمانلي، اتخذ طريق البحر، أما الثاني فوضعه تحت قيادة أحمد القرمانلي وأخيه يوسف أما القيادة العامة للجيش فكانت تحت قيادته(1).
ظهر جيش مصطفی خوجة الجرار قبالة سواحل جزيرة جربة في 24 نوفمبر 1794م(2) ووجه نداء لمحمد قاره للاستسلام أو مغادرة الجزيرة مانحا إياه مدة 24 ساعة لتنفيذ الأمر، ليغادر محمد قاره وجنوده فارين من الجزيرة بعد أن عاثوا فيها فسادا لمدة ثمانية وخمسين يوما وبذلك عادت جربة لممتلكات باي تونس(3).
بعد استرجاع جربة واصل الجيش التونسي طريقه نحو طرابلس، مرفوقا بيك طرابلس السابق أحمد وأخيه يوسف، بعد أن تعاظم عدده ليناهز ثلاثين ألف جندي (4) بعد انضمام معظم القبائل العربية القاطنة بين طرابلس وصفاقس(5) وصل الجيش التونسي في يوم الجمعة 25 جمادی الثاني 1209م الموافق ل 16 جانفي 1795م إلى طرابلس، وفي اليوم الموالي تم تنظيمه، وتقسيمه إلى فوجين الأول وجه إلى المنشية وتاجوراء، وما هي إلا أيام حتى تمكن من استرجاع مدن المنشية، والساحل وتاجوراء دون مقاومة تذكر(6)، حتى أن أعيان تلك المناطق أغدقت على أبناء القرمانلي بالهدايا، باستثناء قبيلة الجراجرة التي امتنعت عن تقاسم الولاء لهم، فتمت الإغارة عليهم بطلب من يوسف القرمائلی(7) أما الفوج الثاني فتوجه إلى مدينة طرابلس، وما إن اقتربوا حتى لاحظوا أن أبواها مغلقة وأهلها على الأسوار، فعلموا بفرار علي برغل، بعد أن نقل أمواله وأمتعته على ثلاث سفن، أبحرت قبل وصول جيش مصطفی خوجة، ونقل جميع ما اغتصبه على سفينتين أخرتين، ونزع المدافع
_______________
(1) نيكولاي ايليتش بروشن، المرجع السابق ، ص 148. (2) نفسه، ص 148
(3) نيكولاي ایلیش بروشن، المرجع نفسه، ص 148.
(4)- رودولفو میکاکي، المرجع السابق، ص 128.
(5) أحمد بك الأنصاري، المصدر الساق، ص 305
(6)- شارل فيرو، المصدر السابق، ص 361، وقد خالفه أحمد بك الأنصاري الرأي والذي أورد أن الجيش التونسي لم يدخل المشية دون قتال بل وقعت معركة طاحنة بينه وبين أهالي المنشية، حتى تمكن منها التونسيون يوم 27 جمادی الثانية 120م ، ينظر، أحمد بك الأنصاري، المصدر نفسه، ص 306
(7) نفسه، ص ص 305-306
المصوبة للبحر، حتى لا يتمكنوا من تصويبها عليه(1) وبعد أن ارتكب آخر أعماله الوحشية بطرابلس بذبحه لعدد من الرهائن والأسرى غادر مبحرا باتجاه مصر(2).
وبالرغم من فرار على برغل إلا أن أهالي طرابلس رفضوا فتح أبواب المدينة للجيش التونسي،خوفا من تعرض الأهالي لأعمال السلب والنهب، مفضلين الدفاع عنها بالرغم من تيقنهم باستحالة ذلك واشترطوا قبل فتح الأبواب قدوم الوزير التونسي بنفسه، فأجابهم بذلك وطلبوا منه الأمان، ومنحهم إياه مقابل ضريبة يدفعونها لتعويض مجهودات جنوده في تخليصهم من بطش المغتصب علي برغل(3) ودخل المدينة مرفوقا بالأخوين أحمد ويوسف القرمانلي، اللذين استقبلهما الأهالي بمظاهر الفرح والسرور بقصر الإمارة أين رحب بهم الأهالي أشد ترحيب(4) وبذلك تم استعادة ملك الق رمانليين بطرابلس وتم تعيين أحمد بك القرمانلي واليا عليها باسم أحمد باشا الثاني، بعد أن تنازل له والده عن العرش(5).
