U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

التوسع الأوربي وحركة الكشوف الجغرافية

 

       التوسع الأوربي وحركة الكشوف الجغرافية



   التوسع الأوربي وحركة الكشوف الجغرافية

   تمهيد

أولا : الكشوف البرتغالية
الأمير هنري الملاح (1394-1460)
الأمير هنري الملاح (1394-1460)
البوكيرك والإمبراطورية
استعمار البرازيل
نظام الاستعمار البرتغالي
انهيار الإمبراطورية البرتغالية
الكشوف الأسبانية
ماجلان 1519-1522
المغامرات الاستكشافية في عهد شارل الخامس
هرنندو كورتيرHernando cortes
بيزارو يستلوي على بيرو
الاستعمار الإسباني
قائـمة المراجع المعتمدة


تمهيد:

         بدأت حركات التوسع الاستعماري منذ العصور القديمة، وقد مارستها أوربا منذ أن قام الاسكندر الأكبر بسوق الإغريق إلى حروب توسعية وصلت إلى حدود الحصن. وسار الرومان على نفس الطريق في تأسيس إمبراطوريتهم التي امتدت من بريطانيا شمالا، وشملت غرب أوربا، وحوض البحر الأبيض المتوسط، وغربي آسيا حتى البحر الأحمر. ثم تلا ذلك ما حدث من حركات الغزو التي تعرضت لها أوربا وكان لها أخطر النتائج في المجتمع الأوربي وتغيير نظمه وحياته، وقد سجل التاريخ تلك الغزوات التي تقاطرت على أوربا، كغزوات القبائل الجرمانية لوسط أوربا وغربها، والمجريين والصقالبة لشرقي أوربا وسطها، وقبائل الشمال الاسكتدنافيين لشمال أوربا، ثم غزوات المسلمين لشبه جزيرة أيبريا ومحاولتهم التوغل في جنوب أوربا.

وبعد فترة طويلة استقرت الغزوات والهجرات، وعندئذ اتخذت أوربا تشكيلها السياسي الذي ظهر في العصور الوسطى، وبدأت العلاقات بين الدول الأوربية تتطور وتنتظم. وجاء دور أوربا لتستجمع قواها وتوجه نشاطها نحو التوسع والاستعمار الخارجي، تبدأه بحوض البحر الأبيض المتوسط الذي ظل مركز النشاط السياسي والاقتصادي في العالم.

كانت الروح الدينية –أو الصليبية- هي الدافعة إلى حركات التوسع الأوربي في العصور الوسطى، ولذلك دامت تلك الحروب نحو قرنين من الزمان –وظلت تلك الروح تسيطر على أوربا، ولكنها كانت كامنة لا تحمل الاسم الصليبي إلى أن حركتها دوافع الكشف الجغرافي والتوسع فيما وراء البحار وألهبها كفاح الإسبان والبرتغال لاستخلاص بلادهم مما بقي في أيدي المسلمين.

وقد كان من أهم النتائج الاقتصادية للحروب الصليبية فتحت أبواب الأسواق التجارية في الشرق ومهدت لقيام العلاقات التجارية والاقتصادية بين الشرق والغرب وسعت المدن الإيطالية –وخاصة البندقية- إلى احتكار تلك التجارة وعادت عليهم بالأرباح والثروات.

وخلال قرنين من الزمان بعد عام 1450 وقعت مناطق واسعة من العالم تحت النفوذ الأوربي، فقد استطاع رواد مغامرون من أوربا أن يكتشفوا ساحل إفريقيا، وشمال وجنوب أمريكا، وجميع المنافذ المائية التي توصل إلى الهند، وجزر عديدة في المحيط الأطلنطي والمحيط الهادئ، وبذلك وضع الأوروبيون أيديهم على معظم أنحاء العالم وكان ذلك أساسا للاستعمار الأوربي التي استمر قرونا وكان سببا في تغير مجرى التاريخ الحديث.

وقد كانت أجزاء كبيرة من العالم مجهولة لا يعرف الأوربيون عنها شيئا في بدأ، القرن الخامس عشر، فلم يعرف أحد شيئا عن وجود قارة بأكملها في الغرب، وكانت كل معلوماتهم عن وسط وشرق آسيا غامضة باهتة عن طريق ما وصلهم من قصص الرحالة أمثال ماركو بولو، وكل ما أراده الأوروبيون في إفريقيا لم يتعد السواحل الشمالية والشرقية. ورغم أن قدماء الإغريق قد روا أن الأرض كروية، إلا أن الفكرة التي كانت سائدة بين سكان العالم أنها مسطحة، وكانت في أذهانهم أصغر بكثير من حقيقتها التي أوضحها المكتشفون فيما بعد. وكانوا يتصورن آسيا في ثلثي مساحتها وأن الهند تحتل أكبر مساحة في جنوب شرقي تلك القارة.

وكان الدافع الاقتصادي هو أول الدوافع التي أوحت للأوربيين بالاتجاه نحو الكشف عن تلك البلاد المجهولة والطرق البحرية الجديدة بين أوربا والهند، فقد كانت تجارة الشرق لا تصل إليهم إلا بعد أن تمر في عدة احتكارات ترفع أسعارها وتجعلها في بعض الأحيان نادرة، فهم يدفعون رسوما جمركية فادحة يفرضها حكام مصر والشام، بالإضافة إلى احتكار تجار جمهورية البندقية نقل تلك البضائع من المواني السورية والمصرية إلى أوربا. وهكذا الدول الأوربية الحديثة إلى حل المشكلة حتى تحقق هدفين: أولهما التخلص من احتكار البنادقة بالوصول إلى أسواق الشرق مباشرة دون أية وساطة، والثانية ترمي إلى مهاجمة القوى الإسلامية والعربية، ورأت تلك الدول أن البحث عن طريق بحرية جديدة تحقق رجاءهم هو السبيل الوحيد للوصول إلى طرق جديدة لا تملكها مصر أو الدولة العثمانية أو تحتكرها البندقية ليحصلوا على المنتجات الشرقية بأقل الأثمان.

