U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

ردود الفعل الدولية والوطنية من الاحتلال الفرنسي للجزائر 1830م

 

ردود الفعل الدولية والوطنية من الاحتلال الفرنسي للجزائر 1830م 



ردود الفعل الدولية والوطنية من الاحتلال الفرنسي للجزائر 1830م


1-الدولة العثمانية
2-موقف البـاي التونسي
3-موقف سلطان المغرب
4-موقف الدول الأوربية
5-موقف المغرب من الاحتلال الفرنسي لمدينة الجزائر 1830
- الموقف الرسمي
6-ردود الفعل الوطنية.



1- الدولة العثمانية:

         لقد علم السلطان العثماني عن طريق القنصل  الفرنسي بإستانبول بنبأ احتلال العاصمة في 06 أوت 1830[1]، ولكن نظرا للظروف التي كانت تمر بها الدولة العثمانية –زحف محمد علي باشا على سوريا- حالت دون توضيح موقفه من الحادث، وفي سنة 1833 توصل السلطان إلى عقد صلح مع خصومه؛ وعلى إثره قام بالخطوات الآتية:

- أرسل مصطفى رشيد باشا إلى باريس سنة 1834 بغرض تذكير الحكومة الفرنسية بالحقوق الشرعية للدولة العثمانية في الجزائر، إلا أنه فشل في مهمته؛ وكذلك الحال بالنسبة لنامق باشا الذي أرسله إلى لندن.[2]

- أرسل حملة عسكرية إلى طرابلس الغرب يوم 26/05/1835 قصد فض النزاع القائم بين الأسرة القرمانلية وهو ما ساعد على إلحاقها بالدولة العثمانية، تمهيد لضم تونس فيما بعد. الأمر الذي دفع بفرنسا إلى إرسال سفنها الحربية لملاحقة الأسطول العثماني قصد منع حدوث ذلك مع تونس، وهو ما جعل الباي التونسي يميل أكثر إلى مساعدة فرنسا في احتلال الجزائر.

- أرسلت حامية عسكرية إلى الحاج أحمد باي قسنطينة تلبية لنداء مساعدته: (( ونخبركم بأننا لن نبخل عليكم بمعونتنا وسنرسل إليكم عددا كافيا من الجنود والمدافع)).[3]  تتشكل من أربع سفن مشحونة بالجنود وعلى متونها 12 مدفعا و 150 من رماة المدافع، إلا أن باي تونس لم يسمح لها بالمرور معتذرا بحتمية تدخل الأسطول الفرنسي ومهاجمته لتونس. وعلى اثر ذلك توجه الأسطول العثماني نحو تونس، فبادرت الحكومة الفرنسية بإرسال أسطولها للحيلولة دون وصول الأسطول العثماني إلى المياه التونسية بحجة حماية المصالح التجارية والسياسية في حوض البحر المتوسط، فلم يجد الأسطول العثماني  بدا من العودة إلى اسطنبول في أواسط سبتمبر 1837 دون أن يحقق هدفه.

        إن الباب العالي لم يكن قادرا على استرجاع الجزائر وتأكد هذا من أول حولية نشرتها الدولة العثمانية سنة 1847 حيث لم تكتب ولاية الجزائر في جدول الولايات العثمانية كما كان يحدث سابقا.[4]

2-موقف البـاي التونسي:

       يقول أحد الكتاب المعاصرين حول بايات تونس: (( وكان حكام تونس ضالعين مع الفرنسيين يزدادون منهم تقربا كلما خافوا على عرشهم الزوال على أيدي الأتراك غير مفكرين في المصير المحتوم الذي ينتظرهم ولا ما يقتضيه واجب التضامن الإسلامي وحق الجوار والأخوة لإنقاذ الجزائر من براثن الاستعمار الفرنسي)).[5]

        وغداة احتلال العاصمة الجزائرية وقع مشروعا بين الباي التونسي والحكومة الفرنسية على أساس أن تسلم فرنسا ولايتي قسنطينة ووهران إلى الباي التونسي مقابل غرامة مالية، ولقد حاول ابن ا[ي الضياف تبرير هذا الفعل التونسي بدوافع منها حقن دماء المسلمين والحفاظ على بلاد تونس من ثورات القبائل والمزيد من الحصول على الثروة.[6] وبالفعل أرسل حاكم تونس الآغا خير الدين على رأس قوة تتكون من 300 فراسا من المخازنية والزواوة، فوصلت وهران يوم 19 جانفي 1831 وكان هدفها الأول التمركز في المنطقة وجمع الضرائب من السكان.[7] ومن بين الدلائل الدالة على الولاء التونسي للفرنسيين ما ذكره الباي حسين متذللا للقنصل الفرنسي (( إنني أتمنى أن يكون النصر للأمة الفرنسية... ولو جاءني من الدولة العثمانية مائة فرمان تدعوني على معاكسة فرنسا حليفتي، فإني لا أطيع لها أمرا ولا أسمح لأحد بتلبية ندائها لحمل السلاح ضدها...وليس أحد أشد شوقا مني على معاقبة عدوها الظالم داي الجزائر)).[8]