بعد أن استتب الحكم لأحمد باشا الثاني، عادت حملة مصطفى خوجة إلى تونس في 62 جانفي سنة 1795م ،وعاد علي باشا إلى طرابلس بعد حوالي شهر من ذلك، وكان حمودة باشا قد بعث برسالة إلى السلطان العثماني يطلعه على أسباب تنظيمه لحملة على طرابلس(6).
أما علي برغل فقد خرج فارا منها على ظهر ط راد(7) ملك للقبطان الفرنسي لوتييه،كان قد استولى عليه سابقا، متجها إلى درنة ومنها إلى مصر(8)
____________________
(1)- شارل فيرو، المصدر السابق، ص 362.
(2)- رودولفو ميكاكي، المرجع السابق، ص 128. ينظر كذلك، نيكولاي ايليتش بروشين ،المرجع السابق، ص ص148-149. ينظر أيضا، الآنسة توللي ،المصدر السابق، ص 551.
(3)- رودولفو ميكاكي، المرجع نفسه، ص 129. ينظر كذلك ،كولافو لايان: ليبيا أثناء حكم يوسف باشا القرمانلي ،تر: عبد القادر مصطفى المحيش ، مراجعة: صلاح الدين السوري، مركز دراسة جهاد اللبيبين ضد الغزو الايطالي ،ط1 ،دار الكتب ، طرابلس، ليبيا ، 1988م، ، ص38.
(4)- أحمد بك الأنصاري، المصدر السابق، ص 306.
(5)- رودولفو ميكاكي، المرجع نفسه، ص 129.
(6)-نفسه، ص 129
(7)- طراد: وهي سفينة صغيرة سريعة، تعد من المراكب الحربية الأكثر شبها بالبرميل الهائل من السفينة، وكانت تستعمل في حمل الخيول والفرسان، يصل عدد ما يحمل عليها أربعون فارسا، اطلق عليها الفرنسيين اسم TARTAN. للتفصيل ينظر، نبيل عبد الحي رضوان:* تطور الأسطول العثماني في ظل ابرز الحضارات البحرية للبحر المتوسط،* في مجلة المؤرخ المصري دراسات وبحوث في التاريخ والحضارة، قسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة القاهرة، مصر، ع20، جويلية 1998م، ص 230.
(8)- شارل فيرو، المصدر السابق، ص363.
التي مكثث عند مراد بك(1) الذي أسكنه (3)بقصر في الجيزة(2) ومكث بمصر مدة ست سنوات، ثم غادرها إلى الشام، ومنها إلى الباب العالي ،ليحصل سنة 1803م على فرمان توليته على مصر، ثم ما لبث أن قتل بها بعد أن طعن بخنجر .
ثانيا: حملة طرابلس الغرب واسترجاع عرش القرمانليين بها.
تمكن أبناء علي باشا القرمانلي من استعادة عرش طرابلس، بعد طردهم للمغتصب علي برغل الجزائري، فاجتمع العلماء والأعيان في 19جانفي 1795م وأعلنوا أحمد بك واليا على طرابلس(4) وأخاه يوسف وليا للعهد وقائدا للجيش(5) وبعد إن استتب الأمن بطرابلس وخضعت لأبناء علي باشا القرمانلي، غادر مصطفى خوجة وجيشه عائدين إلى تونس، وبمجرد وصوله إلى هاته الأخيرة، حتى بعث حاكمها حمودة باشا وزيرا إلى الباب العالي محملا بالهدايا، وبرسالة(6) اعتذار للسلطان العثماني عن محاربته لعلي برغل، شارحا فيها الأسباب التي جعلته يقدم على فعلته، مبينا ولاءه للباب العالي، وملتمسا منه تولية أحمد القرمانلي على طرابلس ،فأرسل السلطان العثماني فرمان تولية أحمد بك على طرابلس(7) .