ولا شك أن الدافع الديني كان له أثره الفعال أيضا في نشاط المغامرات الاستكشافية، فقد كان الأوربيون –وعلى الأخص الأسبان- تصلهم معلومات عن بلاد يستطيعون جعلها ميدانا للتبشير بالمسيحية الكاثوليكية والتوغل فيها عن طريق الدين. وفي الوقت نفسه كانت لهم أهداف انتقامية موجهة نحو المسلمين، ومن دلائل ذلك الطابع الديني أن الملاح البندقي كرستوف كولومبس الذي كلفه الأسبان بالقيام برحلته غربا حتى يصل إلى الهند وأسواق الشرق، راح  يتحدث عن عزمه على استخدام ثروة الشرق التي ستقع بين يديه في استخلاص بيت المقدس من المسلمين. كذلك كان الأمير البرتغالي "هنري الملاح" وهو الذي قام بحرون تشبه الحروب الصليبية ضد المسلمين في شمال إفريقيا عام 1415، يأمل في أن يؤدي ارتياد الساحل الغربي لإفريقية إلى هدفين، أولهما الوصول إلى أسواق الهند والشرق وثانيهما الوصول إلى مملكة القديس يوحنا في شرق إفريقيا، وهي المملكة المسيحية التي كان الأوربيون يتسامعون عنها ويتناقلون أبار قوة حاكمها ويؤملون من محالفتها لعلهم يتخذونها قاعدة في قلب إفريقيا للانقضاض منها على الدول الإسلامية التي كانت تحتكر التجارة.

أولا : الكشوف البرتغالية:

كانت البرتغال أول دولة بحرية قامت بسلسلة من المغامرات التي انتهت بكشف مواقع هامة وبلاد جديدة. وساعدها على النجاح أن توافرت لها الأدوات اللازمة من علم وخبرة وسفن متطورة هذا بالإضافة إلى الانتفاع باختراع البوصلة البحرية والتعمق في إدراك حركات الكواكب والنجوم واختلاف الأجواء والاعتقاد بكروية الأرض وزيادة الاهتمام بعلم الجغرافيا.

الأمير هنري الملاح (1394-1460):

وترتبط حركة الكشف والتوسع البرتغالي بحياة الأمير هنري الملاح الابن الثالث لملك البرتغال "يوحنا الأول"، وقد كان هنري متدينا شديد التعصب، اهتم منذ صباه بالدراسات الجغرافية والفلكية، فكان يجمع الخرائط الجغرافية ويدرسها دراسة دقيقة، ويدرس الأجرام السماوية والطرق البحرية وحركات الرياح التي تساعد على الملاحة التي كانت معروفة في تلك الأيام وهي الملاحة الشراعية، وعنى عناية قصوى بالعمل على تطور بناء السفن تطورا يساعد الملاحين على الاطمئنان عند الإبحار إلى المحيطات والتوغل فيها.

وقد اشترك في عدة مغامرات حربية ضد بلاد المغرب في شمال إفريقية بحجة القضاء على القرصنة في شمال إفريقيا، ولما نجح في الاستيلاء على مدينة (سبتة) على الشاطئ الشمالي الإفريقي  عينه أبوه حاكما عليها. وحاول التقدم نحو طنجة للاستيلاء عليها وانتزاعها من المجاهدين المغاربة إلا أنه فشل في احتلالها، فحوّل جهوده نحو الشواطئ المراكشية على المحيط الأطلسي وتم له إخضاع إفريقية الشمالية الغربية من نهر السنغال إلى غانا. وتطبيقا لمبادئه، اهتم بنشر المسيحية في تلك الأرجاء، فقد كانت الروح الصليبية مسيطرة عليه تقوده إلى المغامرات التي قام بها لنشر المسيحية في إفريقيا، ولما كانت مشروعات التوسع البرتغالي في تلك المناطق تحتاج إلى المال الوفير، رأى أن يسعى للحصول على النفقات التي تكفل نجاح مشروعه، ووحد في اقتناص الرقيق من القارة الإفريقية والاتجار به بابا يدر الأموال على حكومته لتستطيع إنشاء إمبراطورية برتغالية وتحقيق تلك الرغبة الدينية التي ملكت حسه حتى اعتقد كثير من المؤرخين أن هنري كان يرغب في عقد أواصر الصداقة والصلات الدينية مع القديس يوحنا حاكم الحبشة المسيحي، وكان لهذا الحاكم شخصيته أسطورية تناقلتها الشعوب المسيحية في أوربا في ذلك الحين، وأن مملكته في قلب إفريقيا تعتبر حصنا للمسيحية في تلك الأقطار النائية المجهولة لهم. وكان هنري يهدف إلى الاستعانة به في نجاح مغامراته الإفريقية، ويعتقد أن باستطاعة البرتغاليين –إذا تم لهم عقد الصلات مع الملك يوحنا يستطيعون بالتالي أن يؤمنوا أنفسهم عندما يتقدمون عن طريق نهر السنغال ويصلون إلى مملكته، ثم يتقدمون فيها إلى البحر الأحمر ومواني بلاد العرب ثم إلى الهند والصين، وبذلك يحقق الهدف الأكبر بوصولهم إلى الشرق الأقصى من أقصر طريق وذلك يبعدهم عن الطرق التجارية القديمة وأخطارها.

ومهما يكن من شيء، فقد نجح هنري في ارتياد جانب كبير من المحيط الأطلسي وبدأت الكشوف الجغرافية بالكشف عن بعض الجزر في ذلك المحيط، وهي جزائر مادييرا وجزر آزور وكناري ، وتحقق له هدف آخر وهو مواصلة ارتياد الساحل الغربي لإفريقيا، وذلك عندما واصلت بعوثه جهودها وتحقق في عام 1441 للبرتغاليين الاتصال الحقيقي بالبقاع الإفريقية واستغلوا الأراضي الغنية بغاباتها، وأتموا ارتياد الساحل الإفريقي ورسموا له الخرائط وعينوا عليها المعالم الجغرافية الهامة.

وفي عام 1460 وهو الذي توفي فيه الأمير الملامح- اكتشف البرتغاليون جزائر خليج الرأس الأخضر، ورسموا خرائط الساحل السنغال وغمبيا. وهكذا استطاع هنري أن يحقق –قبل وفاته- ارتياد نحو ثلث الساحل الإفريقي الغربي، وأقاموا عليه نقطا حصينة اتخذوها مراكز حربية وتجارية لهم.