        وفعلا انخدع الباي الضعيف للمشروع فوجه رسالة إلى علماء وأعيان الجزائر هذا ما جاء فيها: (( فكاتب علماء البلاد وأعيانها بما محصله أن الجزائر لما حل بها ما حل وكان أمر الله قدرا مقدورا أصبحتم فوضى، وعرضة لكل ذي حد أمضى لا تمنون تراعا ولا تستطيعون دفاعا وبقاؤكم على هذه الحالة يفضي لتشتيت الكلمة واستئصال أمة مسلمة، وأن الجيش الفرنسي لا قبل لكم به ولا طاقة، فالواجب أن تنظموا إلينا وتتركوا القتال لأنه إلقاء باليد إلى التهلكة في هذه الحال والمومنون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا...)).[9]

كانت سياسة البايات هذه محكومة إلى عدة اعتبارات يمكن تلخيصها في:

1.  التدخل الفرنسي المحسوس في شؤون تونس الداخلية وبخاصة منها السياسية والاقتصادية بجانب التهديد الفرنسي الرسمي المباشر.

2.  المعاهدات التي فرضت على باي تونس وكان معظمها لصالح فرنسا

3.  سوء العلاقات التي كانت بين ولايتي الجزائر وتونس

4.  تخوف النظام التونسي من الاحتلال الفرنسي للبلاد

5. طمع بعض البايات في الحصول على مواطن نفوذ في أرض الجزائر تحت حماية فرنسا، ورغبة منه في إدخال إصلاحات أوربية إلى بلادهم.

6.  تشجيع بعض الأطراف الجزائرية باي تونس لحكم الجزائر وهذا من خلا لاتصال إبراهيم باي وبعض شيوخ بايلك الشرق به.

7.  وقع السياسة العثمانية المتمثل في التدخل في طرابلس الغرب والقضاء على الأسرة القرمانلية  دفع حكام تونس إلى الاحتماء بفرنسا.[10]

        وعندما أمنت فرنسا جانب تونس بعدم التدخل في الشؤون الجزائرية استخدمت أسلوب التهديد بإرسال أسطولها على ميناء حلق الواد مما أسفر عن إمضاء الباي التونسي على اتفاقية 08/08/1830، وبعد ذلك واصل  الأسطول الفرنسي سيره باتجاه طرابلس الغرب حيث وقع باشا طرابلس على اتفاقية يوم 11/08/1830 التي تنص على: أن تلتزم نيابة طرابلس عدم تطوير قواتها البحرية[11] .

 

3-موقف سلطان المغرب:

    انطلاقا من طبيعة العلاقات التاريخية التي كانت قائمة بين إيالة الجزائر والدولة العلوية قبل سنة 1830 فإن السلطان اتخذ مواقف عدة من الجزائر منذ الحصار البحري الذي فُرض عليها إلى غاية الاحتلال (1827-1830)، ويمكن رصد مواقفه في الفقرات التالية:

    التزم المولى عبد الرحمان الحياد منذ أن وصلته أخبار حادثة المروحة سنة 1827 وإعلان فرنسا الحصار البحري على الجزائر[12]، إلا انه لم يمنع أولئك الذين اندسوا في صفوف الشعب المغربي وقدّموا خدماتهم لصالح فرنسا، فالكثير من رجال الطرقية - الطيبية، الشاذلية، الدرقاوية- تنكّروا في زي مُتسوّلين يجوبون شوارع العاصمة -الجزائر- لجمع المعلومات عن حالتها الداخلية ثم يدخلون بها المغرب حيث تُسلّم للبعثات الدبلوماسية الفرنسية العاملة بالمغرب[13].