وفور توليه أمر طرابلس وجه أحمد باشا خطابا إلى الباب العالي حرره الأهالي بإيعاز منه في
10رجب 1209ه/13 جانفي 1795م، أطلعه فيه على الأوضاع المزرية التي خلفها علي برغل
______________________
(1)- مراد بك: زعيم المماليك في مصر اشتبك مع نابليون بونابرت في معركة الأهرام 1798م، للتفصيل ينظر، نفسه ص363.
(2)- أحمد الطاهر الزاوي ،ولاة طرابلس من بداية الفتح العربي الى نهاية العهد التركي، المرجع السابق، ص228.
(3)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص ص74-75.
(4)- راسم رشدي، المرجع السابق، ص97. الملاحظ هنا وجود بعض الاختلافات بين المؤرخين في ذكر كيفية تولي أبناء علي باشا الحكم ،فرودولفو ميكاكي أورد أن علي باشا القرمانلي هو الذي تنازل عن العرش لابنه أحمد، ينظر، رودولفو ميكاكي ،المرجع السابق، ص 129. يوافقه في ذلك محمود ناجي الذي يضيف أن علي باشا أقر ابنه يوسف بك، ينظر: محمود ناجي، المرجع السابق، ص164. في حين ذهبت الآنسة توللي للقول أن الحكم في طرابلس بعد طرد برغل كان مشترك بين بك تونس، وعلي باشا، وبك طرابلس، وسيدي يوسف، بموجب الفرمان السلطاني الذي أقر ذلك، قبل أن ينقلب يوسف على أخيه فيما بعد ،ينظر: الآنسة توللي ،المصدر السابق، ص551. أما كولافو لاين فذكر أنه تم تعيين أحمد بك واليا لمرض علي باشا وتواجده بتونس، ينظر، كولافو لاين، المرجع السابق، ص 39.
(5)- محمود علي عامر ومحمد خير فارس، المرجع السابق، ص 220.
(6)- الملحق رقم05، ص 128.
(7)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع نفسه، ص77. نفس الطرح أورده أحمد النائب الأنصاري، الذي أضاف أن السلطان العثماني، امتعض من منح طرابلس لأبناء علي القرمانلي مرة أخرى بعد طرد علي برغل الجزائري، فرأى بذلك أن باي تونس إنما أصلح الفساد بالفساد، بقوله لمبعوث حمودة باشا انه الأجدر كان تولية قائد جيشكم عليها، وبعد استماعه لتبريرات وزير حمودة باش اقتنع بالأمر، وأرسل فرمان تولية أحمد القرمانلي الثاني على طرابلس، ينظر أحمد بك النائب الأنصاري ،المصدر السابق، ص ص 310-311.
بطرابلس، وكانت أولى إجراءات الأخوين، هي فرض ضرائب باهظة على السكان لتغطية تكلفة إعداد الحملة المقدرة بحوالي سبع مائة ألف قرش والتي أنفقت بتونس. وسعيا منه لتنفيذ مخططاته للوصول إلى الحكم، استغل يوسف بك الوضع لكسب قلوب الناس حوله، وتنفيرهم من أخيه، وصرح أمام العامة، بأن المبلغ الذي يود الباشا جمعه كبير ولا طاقة للأهالي بتحمله(1) وواصل يوسف بك مناوراته وحيله لعزل أخيه عن العرش، فتقرب بالأهالي واحتك بهم مساهما في مساعدتهم على قضاء حوائجهم، حتى يضمن ولاءهم له(2) ثم ما لبث أن أظهر لأعيان البلاد وعلماءها الموثقين لديه، معارضته لسياسة أخيه الاستبدادية، وعزمه على عزله من الحكم، وبالرغم من بلوغ الخبر إلى والده إلا أنه التزم الصمت، ولعل ما ساعد يوسف بك على تنفيذ مخططاته ،هو عدم تمكن أحمد باشا من صياغة سياسة تخرج البلد من المشاكل والصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد لعدم كفاءته(3) وانصرافه إلى حياة اللهو والمجون، وانغماسه في الملذات والمحرمات، وإهماله لشؤون الرعية(4). وبالرغم من ذلك فإن أحمد باشا كان محتاطا لنفسه من أخيه، فلم يكن يترك يوسف وراءه في المدينة ،أثناء خروجه خارج أسوارها، خوفا من انقلابه عليه(5).
اعتاد القرمانليون الخروج إلى تاجوراء في منتصف شهر شعبان من كل عام، لزيارة الأولياء فيها على الرسم المعتاد، فاستغل يوسف بك الفرصة لعزل أخيه ،بأساليبه القديمة من مكر وخداع، ليحث الأهالي على الانتفاضة والثورة على أخيه(6).
استغل خروج الباشا وحاشيته من المدينة قبله ، وأمر رجاله بإغلاق أبواب القلعة وبوابات المدينة ،وإطلاق النار على أحمد باشا وجنوده، مع إطلاق طلقتين بالمدفعية، فخشي الباشا أن يلقى مصير أخيه حسن من قبل، ففضل الفرار إلى مصراتة ومنها إلى مالطا، بعد أن قضى مدة سنة وشهرين من
_______________________
(1)- محمود ناجي، المرجع السابق ،ص164.
(2)-رودولفو ميكاكي، المرجع السابق، ص 130.
(3)- كولافو لاين، المرجع السابق، ص 39.
(4)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص ص77-78.
(5)- رودولفو ميكاكي، المرجع نفسه، ص130.
(6)- أحمد بك الأنصاري، المصدر السابق، ص311. في حين إن شارل فيرو أورد أن يوسف بك هو من اقترح على الباشا خروجهما لصيد الغزلان بالكثبان الرملية المجاورة للمدينة، واستغل خروج الباشا وحاشيته قبله، ليأمر رجاله، بغلق الأبواب، ينظر شارل فيرو، المصدر السابق، ص369.
ولايته على طرابلس(1) مفضلا تجنب إراقة الدماء، وعدم الدخول في صدام مع يوسف بك، بالرغممن عرض الأهالي بمساندته ضد أخيه(2).
وعاد يوسف بك مسرعا إلى أبيه يخبره بفرار أخيه، ملحا عليه تولي العرش ،إلا أن كبر سن علي القرمانلي، وخوفه على حياته، جعله يولي يوسف بك على طرابلس، لتتم له البيعة في 11جويلية 1795م(3) ولتكون له الشرعية لدى عامة الشعب، الذين ينظرون إلى السلطان العثماني على أنه خليفة المسلمين، ولا سلطان عليهم من الولاة إلا بفرمان رسمي من الباب العالي(4).
اعتاد القرمانليون الخروج إلى تاجوراء في منتصف شهر شعبان من كل عام، لزيارة الأولياء فيها على الرسم المعتاد، فاستغل يوسف بك الفرصة لعزل أخيه ،بأساليبه القديمة من مكر وخداع، ليحث الأهالي على الانتفاضة والثورة على أخيه(6).
استغل خروج الباشا وحاشيته من المدينة قبله ، وأمر رجاله بإغلاق أبواب القلعة وبوابات المدينة ،وإطلاق النار على أحمد باشا وجنوده، مع إطلاق طلقتين بالمدفعية، فخشي الباشا أن يلقى مصير أخيه حسن من قبل، ففضل الفرار إلى مصراتة ومنها إلى مالطا، بعد أن قضى مدة سنة وشهرين من
_______________________
(1)- محمود ناجي، المرجع السابق ،ص164.
(2)-رودولفو ميكاكي، المرجع السابق، ص 130.
(3)- كولافو لاين، المرجع السابق، ص 39.
(4)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص ص77-78.
(5)- رودولفو ميكاكي، المرجع نفسه، ص130.
(6)- أحمد بك الأنصاري، المصدر السابق، ص311. في حين إن شارل فيرو أورد أن يوسف بك هو من اقترح على الباشا خروجهما لصيد الغزلان بالكثبان الرملية المجاورة للمدينة، واستغل خروج الباشا وحاشيته قبله، ليأمر رجاله، بغلق الأبواب، ينظر شارل فيرو، المصدر السابق، ص369.
ولايته على طرابلس(1) مفضلا تجنب إراقة الدماء، وعدم الدخول في صدام مع يوسف بك، بالرغممن عرض الأهالي بمساندته ضد أخيه(2).
وعاد يوسف بك مسرعا إلى أبيه يخبره بفرار أخيه، ملحا عليه تولي العرش ،إلا أن كبر سن علي القرمانلي، وخوفه على حياته، جعله يولي يوسف بك على طرابلس، لتتم له البيعة في 11جويلية 1795م(3) ولتكون له الشرعية لدى عامة الشعب، الذين ينظرون إلى السلطان العثماني على أنه خليفة المسلمين، ولا سلطان عليهم من الولاة إلا بفرمان رسمي من الباب العالي(4).
قام بطرقه الملتوية وكلامه المعسول كعادته، بجمع وجهاء وأعيان البلاد، وحثهم على كتابة عريضة إلى السلطان العثماني، يعبرون فيها عن رغبتهم ورضاهم على توليته عليهم، ولما حصل على مراده، بعث بالعريضة والعديد من الهدايا الثمينة ،مع رئيس البحرية حسين باشا إلى الباب العالي ،وأرفقه برسالة إلى السلطان العثماني شرح فيها أوضاع طرابلس، وظروف توليه الحكم ، ومعربا في نفس الوقت عن ولائه وإخلاصه للسلطان العثماني، ومتعهدا بضمان الأمن والعدل والاستقرار للولاية(5) كما طلب من ثقاته التقرب من باي تونس حمودة باشا والالتماس منه، التوسط له لدى السلطان العثماني لتحقيق مراده، واتصل بالقنصل الفرنسي بطرابلس، وطلب منه حث سفير بلاده بالباب العالي لبذل مساعيه عند السلطان العثماني، لتوليته على طرابلس، وعلى ضوء تلك المعطيات أصدر السلطان العثماني فرمان تولية يوسف بك على طرابلس الغرب في أواسط شعبان 1121 ه الموافق ل 1796م، مزودا إياه بسفينة تضم ثمانية وعشرين مدفعا، وأمره بإصلاح الحصون والوقوف على أحوال الرعية وتقوية الأسطول، واحترام معاهدات ومواثيق الدولة العثمانية مع الدول الأوربية(6).
__________________
(1) - أحمد النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص 311. اختلف مع شارل فيرو في مدة حكم أحمد باشا الثاني، حيث أورد فيرو، أن تولية يوسف باشا كانت يوم 11 جويلية 1795م، وحسابيا نجد أن مدة تولي أحمد باشا لم تتجاوز ستة أشهر، ينظر، شارل فيرو، المصدر السابق، ص369. أما ميكاكي فقد أورد أن يوسف بك استغل تواجده مع الباشا بالمنشية من الفاتح إلى الحادي عشر جويلية من سنة 1795م، وحدث شجار بينهما فأسرع يوسف إلى المدينة، وطلب من أتباعه غلق الأبواب في وجه أخيه، وأنه فور توليه أمر طرابلس، عين أخاه المعزول بك على بنغاري ودرنة، ووافق هذا الأخير على ذلك، إلا أن العاصفة التي واجهته أثناء إبحاره لتسلم منصبه الجديد، جعلته يغير مساره إلى جزيرة مالطا ومنها إلى تونس، رودولفو ميكاكي، المرجع السابق ،ص130. (2)- محمود علي عامر ومحمد خير فارس، المرجع السابق ،220.
(3)- شارل فيرو، المصدر نفسه، ص369.
(4)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص 83.
(5)- محمود على عامر ومحمد خير فارس، المرجع نفسه، ص 222،
(6)- عمر علي ابن إسماعيل، المرجع نفسه، ص 84.
__________________
(1) - أحمد النائب الأنصاري، المصدر السابق، ص 311. اختلف مع شارل فيرو في مدة حكم أحمد باشا الثاني، حيث أورد فيرو، أن تولية يوسف باشا كانت يوم 11 جويلية 1795م، وحسابيا نجد أن مدة تولي أحمد باشا لم تتجاوز ستة أشهر، ينظر، شارل فيرو، المصدر السابق، ص369. أما ميكاكي فقد أورد أن يوسف بك استغل تواجده مع الباشا بالمنشية من الفاتح إلى الحادي عشر جويلية من سنة 1795م، وحدث شجار بينهما فأسرع يوسف إلى المدينة، وطلب من أتباعه غلق الأبواب في وجه أخيه، وأنه فور توليه أمر طرابلس، عين أخاه المعزول بك على بنغاري ودرنة، ووافق هذا الأخير على ذلك، إلا أن العاصفة التي واجهته أثناء إبحاره لتسلم منصبه الجديد، جعلته يغير مساره إلى جزيرة مالطا ومنها إلى تونس، رودولفو ميكاكي، المرجع السابق ،ص130. (2)- محمود علي عامر ومحمد خير فارس، المرجع السابق ،220.
(3)- شارل فيرو، المصدر نفسه، ص369.
(4)- عمر علي بن إسماعيل، المرجع السابق، ص 83.
(5)- محمود على عامر ومحمد خير فارس، المرجع نفسه، ص 222،
(6)- عمر علي ابن إسماعيل، المرجع نفسه، ص 84.
بعد وفاة محمد باشا القرمانلي سنة 1754م عن عمر ناهز خمسة وأربعين عاما(1) انتقلت السلطة تلقائيا إلى ابنه محمد الذي لم يتجاوز عمره آنذاك العشرون سنة (2) فتمكن الانكشارية من الاستئثار بالحكم باسمه والسيطرة على قراراته، وتركزت أعلى المناصب في أيديهم، مما أدى إلى تدهور الأوضاع السياسية للبلاد، بسبب انصرافهم إلى خدمة مصالحهم الشخصية، على حساب إرادة الباشا الضعيفة، وعلى حساب أمور وشؤون الرعية كما ساءت العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأوربية، بفعل تزايد أعمال القرصنة، التي أقرها الباشا الجديد(3).
أما على المستوى الداخلي فقد عمل الانكشارية على تأجيج الوضع من خلال خلق الاضطرابات والقلاقل، بين الباشا والرعية من جهة، وبين الباشا وأقاربه من جهة ثانية، فكثرت الاغتيالات والتمردات(4). وبالرغم من الإصلاحات التي أقرها الباشا، إلا أن الأوضاع العامة بطرابلس ازدادت سوءا مع نهاية فترة حكمه، بسبب صراع أبناءه الثلاثة حسن بك، أحمد ويوسف على العرش، مما أثر سلبا على الحياة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فانتشرت الأوبئة موالأ راض، وحل القحط، والفقر، وعم الخراب، والدمار بالمدينة.
الوضع المتعفن الذي أصبحت تعيشه طرابلس الغرب مع بداية تسعينيات القرن 18م ،والأزمات الداخلية التي حدثت بها، وتفاقم صراع أبناء علي باشا على السلطة ،وتطوره إلى مقتل حسن بك على يد أخوه يوسف، وخروج هذا الأخير عن إرادة أبيه من خلال حصاره للمدينة بغية عزله، وتنصيب نفسه واليا على طرابلس، ورفع أهالي طرابلس لعريضة تظلم إلى السلطان العثماني ،يشتكون فيها من ظلم وتسلط القرامانليين عليهم، ملتمسين منه التدخل لإحلال الأمن والنظام ،وتخليصهم من بطش وظلم القرمانليين ،كل ذلك جعل السلطان العثماني يفكر في استرجاع الولاية وضمها إلى ممتلكاته بحكم مباشر.
بصراعهم على الحكم فقد القرمانلي ون عرشهم على طرابلس من سنة 1793-1795م لصالح علي برغل الجزائري، الذي استباح سكانها وعاث فيها فسادا.
_________________________
(1)- رودولفو ميكاكي: طرابلس الغرب تحت حكم أسرة القرمانلي،
المرجع السابق، ص89. (2)- نيكولاي إيليتش بر وشين، المرجع السابق، ص126. أما ميكاكي فانه أورد أن علي باشا استلم عرش طرابلس وهو صاحب ثلاثة وعشرون سنة، ينظر، رودولفو ميكاكي، المرجع نفسه، ص 90.
(3)- نفسه، ص 90.
(4)- نفسه، ص 91.
وبالرغم من التغيير الذي أقره السلطان العثماني بطرابلس، إلا أن أحوال طرابلس لم تتغير ،بل ازدادت سوءا بفعل سياسة الوالي الجديد، الذي أثقل كاهل الأهالي بالضرائب، ممارسا عليهم أشد أنواع القهر الظلم، والتقتيل، مما جعل الأهالي ينقمون عليه، ويعملون ما بوسعهم للتخلص منه.
إن جشع علي برغل وحبه للمال، استولى على فكره وعقله، وجعله يفقد بصيرته بإعلانه الحرب على تونس، وتنظيم حملة على جزيرة جربه التونسية وضمها إلى ممتلكاته، فرد حمودة باشا بتنظيم حملة لاسترجاع الجزيرة وطرده منها، بعد أن رفع ع ريضة تظلم إلى الباب العالي، يشكو فيها من ممارسات واعتداءات برغل على أراضيه.
بعد استعادته لجزيرة جربه وطرد جيش برغل منها، واصل الجيش التونسي حملته على طرابلس، وتمكن من استعادة عرش القرمانليينبه ا ،وتعيين أحمد بك واليا جديدا عليها خلفا لأبيه علي باشا الطاعن في السن، الذي تنازل له عن العرش، وأرسل برسالة إلى الباب العالي يشرح فيها أسباب تنظيمه لحملة على طرابلس.
لم يستمر أحمد باشا الثاني طويلا بالحكم قبل أن يعزله يوسف بك، وينصب نفسه واليا على طرابلس مع نهاية سنة 1795م .مكن حمودة باشا باي تونس القرمانليين من استرجاع عرشهم على طرابلس سنة 1795م، بعد اغتصابه من طرف علي برغل سنة 1793م، فالقرمانليون يدينون له لتمكينهم من الاستمرار في حكم طرابلس لفترة إضافية تزيد عن 04 أربعين سنة، امتدت إلى سنة
1835م .
وقد عمل يوسف باشا منذ توليه أمر طرابلس على ربط علاقات خارجية مع مختلف الدول الخارجية، بما يخدم مصالح بلاده السياسية والاقتصادية.
الملحق رقم05: تقرير حمودة باشا إلى
السلطان العثماني سليم الثالث يشرح فيه أسباب إقدامه على تنظيم حملة على طرابلس
وإعادة القرمانليين للحكم وطرد علي برغل 1795م(1).
____________________
(1)- أمحمد سعيد الطويل: البحرية
الليبية الطرابلسية في عهد يوسف باشا القرامانلي، المرجع السابق، ص 184، لم نورد ترجمة
الوثيقة، ضمن الملاحق نظرا لكون الترجمة تفوق أربع ورقات، ولمن أراد العودة إلى
الترجمة ينظر، نفسه، ص ص 185-194
إرسال تعليق