ومات هنري الملاح قبل أن يشهد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح ووصول البرتغاليين إلى الهند عن طريق البحر.

وعمل الملك جون الثاني (يوحنا الثاني) على مواصلة جهود الأمير هنري الملاح، فأرسل في عام 1462 بعثة بحرية إلى ساحل ليبيريا، ثم وصل البرتغاليون إلى ساحل العاج، وساحل الذهب، ونيجيريا،  والكاميرون، ووصلوا إلى مصب نهر الكونغو، وأصبحوا يحتكرون الملاحة على الساحل الإفريقي الغربي ، بحيث لم يسمح لبحارة الدول الأخرى بالملاحة هناك إلا بتصريح خاص يمنحه حكومة البرتغال.

وقد ساعد على نجاح البرتغاليين أنهم استعانوا بالمعلومات الملاحية التي عرفها العرب وسيقوا بها الأوربيين عدة قرون، فقد كان ملاحوهم يجوبون أرجاء المحيط الهندي ومياه الملايو وبحر الصين، بالإضافة إلى تجاربهم الملاحية الأصيلة في البحر الأحمر، بل وفي الساحل الأوربي والإفريقي للمحيط الأطلسي وغرب إفريقيا. ولذلك اهتم البرتغاليون قبيل قيامهم بالمغامرات الكشفية بالحصول على هذه المعلومات بإرسال بعثات إلى البلاد العربية استطاعت الحصول على بعض الخرائط التي رسمها العرب للمحيط الهندي وبحر الصين، بالإضافة إلى ما جمعوه من دراسات عربية عن التيارات البحرية ومواعيد الرياح والحاصلات الشرقية.

وقد تعطلت جهود البرتغاليين في الكشف الجغرافي بسبب قيام الحرب بين الأسبان والبرتغال فيما بين عامي 1475 و 1479، وكذلك ما حدث من اضطرابات داخلية أوقفت الحملات الكشفية عدة سنين.

ولكنهم عاودوا نشاطهم في عام 1487 عندما أرسل الملك يوحنا الثاني بعثة كشفية يرأسها الملاح الكبير برثلميوديان.

برتلميو دياز Bartholomeo Diaz:

وكان هدف بعثة برثلميوديار ارتياد بقية الساحل الإفريقي بالدوران حول القارة بقصد الوصول إلى الهند عن طريق البحر مباشرة (وذلك بدلا من الطريق القديم. طريق البحر المتوسط مارا ببلاد الشرق العربي) وقد نجح دياز في ارتياد الساحل نحو الجنوب حتى وصل إلى خليج ألجوا Algoa في جو عاصف. وسماه خليج الزوابع. ثم عاد في عام 1488 إلى البرتغال مبشرا بأن الطريق إلى الهند أصبح واضح المعالم، ولذلك رأى الملك أن يغيّر اسم الخليج وسماه (الرجاء الصالح) لأنه بعث الرجاء في كشف الطريق البحري المباشر إلى الهند.

وفي الوقت الذي نجح فيه البرتغاليون في مغامراتهم الكشفية، كانت إسبانيا تسعى من جانبها في الوصول إلى الهند عن طريق الاتجاه غربا، وعهدت إسبانيا بذلك إلى الرحلة الجنوي (خرستوف كولمبس) في عام 1492 كما سنرى.

وسرعان ما نشب الصراع بين إسبانيا والبرتغال، إذ كانت كل منهما تسعى إلى تأمين حقها في الأرض الجديدة التي كشفتها، والطرق الملاحية التي اهتدت إليها، والثروات التي توقعت أن تهبط عليها.

ولما اشتد النزاع بين الدولتين، اتجها إلى تحكيم البابا "اسكندر السادس" وقررا قبول حكمه، ونظر الباب في الأمر، ثم أصدر حكمه بأن «"تقتسم أسبانيا والبرتغال كل الأراضي والجزائر التي تم كشفها بالفعل، والتي وسف تكتشف بعد ذلك في الغرب وباتجاه الهند أو اتجاه المحيطات»[1].

وكان هذا الحكم البابوي أساسا للمعاهدة التي عقدت بين البلدين وهي معاهدة  "توردسيلاس" (1494) tordessillas، التي قضت بأن تستولي البرتغال على كل المكتشف شرقي خط وهمي يرسم بطول المحيط الأطلسي على بعد 370 مبلا غربي جزائر الرأس الأخضر، وهكذا مكّن هذا الخط الذي قرره البابا بالرتغال من المطالبة بأن تكون البرازيل من نصيبها وحدها.

بعد كشف طريق الرجاء الصالح (فاسكو داجاما) :

ومضى  البرتغاليون  بعد  كشف الرجاء في مغامراتها في الشرق لاحتكار منتجاته ومحاولة ضرب القوى الإسلامية بحرمانها من أسباب نموها وتطورها الاقتصادي فأعدت حملة بحرية بقيادة (فاكسو داجاما) لتكملة ارتياد الطريق الجنوبي الإفريقي، ومواصلة الرحلة إلى الهند، ونجح الملاح من تحقيق هذا الهدف، وتمكن من إتمام الدوران حول جنوبي إفريقيا، ووصل إلى ساحلها الشرقي نحو موزمبيق، وهناك تعرّف ببعض الملاحين العرب، وأخذ  منهم مرشدا بصيرا بأمور الملاحة وطرقها وأسرارها اسمه (أحمد بن ماجد)، وساعده ابن ماجه على الوصول إلى الساحل الغربي للهند، وهناك استطاع الاتصال بالأمراء الهنود وعقد معهم الاتفاقات التجارية، ثم عاد إلى بلاده سنة 1499 وسفنه مشحونة بالتوابل والمنتجات الشرقية، وبذلك تحقق للبرتغال كشف طريق بحري مباشر إلى الهند.

وكان هكذا الكشف أكبر ضربة اقتصادية وجهت للعالم الإسلامي وخصوصا في مصر، إذ انتقل المركز التجاري العالمي من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، وكان لهذا الانتقال أسوأ الأثر في تجارة الدول التي تمس سواحلها حوض البحر المتوسط كالبندقية ومصر. وكانت مصر المملوكية قد بلغت في العصور الوسطى انتهاء ببداية القرن السادس عشر درجة عظيمة من الثراء، وكانت خزائن حكامها تفيض بأموال التجار الإيطاليين من البندقية وجنوة الذين كانوا ينقلون متاجرهم من الشرق إلى أوربا عن طريقتين تتحكم فيهما مصر المملوكة: طريق الفرات وحلب واسكندرونة ومنها إلى أوربا، وطريق البحر الأحمر والسويس ومنها بطريق القوافل إلى القاهرة، ثم على السفن في فرع رشيد إلى قرب الرحمانية على النيل، ومنها إلى الاسكندرية، وبعد ذلك تنقل إلى المواني الإيطالي في طريقها إلى الدول الأوربية المختلفة.

وهكذا انتهى العهد الذي ردّ على العرب ثروات كبيرة، أمام أن كانوا وسطاء ملاحة وتجارة بين الهند والصين من ناحية، وأوربا من ناحية أخرى، وحتى نهاية القرن الخامس عشر، كانت السفن العربية تمخر عباب المحيط  الهندي، وتشاهد دائما في موانئه، انتهى كل ذلك ليحل البرتغاليون محلهم في احتكار التجارة الشرقية ويطردونهم من البحار الشرقية، بعد الاستيلاء على مراكز حصينة كبعض المواني والجزر التي يستطيعون منها إغلاق البحر الأحمر والخليج العربي في وجه الملاحة العربية، أما في الهند نفسها فقد عمد البرتغاليون إلى امتلاك أجزاء من الساحل، ووضعا فيها بعض قواتهم البحرية والبرية، ليخضعوا أمراء المسلمين في الهند، ويجبروهم على توقيع معاهدات تلزمهم بقصر التجارة على البرتغاليين.

واستصرخ الأمراء وسلاطين الهند المسلمون حكام البلاد العربية الإسلامية ليمدوا لهم يد المساعدة في تلك الحرب المقدسة، ووجد استصراخهم صدى لدى سلطان مص المملوكي، الذي أعد أسطولا ضخما لمنازلة البرتغاليين في أعالي البحار الشرقية ولكن تمكن الأسطول البرتغالي بقيادة ألميدا من أن يهزم الأسطول المصري في معركة (ديو) البرية عام 1509.

البوكيرك والإمبراطورية:

وواصل البرتغاليون تدعيم تفوقهم البحري وسيطرتهم التجارية في البحر الشرقية والمضي في تنفيذ سياستهم التوسعية، فكلفوا أحد كبار قوادهم البحريين وهو "الفونس البوكيرك الذي كان معروفا بنزعته الاستعمارية وتعصبه ضد المسلمين ليواصل تحقيق الأهداف الاستعمارية" الجديدة. فاستولى البوكيرك على "هرمز" على الخليج العري 1509، وعلى "سقطرة" عند مدخل البحر الأحمر. وعلى جوا Goa حيث أقام أول محطة تجارية ثابتة للبرتغال ثم استولى على ملقا قرب سنغافورة (1511). وأصبح البوكيرك أول حاكم برتغالي على المناطق الساحلية التي احتلها البرتغاليون في الهند.

ولما كان الشرق العربي قد وقع منذ عام 1516 في حوزة الأتراك العثمانيين وقع عبء الكفاح ضد الأقدام البرتغال من البحار الشرقية على عاتق الحكومة العثمانية، إلا أنها فشلت في انتزاع التفوق البحري من البرتغاليين، ومضى هؤلاء في توسعهم متخذين الشرق الأقصى مجالا للتقدم شرقا، فاستولوا على الملايو، وانفتح الطريق أمامهم إلى سيام وجاوه وبلغ نشاطهم ساحل الصين. وهكذا تطورت جهود البرتغاليون من نكرة كشف الطريق البحري المباشر إلى الهند، إلى احتلال الأراضي وتكوين إمبراطورية في أجزاء من إفريقيا وآسيا.

استعمار البرازيل:

كان الملاح البرتغالي كبرال Pedro Alvaroes Capral في طريقه على الهند ي سنة 1500 فعته الريح إلى الغرب حتى نزل بساحل البرازيل.

ولكن الجهود التي كان البرتغاليون يبذلونها في الشرق صرفتهم عن الاهتمام بالبرازيل مدة طويلة. ثم لما لاحظ البرتغاليون أن آمالهم في احتكار التجارة الشرقية لم يتحقق تماما. وأن أسبانيا قد بزتهم في سياستها الاستعمارية في أمريكا وما حظيت به إسبانيا من الكنوز النفسية من الذهب والفضة، لما أدركوا ذلك عادوا إلى الاهتمام باستعمار البرازيل.

فبدأت تتوغل في البرازيل عام 1525، وتنظم استغلالها واتبعت في ذلك نظام الإقطاع، فأقطعت المغامرين من البرتغاليين إقطاعات من أرض البرازيل، يرتكز كل إقطاع على قاعدة على الساحل ثم يتوغل صاحب الإقطاع نحو الداخل مختلطا بالأهالي الوطنيين العاملين وهكذا استعمرت البرتغال أرض البرازيل، فطبقت عليها سياسة اقتصادية معينة ونشرت بها لغتها ونظمها، كما نشرت بها المسيحية على المذهب الكاثوليكي (بعثات الجزويت).

ولكن أصحاب الأراضي البرتغاليين أرهقوا الأهالي بالعمل في مزارعهم. وهو أمر لم يألفوه، وتطلب التوسع في زراعة قصب السكر زيادة في الأيدي العاملة، فوق طاقة الوطنيين فاضطر أصحاب المزارع إلى جلب العبيد من غربي إفريقية على نحو ما فعل الأسبان في استغلال مزارعهم الواسعة في مستعمراتهم الأمريكية.

وبذلك بدأت هذه الحركة الواسعة: حركة نقل آلاف العبيد من وطنهم من أفريقيا إلى أمريكا ليعملوا في مزارعها ومناجمها أرقاء لأصحاب الأراضي وبفضل سواعد هؤلاء السود عمرت الأراضي وازداد الإنتاج وبنيت المدن وازدهرت الحياة.

وما كان القرن السادس عشر يشرف على نهايته حتى كان البرازيل وحدها حوالي 25.000 من العناصر البيضاء أو المختلطة و18.000 من الوطنيين الذين انتشرت بينهم المدنية الأوربية والتعاليم المسيحية و14.000من العبيد الأرقاء المسخرين في زراعة الأرض وغيرها من الأعمال اليدوية.

نظام الاستعمار البرتغالي:

تنوعت سياسة التوسع البرتغالي بتنوع أهدافها واتجاهاتها: وقد انحصر التوسع البرتغالي في ميدانين: الأول، العالم الجديد الذي كانت البرازيل فيه من نصيب البرتغال، وكانت سياسة البرتغال متجهة إلى تشجيع البرتغاليين على الاستيطان وتحقيق الاستغلال وتدعيم الاستعمار حتى أصبح البرتغاليون الذين استوطنوا البرازيل يشعرون أنها بلادهم لهم فيها مصالح ثابتة يدافعون عنها، ولذلك استطاعت البرازيل أن تدافع عن نفسها لمستعمرة برتغالية في أول الأمر حتى إذا استكملت البرازيل مقوماتها استقلت عن البرتغال في القرن التاسع عشر (وعندئذ تطلعت هولندة إلى محاولة النزول بالبرازيل والتوغل فيها).

أما الميدان الآخر الذي اتجه إليه التوسع البرتغالي فكان الميدان الشرقي في إفريقية وآسيا حيث احتل البرتغاليون المراكز والمحيطات التجارية والسعي لاحتكار التجارة الشرقية، فالتوسع البرتغالي في الشرق لم يتجه إلى الأرض يفلحها وإلى المناجم يستخرج معادنها، وإلى السكان يجبي منهم الضرائب. إنما تطلع إلى التجارة فقط يسعى لاحتكارها والحصول على أرباحها، فالتوسع البرتغالي في الشرق لم يكن قائما على قواعد وأساليب استعمارية بما تحمل من نظم الاستيطان والاستقرار والاستغلال والتعمير. ولهذا لم تستطع "الإمبراطورية" البرتغالية الشرقية أن تصمد في معترك التنافس الاستعماري بين الدول الأوربية، بل سرعان ما انهارت، وحلت محلها "إمبراطوريات" أوربية أخرى.

ذلك أن الاستعمار البرتغالي كان يتجه قبل كل شيء إلى التجارة وأرباحها دون أن يعني بالتنظيم السياسي والحكومي. ثم أن إمبراطوريتهم الشرقية لم تكن متماسكة الأجزاء خاضعة لحكم واحد، وإنما كانت لا تعدو أن تكون شريطا ساحليا ممتدا في أفريقية وآسيا أو جزائر متناثرة في البحار الشرقية.

وإذا كانت البرتغال قد استطاعت أن تسيطر على الطريق البحري الجديد وتنال التفوق البحري في المياه الشرقية في مدى قرن ونصف إلا أنها عجزت عن احتكار تجارة الشرق في أيديها احتكارا تاما، فقد كان التجار العرب يجدون مجالا للإفلات من الحصار البرتغالي فيحملون في سفنهم الخفيفة ما استطاعوا حمله من المنتجات الشرقية وينفذون بها إلى البحر الأحمر أو الخليج الفارسي وينقلونها إلى مصر أو عبر إيران والعراق إلى مواني الشام حيث يبيعونها للتجار البنادقة حتى لم تأت سنة 1540 إلا وعادت التجارة الشرقية ترد بكميات وفيرة إلى الإسكندرية وحلب، حيث ينقلها تجار البنادقة وغيرهم إلى مواني إيطاليا وفرنسا.

كان فليب الثاني ملك اسبانيا يعمل دائما على بسط سيادة أسرته في أوربا وفي عام 1578 سنحت له الفرصة لضم البرتغال إلى أملاكه، فأصبحت شبه جزيرة إيبريا تحت سطلانه، وقد مهد له الطريق إلى ضمها موت ملكها "هنري الكردينال" فطالب فلييب بعرشها بحث الوراثة وأرسل إليها جيشا بقيادة "دوق الفا" فاستولى عليها بمساعدة أسطول كبير من الساحل وبقيت في يد الأسبان مدة ستين عاما إلى أن استقلت ثانية عام 1640.

ولهذا الفتح أهمية تاريخية هامة فإنه لم يكن مجرد توسيع رقعة أسبانيا في أوربا بل كان أهم منه بسط نفوذها على المستعمرات في أمريكا الجنوبية وإفريقية وجزائر الهند الشرقية واستقلالها في وقت كانت خزائن اسبانيا خاوية.

وأخيرا سارت إمبراطورية البرتغاليين في الشرق إلى الانحلال، عندما فقدت البرتغال نفسها استقلالها ووقعت تحت حكم أسبانيا، حين آل عرش البرتغال من بعد وفاة الملك (سبستيان Sabastian) آخر ملوك البرتغال في القرن السادس عشر إلى فيليب الثاني ملك أسبانيا في 1580.

واستمرت الدولتان تحت تاج واد من سنة 1580 إلى 1640.

على أن شعف الإمبراطورية البرتغالية قد بدأ من منتصف القرن الخامس عشر وزاده ضعفا استيلاء الأسبان على البرتغال، على يد ملك أسبانيا فيليب الثاني الذي أهمل إمبراطورية البرتغال، ولم يهتم بها، وأصبحت مصالح البرتغال وأملاكهم نهبا للدول الأخرى. ففي الوقت الذي كانت البرتغال فيه تجاهد من أجل استعادة كيانها والفوز باستقلالها، كانت الدول الأوربية الأخرى –وهي هولندة، وانجلترا ثم فرنسا- قد نزلت ميدان التنافس الاستعماري ووجدت في أملاك البرتغال مجالا خصبا للتوسع.

انهيار الإمبراطورية البرتغالية

وقد ساعد على انهيار إمبراطورية البرتغال نظام الحكم الذي اتبعوه في أملاكهم، فقد كان كم همهم الاستحواذ على تجارة التوابل واحتكاره، ورأوا أنهم ليسوا في حاجة إلى تدعيم حكمهم إلا عن طريق إنشاء محطات مسلحة تستطيع أن تموّن أساطيلهم وتكون في الوقت نفسه بمثابة قواعد ثابتة لمراقبة منافذ البحار الهندية، واتخاذ هذه المحطات مراكز مهمة لتجارة التوابل فأقاموا في الشرق مراكز استعمارية على ساحل الملابار حيث تركوا أكثرية الحكام الوطنيين في مراكزهم وحصلوا منهم الجزية، ومنعوهم من التجارة. واكتفوا بإقامة الحصون والقلاع، وبعض محطات مسلحة في سومطره ومسقط وعدن وهرمز وملقا، أي في المحطات الرئيسية الواقعة على منافذ البحار ومسالكها. وقد أقام البرتغاليون في الجهات النائية من الشرق الأقصى نظاما من الحكم كان في النهاية من أسباب انحلال إمبراطوريتهم لأنهم جمعوا السلطة كلها في شخص نائب الملك المقيم في "جوا" والذي تمتع بسلطة مطلقة ولم يكن مسؤولا إلا أمام الملك البرتغالي نفسه، وكانت مدة بقاء هذا الحاكم في منصبه قصيرة لا تتعدى ثلاث سنوات، ولذلك نجده يشتط في معاملة الأهالي ويبتز الأموال ليكون لنفسه ثروة، وفي الوقت نفسه كان لا بد من فرض الضرائب للانفاق على الإدارة التي صارت لاتساعها المستمر في حاجة متزايدة إلى المال، أضف إلى ذلك إقدام البرتغاليين على نشر المسيحية بالقوة بين شعوب لها دياناتها القديمة وعقائدها الثانية، وقد تطرف البرتغاليون في هذا السبيل فأنشأوا في "جوا" محاكم التفتيش سنة 1560.

على أن بلاد البرتغال نفسها لم تستفد كثيرا من إمبراطوريتها، فمع أن "لشبونه" العاصمة كانت مزدهرة في القرن السادس عشر لأنها كانت مركز التجارة فإن داخل البلاد كان يشكو الإهمال والتأخر وذلك لأن الزراعة قد أهملت، وكثرت الأراضي البور، بسبب هجرة الزراع واشتراكهم في الحملات والرحلات والانخراط في سلك الجندية، واضطر البرتغاليون إلى الاستعانة بالرقيق... وانتشر البؤس داخل البلاد، وعلى ذلك كانت عظمة البرتغال الخلابة الظاهرية تخفي وراءها في الحقيقة بؤسا وتعاسة في داخل البلاد.

الكشوف الأسبانية

دخلت أسبانيا مثل البرتغال ميدان الكشف الجغرافي متأثرة بنفس المؤثرات التي دفعت البرتغال إلى هذا الميدان: وهي الرغبة في الاتصال بدول الشرق بطريق بحري مباشر والاستيلاء على التجارة الشرقية، والتحرر من سيطرة البندقية الاحتكارية.

وبينما اتجه البرتغاليون إلى الشرق لتحقيق تلك الأهداف، اتجه الأسبان إلى الغرب فأعدوا في سنة 1492 بعثة يرأسها الملاح الجنوي "كرستوف كولمبس" فخرج إلى المحيط، وظل يبحر غربا حتى وصل إلى أرض يابسة. فاعتقد أنه وصل إلى جزء من ساحل الهند، ثم توالت رحلاته:

ففي رحلته الأولى والثانية اكتشف جزائر الانتيل الكبرى، وجزائر الانتيل الصغرى وجزيرة Watling التي هي إحدى جزائر البهاما وأطلق عليها اسم سان سلفادور:

وفي رحلته الثانية كان ينوي استعمار الأراضي الجديدة ونشر المسيحية بين السكان الأصليين الذين سماهم كولومبس بالهنود.

وفي رحلته الثالثة (1498) وصل إلى مصب نهر اورينوكو واكتشف أجزاء من أمريكا الوسطى، ولكن حظ كولمبس كان سيئا من الأسبان فظهر منهم الحاقدون والوشاة المقربون إلى البلاط الأسباني الذي ظهروه بمظهر الرجل الأفاق الذي أضاع أموال الدولة على رحلات لم تجن منها الدولة إلا استرقاق عدد من العبيد يستخدمهم في تلك الممتلكات الجديدة، ولم تحصل أسبانيا على ما كان منتظرا من الذهب الكثير، بل إن ما كسبته أسبانيا حتى لك الوقت لم يتناسب مع ما كان يؤمله الأسبانيون من توابل الشرق، فأقصى الملاح العظيم عن قيادته وأعيد إلى أسبانيا مكبلا بالأغلال، نتيجة لحقد المستثمرين الذين خابت آمالهم، والمستعمرين العائدين إلى أسبانيا. ومات كلومبس في عام 1506

كان لرحلات  كولمبس  آثار منها :

1 –إن الملوك الكاثوليك عملوا على تثبيت ملكيتهم  لهذه الأراضي الجديدة وخصوصا عندما نشط البرتغاليون من كشوفهم ويقول المؤرخ فيشر:

«لا يمكن القول بأن الدافع لاكتشاف العالم الجديد لا يتعدى الرغبة في الحصول على التوابل والذهب، إذا اختلطت المشاعر الدينية بالمطامع الاقتصادية. ففي الفاتيكان –وخصوصا لدى الفرنسسكان الذين كانت مشروعاتهم التبشرية تمتد إلى العالم بأسره- كانت مشروعات البرتغال وإسبانيا تثير أكبر قسط من الاهتمام، لا لأنها ستكون وسيلة وتنصير الوثنيين فحسب، بل ستفضي أيضا إلى شن هجوم على المسلمين من ناحية الشرق وكان المعرف أن نجاشي الحبشة مسيحي، وكان المعتقد أنه لا تزال توجد في الهند، نتيجة لبعثة القديس توما، دولة مسيحية يحكمها عاهل يعرف بالخان الأكبر، وكان يداعب أوربا الكاثوليكية أمل كبير في أن تتلقى من هؤلاء الملوك المسيحيين الشرقيين البعيدين مساعدة فعالة في حرب صليبية ضخمة أخيرة تشنها على المسلمين. تلك هي الخطة التي رسمها البابا نقولا الخامس منذ عام 1454 في مرسوم بابوي أرسله إلى ملك البرتغال. وفي هذا الجو المفهم بالآمال الكبار أقلع كولمبس ليكشف الطريق إلى الهند غربا».

ولا ننسى في هذا الصدد اهتمام البابا اسكندر السادس في سنة 1492 بتقسيم الكشوف الجغرافية بين الملوك الكاثوليك، وهو القرار الذي أدى إلى معاهدة تورديسلاس التي أشرنا إليها.

2-الأثر الثاني الذي أحدثته رحلات كولومبس أنه فتح الطريق لرحلات الأفراد والمغامرين، واستطاع الرحالة الجدد بين سنتي 1499 و 1508 أن يصلوا إلى جزر بهاما ثم إلى مصب نهر الأمزون وبرزخ بنما وحول كوبا وتلى ذلك توطيد حكم الأسبان في أمريكا الوسطى والجنوبية، وفي مقدمة هؤلاء المغامرين الجدد بالبوا Balboa الذي عبر برزخ بنما حتى شاهد المحيط الهادي، وأعلن امتلاكه لتلك الجهات باسم ملك أسبانيا (1518).

ماجلان 1519-1522

وقد وقعت أهم حوادث هذه الفترة في عهد الأمبراطور شارل الخامس وهي الرحلة حول العالم، وفتوحات الأسبان في المكسيك وييرو في أمريكا الوسطى والجنوبية.

أما الرحلة حول العالم، فقد كان الدافع إليها أن الأمبراطور شارل الخامس كلّف فرديناند ماجلان Magellan بالبحث عن الطريق الغربي للهند (1519-1522)، وهو ملاح برتغالي دخل في خدمة أسبانيا –فخرج ماجلان في سبمير 1519 حتى وصل إلى شاطئ البرازيل عند "ريودي جانيرو" ثم إلى مصب نهر لابلاتا ثم دار حول أمريكا الجنوبية، ودخل في نوفمبر سنة 1520 في المحيط الذي سماه تفاؤلا بالهادي وواصل سيره فيه حتى وصل إلى جزائر الفليبين التي كان البرتغاليون قد وصلوا إليها عن طريق الشرق وبذلك استقرت المعلومات الجغرافية عن كروية الأرض وعن مدى امتداد العالم.

المغامرات الاستكشافية في عهد شارل الخامس:

كانت السفينة الأسبانية التي قادها "جون سباستبان دل كانو" John Sebastian Del Cano قد شقت طريقها بعد موت ماجلان في جزر البهار عب المحيط الهندي إلى الطرق الجنوي لإفريقية ومن هناك عادت إلى أسبانيا وبذلك كانت هذه السفينة قد دارت حول العالم بعد أن بدأت رحلتها كواحدة من أسطول يتكون من خمس سفن يتولى فردناند ماجلان قيادته العامة.

وقد انتشى الأمبراطور شارل الخامس بهذا النصر، واعتبره نصرا إلهيا اختص به الله أسرة الهابسبرج الكاثوليكية والتي كان شارل على رأسها وأنها تبشير بتحقيق الأمل الذي راود الأسرة وأنصارها من الكاثوليك الذين كانوا يعتقدون أن المقدر سيجعل النمسا تبسط سلطانها على العالم أجمع لأنها "إمبراطورية كل الوجود Austriae est Imperare Universo" وقد تراءى لناظري شارل أن النمسا الكاثوليكية سوف تحكم العالم الكاثوليكي كله.

هرنندو كورتير: Hernando cortes

كانت كوبا قد دخلت في حوزة إسبانيا، وكان كورتير قد أبحر منها وضم المكسيك إلى أملاك أسبانيا بعد أن تغلب على السكان الأصليين الملقبين بالأزتك Aztecs وكان كورتيز قد خطف ملكهم مونتزوما ونصب نفسه حاكما على بلادهم. أما الأهالي فقد وجدوا فيه وفي نظام جيشة بما فيه من مدافع وخيول أشياء جديدة خارجة عن عالم تجربتهم. وكانوا على استعداد لتصديق الأسطورة التي دبرّ كورتيز إذاعتها وهي الأسطورة القائلة إن الأجانب المحاطين بالأسرار والذين هبطوا من المجهول بحيواناتهم الخارقة للعادة، هم أنصاف آلهة لا يمكن إغضابهم أو مقاومتهم.

بيزارو يستلوي على بيرو

أمكن Pizzaro الحصول على كميات وافرة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة التي كانت في نظر الأسبان –الذين سيطر على تفكيرهم الربح المادي- الهدف الرئيسي للمغامرة الاستعمارية. وكان بيزارو رجلا غير مثقف احترف ركوب البحر كغيره من فقراء الأسبان في ذلك الوقت، وفي خريف سنة 1522 كان يبحث عن زرقه في بنما، وهناك اجتمع يوما بأحد الملاحين الأسبانيين الذي أخبره أن أرضا غنية في أمريكا الجنوبية على ساحل المحيط الهادي يسكنها أقوام يعرفون باسم الإنكا Incas وكان يبزارو متعطشا للمغامرة من أجل الذهب، فجمع معه مائة ملاح مغامر وأقلع إلى المكان الذي سمع عنه على ظهر سفينة واحدة ورغم أن المحاولة انتهت بالفشل، إلا أنه جدد المحاولة بعد سنتين (1526). وإذا به يرسو على أرض منزرعة. فلحت خير فلاحة، ورأى أمامه السكان الوطنيين وقد تحلّو باللآلئ وزينة الذهب، ومنذ تلك اللحظة رأى أن يستعمر هذه الأرض ويقطع صلته بـ"بناما".

وقد تبين له أنه اكتشف فوق هذه الأرض دولة زراعية منظمة، تتميز بمدنية خاصة. ولسكانها أساليبهم المتقدمة في الرزاعة وتمهيد الأرض وحفر الفنوات، وهناك القصور والمعابد وغيرها من معالم متطورة.

وبعد أن تم لييزارو اكتشاف مناطقها المختلفة عاد إلى أسبانيا حيث حصل على تفويض من الأمبراطور (26 يوليه 1529) خوله سلطة نائب ملك في البلاد التي كان لا يزال عليه أن يضمها.

وقد استعمل بيزارو منتهى القسوة والعنف مع حاكم بيرو الوطني، فقد خطفه وجرده من ثروته وأحرقه على ملأ من الناس بل ومن الرهبان الأسبان المبشرين الذين أبدوا موافقتهم ولم يستنكروا إحراق الرجل. ولو أن التاريخ لا ينسى لبعض الإرساليات التبشيرية في أماكن أخرى من المستعمرات الإسبانية ما قاموا به من محاربة المظالم التي كان يقترفها مواطنوهم في المستعمرات الأسبانية ومحاولة الحد من طغيانها على أهل البلاد الأصليين، وكان الإمبراطور شارل الخامس ينحاز على جانب الرافة والاعتدال، وكان إذا ما نشب النزاع بين الإرساليات التبشيرية العاملة لخير الإنسان وبين المستعمرين المستغلين كان ينحاز إلى جانب الإرساليات. 

الاستعمار الإسباني:

اتصفت أعمال الغزاة الأسبان بالنهب والسلب والقسوة والعنف، وهو أمر قد دعت إليه نشوة الغزو وحب الكسب العاجل، ولكن الحق ضررا بليغا بالاقتصاد القومي وسبب اضطرابا وانهيارا في حياة السكان الأصليين، ولكن عندما استقرت الأحوال وتجددت حركات الارتياد اتجه الأسبان إلى الأخذ بسياسة استعمارية تقوم على الاستقلال المنظم فأقبلوا على البحث عن المعادن النفيسة واستخدموا الأهلية في تعدين الذهب والفضة. وهكذا بينما اتجه البرتغاليون إلى احتكار التجارة الشرقية اتجه الأسبان إلى الاستحواذ على كنوز العالم الجديد في أمريكا من ذهب وفضة.

وعمل الأسبان على إدخال حضارتهم في البلاد الأمريكية التي استولوا عليها بخلاف ما فعله الاستعمار البرتغالي في إفريقية وآسيا، أما الأسبان فقد ادخلوا حضارتهم ولغتهم وثقافتهم وديانتهم إلى القارة الجديدة، وكان لذلك أثره في تطور المدنية في تلك الأصقاع، على أن الوطنيين –أو السكان الأصليين- لم يتقبلوا في أول الأمر هذه السياسة الأسبانية قبولا حسنا، فقد كانوا متأثرين بموجات الغزو الأولى وما صحبها من الاعتداء والسلب والتسخير مما جعلهم ينظرون إلى الغزاة الأسبان نظرة عدائية ولكن البعوث الدينية التبشيرية التي أرسلتها أسبانيا سارت جنبا إلى جنب مع حركات الغزو والاستعمار وأخذت تنشر الكاثوليكية بين الوطنيين وتسعى إلى حمايتهم من الاعتداء والتسخير، ونجحت في ذلك إلى حد بعيد... ومن هنا بدأت معالم الحياة الأسبانية تبدو في تلك المستعمرات الأمريكية، وقامت مدن جديدة بجوار مناطق المناجم والتعدين وازدحمت بالسكان، وكان السكان الأصليون يسخرون في الأعمال ولكن اضطر المستعمرن إلى دفع أجور العمال... ثم لما تطلب التوسع زيادة في الأيدي العاملة أخذ المستعمرون يجلبون العبيد من إفريقية (20 مليون نسمة من الزنوج في مدى ثلاثة قرون بين القرنين 15، 18).

ثم ما لبث المستعمرون أن أدركوا أن إنتاج المناجم يتناقص وأنها لا بد آيلة إلى الفناء، ورأوا أن الأجدر بهم أن يتجهوا إلى فلاحة الأرض، فجلبوا الأعداد الغفيرة من الزنوج وسخروهم في زرع الغلات الزراعية الجديدة. ولكن التفوق في الميزان التجاري ظل ردحا من الزمن في جانب الذهب والفضة. ففي سنة 1594 قدرت صادرات المستعمرات الإسبانية في أمريكا إلى اسبانيا من الذهب والفضة بنحو 95,62% من مجموع الصادرات بينما كانت الصادرات الأخرى من المنتجات الزراعية والحيوانية لا تصل إلى 5%.ثم أخذت كميات الصادرات من الذهب والفضة تقل بينما يزيد الصادر من المنتجات الأخرى في أوائل القرن 17 كانت نسبة المعادن 84% وهذا يدل على تناقض كميات المعادن المستخرجة ويقابله ازدياد الاهتمام بالزراعة



[1] - عارضت شعوب فرنسا وهولندة وانجلترا صدر هذا التحكيم البابوي باعتباره اعتداء صارخا على حرية البشر وتساءلوا بأي حق يتولى البابا (وهو من أصل أسباني) تقسيم العالم الجديد بين الاسبان والبرتغاليين


قائـمة المراجع المعتمدة

1-                             موريس كروزيه، تاريخ الحضارات العام،ط2، منشورات عويدات، بيروت، 1987.

2-         جان بيرنجيه وآخرون، أوروبا منذ بداية القرن الرابع وحتى نهاية الثامن عشر، ط1، منشورات عويدات، بيروت، 1995.

3-         خليل علي مراد وآخرون، دراسات في التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل،1988.

4-         عبد الحميد البطريق وعبد العزيز نوار، التاريخ الأوروبي الحديث من عصر النهضة إلى أواخر القرن الثامن عشر، دار الفكر العربي، القاهرة،1982.

5-                             عبد الحميد البطريق، التيارات السياسية المعاصرة1815-1960،بيروت،1974.

6-         عبد العظيم رمضان، تاريخ أوروبا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوروبية إلى الحرب الباردة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،1997.

7-         جلال يحيى، التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر حتى الحرب العالمية الأولى، الإسكندرية،1983.

8-                             هـ.أ.ل .فشر، تاريخ أوروبا في العصر الحديث(1789-1950)،ط7، القاهرة،1976.

 

  اقرأ ايضا:

التوسع الأوروبي وحركة الكشوف الجغرافية

حركة الاصلاح الديني

النهضة الأوروبية

انتعاش الكنيسة الكاثوليكية حركة الإصلاح المضادة

حرب الثلاثين عاما(1618-1648)

إنجلترا في القرن السادس عشر (عصر أسرة تيودور) 1485-1603

إسبانيا وثورة الأراضي المنخفضة

الثورة الفرنسية

 

 

 

 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة