ثورة الأمير عبد القادر في الغرب الجزائري 1832-1847
ثورة الأمير عبد القادر في الغرب الجزائري 1832-1847
1- محاولات فرنسا التوسع خارج العاصمة2- الوضع العام في الغرب الجزائري قبل ظهور الأمير
3-بيعة الأمير عبد القادر
1- البيعة الأولى (بيعة الخاصة). 2- البيعة الثانية (بيعة العامة).المرحلة الأولى من 1832-1834.1-على المستوى الإداري2-على المستوى الدبلوماسي3- على المستوى العسكري.معاهدة "دي ميشال" نتائج المعاهدة بالنسبة للأميرنتائجها على الطرف الفرنسيتعليق حول المعاهدةالمرحلة الثانية 1834-1837معاهدة الدوائر والزمالة 18351-معركة المقطع2-معركة السقاق –الزقاق- 1836معاهدة التافنا 1837:
المرحلة الثالثة: 1837-1843. بناء الدولة.
1-الإطار الجغرافي2-الإدارة الإقليمية3-على الصعيد العسكري1-التنظيم2-التدريب3-التسليح4-على الصعيد الاجتماعي5-على الصعيد الاقتصادي6-على الصعيد الدبلوماسي1-المغرب2-فرنسا3-تونس4-الو.م.أ5-الدولة العثمانية6-اسبانياتعليق حول معاهدة التافنا 1837هجوم الأمير عبد القادر على حصن عين ماضي 1838نقض معاهدة التافنا وتجدد المقاومة المسلحة.1839زمالة الأمير عبد القادرالمرحلة الرابعة 1843-1847 نهاية الثورةلجوء الأمير إلى المغرب الشرقيموقف فرنسا من اللجوء. العودة من جديد للجهاد في الغرب الجزائرينهاية مقاومة الأمير 1847.ردود الفعل الفرنسيةد الفعل المخزنية :ملاحظات تاريخية حول مقاومة الأمير عبد القادر.مفهوم المقاومةالأمير وفكره الصوفي.الأمير واستراتيجية المكانأسباب فشل مقاومة الأمير عبد القادر
قبل التطرق
إلى هذه الثورة وتفاصيلها الدقيقة، وقصد ربط الأحداث ببعضها البعض أرى من الضروري
الإشارة إلى نقطتين رئيستين:
1- محاولات فرنسا التوسع خارج العاصمة.
وباختصار
إلى ما وقع من أحداث خارج العاصمة الجزائرية، قبل ظهور الأمير عبد القادر، فمن
المتعارف عليه أن فرنسا لم تبق حبيسة أسوار العاصمة بل قامت بعدة محاولات للتوسع
خارجها ومن بين ما قامت به أذكر:
1-محاولة احتلال مدينة عنابة بقيادة الجنرال"
دامريمون" في 2 أوت 1830.
2-محاولة احتلال مدينة وهران والمرسى الكبير التي لقي
فيها ابن بورمون " أميدي بورمون"حتفه فيها. وعلى اثر الأحداث التي
عرفتها فرنسا تم نفي "بورمون" إلى اسبانيا وتعيين الجنرال "
كلوزال" حاكما عاما على الجزائر في 20 أوت 1830؛ الذي قام بتأسيس فرقة عسكرية
في الجيش الفرنسي من الجزائريين المرتزقة
تحت اسم الزواف خلال شهر أكتوبر من نفس السنة.
3-إنهاء مهام باي التيطري بومزراق وتعيين مصطفى بن
عمر في 23 نوفمبر 1830خلفا له.[1]
4-احتلال
مدينة البليدة بقيادة الضابط "بواييه" في 18 نوفمبر 1830، ومدينة المدية
يوم 22 نوفمبر، وتنصيب مصطفى بن الحاج عمر بايا على المدينة.
5-محاولته" كلوزال" التعاون مع الباي التونسي
على أساس أن يأخذ مدينة وهران ومدينة قسنطينة بمساعدة فرنسا، مقابل الاعتراف
بالطاعة والولاء لفرنسا. وعندما فشل في مهمته تم استدعائه ليعين خلفا له وهو
الجنرال "بيرتزان" يوم 20 فيفري 1831، الذي لم يتمكن هو الآخر من كبح
جماح المقاومة الجزائرية، فتم عزله وتعيين الدوق " دورفيقو" خلفا له خلا
شهر ديسمبر 1831، والذي وظف كل ما لديه من قوة في سبيل قمع كل مظاهر المقاومة
الجزائرية، ومن بين الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب الجزائري مجزرة العوفية خلال
شهر أفريل 1832.
2- الوضع
العام في الغرب الجزائري قبل ظهور الأمير.
فمن
الناحية السياسية نجد أن الباي حسن هو الممثل للداي حسين في هذه العاصمة، وعلى اثر
احتلال العاصمة الجزائرية فإن وهران كانت محل أنظار فرنسا؛ ففي شهر أوت 1830 حلت
به حامية فرنسية بقيادة أميدي –ابن بورمون- ولكن مقتله سرعان ما عجل بإرسال حامية
عسكرية ثانية خلال شهر جانفي 1831؛ والتي تمكنت من احتلال المرسى الكبير وحصون
مدينة وهران، فكيف كان موقف الباي حسن من هذه التطورات؟
لم يكن باي
وهران حاكما محبوبا أو قريبا من المواطنين، بل كان سجينا بين أسوار المدينة يخاف
الثورات والانتفاضات، جراء ما قام به من تجاوزات في حق الشعب، وعليه فهو حين طلب
المساعدة من رعيته وجد نفسه وحيدا، الأمر
الذي حدا به إلى الإقدام على تسليم مفاتيح المدينة إلى العدو الفرنسي مقابل ضمان
السماح له بالخروج سالما من وهران ثم إلى الجزائر حيث يريد. وهكذا خرج الباي حسن
من وهران بعد أن تركها في حالة من الفوضى العارمة. وفي هذه الأثناء فكر أهل الحل
والعقد بما يرونه مناسبا لهم فجاءت فكرة الاتصال بالسلطان المغربي عبد الرحمان ابن
هشام قصد منحه بيعتهم والتحلل من البيعة التي في أعناقهم للباي حسن.
فما كان من السلطان إلا أن قبل بيعتهم وأرسل
مبعوثا عنه إلى المنطقة وهو المولى علي ليكون خليفة عنه في تلمسان، الأمر الذي دفع
بالسلطات الفرنسية إلى التدخل عبر قنصلها بفاس والرباط لدى السلطان، معتبرة أن هذا
يعتبر تدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، ولكن السلطان لم يبال بهم فأرسل مبعوثا
آخر عنه وهو ابن الحامري الذي كان مدعما من قبل الكثير من التشكيلات الاجتماعية الجزائرية،
الأمر الذي جعله يمكث بقواته في الغرب الجزائري إلى غاية سنة 1832، أين سحب ممثله
واعترف للفرنسيين في وثيقة رسمية أن يلتزم الحياد تجاه ما يحدث في الجزائر.
وهناك مشهد
آخر عرفته مدينة وهران ألا وهو توظيف الباي التونسي على أساس أن يقوم باحتلال المدينة
مقابل جزية سنوية يدفعها لفرنسا تقدر بمليون فرنك فرنسي.[2] فما
كان من أحمد باي التونسي إلى أن جهز حامية عسكرية بقيادة الآغا خير الدين على رأس قوة تتكون من
300 فارسا من المخازنية والزواوة، فوصلت وهران يوم 19 جانفي 1831 تحت حماية فرنسا
وكان هدفها الأول التمركز في المنطقة وجمع الضرائب من السكان.[3] إلا
أنه لم يكتب لها النجاح.
ويفسر أبو
القاسم سعد الله سبب ذلك بقوله: ((فتراجعت غير مأسوف عليها لأنها وإن جاءت باسم الإسلام
إلا أنها لم تأت مجاهدة وإنما في رعاية وحماية العدو، ولعلها لو كانت حرة وساعية
في إخراج العدو لجلبت إليها قلوب الناس ولجعلت أهل المدن وغيرهم يدخلون في طاعة
باي تونس )).[4] ومن خلال ما سبق ذكره يمكن
القول أنه لا الباي التونسي ولا سلطان
المغرب تمكنا من وضع حد للفوضى
التي أحدثها رحيل الباي حسن من وهران. وعليه يمكن أن نتساءل هل كان هناك وجه للمقاومة
الشعبية في هذه المنطقة؟. وما هو موقف التشكيلات الاجتماعية من مختلف هذه
التطورات؟ حتى يتسنى لنا فيما بعد الإجابة عن بعض التساؤلات العالقة.
نعم لقد ظهر
خلال هذه الفترة من تزعم المقاومة الشعبية التي تزعمها الحاج محي الدين بن المصطفى
شيخ الطريقة القادرية؛ الذي فرض حصارا محكما على القوات الفرنسية المتواجدة في
وهران إلا أن هذا الحصار لم يمنع العدو الفرنسي من محاولاته العديدة للخروج من
المدينة، وكان في كل مرة تجري هناك معارك هامشية بين الجيش الفرنسي والشيخ محي
الدين، ولكن أمام تزايد الإمدادات العسكرية لجيش الفرنسي من ناحية البحر حالت دون
نجاح الحصار المفروض عليه. وفي ظل هذه الأثناء ظهرت الكثير من الأصوات المنادية
بمحي الدين زعيما للمقاومة الشعبية؛ إلا
أنه كان يرفض هذا الطرح نظير معطيات عدة: تقدمه في السن، كونه شيخ علم وتصوف لا
رجل حكم وإدارة. ولم يكتف بذلك بل أشار عليهم في بعض الأحيان بمبايعة سلطان المغرب
والدخول تحت طاعته، في قوله: (( عليكم بسلطان فاس ...لا ينفعكم إلا هو ولا يقوم بأمركم
غيره لعمارة يده بالخزائن في كل مدينة من مدائنه واجتماع كل الصنائع في أمصاره، مع
قوة العدد من الجيوش والعدد من السلاح والكراع والنقوش)).[5]
وأحيانا ببيعة ابنه عبد القادر،في قوله: (( ولكن ولدي عبد القادر شاب تقي فطين
صالح لفصل الخصوم ومداومة الركوب...وإني
عالم بأنه لمصالح كبيركم وصغيركم وشريفكم ومشروفكم، أثبت عني وأقدر على مكابدة
المشاق والتعب والسهر وغيرها...فكونوا معه يدا عضدا وليكن لكم أبا للصغير وولدا
للكبير وأخا للنظير))[6].
كما كان
معقدا في أحداثه فالغرب الجزائري هو الآخر معقد في تشكيلته الاجتماعية، فهناك
الحضر وأهل الريف أو ما يعرف بالأجواد-قيادة دنيوية- والمرابطين –قيادة روحية-
والأتراك والعرب والكراغلة، والطرقيين الصوفيين كالقادريين والتجانيين والشيخيين
والدرقاويين...الخ؛ والقبائل المخزنية الموالية للسلطة العثمانية وقبائل الرعية. وكل
طرف من هؤلاء تبنى موقفا معينا من الوجود الفرنسي بوهران.
بيعة الأمير عبد القادر.
نظرا
للفوضى التي شهدتها منطقة الغرب الجزائري على اثر رحيل الباي حسن ونزول القوات
الفرنسية بوهران، اجتمع أعيان وأشراف المنطقة للتشاور فيما بينهم؛ فاجتمعوا على
الشيخ محيي الدين وعرضوا عليه الأمارة له أو لابنه عبد القادر، فكان موقفه الرفض،
بل أشار عليهم بتكليف عبد القادر بهذه المهمة، فوقع عليه الاختيار؛ ويعود سبب ذلك
حسب ما جاء في مذكرات الأمير إلى المعطيات الآتية:
1- صالح لفصل الخصوم ومداومة الركوب.
2- عالم بمصالح القوم كبيرهم وصغيرهم وشريفهم ومشروفهم.
3- القدرة على مكابدة المشاق والتعب والسهر، وعلى تحمل
الأمانة.[7]
4- تميزه بالشجاعة الفائقة والفروسية الرائعة والإقدام
المثالي؛ فهذه الصفات أثبتت لكل من يعرفه انه جدير بالثقة وحقيق بالقيادة وضمين
بالنصر،[8] وهناك
وصف رائع للدكتور أبو القاسم سعد الله للأمير أقتطف منه ما يلي (( تختلط في حياة
الحاج عبد القادر الأولى 1808-1832 الأسطورة والحقيقة أو الخيال والتاريخ، شان
عظماء الرجال في كل عصر، فالرجل شريف من بني هاشم ومن آل البيت، أو المحتد العربي
والنسب النبوي، وهو من طريقة صوفية ذاع صيتها في المغارب والمشارق منذ قرون، طريقة
الشيخ عبد القادر الجيلاني، التي تكاد تستقي منها كل الطرق الصوفية الأخرى، وهو
حاج البيت المعمور وزائر قبر الشيخ المذكور، وهو المأمور من صحراء الشام بالعودة
إلى وطنه لأن أمرا خطيرا كان ينتظره هناك حسب كرامة الأولياء، وهو المتعبد في مسجد
القيطنة والعاكف في مكتبة الوالد: يكر الله ويتأمل في خلقه ويقرأ كتابه، ويحفظ
أثار وأشعار الأقدمين، وهو الواقف على ما كان في الشرق من تخلف وتحول، وما كان في
الغرب من تقدم وتسلط )).[9]
إن مبايعة الأمير قد جرت على النحو الآتي:
1- البيعة الأولى (بيعة الخاصة).
تمت البيعة
الأولى له تحت شجرة الدردارة الواقعة على ضفاف واد فروحة من سهل غريس؛ وحسب مذكرات
الأمير يوم الأربعاء أواخر شهر شعبان من سنة 1248هـ/ الموافق ليوم: 23 نوفمبر من
سنة 1832م،[10] من طرف الأعيان والأشراف
الذين حضروا لمبايعته على السمع والطاعة، ولم يكن عمره آنذاك يزيد على الرابعة
والعشرين سنة، ووقعوا على نص البيعة الذي كتبه السيد علي أبو طالب، ومن ما جاء
فيه: (( بعد انعقاد البيعة للإمام المعظم والأمير الجليل المفخم ابن أخينا السيد
عبد القادر بن محي الدين، أحيا الله بهما الدين وأعانهما على القيام بأمور أهله
...بايعناه على السمع والطاعة وامتثال الأمر ولو في ولد الواحد منا، أو نفسه،
وقدمنا نفسه على أنفسنا وحقه على حقوقنا )).[11]
والأمير هو
الآخر تعهد بدوره لهم بالعمل بالقرآن الكريم والجهاد في سبيل الله: (( لن آخذ
بقانون غير القرآن، لن يكون مرشدي غير تعاليم القرآن، القرآن وحده، فلو أن أخي
الشقيق قد أحل دمه بمخالفة القرآن لمات )).[12] كما
انه خير زوجته حينها بقوله: (( إن أردت أن تبقي معي من غير التفات إلى طلب حق فلك
ذلك، وإن أبيت إلا أن تطلبي حقك، فأمرك بيدك، لأني تحملت ما يشغلني عنك )).[13] وعلى
اثر هذه البيعة بعث الأمير بالمكاتيب إلى شيوخ ورؤساء القبائل التي تخلفت عن
بيعته، وإلى مختلف شرائح المجتمع الجزائري قصد مبايعته والدخول في طاعته. فسارعت
إليه الوفود من مختلف القبائل والأعراش مذعنة لطلبه ومستبشرة خيرا بمبايعته على
السمع والطاعة وعلى الجهاد.
2- البيعة الثانية (بيعة العامة).
تمت مراسيم
البيعة الثانية في قصر الإمارة بمدينة
معسكر يوم 13 رمضان 1248هـ الموافق ليوم 4 فيفري 1833م، وقد تم تحرير نص البيعة
هذه المرة من طرف العالم النحرير محمود بن حوّا المجاهري؛ واهم ما جاء فيه نذكر:
(( لما انقرضت الحكومة الجزائرية من سائر المغرب الأوسط واستولى العدو على مدينة
الجزائر ومدينة وهران، وطمحت نفسه العاتية على الاستيلاء على السهول والجبال،
والفدائد والتلال، وصار الناس في هرج ومرج وحيص وبيص...قام من وفقهم الله الهداية
من رؤساء القبائل وكبرائها وصناديدها وزعمائها، فتفاوضوا في نصب إمام يبايعونه على
الكتاب والسنة فلم يجدوا لذلك المنصب الجليل إلا ذا النسب الطاهر، والكمال الباهر،
ابن مولانا السيد محي الدين، فبايعوه على كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم )).[14]
وبعدما
استقر له الأمر وتمت له البيعة وقع اختياره على مدينة معسكر التي اتخذها كمقرا
لتأسيس دولته الفتية، وقبل معرفة الخطوات الأولى التي باشرها الأمير، وقصد تسهيل
تتبع حركة مقاومته أرى من المفيد تقسيم مقاومة الأمير عبد القادر إلى أربع مراحل
رئيسية على النحو الآتي:
1. المرحلة
الأولى من 1832-1834.
2. المرحلة
الثانية من 1834-1837.
3. المرحلة
الثالثة من 1837- 1843.
4. المرحلة
الرابعة من 1843- 1847. وكل مرحلة من هذه المراحل لها خصوصياتها.
المرحلة الأولى من 1832-1834.
منذ اللحظات الأولى من بيعته شرع الأمير عبد القادر في
تأسيس أركان دولته وتنظيمها وفق ما يراه مناسبا لها؛ قصد مواجهة العدو الفرنسي،
ومن بين أهم الخطوات التي قام بها خلال هذه المرحلة نذكر:
1-على المستوى الإداري: قام بما يلي:
-تأسيس مجلس للشورى يتكون من 11 عضوا برئاسة القاضي أحمد
بن الهاشمي المراحي[15].
-اتخذ من مدينة معسكر مقرا لإدارته، تأنيسا لأهل غريس
وتطييبا لنفوسهم،[16] وقام بتقسيمها على 08
مقاطعات رئيسية، وعلى راس كل مقاطعة خليفة عنه، وهي على النحو الآتي:
1-مقاطعة تلمسان وخليفته محمد البوحميدي الولهاصي.
2-مقاطعة معسكر وخليفتها محمد بن فريحة ثم مصطفى بن أحمد
التهامي.
3-مقاطعة مليانة وخليفتها محي الدين علال ثم محمد بن
علال.
4-مقاطعة التيطري وخليفتها مصطفى بن محي الدين ثم محمد
البركاني.
5-مقاطعة مجانة وخليفتها محمد بن عبد السلام المقراني ثم
محمد الخروبي.
6-مقاطعة بسكرة وخليفتها فرحات بن سعيد ثم الحسن بن عزوز.
7-مقاطعة برج حمزة وخليفتها أحمد بن سالم.
8-مقاطعة المنطقة الغربية من الصحراء وخليفتها قدور بن
عبد الباقي.[17]
2-على المستوى الدبلوماسي.
لاشك أن
أول خطوة أقدم عليها الأمير على هذا الصعيد هي مراسلته لسلطان المغرب، فحسب
مذكراته يذكر انه لما انعقدت له البيعة كاتب سلطان المغرب ونص ما جاء في كتابه: ((
عن أهل ناحيتنا هذه اتفقوا أشرافا وعلماء وأهل اعقد والحل على ولايتنا وملازمة
بيعتنا وقد ارتضينا ذلك موافقة للوالد، إذ كان هو المطلوب بها، ففر منها وألزمنا
إياها، لكننا توقفنا على نظر إجازتكم بذلك، أو ردكم إياه، والأمر عندنا سواء )).[18] فلما
وصل هذا الكتاب السلطان المغربي أظهر الفرح والسرور ورد بالجواب الآتي: (( بأن أهل
الوطن أصابوا وما غلطوا، وعلى الخبير سقطوا، والله يعينكم ويحفظكم والسلام )).[19]
وتسكينا لخواطر السلطان المغربي ونظرا
لحسن سيرته وأدبه وتواضعه فإن الأمير أمر الخطباء في المساجد أن يخطبوا بمولاي عبد
الرحمان ثم يأتوا به من بعده استطرادا وإتماما.
ويفسر لنا
الدكتور أبو القاسم سعد الله هذا السلوك مع السلطان المغربي بقوله: (( كما انه كان
يعرف أنه حاكم جديد وأن بعض أهل المدن ورجال الدين قد بايعوا سلطان فاس فأراد أن
يحافظ على ثقتهم وان يكسبهم على صفه فأرسل إلى السلطان المذكور يعلمه بأنه يحكم
باسمه )).[20] أما الدكتور يحي بوعزيز
فيفسر ذلك بقوله: (( وحتى يكون في مركز قوي اعتمد في كفاحه على الوازع الديني،
ورضي أن يقبل بزعامة سلطان مراكش ليستميله أليه ويكسب تأييده لكفاحه وجهاده ))[21]. ويذكر
الناصري أنّ الأمير عبد القادر: «أظهر الطاعة والانقياد للسلطان المولى عبد
الرحمن، وخطب به على منابر تلمسان وغيرها… وكتب إلى السلطان يعلمه بأنّه بعض خدمه
وقائدا من قوّاد جنده»[22].
3- على المستوى العسكري.
لضمان فرض الأمن
والاستقرار في ربوع دولته ولتوحيد الصفوف لمجابهة العدو الفرنسي استند الأمير إلى
فتوى شرعية تجيز له مقاتلة المرتدين والموالين لفرنسا، والخارجين عن طاعته،
فاستفتى العلماء والفقهاء في المر فقرروا بالإجماع مقاتلة المرتدين، وأرسل بهذه
الفتوى إلى علماء مراكش يستشيرهم في شرعيتها، فأفتوا بصحتها وعلق عليها سلطان
كمراكش بقوله: (( أن هذه الفتوى موافقة للسنة والقياس والإجماع وان من عرض
لتنفيذها، أو أولها تأويلا آخر، فإنه يعتبر من الظالمين، وسيعلم الذين ظلموا أي
منقلب ينقلبون))؛[23]
وعلى اثر ذلك قام بإرسال المكاتيب إلى زعماء وشيوخ القبائل الذين تخلفوا عن بيعته،
وحدد دعوة للاجتماع بهم وبمن بايعه يوم 18 ماي 1833، فاستجابت جل القبائل التي رأت
في الأمير الملاذ الوحيد والحامي لها من العدو الفرنسي، إلا أنه قد تخلف عن حظور
هذا الاجتماع عدد هائل من القادة والزعماء الذين لم يرضوا بالأمير أميرا عليهم،
وهؤلاء صنفهم الأمير ضمن أعداء الداخل، وما كان عليه إلا أن يقوم بمقاتلتهم حفاظا
على وحدة الصف أولا، ثم يتفرغ لجهاد العدو الفرنسي ثانيا؛ وهم على النحو التالي:
1. -القائد سيدي
العريبي زعيم قبيلة فليتة المتمركزة بسهل الشلف.
2. -القائد الغماري
شيخ قبيلة بني أنجاد.
3. -محمد بن نونة
الذي ادعى لنفسه حكم تلمسان باسم سلطان المغرب.
4. -مصطفى بن
إسماعيل زعيم قبائل المخزن.[24]
5. قبائل عكرمة وبني
مديان.
6. القاضي سيدي أحمد
بن الطاهر في أرزيو الذي مد الفرنسيين بكل ما يحتاجون إليه أثناء توسعهم خارج
وهران.
ومن مظاهر ذلك الرفض الامتناع عن دفع الضرائب والتردد وإعلان
الحرب ضد الأمير والانضمام إلى فرنسا، ويعود سب موقفهم هذا إلى كونهم من المرابطين
وغلى موقعهم ومركزهم الذي كانوا عليه في العهد العثماني، وإلى تأثرهم بما كان
يروّج له خير الدين نائب الباي أحمد حاكم تونس، من أخبار مفادها أن فرنسا لن تتدخل
في شؤون الجزائريين وفي عاداتهم وتقاليدهم ودينهم، وان إدارة البلاد ستكون من حق
مشايخ المنطقة.[25]
اعتمد الأمير في
مواجهة الجبهة الداخلية على ما جنده أبناء القبائل الموالية له، فشرع في تكوين
نواة لجيشه عن طريق فتح باب الجهاد للمتطوعين من أبناء وطنه، فتمكن خلال الأشهر
الأولى من مبايعته في تجنيد حوالي 60000 جندي،[26]
واتبع في جهاده على حرب العصابات، وبفعل حنكته السياسية ودهاءه العسكري تمكن من
الانتصار على الكثير من خصومه، وهو ما جعل عدد هائل من القبائل تذعن طاعتها له،
فاشتد عوده وقويت مكانته بين هذه القبائل، مما زاد في تخوف العدو الفرنسي الذي بات
يحسب له ألف حساب. ومن المكاسب التي حققها الأمير خلال هذه المرحلة التي جمع فيها
بين مقاتلة خصومه في الداخل ومجابهة العدو الفرنسي:
1-الاستيلاء على ميناء أرزيو الساحلي كي يتمكن من الاتصال
بالعالم الخارجي، والحصول على تأييده وعلى
الأسلحة والمئونة اللازمة لمواصلة باب الجهاد. إلا أنه سرعان ما استرجعته الجيوش
الفرنسية.
2-الاستيلاء على ثلاثة مدن رئيسية هي تلمسان والمدية
ومليانة.
3- تشديد الحصار على مدينة مستغانم ومحاولته تحرير وهران
واسترجاع ميناء أرزيو. فكيف كان موقف الفرنسيين من هذه الانتصارات؟
لقد قابلت
القوات الفرنسية هذه الانتصارات بمزيد من الحيطة والحذر سواء في عهد الجنرال
"بواييه" الحاكم لمدينة وهران او في عهد الجنرال تريزيل أو في عهد
الجنرال "دي ميشال"[27]،
هذا الأخير الذي قاوم وبكل بسالة جيوش الأمير عبد القادر المرابطة على مشارف المدن
المحاصرة كوهران ومستغانم، بل تكبدت الجيوش الفرنسية خسائر فادحة كلما حاولت
اختراق خطوط المقاومة الجزائرية، في كل من خنق النطاح الأولى والثانية ، وفي برج
العين؛ ولاحتواء هذه المقاومة فكرت القيادات الفرنسية في محاولة خرق الصف الجزائري
عن طريق استمالة بعض القبائل إلى جانبها، وهذا ما تم فعلا إذ تمكن الجنرال "تريزيل"
من التوقيع على معاهدة بينه وبين زعيم الدوائر والزمالة ، تضمنت البنود الآتية:
1- أن تكون تلك القبائل تحت حماية فرنسا وأن تقف إلى
جانبها.
2- تخضع هذه القبائل لمن يولى منهم بالموافقة مع القائد
لولاية وهران.
3- تدفع هذه القبائل ما كانت تدفعه قبل اليوم للحكومة
الجزائرية أيام الحكم العثماني أو ما كانت تدفعه للأمير عبد القادر.
4- لا يسوغ لهذه القبائل أن تأتي أمرا إلا بعد الحصول على الإذن
من حاكم وهران. وعندما علم الأمير بالأمر جمع الناس وخطب فيهم قائلا: (( الحمد لله
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وأصحابه، أما بعد. فاعلموا أن الله
تعالى قلدني هذا الأمر للمدافعة والدفاع عن الدين والوطن، وقد بلغكم خبر هذا
الرجل-ابن إسماعيل المتنصر-فإن تركته وشانه فإني أخاف على الوطن أن تغتاله غوائل
الفرنسيين على حين غفلة، وينشأ عن ذلك من المفاسد ما يعسر علينا إصلاحه)).[28]
وأمام هذا الموقف الصعب لم يكن هناك بدا أمام الجنرال "دي ميشال" إلا
التفكير في حل سلمي للحفاظ على ماء الوجه، هذا التوجه تجسد في معاهدة "دي
ميشال" الموقعة بين الأمير وهذا الجنرال.
معاهدة "دي ميشال"
إذن فهذه
المعاهدة جاءت بعد الانتصارات التي أحرزها الأمير ضد العدو حيث بدا الاتصال بين
الطرفين بالرسائل ثم بالتفاوض الذي أداره ممثل الطرف الجزائري في شخص كل من
الميلود بن عراش وولد محمود، وممثل الطرف الفرنسي في شخص اليهوديين مردخاي عمر
وبوشناق شريك بكري السابق ذكره في مسألة الديون. لقد تضمنت المعاهدة ستة شروط
رئيسية هي على النحو الآتي:
شـرط أول.
من اليوم
وصاعدا يبطل الطراد بين الفرنصيص والعرب، الجنيرال حاكم جيوش الفرنصيص وأمير
المومنين عبد القادر كل واحد من ناحيته
يعمل جهده لكي يحصل المودة والعهد الذي يلزم أن تكون بين شعبين اللذين مقدر عليهم
من عند الله أن يعيشوا تحت حكم واحد، ولأجل هذا أمير المومنين لازم يرسل من عنده
ثلاثة قناصل واحد لوهران، وواحد لارزيو وواحد لمستغانم، والجنرال كذلك يرسل من
عنده قناصل لمعسكر بيش ما يكون النزاع بين الفرنصيص والعرب.
شـرط ثاني.
الدين وعوايد المسلمين يكونوا دايما محرومين ومحامي عليهم.
شـرط ثالث.
مرابيط الفرنصيص يتسرحوا حالا وكذلك مرابيط العرب.
شـرط رابع.
السوق يكون مسرح ولا أحد يعارض أحد.
شـرط خامس.
كل العسكر
الذين يهربوا من الفرنصيص يستحق العرب أن يردوهم لعند الفرنصيص وكذلك العرب الذين
يهربوا من عند العرب بيش ما يتعاقبوا على فالطة عملوها ويجوا عند الفرنصيص حالا
يسلموهم إلى قنصل الأمير أن كان في وهران او أرزيو أو مستغانم.
شـرط سادس.
كل واحد
رومي يحب يسافر في البلاد يكون معه تذكرة مطبوعة بطابع قنصل الأمير وكذلك بطابع
الجنرال حاكم البلاد، حتى الذي تكون معه هذه التذكرة يحرموه ويحاموا عليه في كل
البلاد، وهذه نسختين. بأمر المعظم الأرفع مولانا أمير المؤمنين السيد الحاج عبد
القادر نصره الله ءامين ءامين.[29]
وفي ظل تبادل
وثيقة المعاهدة بين الطرفين عين "دي ميشال" عبد الله بن ميسون-عصبون-
مثلا لفرنسا في معسكر، في حين الأمير عين أحد أقاربه وهو محمد بن يخ ممثلا له في
وهران، وعين اليهودي الجزائري بن درّان وكيلا له في مدينة الجزائر، وابن محمود
قنصلا له في أرزيو.[30]
نتائج
المعاهدة بالنسبة للأمير.
1-بداية
اهتمامه بالشرق الجزائري الذي سكتت عنه المعاهدة، وبالمناطق المحيطة بالجزائر
العاصمة، كمليانة والمدية وشرشال.
2-إقرار الأمن بإخضاع القبائل الثائرة عليه والموالية لفرنسا.
3-تنظيم دولته الفتية بالاعتماد على أكفأ العناصر وخاصة
رجال الدين والعلم، وبناء الجيش وخاصة بعدما أمده دي مي شال بكميات هائلة من
الأسلحة والبارود، وجلبه للعديد من المدربين الأوربيين لتدريب جيشه النظامي على
استخدام هذه الأسلحة، كما حول وضع نواة لبناء مصانع حربية.
4-ربط العلاقات مع بعض الدول الأجنبية كبريطانيا واسبانيا
وأمريكا، مع عرضه عليها مقترحات للصداقة والتعاون ضد فرنسا.
5-توسيع خطوط تجارته مع المغرب وطنجة وجبل طارق وسبتة.[31]
نتائجها على الطرف الفرنسي.
لقد أحدثت المعاهدة ردود فعل مختلفة لدى
الأوساط الفرنسية، فـ "ديميشال" اعتبرها بمثابة نصر دبلوماسي على
الأمير، بينما وزير الحربية قلّل من شأنها معترف بأنّه يمكن اعتبارها خطوة أولى، إلا
أنها أثارت زوبعة سياسية حادة في البرلمان الفرنسي، واحتج "ديرلون" على
توسع الأمير ناحية الشرق، ولذلك سعت فرنسا لخلق الذرائع لخرق هذه المعاهدة وهو ما
تم فعلا.
تعليق حول المعاهدة.
معاهدة
"دي ميشال" لم تعرف جلسات للمفاوضة وإنما تمت عن طريق رسائل ومفاوضات
متبادلة بين ممثلي الأمير وممثلي الجنرال "دي ميشال". وكل طرف أملى
شروطه على الطرف الآخر، ثم جمعت في وثيقة واحدة بعد الموافقة على شروطهما، الأمر الذي
أدى إلى حدوث اختلاف بين في شروط المعاهدة الموقعة من طرف "دي ميشال"
يوم 4 فيفري والموقعة فيما بعد في يوم 26 فيفري. مما أدى إلى وجود غموض حول وجود
معاهدتين وهو ما دفع بالسلطة الفرنسية فيما بعد على عزل "دي ميشال" ورفض
المعاهدة والدخول في حرب مباشرة مع الأمير.[32]
ويذهب
جلال يحيى إلى القول بأنّ المعاهدة كانت مذيّلة ببنود أخرى تعتبر سرية ومن بينها:
اعتراف الأمير بالولاء لملك فرنسا ودفعه للجزية السنوية، وتعهده أيضا بعدم شراء
الأسلحة أو الذخائر الحربية إلا من فرنسا[33]،
إلا أنّ إسماعيل العربي يذهب إلى القول: إنّ هذه التعليمات سبقتها الأحداث حيث
أنّها وصلت إلى وهران بعد التوقيع على المعاهدة[34]،
ثمّ يستبعد موافقة الأمير على ذلك ونحن نشاطره الرأي طالما لم نعثر على مصادر أو
مراجع أخرى تتناول ذلك.
المرحلة
الثانية 1834-1837.
على اثر الضجة التي تركتها معاهدة دي ميشال
في الأوساط الفرنسية، وتسكينا لخواطر الفرنسيين قام بعزل الحاكم العام في الجزائر
"ديرلون" بعزل "دي ميشال" وتعيين الجنرال"تريزيل"
مكانه سنة 1835؛ ففقد الأمير سندا قويا من جانب فرنسا؛ وكما ذكرنا سابقا طبق هذا
الأخير سياسة فرق تسد مع قبائل الدوائر والزمالة للمرة الثانية، حيث تمكن من عقد
اتفاق ثنائي بين زعيمهم مصطفى بن إسماعيل، عرف باتفاق الكرمة،[35]
وعرفت أيضا بمعاهدة الدوائر والزمالة، وهذا هو الاسم الشائع عنها.
*معاهدة
الدوائر والزمالة 1835.
تم
توقيعها يوم 16 جوان 1835 بين شيوخ القبيلتين والحاكم الفرنسي تريزيل، ولقد تضمنت
12 مادة[36]
هي:
المادة
الأولى: موالاة هذين القبيلتين للسلطة الفرنسية.
المادة
الثانية: خضوع هذه القبائل لأوامر القادة المسلمين المعينين من الحاكم العام
الفرنسي.
المادة
الثالثة: دفع ضريبة سنوية.
المادة
الرابعة: حرية تنقل الأفراد من كلا الطرفين.
المادة
الخامسة: حرية التجارة وشحن البضائع من الموانئ التي يخصصها الحاكم العام.
المادة
السادسة: ضرورة إشراف السلطات الفرنسية تجارة الأسلحة الخاصة بالأمير.
المادة
السابعة: مشاركة أبناء هذه القبائل في وحدات عسكرية إلى جانب الجيش الفرنسي في كل
حملة عسكرية.
المادة
الثامنة: حول رواتب المشاركين من الجزائريين في الحملات العسكرية.
المادة
التاسعة: حول شروط وحق هذه القبائل الموالية في إعلان الحرب على القبائل المجاورة.
المادة
العاشرة:حول تزويد جيش الحملة بما يحتاجه أثناء عبور أراضي هذه القبائل.
المادة
الحادية عشر: حول صلاحية البث في القضايا التي تحدث بين العرب.
المادة
الثانية عشرة: كل قائد يعين من كل قبيلة عليه أن يسكن برفقة أفراد أسرته في مدينة
وهران. إن هذه القبائل ستكون بمثابة الساعد الأيمن لفرنسا حيث مكنتها من دخول
مدينة معسكر وتلمسان بفضل جهود مصطفى بن إسماعيل. فكيف كان موقف الأمير من هذه
المعاهدة؟
بحكم أن هذه القبائل جزائرية أولا وبحكم
وقوعها بين القبائل التي بايعته ثانيا، وبحكم ولائها المطلق للعدو الفرنسي، كاتب
الأمير الجنرال الفرنسي في الأمر ليخبره أنه لا يحق له أن يتعامل مع رعيته بهذا
الشكل، وليس من حقه أن يتحصل على خدمات هذه القبائل، بمعنى التنازل عن هذه
الاتفاقية قصد تمكن الأمير من إخضاعها لسيطرته، فقوبل طلبه بالرفض. الشيء الذي دفع
بالأمير إلى إعلان الجهاد من جديد ونقض الصلح مع الفرنسيين، وعلى اثر ذلك واجه
الأمير العديد من المعارك الهامشية مع بني جنسه، كان أهمها مع أبي حمار الذي ادعى
لنفسه البركة واليمن وحاول التقدم بجيوشه إلى مشارف مدينة المدية، ولكن السلطات الفرنسية لم تراع له شأن
بينما الأمير نهض إليه وحاربه وانتصر عليه، وبطلت زعامته، وهذا الشيخ هو من أنصار
الطريقة الدرقاوية يقال انه قدم من مصر. وعند تجدد ومن بين أهم المعارك التي
خاضها:
1-معركة
المقطع:
وقعت
يوم: 28/07/1835 بواد المقطع بالغرب الجزائري قرب وهران، تكبدت فيها الجيوش
الفرنسية هزيمة نكراء،/ ومن النتائج المترتبة عنها بالنسبة للأمير:
رفع
معنويات القبائل التي ساندته، ودخول البعض الآخر في طاعته.
انتشار
خبر النصر في هذه المعركة حتى في الشرق الجزائري، حيث ظهرت الكثير من الزعامات
والقبائل الموالية له، وفي العديد من المدن المغربية التي أقامت الحفلات بانتصاره،
وسارعت إلى تقديم يد المساعدة له. أما على المستوى الفرنسي فالهزيمة قد أحدثت ضجة
كبيرة جدا في الأوساط الفرنسية وباتت بعض الأصوات تنادي بضرورة انسحاب فرنسا من
الجزائر، وقصد تخفيف أثار الصدمة والكارثة قامت الحكومة الفرنسية بعزل الحاكم
العام بالجزائر " دورلون" والجنرال " تريزيل" واستدعتهما على
باريس، مقابل تعيين الجنرال "كلوزيل" للمرة الثانية حاكما عاما
بالجزائر، و" لامورسيير" خلال شهر جويلية 1835، لأنه كان من أنصار
الاحتلال الشامل للجزائر، وكان من بين الاجراءات التي قام بها:
تشكيل
قوة عسكرية هائلة والتوجه بها نحو معسكر عاصمة الأمير، ونظرا لصعوبة الموقف أمر
الأمير بإخلائها من سكانها ومن كل ما تمكنوا من حمله، فتمكن من اقتحامها في
16/12/1835، وتدمير وحرق ما أمكنه ذلك[37]،
وكان اهم شيء غنمه هو مكتبة الأمير النفيسة،[38]
إلا أنه وجدها خاوية على عروشها؛ فعاد ادراجه إلى وهران.
وعلى
اثر تراجعه عنها رجع إليها الأمير من جديد
وأعاد بناء كل المعالم الحضارية التي طالتها يد العدو الفرنسي.
2-معركة
السقاق –الزقاق- 1836.
مع مطلع شهر جانفي 1836، توجهت القوات
الفرنسية نحو تلمسان الواقعة تحت سيطرة الأمير، قصد احتلالها وربطه بوهران ومنع
الإمدادات العسكرية القادمة من المغرب، ونظرا للتواطؤ الحاصل من طرف بقايا الأتراك
في المدينة وبعض الزعامات المدجنة الناقمة من الأمير فإن تلمسان تم احتلالها دون
مقاومة تذكر خلال الشهر نفسه 1836. فكيف كان موقف الأمير من احتلال تلمسان.
حاول فرض حصار محكم على الفرنسيين
المحتلين لكل من وهران وتلمسان، وقطع طريق المواصلات بينهما، إذ تمكن من تحقيق
العديد من الانتصارات على القوافل الفرنسية التي سلكت هذا الطريق؛ وقصد فك الحصار
المضروب على الفرنسيين في تلمسان تلقت الجيوش الفرنسية إمدادات عسكرية هائلة من
فرنسا، تحت قيادة الجنرال"بيجو" خلال شهر ماي 1836، هذا الأخير الذي
أحدث نظام عسكري شبيه بنظام الأمير عبد القادر<؛ والمتمثل في تشكيل فرق عسكرية
صغيرة تمتاز بالخفة والسرعة في الحركة وببأسها الشديد.
وبهذه الفرق تمكن من ملاحقة الأمير وهو
مرابط على مشارف تلمسان عبر واد السقاق خلال شهر جويلية 1836، أين تكبد هزيمة
نكراء على يد الجيش الفرنسي. تمكن بموجبه الفرنسيون من فك الحصار على تلمسان. وعلى
اثر هذا النصر العسكري عرض الجنرال بيجو الصلح على الأمير، وبعد مفاوضات دارت بين
الطرفين بواسطة اليهودي"مردخان بن دران"[39]،
قبل الأمير بهذا الصلح الذي تمثل في معاهد التافنا 1837.
وقبل
الحديث عن هذه المعاهدة أود لفت الانتباه إلى ما كان يحدث في الشرق الجزائري، من:
-احتلال
عنابة والزحف على قسنطينة بالفشل في سنة 1836.
-توقيع
المعاهدات مع زعماء واعيان مدينة بجاية.
معاهدة التافنا 1837: .
اليتنان
جينرال بيجو حاكم جيوش الفرنصيص في وطن بالد وهران والأمير عبد القادر اتفقوا
بينهم على الشروط الآتية بعده:
شرط أول.
الأمير عبد القادر يعرف حكم سلطنة
فرانسا في افريقية.
شرط ثاني.
فرانسا
تحفظ لنفسها في وطن بلاد وهران ومستغانم ومزغران وساير أراضيها ووهران وأرزيو
وأيضا الحدود الذي نذكرها بعده شرقا المقطع من عند المرجة من أين يخرج الواد وقبلة
من المرجة المذكورة اعمل خط مساوي قبلة السبخة. على نيشان سيدي سعيد لحد واد
المالح واهبط مع الواد المذكورة أعلاه جميعها تكون في يد الفرنصيص. وفي وطن بلاد
الجزائر والساحل والوطن متاع متيجة من جيهة الشرق لحد واد خضرة إلى قدام وقبلة لحد
راس أول جبل حتى واد شفه وداخل في ذلك البليدة وساير نواحيها وغربا من شفه لحد عكس
واد مزفران ومن هناك خط مساوي لحد البحر ومتضمن في هذا الحد القليعة وكامل نواحيها
بنوع أن جميع هذه الحدود المذكورة تكون في يد الفرنصيص.
شرط ثالث
الأمير يحكم في وطن بلاد وهران
والمدية ونصيب من عمالة الجزائر الذي ما دخلت في حدودنا وغربا الحدود المذكورة في
الشرط الثاني، وما يقدر يحكم غير في الحدود المذكورة أعلاه.
شرط رابع
الأمير يقدر يحكم على المسلمين
الذين يحبون يسكنون في الحدود الذين بيد الفرنصيص وهم مخيرين أن يمشوا يعيشوا في
بلاد حكم الأمير، كما أن السكان في بلاد الأمير يقدروا من غير مانع يمنعهم أن يجوا
يسكنوا في بلاد حدود الفرصيص.
شرط خامس.
العرب السكان في بلاد الفرنصيص
يتبعوا دينهم بكل حرية ويقدروا يبنوا جوامع ويسلكوا بموجب شريعة دينهم على يد
قاضيهم كبير الاسلام.
شرط سادس.
الأمير يعطي لجيش الفرنصيص ثلاثين
ألف ربعي وهراني قمح وثلاثين ألف ربعي شعير وخمسة ألاف فرد. وهذا الدفع متاع الحب
والفرد يكون لوهران كل ثلث واحدة فأول ثلث يكون بعد ثلاثة أشهر من التاريخ بمدة
خمسة عشر يوم، والثلثين الأخرين شهرين بعد شهرين أعني: في كل شهرين ثلث.
شرط سابع.
الأمير يشتري من فرانسا البارود
والكبريت والسلاح الذي يستحق.
شرط ثامن.
القرغلان الذين يحبون يقعدوا في
تلمسان أو في موضع آخر يتصرفوا بكل حرية بأملاكهم ويعاملهم مثلما يعامل الحضر،
والذين يحبون يجوا لبلاد الفرصيص يقدروا من غير معارض لهم أن يبيعوا أو يكروا
أملاكهم.
شرط تاسع.
فرانسا تسلم إلى الأمير رشقون
وتلمسان والمشور والمدافع السابقين في المشور والأمير يلزم نفسه أن يرفد ويوصل
لوهران كامل القش والعوين والبارود والسلاح متاع عسكر الفرنصيص الذي بتلمسان.
شرط عاشر.
السبب والتجرة يكونوا مسرحين بكل
حرية بين العرب والفرنصيص ويقدروا يمشوا من حدود إلى حدود في البلاد ويتسببوا
ويتاجروا.
شرط حادي عشر
الفرنصيص يكونوا محرومين موقرين عند
العرب كما العرب عند الفرنصيص فالأملاك والبلاد الذين اشتروهم الفرنصيص والذين
يشتروهم في بلاد حدود الأمير يتصرفوا بهم بكل حرية وضمان الأمير يلزم نفقسه أن
يخلص بزيادة كلما يفسده العرب في هذه الأملاك.
شرط ثاني عشر.
المذنبين أعني القتلة وقاطعي
الطرق والذين يحرقون الأملاك او غيره يردون من الجهتين.
شرط ثالث عشر.
الأمير يلزم نفسه أن لا يسلم شيء
من مراسي البلاد لجنس من الجنوس إلا بذن فرانسا.
شرط رابع عشر.
السبب والتجرة في أقاليم الجزائر
ووهران ما يكون غير المراسي الذين بيد الفرنصيص.
شرط خامس عشر.
فرانسا تقدر تصنع عند الأمير
وكيلا وكذلك في البلاد الذي في حكمه لأن يكونا واسطة بين رعية الفرنصيص لأجل
النزاع متاع التجارة أو غير ذلك الذي يمكن أن يكون مع العرب والأمير يقدر يصنع
كذلك في البلاد ومراسي الفرنصيص.
كتب برشقون في 24 صفر عام 1253.
المرجع: عبد الحميد، زوزو: نصوص
ووثائق في تاريخ الجزائر المعاصر (1830-1900)، المؤسسة الوطنية للكتاب،
الجزائر، 1984، ص-ص، 77-79.
المرحلة الثالثة: 1837-1843. بناء
الدولة.
لقد استغل الأمير معاهدة التافنا في
التفرغ لمواصلة بناء دولته الفتية التي انطلق فيها منذ سنة 1832، وقصد تبسيط فهم
الأسس التي قامت عليهم دولة الأمير سنتطرق إلى هذه الدولة من زوايا متعددة؛ يمكن
حصرها في الأصعدة الآتية:
على
الصعيد الإداري: ويشمل العناصر الآتية:
1-الإطار
الجغرافي:
تعتبر
مدينة معسكر وما جاورها من سهل غريس نواة الدولة الأميرية منذ نشأتها، ومع مرور
الزمن امتدت رقعتها الجغرافية لتصبح تمتد ما بين منطقة سطيف شرقا إلى التخوم
المغربية غربا، ومن بعض المدن الساحلية شمالا إلا غاية بسكرة و الأغواط وواد سوف
وحتى بلاد التوارق جنوبا. وقصد التحكم الجيد في هذه المساحة قسمها الأمير إلى ثمان
مقاطعات رئيسية وعلى رأس كل مقاطعة خليفة عنه كما سبق وعرفنا، وكل مقاطعة مقسمة
إلى عدة دوائر –أغاليك- وعلى رأس كل دائرة آغا، والدائرة تظم عددا من القبائل
يحكمها ضابط إداري يحمل لقب قائد، وتحت القائد يوجد مسئول إداري يحمل لقب شيخ وتقع
تحت أشرافه عشيرة من عشائر القبائل[40].
2-الإدارة
الإقليمية.
شملت إدارة الأمير مجموعة الهياكل الإدارية
هي مجلس الشورى الأعلى، وديوان الإنشاء ومجالس الشورى الإقليمية، والأمانة العامة،
ومن النظارات الإدارية-الوزارات-والتي يمكن رصدها في ما يلي:
وزارة
الخارجية، وزارة المالية، وزارة الأعشار، وزارة الزكاة، وزارة السكة، وزارة
الصناعة الحربية والعتاد. وإلى جانبها هناك ما يسمى بالأمانة العامة.[41]
ولقد كان الأمير يصدر أوامره على الخليفة وكذلك ترفع القضايا من الشيخ حتى تصل
الأمير، وأما القضايا الصغيرة والمحلية فإن الضباط الإداريون يتمتعون بالصلاحيات
الضرورية لمعالجتها على المستوى المحلي[42].وقد
راع الأمير في اختياره لهؤلاء على القدر والوطنية والنزاهة والتقوى والورع.
3-على
الصعيد العسكري: لقد اهتم الأمير بالجيش من حيث
التنظيم والتدريب والتسليح والتموين على النحو الآتي:
1-التنظيم:
يعتبر الأمير القائد الأعلى للجيش، وهو ينقسم إلى قسمين: جيش نظامي يقدر عدده
بحوالي 15300 جندي، وجيش غير نظامي يتمثل في أبناء القبائل المناصرة له وقد يصب في
حالة إعلان النفير إلى حوالي 150 ألف مقاتل[43]،
وما يهمنا هو الجيش النظامي، الذي يظم أربع تشكيلات رئيسية هي:
ا-الحرس
الأميري: وهو يتشكل من 500 جندي يترأسهم القائد
سالم آغا الزنجي، وألبستهم من الجوخ الأحمر الجيد وسلاحهم محلى بالذهب والفضة
ومرصعا بالمرجان.[44]
ب-العسكر
المحمدي:(المشاة) ويقدر عددهم ب 12000 جندي، وهو
ينقسم إلى عدة وحدات كبيرة في كل منها ألف جندي بقيادة آغا، وهذه الوحدات تنقسم
إلى وحدات صغرى تضم المائة، والتي يتفرع عنها الوحدة الصغرى أو الخبأ الذي يضم 30
جنديا يرأسهم قائد ونائبا عنه.
ج-الخيالة:
ويقدر عددهم بـ 2500جندي، يتكون من كتائب تضم
كل منها ألف فارس بقيادة آغا، والكتيبة تنقسم إلى سرايا، وعدد أفراد الوحدة 50
فارسا برئاسة سياف، والتي تتفرع عنها مجموعة صغيرة تتكون من 20 فارسا[45].
د-الطوبجية[46]:
المدفعية، ويقدر عددهم بحوالي 50 طوبجي يديرون
20 مدفعا.[47] وهم
مقسمون إلى وحدات عسكرية صغيرة تقدر بـ12 طوبجي يديرون مدفعا، وعند القتال منهم 6 طوبجية يديرون المدفع و6
المتبقين يستريحون ثم يتبادلون الأدوار. وفيما يخص النظام العسكري فالأمير
وضع نظام عسكري صارم جدا جمع فيه بين التهديد وحتى الإعدام عن كل مخالفة عسكرية،
والمكافأة عن كل عمل بطولي يقوم به أي جندي من جنوده.
2-التدريب:
بالإضافة إلى الخبرة المحلية فلقد
اعتمد الأمير على استقدام العديد من المدربين من تونس وليبيا وألحق بقواته مجموعة
من الفارين الفرنسيين الذين درسوا الخطط التي تلقوها ونفذوها عمليا في جيشهم
الفرنسي؛[48] ولاسيما
من جنود اللفيف الأجنبي الذين انظموا إلى صفوف الجزائريين، ومن الضباط المسلمين
الذي خدموا في صفوف الجيشين التونسي والمصري. وبقد اعتمد في تدريبه على القتال في
نظام الصفوف وعلى عدم مواجهة العدو مباشرة إلا للضرورة، وعلى نظام الكمائن والهجوم
المباغت، الذي يعتمد على عنصر السرعة وعامل المفاجأة.كما قام ببناء الحصون والقلاع
للمراقبة وللاحتماء بها عند الخطر، ومن أهمها نذكر حصن سبدو بضواحي تلمسان وحصن
تاقدامت جنوب تيارت وحصن بوغار جنوب المدية وحصن بسكرة...الخ.
3-التسليح:
لقد تعددت مصادر تموين جيش الأمير ومن
أهمها نذكر:
-الشراء
من بعض الدول الأجنبية كبريطانيا وفرنسا، وبعض الدول الصديقة كتونس والمغرب. ومن
بعض القبائل الصحراوية القادمة من تقرت وبلاد التوارق للمتاجرة.
-المساعدات
التي قدمها له سلطان المغرب والقبائل المغربية، وتونس.
-الجمع
من كل القبائل مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة الموروثة عنهم، وخاصة البنادق والخيول
والأحصنة.
-الغنائم
التي يتحصل عليها أثناء المعارك التي انتصر فيها على الجيش الفرنسي.
-الاعتماد
على ما تنتجه المصانع الحربية التي أنشأها
في كل من تلمسان لصناعة المدافع حيث كانت تنتج 12 مدفعا يوميا، تحت إشراف أحد
الضباط الاسبان، ومليانة لصناعة البنادق تحت إشراف دوكاس الفرنسي، وصناعة البارود
في تلمسان ومعسكر ومليانة والمدية وتاقدامت التي كانت تنتج حوالي 08 بنادق في
اليوم. في حين الرصاص قد حاول استخراجه من منجم للرصاص بالونشريس إلا أن تكاليف
الاستخراج كانت باهضة جدا، لذلك اعتمد على عنصر الاستغلال الجيد لهذه المادة، فهو
يقوم بتوزيعها وقت الحاجة ووفق نظام دقيق جدا.[49]
4-على
الصعيد الاجتماعي:
قصد
فرض الأمن والاستقرار في دولته فالأمير سن نظام قضائي صارم جدا، إذ قسم القضاء
إلى: قضاء مدني، وقضاء جنائي، وتولى هو ريس المجلس الأعلى للقضاء-صاحب المظالم-،
وكل مقاطعة لها قاضي يبث في القضايا العالقة، ولقد كان حريصا على تطبيق نظام العدل
وفق للشريعة الإسلامية، ولقد كان المذهب المالكي هو السائد في الأحكام القضائية،
ولقد كان صارما في تنفيذ الأحكام وهي غير قابلة للاستئناف، وكان إذا أشكل عليه
أمرا توقف عن إصدار الحكم بشأنه، وكاتب علماء وفقهاء مصر والمغرب ليستفتيهم فيها[50]. وعلى اثر هذا النظام القضائي ساد المن في ربوع
دولته واختفى الغش من الأسواق، والرشوة خاصة وأنه خصص مرتبات عالية جدا لخلفائه
-110 دورو وصاع من الشعير يوميا[51]-
ولقضاته حتى لا تمتد أعينهم إلى ما أيدي الناس، وعلى الصعيد الأخلاقي فالأمير ألغى
البغاء ومنع شرب الخمر في جميع أنحاء الدولة، وحرم لعب الورق بين الجنود[52].
كما أنه سن نظام العدالة بين رعيته، وحاول
أن يعامل جميع سكان المدن والأرياف على قدم المساواة، دون مراعاة الامتيازات التي
كانت تحضى بها بعض المجموعات مثل الكراغلة، الذين رأوا في ذلك خطرا على امتيازاتهم
باعتبارهم أقرب إلى العنصر التركي الحاكم وأجدر بتولي شؤون الحكم،[53]
ولم يميل إلى نسب أو مرتبة أو مكانة دينية، فالناس سواسية عنده، إلا ما تقتضيه
المصلحة العامة للدولة من توقير العلماء والفقهاء، والقضاة، والذين أبلوا بلاء
حسنا في الجهاد، ولقد حارب بكل قوة المظاهر المتبقية عن النظام البائد، حيث ألغى
نظام المخزن، والامتيازات التي كانت تحت تصرفه؛ وكل ما كان يمس سمعة الإنسان
الجزائري.
التعليم:
إذا كان الأمير ينتمي إلى الزاوية القادرية المتضلعة في بحر العلوم، فلقد اعتمد
على نظام الزوايا في نشر العلم والمعرفة بين رعيته، عن طريق تزويدها بالعلماء
والفقهاء والمعلمين، تخصيص ميزانية خاصة لهم، فأصبحت هذه الزوايا مركز إشعاع ديني
ومنابر لبث الدعوة للجهاد في المناطق التي تقع فيها.[54] ولقد
شمل التدريس مختلف العلوم النقلية والعقلية، ومن بين الإجراءات التي قام بها
الأمير في هذا الشأن نذكر:
1. أصر أوامره إلى جميع خلفائه بجمع المخطوطات
التي تزخر بها المنطقة.
2. العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من
الكتب التي تقع تحت أيديهم أثناء الغزوات وعدم المساس بها أو الاستيلاء عليها
كغنائم.
3. جمع هذه المخطوطات في العديد من
الزوايا ويحتفظ بالبعض منها في مكتبته الخاصة.
4. أسس مكتبة بعاصمته تاقدامت جمعت ألاف
النسخ والمخطوطات، وفتح أبوابها لجميع الراغبين في الدخول إليها.[55]
5-على
الصعيد الاقتصادي:
قصد تموين الجيش وبناء دولته فالأمير ألغى
كل المداخيل غير الشرعية لدولته، والتي كان معمول بها في الماضي، كاللزمة والغرامة
والعوائد؛[56] بل أبقى
على الزكاة والعشور، إلا أنه سن ضريبة جهادية
تعرف بالمعونة، وقصد ابراز التبادل التجاري والتعامل النقدي صك النقود. فأنشأ دار السكة بتاقدامت في شهر
ماي 1836، حيث تمكن من اصدار مجموعة من النقود الفضية والنحاسية بمختلف فئاتها من محمدية ونصف وربع وغيرها،[57] وتجمع1
العشور والزكاة مرتين في السنة، في الربيع تجمع الحيوانات وفي الصيف تجمع الحبوب،
والفائض من البقر والغنم توضع وديعة لترعى عند القبائل وتستعاد وقت الحاجة، وأما
الخيل فتوزع على الجيش، والفائض من القمح والشعير كان يحفظ في المطامير، في أراضي
القبيلة تحت مسؤولية القائد، وكانت تستعمل هذه المخزونات في وقت السلم لمساعدة
السكان على أداء واجباتهم، والتخفيف عنهم في حالة الأزمات أو الملمات. إلا أن هذا
المخزون في وقت الحرب وعند دخول العدو واستسلام القبيلة يصبح كل شيء عرضة للنهب.[58]
كما
أن دولة الأمير في بعض الأحيان اعتمدت على إبراز روح التضامن التعاون بين أفراد
الرعية، وذلك بالتزام الأمير وعائلته بالتقشف والاستعداد بالتضحية بالنفس والنفيس،
والزم جميع رعيته بالتزام التقشف والبساطة،
2ضريبة
المعونة لقد ازدادت مع تطور الحرب وأرهقت كاهل القبائل، حتى أنها كانت السبب في
تهرب بعض القبائل من دفعها والتحول من مناصرة الأمير في جهاده ضد الفرنسيين، ومن
بين مدفوعات وضخامتها نذكر: نواحي المدية ومليانة وجهات الشرق التيطري والشلف
حوالي 25000 ريال بوجو[59]،
قبيلة فليته 15000 ، هاشم الغرابة 20000، هاشم الشراقة 20000، معسكر وندرومة 500.[60]
3الخطية
والغرامة على الجنح والمخالفات، وما يتحصل عليه من الغنائم أثناء حملات الانتقام
والمعارك الحربية، ومن بين هذه الغرامات كالتي فرضت على قبائل السبخة بمنطقة الشلف
الأسفل، والمقدر بـ 500دورو و100بندقية، و100حصان.
4رسوم
الأسواق وحقوق الجمارك، وعوائد احتكار تصدير المواد الولية والتي لعب فيه اليهود
دور كبير قصد الربح أو الابتزاز، ولقد تم تقدير ثروات الدولة سنة 1839 بـ: 150000
فرنك ذهبي، وما يكفي من الحبوب لمدة سنتين في المطامير، و 2000جمل، و800 بغل، و100
حصان، منها 700 خاصة بالفرسان المحاربين، و300 خيمة قديمة وجديدة تتسع كل واحدة
منها لإيواء 33 رجلا مع 800 طن من البارود الختام والجاهز للاستعمال وما يتطلبه من
رصاص، بالإضافة إلى 8000 بندقية و 2000 طن من الحديد، و200 طن من النحاس، و100 طن
من الكبريت وكميات أخرى من الجبس المهيأ
للاستعمال[61].
6-على
الصعيد الدبلوماسي:
لقد
تمكن الأمير من ربط علاقات خارجية مع عدة أطراف منه:
1-المغرب:
عن طريق وكيله الطاهر بن جلون، ولقد
تمكن السلطان المغربي إلى حد كبير جدا من تدعيم دولة الأمير بمختلف انواع الدعم المادي
والمعنوي، إلى أن أصبح هو مهدد في عقر داره.
2-فرنسا:
فلقد كان لكل من الطرفين ممثلين في
أراضي الطرف الآخر، سواء كان ذلك أثناء توقيع معاهدة دي ميشال أو معاهدة التافنا،
غلا أن هذه العلاقات كانت سرعان ما تتوفر بفعل نقض الفرنسيين لعهودهم.
3-تونس:
لقد ربط صلاته ببايات تونس على أحسن ما
يرام، حيث أرسل بمبعوثيه إلى تونس وكلفهم بشراء الأسلحة والذخائر، ومنحهم جوازات
سفر تونسية، قصد ضمان نقل وشحن هذه الأسلحة؛ ومن بين دلائل ذلك سفرية خليفته محمد
الصغير بن عبد الله إلى تونس محملا بهدايا الأمير وبكتاب إلى الباي محمد بن الحسن،
لتهنئته وربط علاقات الصداقة بين الطرفين، ومن مضمون ما جاء فيه: (( فإننا بعثنا
إليكم من يقوم مقامنا في التهنئة لكم وعقد المحبة بيننا وبينكم وحسن الجوار معكم
...فاستوصوا بالحاملين خيرا وقفوا معهم موقف الكرام عند المعظم السيد أحمد باشا
فإنهم لا يعرفون أحوال تلك الناحية)).[62]
4-الو.م.أ:
حاول ربط صلاته بها عن طريق قنصلها
بطنجة، كما التمس منها أن تمده بالأسلحة مقابل أن يتنازل لها عن ميناء تنس.
5-الدولة
العثمانية: لقد
بعث الأمير برسائل عدة إلى السلطان العثماني عبد المجيد بعث مع الكلونيل أسكوت، إلا
حمدان بن عثمان خوجة بتاريخ 1257هت، جاء فيها: أنا كاتبنا آل عثمان مع أننا لم تقع
منا كتابة قط (إليهم) خوفا من عدم القبول أو عدم الإجابة ولكن علمنا أن تلك الإشارة
من الطالب السيد حمدان ولد خوجة وصلة من وصل لها انقطاع الرحم. فاعتمدنا على إشارتك
بهذا الرأي واستعطفنا سيدنا ومولانا السلطان عبد المجيد وعرضنا على حضرته العلية
حالتنا وعرفناه أحوالنا وأقوالنا لعله ينظر إلينا بعين الرحمة والإشفاق وينقذنا
بكلمته المسموعة، فإذا استشرفك سيدنا على كتابنا أيه فأكد ملامحه مما تلقى الله به
وعليه..)).[63] ومن بين
رسائله إلى الباب العالي السلطان عبد المجيد مؤرخة في مستغانم في شوال 1357هـ(
ديسمبر 1841)/ جاء فيها : إلى سلطان سلاطين الإسلام وحامي بيضة أمة محمد(ص)طود
الملوك الشامخ وركنهم الثابت الراسخ، السلطان عبد المجيد خان، سلام على سيدنا
ورحمة الله وبركاته))[64]
6-اسبانيا:
حاول ربط علاقاته مع اسبانيا في
المرحلة الأخيرة من مراحل مقاومته، إذ بعث بمراسلات عديدة إلى اسبانيا وحكامها
العسكريين بمليلية[65]؛
قصد مده بمختلف أنواع الأسلحة والمعدات الحربية، وعن طريق ممثليه بجبل طارق.
تعليق
حول معاهدة التافنا 1837.
تعليق
الدكتور يحي بوعزيز:
لقد
وردت فروق في النصين الفرنسي والعربي للمعاهدة، كما وردت إضافات في النص الفرنسي
لا توجد في النص العربي، مما يؤكد أن الفرنسيين كانوا يريدون كسب الوقت فقط من أجل
ضمان نجاحهم في مغامرة قسنطينة الثانية، والتفرغ بعد ذلك له بكل امكاناتهم وجهودهم.[66]
وأول
ملاحظة على النص الفرنسي هو انه مؤرخ بيوم: 30 ماي 1837، في حين أن النص العربي
مؤرخ بشهر جوان 1837م؛ وهذا يدل على أن الفرنسيين هم الذين كتبوا هذه المعاهدة
وحرروها وأرخوها ثم بعثوا بها إلى الأمير ليطلع عليها فقط، أو يبدي بعض الملاحظات
التي لا تهم صلب الموضوع، وكأنهم بهذا أملوها على الأمير إملاء مما جعله يبقيها
عنده عاما كاملا ليمعن فيها النظر.
والملاحظة
الثانية هو اعتراف الأمير لفرنسا بحق السيادة وذلك غير وارد في النص العربي.
والملاحظة
الثالثة هي أن النص الفرنسي نعت الم[67]واد
والمؤن التي تعهد الأمير بتقديمها لفرنسا على أنها جزية سنوية مفروضة عليه، وذلك
غير موجود في النص العربي.
والملاحظة الرابعة هي أن النص الفرنسي يزيد في المناطق
التي حددتها المعاهدة في الناحية الشرقية ما بين أراضي الأمير والبلاد الخاضعة
لفرنسا، وسيكون هذا من بين عوامل عودة الحرب بين الطرفين بعد ذلك. ويظهر من المعاهدة
أن الأمير رغم حذره ويقظته قد تورط في أشياء لم يكن يحبذها في نفسه، ولكنه نظرا
لكثرة المشاكل والصعوبات التي كانت تواجهه رض بعد تفكير طويل بهذه المعاهدة
وأمضاها، ولعل أهم شيء اعتبره كسبا في هذه المعاهدة هو اعتراف فرنسا به وبإمارته،
وإقرارها لسلطته ورضاها بتبادل التمثيل الدبلوماسي معه، وذلك سيكسبه الاعتراف
الدولي مستقبلا، ويؤكد اعتداء فرنسا على شعبه وبلاده.[68]
الوساطة
اليهودية في المعاهدة والممثلة في اليهودي
"مردخان بن دران"، الذي كوفئ بعد ذلك باحتكاره التجارة بين الطرفين، لأن
المعاهدة التي أمضيت نصت على اعتباره وسيطا للأمير في كل ما يحتاج إلى شرائه من
أسلحة وذخائر وغيرها من فرنسا، التي تشتري بدورها بواسطته من الأمير ما تحتاج إليه
من الحبوب والأغنام، والمحصولات الزراعية الأخرى الضرورية لتموين القوات الفرنسية.[69]
ومن دون شك فإن هذا اليهودي قد غالط الأمير في نقل مجريات الأحداث وافهمه عكس ما
كتب في المعاهدة، فمن غير المعقول أن يكون موضوعيا وصادقا في وساطته بين الأمير
والجنرال بيجو.[70]
هجوم
الأمير عبد القادر على حصن عين ماضي 1838.
فبعد أن أكمل
استعداداته العسكرية في عاصمته تاكدامث، خرج منها متوجها نحو عين ماضي يوم 12 جوان
1838م/18 ربيع الأول 1254هـ، وبرفقته جيش قوامه 6000 خيالة، 3000 مشاة و03 قطع
مدفعية وستة مدافع هاوون ، فوصلها بعد مسيرة عشرة أيام وكان قد بلغه رفض التجاني[71]
السماح له بدخولها، عندما أدرك عزم عبد القادر على مهاجمته كاتب السلطان المولى
عبد الرحمن مشتكيا إليه. غير أنّ السلطان
لم يعترض على الحملة، بعد أن التزم له عبد القادر بعدم اللجوء إلى السلاح ، فصمّم
التيجاني على المقاومة وابتداء من 02 جويلية 1838 شرعت قوات الأمير في قصفها
بالمدافع، وفي هذه الأثناء كاتب السلطان وبطريقة غير مباشرة ليخبره بالوضع الجديد،
فأرسل له بكتابين عبر وكيله بفاس الطاهر بن جلون. ومن بين الدلائل التي استند
إليها الأمي رفي هجومه على الحصن ما وقع في يده من مراسلة شيخ التجانية للفرنسيين
قصد التعاون معهم ضد الأمير، ومن ما جاء في كتابه على لسان الأمير للسلطان
المغربي ((… أطلعنا له على مكاتب بخطّ يده
لبعض أهل الأغواط يذكر فيها أنه خليفة الله في أرضه مع مكاتب لكافر الجزائر يقول
له أن أشغل الحاج عبد القادر من تلك
الجهة البحرية وأنا أكفيك أمره من
جهة البرّ…»[72]. واصل
الأمير حصاره لعين ماضي مدّة ستة أشهر[73]،
ورغم المحاولات الرامية لاقتحام أسوارها لم يتمكّن منها[74]
ونتيجة لضغط السلطات وزعماء الصحراء، قبل التجاني الدخول في مفاوضات مع الأمير
ابتداء من 17 نوفمبر 1838 بواسطة مصطفى بن التهامي، فطلب الأمان على نفسه ومن معه،
ومهلة أربعين يوما، للجلاء عن الحصن، فعرض ذلك على الأمير الذي أجابه بشروط ذكرها صاحب
التحفة صفحة 302.
فاستجاب
التيجاني لشروط الأمير ورفع عنها الحصار بالتراجع إلى منطقة تاجموت وفي يوم 02
ديسمبر 1838 دخلها الأمير، بعد أن توجّه التيجاني ومن معه إلى الأغواط، ولم يتوجّه
نحو فاس أي دعاه السلطان، ولاشكّ أنّ هذا يعبّر عن غضبه وسخطه من تصرّفاته فدخلها
الأمير يوم 10 جانفي 1839، ولم يجد فيها سوى المستضعفين، فأمر حسب التحفة «بتخريب
الحصن فألصق سوره وسائر دوره وأبراجه بالأرض وغوّر ماؤه »[75].
نقض معاهدة التافنا وتجدد المقاومة المسلحة.1839.
منذ
استيلائها على قسنطينة أكتوبر 1837 لم تكف فرنسا عن عرقلة مشروع سلام التافنا،
ولذلك ذهبت إلى البحث عن الحجج والذرائع لخرقها، ومن بين ذلك محاولتها استغلال
مشروع اتفاق (فالي-عراش)، فقامت بإرسال مندوبها "دوسال" للتباحث مع
الأمير حول هذه النقطة[76]،
فما كان من عبد القادر إلا أن عرض ذلك على مجلس الشورى في اجتماع عقده له.
ويذكر صاحب التحفة بأنّ نتيجة الاجتماع
كانت رفض التعديل المقترح من فرنسا:«…ولا نرض بالدنية في ديننا، ولا بما يخل
شرفنا، فالنار ولا العار، فإن كانت الدولة الفرنساوية (كذا) ترضى أن تبقى على ما
انعقد عليه الصلح في تافنا فذلك وإلا فالحرب وبالله المستعان…»[77].
ولقد حاول عبد القادر من جهته الاتصال بالملك الفرنسي، لإقناعه بأهمية السلم
بالنسبة لهما، إلا أنه سبق لهذا الأخير وأن عرقل بعثة ابن عراش بباريس. ولم تكتف
السلطات الفرنسية بالامتناع عن الإجابة، بل تعدّت ذلك إلى استفزاز الأمير عن
طريق اختراقها لمضيق البيبان[78]
أثناء رحلة ابن الملك من قسنطينة إلى الجزائر وهذه العملية تُعتبر انتهاكا لجلالة
الملك الفرنسي الذي سبق له وأن صادق على المعاهدة، وسكوته هذا يعكس لنا مدى تورّطه
في جريمة إعلان الحرب من جديد.
ورغم ذلك
اتصل عبد القادر بـ "فالي" مُعلنا له الحرب ضد فرنسا جاء فيه:«…ومررتم
بابن الملك في عساكركم الكثيرة في بلادي، من الجزائر إلى قسنطينة… إنّ القصد من
فعلكم هذا هو إظهار التعدّي على حقوقي… والحال أن فعلكم هذا هو نفسه ناقض للمعاهدة
مبطل لها… وبناء عليه أعلن لكم أني عزمت على استئناف الحرب وبالله المستعان…»[79].
وفي الوقت نفسه اجتمع بالمجلس الحربي الذي تمخّض عنه إعلان الجهاد من جديد يوم 19
نوفمبر 1839، وسنحاول هنا الوقوف عند أهم النقاط التي استهدفتها المقاومة؟
استهدفت
الهجومات الأولى متيجة، وعندما انتشر خبرها سارع الجزائريون للمشاركة فيها، في
الوقت الذي سارع فيه خلفاء الأمير بالتضييق على الحاميات الفرنسية الداخلية منها
والساحلية، فكان رد الفعل الفرنسي عليها عبر
مرحلتين حسب خطة "فالي" في الهجوم.
الخطوة
الأولى تستهدف المدن الداخلية الكبيرة، أمّا الخطوة الثانية فهي اتخاذ
هذه المدن كقاعدة للانطلاق نحو الداخل، ولتحقيق ذلك قدّمت له حكومته 19000 جندي
وضابط خلال شهر فيفري 1840، ورغم محاولات " تيير" عرقلت مشروع
"فالي" الذي كان ينادي بالاكتفاء بالمرحلة الأولى، إلا أنّ هذا
الأخير تمكّن من الانتصار لرأيه.
فشرع في
تنفيذ خطته يوم 15 مارس 1840 مستهدفا شرشال التي تمكن من احتلالها، ثمّ توجّه نحو
المدية التي احتلها أيضا بتاريخ 17 ماي 1840 بعد جلاء الأمير عنها وخلال شهر جوان
1840 تمكّن من احتلال مليانة، ورغم المحاولات الرامية إلى عرقلة
مشروع"فالي" من طرف المجاهدين
الجزائريين إلا أنها منيت بالفشل.
ولاحتواء المقاومة الجزائرية قررت حكومة
"صولت "التي حلت محل حكومة "تيير" في 29 أكتوبر 1840 استدعاء
المارشال "فالي" يوم 29 ديسمبر 1840 وتعيين الجنرال "بيجو"
كقائد لجيش إفريقية، الذي يعتبر نقطة تحول في تاريخ مقاومة الأمير.فتمّ تعيينه
رسميا خلفا للجنرال "فالي" فوصل
الجزائر يوم 22 فبراير 1841. فما هي الخطوات التي باشرها منذ تعيينه؟
أولا-
ألغى نظام الحملات العسكرية الثقيلة وأبعد عنه مدفعية الميدان واستخدم البغال بدلا
من عربات النقل، كما قام أيضا بتقسيم الجيش إلى وحدات صغيرة وبلباس خاص ومؤونة محدّدة لكي تكون تحركاتها سهلة وسريعة.
ثانيا-
إتباع سياسة الاحتلال المتدرّج وذلك عن طريق تعزيز المناطق المحتلة بحاميات عسكرية
واتخاذ هذه المناطق كقواعد عسكرية في الانطلاق نحو احتلال مناطق أخرى – وفي الوقت
نفسه تخريب وتدمير المراكز التي يراها غير مناسبة له لكي لا يستفيد منها الخصم.
ثالثا-طلب
الإمدادات العسكرية كلما دعت الضرورة لذلك، فلدى وصوله للجزائر كان تحت تصرفه
75000جنديا لهم خبرة كبيرة بفنون القتال،ورغم ذلك أمدّته السلطات بـ:« 83000 عام
1842 » ليصل إلى« 90000 عام 1844 » و « 108000 عام 1846 ».[80]
بدأ "بيجو" في تنفيذ سياسة بتعيين
الجنرال "باراجي - دوهيليير" (Baraguay
D’hilliers.Achlle ) [81]حاكما
عاما على ولاية الجزائر – لينتقل هو إلى مستغانم حيث كان "لامور سيير"[82] (Louis
De La Morciere) في انتظاره، وانطلاقا من مستغانم كانت
الحملات الفرنسية باتجاه كل من المدية ومليانة تحت قيادة "الدوق دونمور"(Duc
Denmours) وبإشراف "بيجو" نفسه. وكان من
نتائج هذه التحركات هو احتلال المدينتين فاتخذهما قاعدتين عسكريتين أماميتين أثناء
شهر ماي 1841 ومنها انطلق بفيلقين، الأول بقيادة "لامورسيير" والثاني
بقيادة "الدوق دونمور" وبإشراف "بيجو" أيضا، كانت وجهتهما تاكدامت –التي سبق أن أمر الأمير
بإخلائها من سكانها وحمل ما خفّ من الذخيرة والمؤن- التي وصلتها يوم 25 ماي 1841
فوجدها خاوية على عروشها، ورغم ذلك أمر بتخريبها وتدمير حصنها المنيع! ومن هناك توجّه نحو معسكر، فتمكّن من
احتلالها وترك فيها حامية عسكرية.
خلال شهر ماي 1841 تكون حركة الجهاد قد
فقدت الكثير من حصونها العسكرية مثل: بوغار، تازة، سعيدة، في الوقت الذي كان
فيه عبد القادر يحارب في بني جنسه الدواير والزمالة، وهو ما أضعف قدراته العسكرية
بشكل كبير، وللعلم فإنّ "بيجو" استخدم الحرب المعنوية أيضا من خلال
مهاجمة زاوية القيطنة-مسقط رأس الأمير- فخرّبها عن آخرها.
وإزاء هذه الانتصارات واصل
"بيجو" طلب إمدادات عسكرية أخرى، فأصبح تحت تصرّفه مائة ألف عسكري، ومن
وهران كان يخُطط لمستقبله، فقام بعقد مجلس ثاني لقواد الجيوش في الجزائر وفاوضهم
في تعيين مدينة داخلية تكون قاعدة عسكرية ومركزا لتموين قواته فوقع اختيارهم على معسكر، التي أصبحت نقطة
انطلاق نحو الداخل.
ومحاولة منه لفك الحصار الذي تعرّض له
الأمير حاول الاتصال بأطراف خارجية لعلّها
تقف إلى جانبه أو تمدّه بالمساعدة أو تتوسّط له لدى فرنسا، فاتصل بكل من السلطان
العثماني والقنصل الإنجليزي بطنجة وجبل طارق ولأهمية هذا لاتصال رأيت من الضرورة
الوقوف عنده خدمة للموضوع، ففي رسالته إلى السلطان العثماني عبد المجيد حاول أن يشرح له أوضاع الجزائر من 1832 إلى 1840
وكذا الحالة العسكرية التي أصبح عليها، نصّها: «…وأهل هذا الوطن بالإصانة
ضعافا منذ عاملهم عُمّال الجزائر في السابق بالظلم الكبير والاعتساف … فهم كلّهم
يتكفّفون عالة فقرا (كذا) لقد نفذت في سبيل الله أموالهم، وفنيت في سبيل الله
رجالهم…»[83] ويشرح
له أيضا مدى الحصار الذي ضربه العدو عليه وامتناع المسلمين من مساعدته! «… ونحن أسلمنا إخواننا المسلمون وتركونا
أسارى في يد العدو، فهم لنا ظالمون، وتبرأ منا من كان قريبا لنا من الملوك،
ومنعونا شراء ما نتقوى به على الكافر، طلبنا منه الإعانة بالرجال فلم يقبلوا،
استعانهم بالأموال فلم يفعلوا، وطلبنا
منهم السلف، فكان عين المحال، ومنعوا رعاياهم من إعانتنا بكل وجه وحال، فما نفعنا
قريب ولا مجاور ولا دافع عنا ذو سيف ولا محاور …».
ويختم رسالته بالإلحاح الشديد على المساعدة
فيضع السلطان العثماني أمام الأمر الواقع
عندما حكّم الله كشاهد عليه يوم القيامة –الحساب- فيقول: «… والمسلمون بهذا القطر
لا ينظرون من غيرك إفراج، ولا لهم ملجأ يلجئون إليه غير حظك العالي الأدراج …
فأبصارهم لإعانتك وإمدادك طامعة … فإن قيل ما لا عندك المال الوافر، وإن قيل جيش
عندك العسكر البحر … فإنك الغيث المدرار، والبحر الزفار، وحضرتكم حضرة إغاثة اللهفان وأنا من عيالك والله سايلك (كذا) عنا فأزل ما
أثقل الظهر منا وعنّا …»[84].
وفي الوقت نفسه كان عبد القادر قد اتصل
بالإنجليز أيضا، وعندما كلّف العقيد "سكوت" (Scott) للقيام بهذه المهمة خلال شهر ديسمبر 1841، وكان مضمون رسالته
إليهم ملتمسا منهم عقد اتفاقية التوسط له لدى فرنسا والباب العالي لمساعدته،
ومحاولا استغلال الظروف التي كانت تمرّ بها العلاقات البريطانية الفرنسية آنذاك
إثر معاهدة لندن 1840[85]،
إلا أنّ رد الإنجليز كان هو الآخر سلبيا ! وعليه فإنّ الحل الوحيد الذي بقي للأمير هو الاعتماد على المغرب
وتوطيد علاقته بالسلطان ، ومع مطلع سنة 1842 تعرف حركة المقاومة الجزائرية نوعا من
التراجع خاصة بعدما تمكّن "بيجو" من احتلال مدينة تلمسان.
ومحاولة منه لإضعاف صفوف المجاهدين الجزائريين
وظّف "بيجو" وسيلة جديدة تكمن في: إبعاد الشعب الجزائري عن الجهاد
وترسيخ فكرة حتمية الاستعمار، وذلك من خلال إصدار فتاوى فقهية في هذا الشأن، ولقد
كان "ليون روش" هو المؤهّل للقيام بهذا الدور الخطير، وفعلا قد تمكّن من
تحقيق هدفه ودليل ذلك ما كتبه "بيجو" إلى وزير الحربية بتاريخ: 29
نوفمبر 1841 « لقد كان سفر روش إلى مكة وانجرا ره وراء الحجاج أمرا لم أرضه، ولكن
نظرا لما كسبناه من وراء ذلك من الناحية السياسية المحضة قد نال إعجابي وصارحته
على السعي المحمود »[86].
واصل "بيجو" نشاطه العسكري
والسياسي ضد حركة الجهاد فمع مطلع سنة 1842 وخلال شهر جانفي تمكّن من احتلال
تلمسان دون مقاومة تذكر – بعد أن كان الأمير قد أجلاها– وعيّن على رأسها الجنرال
"بيدو"[87] ثم توجه
نحو حصن سبدو حيث تمكن من تهديمه يوم 09 فيفري 1842 ثم حاول الزحف على قوات عبد
القادر الذي كان مرابطا بين جبال طرارة وندرومة، إلا أن عبد القادر فوّت عليه
الفرصة لأنه كان قد غادر هذه المناطق وتوغّل في أراضي المغرب الشرقي خلال شهر مارس
1842[88].
وخلال شهري مارس وأفريل تشهد حركة الجهاد
معارك ضارية ضد الفرنسيين، لآن عبد القادر قد رجع إلى الجزائر ومعه جند كثير من
القبائل المغربية التي دعمته برجالها ومالها فوصل حتى مشارف العاصمة – متيجة –
وكبّد العدو الفرنسي خسائر فادحة كان أبرزها معركة واد فضة في شهر سبتمبر 1842 ضد
قوات الجنرال "شانغاريه"[89] خلال أكتوبر أوقع الهزيمة بقوات "لامور
سيير" في منطقة تاجوين وأبقى على تواجده بالمنطقة عند قبيلة بني أوراغ في
جبال الونشريس ومحافظا أيضا على عدم المواجهة المباشرة للعدو الفرنسي.
ونتيجة لهذه الانتصارات الجزائرية وكعادته
أقدم "بيجو" على محاولة استمالة شيوخ القبائل إما بالترغيب أو بالترهيب،
وكان من أبرز الذين أدانوا بطاعته: ابن قانة – جانة – في الصحراء الشرقية، والآغا
ابن محي الدين ومصطفى بن إسماعيل وأعوانه الدواير والزمالة، كما حاول ترهيب قبائل
بني صميئيل وبني عمرو وأولاد نهار وأولاد فراج والبرجية، وفي الوقت نفسه قام بعقد
مجلس عسكري لأركان حربه بمدينة معسكر ومن أهم ما جاء فيه: « …إن الأمير كما ترون
قد نزل بجيوشه في ونشريس وجميع من …… من العرب والبربر لم تخرج عن طاعته، علاوة
على ذلك فإن فرسان الحشم المشهورين بالشجاعة واقتحام المهالك والشدائد لم يفارقوا
أميرهم الذين بايعوه على الموت وخيّموا بأولادهم وأهلهم معه…«[90]
ولمحاولة
وضع حد لتحركات الأمير قام "بيجو" بما يلي:-تقسيم الجيش إلى ثلاث فيالق
رئيسية، الأول ترأسه "بيجو" ومقرّه الشلف، والثاني ترأسه الجنرال
"شانكارني" ومقره البليدة والثالث ترأسه الجنرال "لامورسيير"
ومقرّه معسكر، تمكّنت هذه الفيالق من تدمير القواعد الخلفية لحركة الجهاد بالغرب
الجزائري –الحصون-عن آخرها وهو ما دفع بعبد القادر إلى تكوين الزمالة[91].
فما هو مفهومها؟ وكيف تمكنت الجيوش الفرنسية من القضاء عليها؟
زمالة الأمير عبد القادر.
هي عبارة عن كم هائل من الخيام التي يسهل
تنصيبها ورفعها عند حلول الخطر، ولقد اتخذ منها الأمير بمثابة عاصمة له إلا أنها
عاصمة متنقلة، ولقد تراوح عدد سكانها ما بين 60000و 100000نسمة، وجاءت في شكل
دائرة تتوسطه خيمة الأمير، وتحيط بها مجموعة من الدوائر، ولقد وضع لها نظما وقواعد
تسير عليها، من إدارة وشرطة وقضاء وكتاتيب قرآنية ومساجد وأسواق، ومشاغل لغزل
الصوف ونسج الأقمشة وهناك الحرفيون كالخياطين والحدادين والسراجين وباعة المصوغات
لليهود، كما نشطت بها الأسواق وتكاثرت علبيها السلع والحبوب من كل حدب وصوب.[92]
والتي جمع فيها
كل شيء ولذلك شغلت بال العدو، ونتيجة للنشاط العسكري الفرنسي ومساعدة أحد الوشاة
سقطت الزمالة في يد الجنرال"الدوق دومال" يوم 16 ماي 1843. ولقد أسفر
عنها نتائج وخيمة جدا على الأمير. لا حظ نفس المؤلف ص 80.
المرحلة الرابعة 1843-1847 نهاية الثورة.
لجوء الأمير إلى المغرب الشرقي.
اضطر عبد القادر أن يلجأ إلى المغرب الشرقي
بمن بقي معه من الأهل والأتباع الذين أنزلهم في دائرة خاصة بعين زورة في جبال
الريف قرب سواحل البحر المتوسط حسب صاحب التحفة2،إلا
أن صاحب الابتسام3 يرى أنه نزل في مكان يُقال له عين القصب، ويمكن حصر أسباب ذلك في مايلي:
أولا-» والذي
حمله على التوجه إلى المغرب كونه كان عادّا نفسه منه، وفي أيامه كان يخطب باسمه
على المنابر بتلمسان وأم العسكر ومليانة والمدية وغيرها كمازونة والقلعة ويمدّه
بالأسلحة4» فهذا إذن سبب
تاريخي.
ثانيا-اتخاذ
المغرب الشرقي قاعدة خلفية للمجاهدين الجزائريين ينطلق منها للجهاد بالجزائر،
ويعود إليها كلّما دعت الضرورة إلى ذلك وفي الوقت نفسه إعادة بناء قواته وتدريبها
لمواصلة حركة الجهاد.
ثالثا-
توفير الأمن والحماية لدائرته التي أصبحت تحوي ما يعرف بالمهاجرين الجزائريين،
وإدخال الاطمئنان إليها ولكي لا تطالها يد العدو الفرنسي في حالة دخوله الجزائر.
رابعا-
تكوين جبهة دفاعية وذلك بالتضامن مع قبائل المغرب الشرقي الذين كانت غايتهم التصدي
للخطر الفرنسي وتجنيدهم ضمن صفوفه، لأن الخطر أصبح مشتركا ولظروف معينة فالضرورة
تقتضي المساندة1.
خامسا-
إقناع الشعب المغربي بضرورة التأهب
والتحرك لنصرة أشقائه بالجزائر، وبعث روح الثقة والطمأنينة في نفوس المهاجرين
الذين هاجروا إلى المغرب الشرقي.
موقف
فرنسا من اللجوء.
إعلان
الحرب على المغرب في قصفها لمدينتي الصويرة وطنجة، ومعركة واد ايسلي التي انهزم
فيها الجيش المغربي شر هزيمة، ولقد أعقب هذه المعركة توقيع السلطان المغربي على
معاهدة طنجة في سنة 1845.
العودة من جديد للجهاد في الغرب الجزائري.
عبر منطقة التخوم
الجزائرية-المغربية الأمر الذي مكنه من مهاجمة فرقتين فرنسيتين الأولى قرب جامع
الغزوات على ساحل الغرب الجزائري والأخرى بناحية عين تموشنت فقتل العدد الكثير
منهم وأسر حوالي مائتين من الجند الفرنسي[93]
كما سجل انتصارات ساحقة على
القوات الفرنسية في معركة سيدي إبراهيم[94]
خلال شهر سبتمبر 1845م التي قتل فيها الجنرال مونتنياك(Montagnac)
ومعظم جنوده، ومعركة سيدي موسى التي استسلم فيها الضابط مارين (Marin) وجنوده البالغ عددهم مائتين[95].
فبعدما توفرت لديه قاعدة خلفية بهذه الناحية توغل الأمير عبد القادر عبر الغرب
الجزائري إلى غاية منطقة القبائل –جرجرة- للقيام بحركة استنزاف ضد لعدو الفرنسي.
غادر عبد القادر دائرته
باتجاه الجزائر خلال شهر أكتوبر 1845 فقصد في بداية الأمر الحامية الفرنسية
بمعسكر، إلا أنه سرعان ما عدل عنها بالانسحاب نحو تاكدامت، حيث تمكن من تحقيق
الكثير من الانتصارات على العدو الفرنسي، خاصة وأن قبائل المنطقة باركت عودته، بل
وساندته في حركته. ثم مر جنوب سبدو وسعيدة ليصل في الأخير إلى منطقة القبائل حيث
خليفته أحمد بن سالم وبومعزة في انتظاره[96]
خلال شهر جانفي 1846 قام
بمحاولة جريئة لاقتحام العاصمة، فوصلت جيوشه حتى سهول متيجة ثم انسحب إلى مدينة
بوغني حيث عقد اجتماعا لأنصاره. وفي هذه الأثناء حاولت القوات الفرنسية تطويق
حركته إلا أنها لم تنجح في ذلك. وكعادتها لجأت إلى إعلان التعبئة الشاملة فشكلت
ثمانية عشر طابورا لمطاردته بالمنطقة، في الوقت الذي تفننت فيه في عمليات الإبادة
الجماعية مثل مذبحة غار الفراشيش[97].
نتيجة
للإجراءات الفرنسية[98]
ضد عبد القادر فرض على هذا الأخير الانسحاب باتجاه الجنوب، حيث حط رحاله بمنطقة
العمور وأولاد نايل وأولاد سيدي الشيخ، إلا أن هؤلاء التمسوا منه أن لا يمكث عندهم
لكي لا يتعرضوا لعقاب فرنسا، فقالوا له: "أيها الأمير المعظم إن نسألك بالله
–تعالى- إن لا تعرضنا للحرب، والبلاء مع عدو ديننا، ودنيانا بإقامتك عندنا في
بلادنا… فلما سمع الأمير كلامهم، رق لحالهم، وأشفق عليهم، وارتحل عنهم مغربا إلى
دائرته…".[99]
أما
عبد القادر فبعد أن حظي باستقبال وإكرام أولاد سيدي الشيخ، ارتحل عنهم نحو دائرته
بالمغرب الشرقي برفقة من بقي معه من المجاهدين، والغنائم التي تحصل عليها، ثم حط
رحاله بأهل فقيق جوان 1846 الذين تزود منهم بما يحتاج إليه من مؤونة، ثم واصل سيره
باتجاه دائرته التي وصلها خلال شهر جويلية 1846[100].
نهاية مقاومة الأمير 1847.
على اثر عودة الأمير عبد القادر إلى المغرب
الشرقي ورفضه الاستجابة بالخروج من المغرب الشرقي، حرض السلطان القبائل المغربية
لمقاتلته، ولقد تمكن الأمير من الانتصار على مختلف القبائل التي ناصبته العداء،
إلى أن تجهز السلطان وولي عهده له بتجهيز جيش المخزن لمقاتلة الأمير ومطاردته، بالتعاون
مع الجيوش الفرنسية المرابطة على التخوم، ولقد دارت أربع معارك عسكرية جزائرية
مغربية، بين الأمير والجيش المغربي، كانت كافية على فرض الأمر الواقع على الأمير
وهو التسليم للقوات الفرنسية وهو ما تم فعلا يوم 23/12/1847.
ردود الفعل الفرنسية
استقبلت
السلطات الفرنسية نبأ الاستسلام بمزيد من الارتياح. ولذلك راحت تقيم الاحنفالات في
شوارع الجزائر العاصمة و مسارحها ، وذلك عن طريق جلب الكثير من الفرق الموسيقية
الفرنسية في الوقت الذي كانت فيه مدافعها تدوي بالعاصمة معلنة للشعب الجزائري نبأ
ما حدث و للتعبير اكثر عن الموقف الفرنسي نكتفي بالإشارة إلى ما كتبه "
شاشستو " إلى وزير الشؤون الخارجية "…لقد اختفى اليوم كل عامل الخلاف
بين فرنسا والمغرب ، وآمل أنه لم يعد علينا الآ أن نزيد في توثيق علاقات التفاهم
بين الدولتين ، وسنعمل تدريجيا على إدخال الحضارة في هذه الإمبراطورية التي لا
تزال على درجة كبيرة من البربرية والتخلف …"[101]
ردود الفعل المخزنية :
استقبل المخزن هو الآخر نبأ تسليم الأمير بمزيد من الفرح
والسرور ، ففي يوم 25 ديسمبر 1847 أمر سيدي محمد بإطلاق 21 طلقة مدفع ،و
إقامة الزينات والاحتفالات عبر مختلف
المدن المغربية ، وأمر الموالي عبد الرحمن بقراءة خطاب رسمي له في المساجد مشيدا
بهذا النصر العظيم و للوقوف على حقيقة ردود الفعل المخزنية اكتفى بالإشارة إلى
وثيقتين رئيسيتين في ما يلي :
الوثيقة الأولى عبارة عن رسالة كتبها السلطان إلى أحمد
بن المجاطية بتاريخ 30 ديسمبر 1847. معتبرا أن ما حدث هو فتح عظيم ونص ما جاء فيها
:
" … الفاسد الفتان وخليفة الشيطان ، أبعد في
الجسارة وامتطى مطي الخسارة …وسولت له نفسه الأمارة الاتصاف بالإمارة وأراد شق عصا
الإسلام وصدع مهج الأنام ….واستبطن المكر والخداع وفاق فيه عابدي ود وسواع …وهو في خلال ذلك يظهر مظهر يستهوي بها
أهل الجهالة و العماية والضلالة. فأيسنا من رشده ، وعرفنا مضمر قصده ، فجهزنا له
محلة منصورة ذات أعلام منشورة …فكانت الكرة عليه … واستدبر المعركة وهام …وعادت
جموعه جمع تكسير وجيوشه موزعة بين قتيل و أسير …"[102] أما الوثيقة الثانية فهي عبارة عن رسالة كتبها أحمد بن
بومهدي الهواري إلى السلطان بتاريخ 23 جانفي 1848م ، ويصور فيها انطباعه حول ما
حدث ونص ما جاء فيها :"….ورد علينا من حضرة مولانا ما فتح الله به على
المسلمين من رد الفاسد الفتان وخليفة الشيطان على كيده ، وبارت تجارته وباء
بالخسارة واتضح للمسلمين ضلاله ، فحصل بالقطر من السرور والفرح ونشر الأعلام ما
أدهش العقول أنعش الافهام ، فيا ليتها من
مزية لم تزل على مر الليالي تتلى وتسمى …فقد تلطف خليفة مولانا ونجله حتى استظهر
ما استبطنه الخداع من متابعة حزب أهل ود وسواع …فصار من هذا عرش الملك في أعلا عز
وفاق ، واتسق بذلك الأمر أي اتساق وليسهمني سيدي من ذلك الاجر الذي أعقبه الله
بالبركة …."[103]
ورغم هذا الطرح المخزني ، فان ابراهيم ياسين[104] يورد رسالة للمولى عبد الرحمن لعاملة بتطوان ، يتعجب
فيها السلطان من الوقف الذي اتخذه عبد القادر – التسليم للفرنسيين ويعتبره سوء
خاتمة. وأظن أن هذا الموقف يندرج ضمن
المواقف المتناقضة للسلطان ، وفي الوقت نفسه نجد فيه أيضا أن هناك من ينفي رغبة
السلطان في تسليم الأمير للفرنسين في حالة وقوعه بين يديه[105]. ويستدل في ذلك بعلاقة أسرة الأمير بالسلاطين العلويين
الطيبة.خاصة في عهد المولى عبد الحفيظ الذي اقترح على الأمير عبد المالك منصب
رئاسة عساكر الثغور.
ملاحظات تاريخية حول
مقاومة الأمير عبد القادر.
مفهوم
المقاومة:
للمقاومة لفظ يقتضي مفاهيم عدة، (كالمقاومة
الكهربائية) la
résistance وهو يعني
مقاومة شيء لشيء آخر كي يحل محله، وبناء عليه يكون كل طرف جزائريا كان أو فرنسيا
قد قاوم الآخر ليحل محله، في حين أن المقاومة في مفهومنا التاريخي أن الذي قاوم
كرد فعل كان الجزائري ضد فعل هو الفرنسي، وعليه فالمصطلح يكون غير متطابق تاريخيا،
ولهذا يكون ارتياحنا في استعمال الجهاد بدل المقاومة فالجهاد دال وواسع وعميق.
فهناك الكثير من المصطلحات المتداولة: المقاومة السلبية négatif
la résistance والمقاومة الايجابية، la résistance
positif والثورة فلفظ الجهاد هو الأصح من دون شك.
الأمير
وفكره الصوفي.
عبد
القادر كان سلفيا عقليا، يعتمد على الموورث والتراث الإسلاميين، ويأخذ بالأسباب
الحضارية الأوربية، ولهذا كانت مواقفه إسلامية حضارية وإنسانية؛ وبناء عليه
فاختياره للقب الأمير ليس لسبب ما يدرس في المؤسسات التعليمية، ولما يروج في أذهان
البعض من أن ذلك الاختيار كان تواضعا من عبد القادر، أو دهاء سياسيا، حتى يكون أحد
الأمراء للسلطان المغربي، وإنما ذلك اللقب كان مشدودا إلى المرجعية التراثية الإسلامية،
والذي هو ذو دلالة أقوى من السلطان، كما أن لقب الأمير كان يتوافق والمرحلة
التاريخية التي كانت تمر بها الجزائر، وهي الجهاد، لأن الزعامة الشرعية في شخص ولي
الأمر خليفة كان أو أميرا واجبة، وظهرت أثناء الاختلاف بين الأنصار والمهاجرين حول
من يتولى الخلافة منا أمير ومنكم أمير، وانتهى الاختلاف بين الطرفين بتولي
المهاجرين الخلافة بمبايعة أبي بكر الصديق خليفة، وإعلانه للأنصار نحن الأمراء
وانتم الوزراء.
وكانت
وظيفة المير في التاريخ الإسلامي محصورة أكثر في قيادة الجيش للجهاد، ومن ثمة فهي
تعني اصطلاحا قيادة الجيش في المعركة وقيادته دائمة بدوام الحرب، وبعد موت أبي بكر تولى عمر بن الخطاب
قيادة المسلمين فاستثقل عبارة خليفة خليفة رسول الله (ص) واستحسن عبارة أمير
المؤمنين، وكان هذا اللقب يعبر عن قيادة الجيش أولا، و لا نعتقد أن نكون على خطأ
إذا قلنا أن عبد القادر ومن معه من الشيوخ العلماء كان قصدهم التزام هذا اللقب
لمثل هذا المعنى ولا يكون إلا بالبيعة لا بالنص، وتحت الشجرة، وان يكون للأمير
المعين كامل الصلاحيات والحرية المطلقة في بناء الدولة وانتقاء خيرة العناصر من
الأمة.
الأمير
واستراتيجية المكان: لقد
اعتمد على الطبيعة إلى درجة كبيرة جدا لدرجة أن كل حصونه وقلاعه حصنها في مناطق
جبلية وعرة
عهد
الأمان أو الاستئمان.-التسليم- وليس
الاستسلام. 27/12/1847.
1. أن يقدم له تعهدا مكتوبا بأن تترك
الحكومة الفرنسية له ولمن أراد من أتباعه حرية الهجرة إلى السكندرية أو عكا.
2. أن تضمن هذا التعهد شخصية فرنسية
رسمية.
3. أن يعطي عهد الأمان لجميع رفاقه
الإداريين وجنوده ويسمح لكل منهم الالتحاق بقبيلته.
4. إذا قبل هذه الشروط عليه أن يوقعها
ويختمها بطابع القيادة.
أسباب
فشل مقاومة الأمير عبد القادر.
1-التفوق
الفرنسي عددا وعدة:
فكما هو معروف أن الجيش الفرنسي الذي حارب
في الجزائر كان آنذاك أكبر الجيوش
الأوربية وأكفأها في ميدان القتال، ولقد أسندت قيادته إلى ضباط وجنرالات من أنصار
الحركة الاستعمارية التي عرفها العالم آنذاك، وهن المتعطشين إلى المزيد من سفك
الدماء، ومن بين هؤلاء الماريشال سولت الذي تم تعيينه رئيسا للوزراء في
30/12/1840، وتعيين الجنرال بيجو حاكما عاما للجزائر في فيفري 1841، هذا الأخير
الذي كان من بين أهم طموحاته هو القضاء على مقاومة الأمير عبد القادر. ولتحقيق ذلك
اتبع سياسة الأرض المحروقة وحرب الابادة ضد الشعب الجزائري، وتمكن من جمع حوالي
100 ألف جندي فرنسي في المنطقة لمطاردة فلول الأمير.كما راهن على مدفعية الميدان
وعلى مداومة الحركة والمطاردة له. مع توظيف العديد من العيون والجواسيس على تحركات
الأمير مثل عمر بن فراث الذي دل الدوق دومال على مكان تواجد زمالة الأمير عبد
القادر في سنة 1843.
ومن
بين الشواهد الدالة على هذه الحرب نذكر: أن زعيم زواوة ابن زعموم كان متفوقا على
الجنرال بيجو وعندما رأى تمسك القبائل به رأى أن يعاقبها فأحرق أربعين قرية من دون
أن يراعي النساء والأولاد والشيوخ وحتى الحيوانات.[106]
2-نعرات
القبائل التي أعلنت عصيانه وتمردها على الأمير، على الرغم من تمكنه من إخضاع
العديد منها، إلى أن هذه العملية قد نالت من قواه الشيء الكثير ، وأكبر عامل أضعف
دولته ه وذلك الانشقاق القبلي، مثل السيد سيدي محمد بن سيدي أحمد التيجاني الذي
استنفر أهالي الأغواط ضده. وحصاره لعين ماضي التي استنفذ فيها ذخيرة مدفعيته.
3-إحجام
الدول الصديقة والشقيقة عن مساعدة الأمير كالمغرب والدولة العثمانية في المراسلات
التي بعث بها أيهم. لتحميلهم مسؤولية ما يحدث. لا حظ مثلا ما كتبه للسلطان العثماني
عبد المجيد.
4-
إطلاع الفرنسيين على مخططاته العسكرية والعمل عنده كجواسيس، منهم ليون روش.
[1] -هركوس، صالح: المرجع السابق، ص، 149.
[2]- أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، ج، 1، المرجع
السابق، ص، 169.
[3]- عميراوي، احميده: علاقات بايلك الشرق الجزائري بتونس أواخر العهد
العثماني وبداية الاحتلال الفرنسي المرجع السابق،ص، 68.
[4]- أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، ج، 1، المرجع
السابق، ص، 169.
[5] -محمد ابن عبد القادر: مذكرات الأمير عبد
القادر، تحقيق محمد الصغير بناني ومحفوظ سماتي ومحمد الصالح ألجون، ط، 2، مراجعة
محمد الهادي الحسني، دار الأمة، الجزائر، 1998، ص، 141.
[6] - نفسه، ص-ص 141-142.
[7]- عبد القادر، ابن محي الدين: المذكرات، المصدر السابق، ص، 141.
[8] - أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية
الجزائرية، ج، 1، ص، 173
[9] -نفسه، ص، 173.
[10] - عبد القادر بن محي الدين: المصدر السابق، ص،
142.
[11] -إسماعيل، العربي: المقاومة الجزائرية تحت لواء
الأمير عبد القادر، المرجع السابق، ص، 42.
[12] - صالح، هركوس: المختصر في تاريخ الجزائر،
المرجع السابق، ص، 155.
[13] -نفسه، ص، 155.
[14] - إسماعيل، العربي: المقاومة الجزائرية تحت لواء
الأمير عبد القادر الجزائري، المرجع السابق، ص، 42.
[15] - نفسه، ص، 43.
[16] -نفسه، ص، 43.
[17] -صالح، فركوس: المرجع السابق، ص، 156.
[18] - ابن محي الدين، عبد القادر: المصدر السابق، ص،
142.
[19] - ابن محي الدين، عبد القادر: المصدر السابق، ص،
142.
[20] -أبوا القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية
الجزائرية، ج، 1، المرجع السابق، ص، 174.
[21] -يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين التاسع
عشر والعشرين، ط، 1، دار البعث، قسنطينة، الجزائر، 1400هـ/1980م، ص، 17.
[22] - أبو
العباس أحمد، الناصري : الاستقصاء،
المصدر السابق، ص42. ويراجع أيضا: تاريخ المغرب وحضارته، مج2، ص330.
[23] بسام، العسلي: الأمير عبد القادر الجزائري، ط،
3، دار النفائس، بيروت، 1986، ص، 71.
[24] -أحميده، عميراوي: دراسات في تاريخ الجزائر
الحديث، منشورات جامعة منتو ري، قسنطينة، 1999، ص، 60.
[25] -نفسه، ص، 60.
[26]- إسماعيل، العربي: المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد
القادر، المرجع السابق، ص، 36.
[27]-تم تعيينه خلفا للجنرال بواييه اثر خلاف نشب بينه وبين الجنرال دي
فيجو، وعين مكانه الجنرال دي ميشال (Des Michels) الذي تولى مهام منصبه في 23 أفريل 1833.
[28] -بسام، العسلي: الأمير عبد القادر، المرجع
السابق، ص، 83.
[29]- زوزو، عبد
الحميد: نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر المعاصر (1830-1900)، المؤسسة
الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984، ص-ص، 74-75.
[30]-إسماعيل، العربي: المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر،
المرجع السابق، ص، 58.
[31] -أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية
الجزائرية، ج، 1، المرجع السابق، ص، 174.
[32] -احميده، عميراوي: موضوعات من تاريخ الجزائر
السياسي، دار الهدى، الجزائر، 2003، ص، 92.
[33]
- جلال، يحيى: السياسة الفرنسية في الجزائر، المرجع السابق، ص116.
[34]
- إسماعيل، العربي: المقاومة الجزائرية، المرجع السابق ص. 56.
[35] -أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية
الجزائرية، ج، 1، المرجع السابق، ص، 200.
[36] - احميده، عميراوي: موضوعات من تاريخ الجزائر
السياسي، المرجع السابق، ص-ص، 96-98.
[37] -أبو القاسم، سعد اله: الحركة الوطنية
الجزائرية، ج، 1، المرجع السابق، ص، 176.
[38] -يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين
التاسع عشر والعشرين، المرجع السابق، ص، 20.
[39] -فتحي، دردار: المرجع السابق، ص، 41.
[40] -العربي، إسماعيل: ((حكومة الأمير عبد القادر
إدارتها ومهامها))، الثقافة، ثقافية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، عدد
خاص، الجزائر، 1983،ص، 222.
[41] -فتحي، دردار: المرجع السابق، ص، 69.
[42] - العربي، إسماعيل: ((حكومة الأمير عبد القادر
إدارتها ومهامها))، المرجع السابق، ص، 223.
[43] -بسام، العسلي: الأمير عبد القادر الجزائري،
المرجع السابق، ص، 43.
[44] -محمد العيد، مطمر: (( جوانب من التنظيم العسكري
في دولة الأمير عبد القادر))، أشغال الملتقى الثقافي الوطني الأول بتيارت،
مؤسسة الأمير عبد القادر، مطبعة دحلب، الجزائر، 1997، ص، 41.
[45] -نفسه، ص، 47.
[46] -كلمة تركية تنسب توب وهو المدفع والطوبجة
المدفعيون.
[47] - فتحي، دردار: المرجع السابق، ص، 94.
[48] - محمد العيد، مطمر: (( جوانب من التنظيم
العسكري في دولة الأمير عبد القادر))،المرجع السابق، ص، 49.
[49] - فتحي، دردار: المرجع السابق، ص، 96.
[50] - العربي، إسماعيل: ((حكومة الأمير عبد القادر
إدارتها ومهامها))، المرجع السابق، ص، 225.
[51] -نفسه، ص، 223.
[52] -نفسه، ص، 226.
[53] - ناصر الدين، سعيدوني: دراسات وأبحاث في
تاريخ الجزائر الفترة الحديثة والمعاصرة، الجزء الثاني، الشركة الوطنية للنشر
والتوزيع، الجزائر، 1988، ص، 236.
[54] - العربي، إسماعيل: ((حكومة الأمير عبد القادر
إدارتها ومهامها))، المرجع السابق، ص، 226
[55] -نفسه، ص، 226.
[56] - ناصر الدين، سعيدوني: دراسات وأبحاث في
تاريخ الجزائر الفترة الحديثة والمعاصرة، المرجع السابق، ص، 247.
[57] -نفسه، ص، 259.
[58] -نفسه، ص، 227.
[59] -يقدر الريال بوجو بـ1.86 فرنك ذهبي بقيمة ذلك
الوقت.
[60] - ناصر الدين، سعيدوني: دراسات وأبحاث في
تاريخ الجزائر الفترة الحديثة والمعاصرة، المرجع السابق، ص، 253.
[61] -المرجع نفسه، ص، 256. راج ليون روش بالفرنسية.
ص، 275.
[62] -فتحي، دردار: المرجع السابق، ص، 101.
[63] -العربي، إسماعيل: العلاقات الدبلوماسية
الجزائرية في عهد الأمير عبد القادر، المرجع السابق، ص، 278.
[64] -نفسه، ص، 283.
[65] -ميكيل دوايبالزا: مراسلات الأمير عبد القادر
مع اسبانيا وحكامها العسكريين بمليلية، ترجمة
وتقديم وتعلق، يحي بوعزيز، ط، 2، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986.
[66] -يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين التاسع
عشر والعشرين، المرجع السابق، ص، 22.
[67] -نفسه، ص، 23.
[68] -نفسه، ص، 23.
[69] -نفسه، ص-ص، 21-22.
[70] -فتحي، دردار: المرجع السابق، ص، 48.
[71]-هو
أبو العباس أحمد بن أبي عبد الله….ابن المختار بن أحمد ننسبه إلى الإمام محمد
النفس الزكية ابن عبد اله الكامل أحمد بن
محمد المختار التيجاني ولد في سنة 1150هـ/1781م بقرية عين ماضي ،نشأ وترعرع فيها ،
حفظ القران وعمره سبع سنوات ارتحل إلى مدينة فاس المغربية سنة 1170هـ،التقى بالكثير
من المشايخ مثل مولاي الطيب الوزاني بوزان ،مولاي أحمد الصقلي ،اعتنق مبادئ الكثير
من الطرق الصوفية :القادرية ،الناصرية ..الخ ،حج عام1187 هـ،رجع إلى فاس عام
1192هـ،توفي عام 1230هـ.يراجع تعريف الخلف برجال السلف ج.1،ص-ص،281-286
[72]
-George, Yver,( Abdelkader et le Maroc en
1838 ), R.A, Année 1919,O.P.U. Alger, 1986 ,p-p 94-96.
[73]-
بينما تذكر مذكرات الأمير تسعة أشهر، والصحيح هو ستة أشهر باعتبار أنّ تاريخ
الحملة كان 12 جوان 1838، والوصول كان بتاريخ 22 جوان، وبداية الحصار أول جويلية ونهايته مع نهاية ديسمبر
1838، ودخول الأمير جانفي 1839.
[74]-
يذكر سعد الله أبو القاسم: أنّ فالي مدّ الأمير بمدفعين وبهما تمّ اقتحام المدينة، الحركة الوطنية،ج.1،ص.218،
إلاّ أنّ يوسف مناصرية يقول:«ولولا الذخيرة التي وصلت إلى الأمير من وكلائه
بالمغرب لما تمكّن من اقتحام لحصن…». والحقيقة هي أنّ الأمير انطلق بتسع مدافع،
وأمدّه سلطان المغرب بمدفعين وبذخيرتهما، وفالي أيضا بمدفعين ليصبح المجموع 13
مدفعا ولا يمكن هنا ذكر طرف وإهمال طرف
آخر…».ص31
[75]-شارل
هنري،تشرشل:حياة الأمير عبد القادر،
المصدر السابق ،ص131 وتتفق معظم المصادر والمراجع حول هذه العملية !
[76]
- تبقى إشكالية النص العربي والنص الفرنسي لمعاهدة تافنا محل اختلاف بين من
تناولوا الحدث.
[77]
- إسماعيل العربي: المقاومة الجزائرية، المرجع السابق، ص 348.
[78]
- يراجع ذلك جيدا في التحفة: ص353، المارشال بيجو، المرجع السابق،
ص62.
[79]
- نفسه، ص – ص،192-193
[80]
- جلال، يحي: السياسة الفرنسية في الجزائر من 1820 إلى 1920، المرجع السابق
ص 145.
[81]
- باراجي دوهيليير من مواليد باريس (1757-1878)مار يشال فرنسي برز اسمه في حروب
القرم 1854 حيث انتزع من الروس حصن (بومارساند) انتصر على النمساويين عام 1859،
يراجع: G.D.E, la rousse, tom.1, p.1037
[82]
- لامور سيير: من مواليد نانت ( NANTES )( 1806-1865) جنرال فرنسي رجل دولة برز اسمه أثناء حرب الجزائر
وعندها قم نابليون الثالث بانقلابه أبعده ونفاه – ثم توكل منصب قائد للقوات
الفرنسية في الإمارة البابوية، يراجع:
المار يشال بيجو، ص 74.
[83]
- التميمي، عبد الجليل: بحوث ووثائق في التاريخ المغربي، الجزائر وتونس
وليبيا 1816-1871.المرجع السابق، ص138، ويراجع أيضا: نصوص ووثائق سياسية
جزائرية في القرن التاسع عشر 1820-1914،ص.ص 122-127.
[84]
- وجدت هناك اختلاف لدى من أشار إليها –في تاريخها: فجمال فنان أرّخ لها
بـ(9شوال1257هـ –24نوفمبر 184)
بينما التميمي أرّخ لها في 25شوال
1257هـ ، 10ديسمبر 1841)، والراجح هو أن تاريخه كان سنة 1841 أي بعدما ضاقت السبل
عن عبد القادر.
[85]
- معاهدة لندن بتاريخ 15 جويلية 1840، حضرتها كل من: النمسا، روسيا، بروسيا، الباب
العالي لبريطانيا، أما فرنسا فامتنعت عن المشاركة، ولذلك أعلن المارشال سولت (Soulte) في وصفه لها: إنها معاهدة شومون الجديدة، أمّا الشاعر والسياسي
"لامارتين" (LAMARTINE) وصفها بأنها …. السياسة. ولقد ظهر انفعال كبير لدى الفرنسيين
–عداء- للإنجليز، أما الحكومة الفرنسية فقد شرعت في تهيئة نفسها للحرب.
يراجع: بحوث ووثائق ص47، تاريخ
الدولة العلية العثمانية، ص -ص (462،465).
[86]
- بشأن هذه الفتوى فإن روش تمكن من استغلال عداء التيجانية لعبد القادر ولذلك آمن
به التيجانيون وصدقوه فأخذ منهم بعض الأعيان وزار بهم تونس وعلماء الأزهر وشريف
مكة، هؤلاء صادقوا على مضمون الفتوى التي تبطل فريضة الجهاد ونصها: يجب على
المسلمين معاونة الكفار الذين غزوا بلادهم أو أراضيهم بالقوة، وذلك إذا لم يؤذ
هؤلاء نساءهم وأطفالهم وسمحوا لهم بممارسة دينهم وتركوا لهم إيمانهم. يراجع: مهمة
ليون روش في الجزائر والمغرب (1832-1847) ص-ص 40-41، المقاومة الجزائرية،
ص233 .
[87]
- بيدو ماري ألفونس (1804-1863)جنرال فرنسي شارك في دعدة معارك ببلجيكا أبرزها بين
عامي 1831،1832أستدعي للجزائر عام 1836شارك بيجو في أعماله ،رجع إلى فرنسا عام 1847 شغل بعدها في وزارة
الحربي،عُزل من منصبه عام 1851 يراجع: G.E.D, la rousse,
tome 2.p.1132.
[88]
- سعد الله، أبو القاسم: الحركة الوطنية الجزائرية، ج1، المرجع السابق،
ص266.
[89]
- شانغارييه (changa Rnier-
Nicolas) ولد بمدينة
أوتون (1792-1877) جنرال فرنسي ورجل دولة عين حاكما عاما للجزائر، أعتقل ونفي
أثناء انقلاب نابليون الثالث عام 1851، عاد إلى فرنسا عام 1859. يراجع: المارشال
بيجو، ص76.
[90]
- ابن عبد الله، السليماني: البيان
المعرب عن تهافت الأجنبي حول المغرب ،المرجع السابق ،ص125
[91] - الزمالة: عندما استولى العدو على قلاع وحصون
حركة الجهاد أنشأ عبد القادر عاصمة متنقلة تتألف من خيام مخروطية الشكل، كل خيمة
تضم 33 نفرا، وظهرت ما يعرف بالدائرة وسمي ما يخصّه منها بالزمالة وما يخص الأعيان
بالدائرة وما يخص الجند بالمحلّة تشتمل على 200ألف شخص، وقعت في يد العدو في
التاريخ أعلاه فنهبها عن آخرها، خاصة مكتبة الأمير يراجع: مذكرات الأمير ،
ص109
[92] -فتحي، دردار: المرجع السابق، ص، 73.
2
–تحفة الزائر، المصدر السابق، ص439
3
–الابتسام عن دولة ابن هشام، المخطوط السابق، ص 424
4 –محمد السعيد بن محي الدين : نبذة
عن حياة الأمير عبد القادر وأسرته، مخ.م.ح.ج، رقم 109، ص12
1 – أديب، حرب: التاريخ العسكري
والإداري للأمير عبد القادر، ج 2،
المرجع السابق، ص452 ويراجع أيضا: تحفة الزائر ص439، ثورات
الجزائر في القرن التاسع عشر والعشرين، ص29
[93] قدور بن علي البشير اليزناسي…: بنو يزناسن عبر
الكفاح الوطني، المرجع السابق، ص75.
[94] Akhbar:
N°………du…………………………..
ويراجع أيضا: المقاومة
الجزائرية ص، ص 257-261.
[95] مولاي بلحميسي:(الأمير عبد القادر والسلطان مولاي عبد
الرحمان من اللفة والوئام إلى الجفوة والخصام) ص67.
[96] العربي، اسماعيل: المقاومة الجزائرية، المرجع
السابق، ص 295
[97] تعرضت لها قبيلة أولاد رياح التي شاركت في الثورة
بمنطقة تنس، وعندما تعرضت للخطر احتمت بإحدى المغارات – الغار- وهو ما دفع
بالجنرال بيليسه إلى محاصرتها بداخله وعندما رفضت الاستسلام أمر جنوده بأشغال
الحطب عند مدخل الغار، استمرت العملية ما بين 17-18 جوان 1845 دون أن يخرج أحد،
انتهت الجريمة إلى اختناق ما يزيد عن ألف شخص‼
يراجع: الحركة الوطنية الجزائرية، ج1، ص- ص 238/241.
[98] تم تشكيل طوابير جهنمية لمطاردة عبد القادر، مستخدمة في
ذلك سياسة الإبادة الجماعية، اشرف عليها ضباط لهم خبرة بفن القتل والتعذيب مثل:
"ارجوفيل" وماري ويوسف، ولامورسيير، بيليسيه، جيري كورن، بيدو، سانت
آرنو، بورجولي، اينار، بيجو… وبحوزتهم أكثر من 1010000 جندي.
[99] ابن عبد القادر محمد: التحفة، المصدر السابق،
ص464.
[101] –يحي ، جلال :مسألة الحدود المغربية الجزائرية والمشكلة الصحراوية ، المرجع السابق ، ص 316
[102]
1 – Ismail , homet. op.
Cit.p.118 ( 22.mohorrm 1264)
[103]
Ismail, homet. op.cit.p.121( 16 sofor
1264)
[104] موقف الدولة المغربية من الاحتلال الفرنسي للجزائر. المرجع
السابق ، ص 431
[105] محمد المهناوي :مقاومة المولى عبد الرحمان لفرنسي
الجزائر من خلال مخطوط الابتسام عن دولة ابن هشام ,المرجع السابق ,ص 86.
[106] بسام، العسلي: الماريشال بيجو 1748-1849، ط، 2،
المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1972، ص، 107.
إرسال تعليق