    وفي صيف 1828 تمكّن الجزائريون من الاستيلاء على بعض المراكب التجارية الفرنسية فاقتادوها إلى ميناء تيطوان والعرائش، وهو ما دفع بنائب القنصل الفرنسي "دي لابورت"     (DE LAPORT)[14] إلى تقديم احتجاجاته إلى السلطات المغربية بالامتناع عن استقبالهم . إلا أن السلطان رفض ذلك بل أمر عامله بتطوان محمد أشعاش[15] باستقبالهم والسّماح لهم ببيع غنائمهم  ونلمس ذلك في الخطاب الذي أرسله له بتاريخ 14سبتمبر 1828م «… فأعلم أن أهل الجزائر إخواننا … وأهل محبتنا فلا يحمل بنا طردهم … ولاحظهم بطرف خفي بما يحتاجون إليه من الفُرشك وغيره وإن وجد سبيلا لبيع شيء من غنيمتهم سرا بحيث أن لا يكون شعور الآخر فلا تمنعهم … »[16].

    أمام  هذا الرفض المغربي جدّد "دي لابورت" مطالبه لدى السلطان خلال شهر جانفي 1829، بل أضاف  إليها مطلبا جديدا وهو منع وكيل الجزائر بتطوان عبد الكريم بن الطالب من حمل وُساق الغنائم إلى الجزائر التي بيعت في تطوان، وفي ظل هذا النشاط الدبلوماسي الفرنسي أرسل السلطان بتعليمات إلى كل من محمد أشعاش وعامل العرائش تضمّنت منع الجزائريين من بيع غنائمهم، في الوقت الذي أخبر فيه السلطان نائب القنصل الفرنسي بقراره هذا، واللافت للانتباه هنا أن قرار المنع جاء بعد عملية البيع، وعليه فهو يندرج ضمن سياسة السلطان لتجاوز مطالب فرنسا.

    ومع مطلع شهر أفريل 1829 وفي ردّهما عن إشعار فرنسا السلطان بإرسال حملة عسكرية لمعاقبة الداي حسين، أكّد باشا طنجة السعيدي العريبي وأمين ديوانه الطيب البياس -البياز أحيانا-بان المغرب غير منشغل بها، ووعدا بأن الفرنسيين سيجدون في كل البلاد المساعدة التي تحتاجها سفنهم وأشخاصهم، وفي الوقت  نفسه  أعربا عن قلق المغاربة من هذه الحملة، وفي رسالته إلى محمد أشعاش بتاريخ 21 أفريل 1829 حذّر السلطان من الخطر الفرنسي وأمر بالتزام الحذر والحيطة تجاه التحركات الفرنسية.

    في منتصف ماي 1830 توصّل القنصل المغربي بجبل طارق "يهودا ابن عليل" برسائل من الداي حسين مُوجّهة إلى المولى عبد الرحمن، فأكّد  "دي لابورت" في تقريره إلى كل من رئيس الوزراء ووزير الخارجية الفرنسية "دي بولينياك" (DePolignac) بأن هذه الرسائل إذا كانت في شأن  موضوع الحملة فأنها ستُستقبل ببرودة، لأن السلطان عازم على التمسك بالحياد، وقد عبّر فيما بعد وزير الخارجية "سباستياني" (Sebastiani) عن هذا الحياد في رسالته إلى الملك "لويس فيليب"[17]   بتاريخ 20 فيفري 1831 بـ «… كان هذا الأمير [ أي السلطان] يظهر مُصفقا لحملتنا ضد داي الجزائر الذي لم تكن علاقته به جيدة، وقد استجاب بسرعة إلى الخدمات التي طلبناها منه، بل أفهمنا بأننا نستطيع الحصول منه على أكثر من ذلك، من دلائل الرعاية بدون خوف من المساس بالمشاعر الدينية لرعاياه …»[18].

    أثمرت التحركات الفرنسية في الأخير بتلقي "دي لابورت" تأكيدا من باشا طنجة بأن كل السفن والرعايا الفرنسيين الذين يمكن أن تدفع بهم الظروف إلى الشواطئ المغربية المتوسّطية  سيتلقون كل الدعم  والمساندة، وأبلغه أنّه  سيكتب إلى القبائل الواقعة عبر هذه الشواطئ بتنفيذ ذلك، فكان جواب محمد تكرت – أحد زعماء هذه القبائل – في صالح الفرنسيين والذي  أخبر فيه باستعداد القبائل في تنفيذ تأكيدات باشا طنجة، هذا من جهة . 

    ومن جهة أخرى قبل السلطان في الأخير بتقديم المساعدة للفرنسيين، فأمر الطيب البياس بالسماح للسفن الفرنسية أن تأخذ كل مواد التموين المصرّ ح بتصديرها، وعلى اثر ذلك تم عقد صفقة تقدر بأربعمائة وثمانين ثورا، إلا أن النشاط الذي أبداه وكيل الجزائر بتطوان حال دون  أخذها في الوقت المناسب، وبوصول أخبار احتلال مدينة الجزائر إلى السلطان بتاريخ 27 جويلية 1830 صعّبت من مهمة الحصول عليها، لكنه في خلال شهر أوت 1830 أمر السلطان باشا طنجة وأمين ديوانه بأن يسرّحا  للفرنسيين ما تم الاتفاق عليه[19].

4-موقف الدول الأوربية.

       لم تبد الدول الأوربية تخوفها من الاحتلال الفرنسي للجزائر بل سارعت إلى مباركته وتأييده، ومن بين الدول التي أبدت مواقف المساندة لفرنسا نذكر:

-النمسا التي بادرت إلى إرسال أحد ضباطه فريديريك شوارتز امبرغ الذي شارك في معركة الاحتلال إلى جانب الجيش الفرنسي.

-روسيا ففي 13/05/1830 كتب القنصل الروسي الكونت بوزودي بورغو إلى القائد العام قائلا: (( أن الإمبراطور يتمنى أن تقبل ضابط متطوع تابع لوحدة الهندسة العسكرية ليشارك في الحملة وهو العقيد فيلوزولوف)).[20]

- اسبانيا قامت بإرسال عدة ضباط للمشاركة في الحملة منهم العقيد دون انطونيو لاسكان، كما أنها خصصت مستشفى لجرحى جيش الغزو.[21] في الأراضي الاسبانية ببورماهون يتسع لاستقبال ألفي شخص، ومن جهة أخرى اقبل سفير فرنسا باسبانيا بفتح مفاوضات مع الحكومة الاسبانية أوصى بضرورتها الخبراء العسكريون للحصول على موانئ ببلادها لرسو العمارات البحرية الفرنسية خاصة في خليج بالما.[22]

-حكومة البيمونت كان قنصلها في الجزائر قد زود الفرنسيين بالمعلومات اللازمة للاحتلال، وأما البابا بيونس الثامن فقد سمح للحكومة الفرنسية أن تستخدم موانئ بلاده بهده تنفيذ الحملة، وكذلك فعل ملك نابولي الذي رخص لتجار بلاده أن يأجروا قواربهم للجيش الفرنسي.[23]

- أما الجمهوريات الإيطالية فإنها لم تبد أي اعتراض على الحملة بل سارعت إلى تهنئة الملك الفرنسي على مشروعه الذي يخدم الدول المسيحية.[24]

- بريطانيا كان البلد الأوربي الوحيد الذي أبدى معارضته لمشروع الاحتلال منذ بدايته، بسبب العداء التقليدي التاريخي؛ ويتجلى هذا الموقف عندما طلبت رسميا من الحكومة الفرنسية قبل الاحتلال أن توضح لها الهدف الحقيقي من الغزو، وعلى أنه ليس احتلالا، وكانت بريطانيا تبرر موقفها بحجة أن ولاية الجزائر من أملاك الباب العالي، وقصدها في ذلك أن تضفي على القضية طابعا شرعيا تشكل به مضايقة دولية للحد من أطماع فرنسا في إفريقيا، ومن ذم تكون القضية الجزائرية قد أخذت بعدا دوليا.[25] ولكن السلطة الفرنسية تخلصت من المضايقات البريطانية وعززت صفها، بان أعطت لحملتها صبغة دينية مسيحية، وربطتها بمصالح الدول الأوربية عامة، ولهذا وقفت إلى جانبها معظم القوى الأوربية.

5-موقف المغرب من الاحتلال الفرنسي لمدينة الجزائر 1830 :

    مكن الإشارة هنا إلى الموقف الرسمي والشعبي من احتلال مدينة الجزائر. فلقد حاول كل  منهما التعبير عن مواقفه  تجاه الكارثة التي حلّت بالجزائر، فكيف كانت مواقفهما من هذه الحادثة؟

- الموقف الرسمي:

    اختلفت الروايات التاريخية حول الموقف الرسمي الذي تبناه البلاط المغربي من احتلال مدينة الجزائر، فهناك من يرى أن السلطان اتخذ موقفا سلبيا تجاه ما حدث يكمن في أنه  كتب إلى "كلوزيل"[26] (CLAUZEL) معبّرا  له عن فرحته بالانتصار الذي حقّقه على الجزائر، وآملا في توسيع حدود بلاده على حساب الغرب الجزائري دون عائق[27]، وفي الوقت نفسه أقدم- بعدما وصلته أخبار الاحتلال- على تغيير مقر إقامته، فانتقل من مراكش إلى مكناس[28] وظل يراقب تطور الأحداث من هناك.

             لكن أثناء عملية البحث وجدت وثائق عدة تخالف الرأي الأول، وهي تثمّن موقف السلطان الإيجابي، فبمجرد أن سمع خبر احتلال العاصمة الجزائرية وجم السلطان وقام وقعد! وكتب مباشرة إلى محمد أشعاش بشأن هذه الكارثة ما نصّه »…وصلنا كتابك صحبة كتاب ابن عليل ( أحد وجهاء يهود طنجة ) على شأن الواقعة التي ساءت الإسلام والمسلمين، واغرت عيون أهل التقوي والدين واستيلاء عدو الدين الفرنصيص على ثغر الجزائر… إنّا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجر المسلمين في هذه المصيبة العظمى…«[29].

             ونتيجة للاضطهاد الذي حلّ بالجزائريين هاجرت عشرات الأسر الجزائرية نحو المغرب هؤلاء الذين أصبحوا يعرفون بالمهاجرين الجزائريين، فوردت هذه الأسر -العائلات- على المغرب في شكل أفواج متوالية يمكن أن نميز منها  ثلاثة أفواج رئيسية: الفوج الأول هاجر مع بداية الاحتلال وتكوّن  من أولاد الصابوني وأولاد بني مرزوق وأولاد العشعاشي وأولاد امباصو وأولاد المير وأولاد مولاي عبد القادر، الفوج الثاني هاجر مع الأمير عبد القادر أثناء لجوئه إلى المغرب الشرقي سنة 1843، الفوج الثالث كان يهاجر بين الحين والآخر بسبب سياسة الاستيطان والطرد الذي تعرضوا له، فكيف كان موقف السلطان  من مهاجري الفوج الأول؟

    بمجرّد وصول خبر السفينتين الحاملتين لأهل الجزائر إلى المغرب –تيطوان- أخبر عامل المدينة –محمد أشعاش- السلطان بحالهم، فأصدر هذا الأخير ظهيرا رحمانيا بشأنهم يوصيه فيه بالإحسان إليهم والعطف عليهم جاء فيه:«…وبعد فقد وصلنا كتابك مخبرا بورود المركبين الحاملين لأهل الجزائر ردّها الله دار إسلام… فكل من ورد منهم قابله بالبشاشة والقبول، وأجبر خواطرهم بالإكرام ولين الجانب، فإنّ جبر القلوب واجب…»[30].

    لم يكتف السلطان بذلك بل سرعان ما كتب إلى عامل المدينة نفسه بضرورة الانتفاع بمواهبهم وتوظيفهم في الخدمات والمهن التي يتقنونها، لكي لا يبقوا عرضة للضياع والإهمال، ونص ما جاء في كتابه:«…وبعد فقد بلغنا أنّ أهل الجزائر الذين يردون منها، ردّها الله دار إسلام فيهم البحرية والطبجية والعارفون بصنع البنبه والكورة والمدافع والمهارس… فبوصول كتابنا هذا إليك اخترهم وأضف كل فريق إلى أهل خطته وأعلمنا بهم، فإنّهم إن أهملوا بقوا عرضة للضياع…»[31].

    وخوفا من تحول هذا التوظيف إلى عمل إجباري في حقّهم أعقب السلطان كتابه بكتاب آخر إلى أشعاش يوصيه فيه أن لا يكلّفهم دون رغبتهم فهم أحرار، وذلك بتاريخ 19 نوفمبر 1830 جاء فيه:«…فهم أحرار، ومن أراد من الطبجية أو البحرية أن يدخل مع أهل خطته عن طيب نفس منه فأقبله ولا تكره أحدا، ومن أراد أن يبقى عند نفسه فهو في سعة…»[32].

    وأمام هذا الاهتمام المتزايد للسلطان بالمهاجرين الجزائريين، تزايد عددهم فوصل في نهاية القرن التاسع عشر إلى حوالي ثلاثمائة عائلة جزائرية، لها ملكيتها الخاصة بالمغرب وفي مختلف الميادين، هذا فضلا عن العناصر التي حظيت بثقة السلطان عبد الرحمن، كالقاضي الهاشمي بن بومدين بروكش، محمد الوالي، الفقيه أحمد بن عبد القادر بن الطيب وأحمد بن عبد القادر بن الطاهر،  فشكّل هذا الوفد هيئة قضائية –إدارية- جزائرية للنظر في كل ما يتعلّق بأحوالهم الشخصية، وتقديم متمنياتهم في الأعياد الدينية والاستقبالات الرسمية لدى السلطنة المخزنية، وقد ضمّت جماعتهم وقتئذ خمسة أعيان هم: علي بن عبو، الحاج عبد القادر بن الكندوز، محمد بن العربي، محمد بن التهامي ومحمد بن أحمد الهاشمي[33].

    لم يقتصر تعامل السلطان مع هؤلاء المهاجرين بل تعدّى ذلك إلى الداي حسين، فعقب إمضاءه لمعاهدة الاستسلام 1830 والتي جاء في شرطها الثالث: حرية اختيار الداي لمكان انتقاله  عبّر السلطان عن استعداده لاستقباله هو وحاشيته بمدينة تطوان التي حلّت بها الأسر الجزائرية وذلك في كتابه إلى محمد أشعاش بتاريخ 22 جانفي 1831 الذي جاء فيه:«…فقل له يكتب بأنّا أذنا له في ذلك فإن سكناه ببلاد المسلمين أولى ليسمع آذانهم ويلزم جماعتهم ولا يبقى غريبا ببلاد الكفر … وإن ورد فلا يرى إلا ما يسرّه إن شاء الله…»[34]. فكيف كان موقف الداي من هذا الاستدعاء؟

    فضّل الداي حسين التوجّه إلى بلاد النصارى أولا وبعد تنقلات عدّة استقرّ به المقام في مصر[35]. فعبّر السلطان عن تأسفه لهذا التوجه وعن ما لحق الداي من معاناة في كتابه إلى محمد أشعاش بتاريخ: 23 جانفي 1831 جاء فيه» …ولو أراد الله به خيرا لقاده إلى بلاد الإسلام…ولا سيما وهو رجل سلب ملكه وذهبت دولته …وحيث أراد الله به خلاف الخير سير له سببه فقاده إلى بلاد الكفر حيث لا يسمع آذانا ولا كلمة شهادة   نعوذ بالله« [36].

6-ردود الفعل الوطنية.

        على اثر احتلال العاصمة الجزائرية تباينت ردود الفعل الوطنية بين المؤيد لفرنسا والمعارض لها والمحايد، ووراء كل رد فعل حجج معينة؛ وما يهمنا من هذه الردود وهو رد الفعل المعارض لفرنسا. فمن مثّل هذا التيار؟ وما هي الأساليب والطرق التي انتهجها في سبيل تحرير البلاد؟ وإلى أي مدى نجح في تحقيق أهدافه؟

       قبل الإجابة عن هذا السؤال أود الإشارة إلى نقطة مهمة جدا، ألا وهي سياسة ملء الفراغ الإداري الناتج عن زوال نظام الحكم العثماني بالجزائر، سواء كان ذلك من طرف الجزائريين أو الفرنسيين. فبالنسبة للجزائريين ظهرت هناك بعض العناصر الوطنية التي تسعى إلى إقامة نظام حكم جزائري قائما بذاته، وسيظهر لنا هذا جليا في دولة الأمير عبد القادر، كما سعت عناصر أخرى إلى محاولة تأسيس نظام حكم جزائري بمساعدة فرنسا؛ أما من جانب فرنسا فقد ظهرت هناك الكثير من المشاريع حول نظام الحكم الفرنسي في الجزائر، وإن كان البعض من المؤرخين يعتبرون الفترة الممتدة من سنة 1830- 1834 فترة تردد فرنسي بين البقاء في الجزائر أو الجلاء عنها، فإن فرنسا ترددت فعلا خلال هذه الفترة، ولكن في طبيعة نظام الحكم الذي سيطبق في الجزائر.

        فمن ناحية الممارسات الواقعية في السياسة الفرنسية كانت تؤكد على الإصرار الفرنسي بالاحتفاظ بالجزائر، وما يؤكد ذلك طبيعة التشريعات والقرارات الصادرة عن القيادة العسكرية الفرنسية، ومن بينها اذكر:

-قرار الصادر في 08/09/1830 حول الأراضي والذي بموجبه تمت مصادرة أملاك البايلك والأتراك المهجرين، وأملاك مكة والمدينة التي قدرت بـ2601 دار في العاصمة وفي عنابة 91 دار وفي وهران 149 دار، وكان يقدر دخلها السنوي بـ 400 ألف فرنك.

- قرار الصادر في 09/09/1830 الذي أنشئت بموجبه محكمة مدنية خاصة ( رئيس وقاضيان ووكيل مالكي ومدني) وبمساعدة قضاة مسلمين واسرائليين، هذا فضلا عن الكثير من القوانين والتشريعات التي صدرت خلال هذه الفترة.وعليه فإن الدارس لهذه الفترة لا يفاجئ بمرسوم 1834 الذي يعتبر الجزائر قطعة فرنسية، لأنه لو تم تصديق فرنسا في فكرة جلائها عن الجزائر؛ فإن هذا يتناقض مع الفلسفة الاستعمارية التي تناقض ما ترمي إليه القوانين الدولية والعرفية، لأن المعروف لدى هذه القوانين أن الدولة تتكون أساسا من شعب وحكومة وإقليم وتفاعل تاريخي بين مقومات أساسية؛ في حين أن الفلسفة الاستعمارية قامت على أساس يخالف هذه النظرية، فأساس الدولة عندها هو إحداث نظام على ذلك الإقليم وعلى حساب ذلك الشعب من طرف شعب ما أو قوة ما، وهو ما تم فعلا في الجزائر.

 الإشارة إلى بعض الاستنتاجات:

1-الاحتلال الفرنسي للجزائر لم يكن وليد حادثة  المروحة، ولا وليد ذاته.

2-الاحتلال الفرنسي للجزائر لم يكن احتلالا فرنسيا بقدر ما كان احتلالا أوربيا.

3- تضافرت عدة أحداث ومواقف لنجاح مشروع الاحتلال الفرنسي للجزائر، ولولاها لما وقع ذلك.

4-الداي حسين لم يبذل ما في وسعه لمواجهة مشروع الاحتلال، بل نراه قد ساهم فيه بطريقة مباشرة.

5-لقد كان للإعلام الفرنسي دور كبير في احتواء الكثير من العناصر الوطنية الفاعلة، والشعبية من خلال تمرير مسألة تأديب الداي حسين فقط، وتحرير الشعب الجزائري من ظلم الأتراك.

 



[1] -زروال، محمد: العلاقات الجزائرية الفرنسية 1791-1830، مطبعة دحلب، الجزائر، 1994، ص، 161.

[2] - عميراوي، أحميده: دراسات في تاريخ الجزائر الحديث، منشورات جامعة منتوري، بقسنطينة، 1999، ص، 16.

[3] - نفسه، ص، 18.

[4] - المرجع السابق، ص، 19.

[5] - نفسه، ص، 136-137.

[6] - عميراوي، احميده: علاقات بايلك الشرق الجزائري بتونس أواخر العهد العثماني وبداية الاحتلال الفرنسي، دار البعث، قسنطينة، 2002، ص، 68.

[7] - نفسه، ص، 68.

[8] - نفسه، ص/، 68.

[9] - نفسه، ص، 139.

[10] - نفسه، ص، 72.

[11] - نفسه، ص، 140.

[12] - يعود تاريخ الحصار إلى 16 جوان 1827، ونزول القوات الفرنسية بسيدي فرج كان يوم 14 جوان 1830، واحتلال مدينة الجزائر كان يوم 05 جويلية 1830، يراجع: (الحصار البحري الفرنسي على السواحل الجزائرية 1827-1830)، ص-ص.11-23.

[13] - المكي، جلول : مسألة الحدود المغربية الجزائرية من (631هـ-1263هـ/1234م-1847م)وأثرها على العلاقات بين البلدين، د . د. ع، الجزائر، 1413هـ /1993م، ص.127.

[14] - دي لابورت (1777-1861): مستشرق ………ذهب مع نابليون إلى مصر، شغل موظفا بقنصلية فرنسا في كل من طرابلس، بيروت، المغرب (1830-1832)، يراجع: ………

[15] - هو ابن القائد الحاج عبد الرحمان بن عبد القادر أشعاش، التحق بسلك خُدام السلطان فولاه على مدينة تطوان عام 1242هـ، كان ذا شخصية بارزة غلب عليها طابع القوة والسطوة –استبد في حكمه- أنجد السلطان عدة مرات أثناء الفتن الداخلية التي تعرض لها، توفي بتطوان يوم 24 محرم 1261هـ، دفن بزاوية سيدي عبد الله الحاج البقال المتصلة بدار أشعاش، يراجع: تاريخ تطوان، مج …..ص-ص.276-294.

[16] - وثائق، خ،ح،ر: رفض السلطان لطلب الفرنسيين في شأن منع الجزائريين بيع غنائمهم وسلبها منهم، العلبة رقم. 1، الوثيقة رقم 5، بتاريخ 4 ربيع الأول 1244هـ

[17] - لويس فيليب ( 1773-1850 )ملك فرنسا (1830-1848) كان ضعيف الشخصية، ترك تسيير شؤون  فرنسا لوزيره جيزو الحاكم الفعلي منذ عام 1840، جاءت به  ثورة 1830 وطردته ثورة 1848، يراجع : المنجد في اللغة والأعلام ص. 501

[18] - إبراهيم، ياسين : (موقف المغرب من الحملة الفرنسية على الجزائر )، المغرب من العهد العزيزي إلى سنة 1912، ج.2، الجامعة الصيفية، جويلية، المحمدية، المغرب، 1987، ص.121.

[19]- يحي، جلال: مسألة الحدود المغربية الجزائرية والمشكلة الصحراوية، دار المعارف، القاهرة، 1981، ص.10.

[20] عميراوي، احميده: دراسات في تاريخ الجزائر الحديث، المرجع السابق، ص، 23.

[21] - عميراوي، احميده: دور حمدان خوجة في تطور القضية الجزائرية (1827-1840)، ط، 1، دار البعث، قسنطينة، 1987، ص، 44.

[22] - زروال، محمد: المرجع السابق، ص، 126.

[23] - نفسه، ص، 125.

[24] - نفسه، ص، 126.

[25] - عميراوي، احميده: دور حمدان بن عثمان خوجة، المرجع السابق، ص، 46.

[26]- الكونت برترون دو كلوزال (CONTE , BERTRAND. CLAUZEL) (1772-1842) اشتغل ضابطا في الأركان العامة للجيش الفرنسي، ساند نابليون في ثورته، اشتهر بحروبه في اسبانيا (1810-1813)، عين 1827 ممثلا  للنواب بمقاطعة رابتال، شغل منصب خليفة الجنرال بورمون، حاكم عام الجزائر (1835-1837).يراجع: …………

[27]- يحي، جلال: مسألة الحدود المغربية والمشكلة الصحراوية. المرجع السابق، ص.17. ويراجع أيضا: مسألة الحدود المغربية الجزائرية، المرجع السابق، ص.128.

[28] - HENRI, TERRASSE : HISTOIRE DU MAROC. TOM.2 ; editions atlantides, casa blanca ; n.d.p.431.

[29]- وثائق.خ.ح.ر: استياء سلطان المغرب من الاحتلال الفرنسي للجزائر، علبة، 1 وثيقة رقم 34، بتاريخ 10 صفر 1246هـ/ 31 جويلية 1830م.

[30] - مديرية الوثائق الملكية: رسالة السلطان بشأن معاملة المهاجرين الجزائريين، مجموعات وثائقية، دورية، تصدرها مديرية الوثائق الملكية، مج.1، المطبعة الملكية، الرباط، 1396هـ/1976م. ص-ص. 459-460،

[31] - وثائق، خ،ح،ر: توظيف المهاجرين الجزائريين في الأعمال الحربية، علبة رقم 1، وثيقة رقم 37، بتاريخ 23 جمادى الفرد 1246هـ/20 أكتوبر 1830م.

[32] - إسماعيل مولاي، عبد الحميد العلوي: تاريخ وجدة وانكاد في دوحة الأمجاد، ج.1، ط.1، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيّضاء، 1406هـ/1985م، ص-ص.108-109.

[33] - نفسه، ص-ص. 110-111.

[34] - وثائق خ،ح،ر: موافقة السلطان على رغبة باشا الجزائر في القدوم إلى المغرب قصد الإقامة هروبا من المعتدين الفرنسيين بالجزائر، علبة 1، وثيقة رقم 33، بتاريخ 8 شعبان 1246هـ. 

[35] - الداي حسين آخر دايات الجزائر العثمانية، حكم في الفترة (1818-1830)، طلب في البداية اللجوء إلى مالطا إلا أنّ القائد العام الفرنسي رفض –قد يكون لتخوّفه من إمكانية ربط الداي لعلاقات مع الإنجليز- فعين له نابلي التي أبحر إليها يوم 15 جويلية 1830، ومنها إلى ليفورن ثم إلى باريس، عاد إلى القاهرة. توفي بالإسكندرية سنة 1838. يراجع: دور حمدان خوجة في تطور القضية الجزائرية (1827-1840)، ص.89.هناك ثلاثة نقاط اختلاف حول الداي تتعلق بـ: تاريخ مغادرته للجزائر، الأماكن التي انتقل إليها، ووفاته بمصر.

[36]- وثائق، خ.ح.ر: وصول الأعلام بما حصل لداي الجزائر على يد المستعمرين الفرنسيين، علبة1، وثيقة رقم 40، بتاريخ 9 شعبان 1246هـ، 

تعليقات
تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة