U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

حرب الثلاثين عاما (1618-1648)

 

      حرب الثلاثين عاما (1618-1648)


     حرب الثلاثين عاما (1618-1648)


تمهيد
الحرب تبدأ في بوهيميا
الدور الدنمركي (1625-1629)
الدور السويدي (1630-1635(
الدور الفرنسي السويدي (1635-1648(
صلح وستفاليا 1648
أثر الحرب في ألمانيا
قائمة المراجع المعتمدة


فشل صلح أجزبرج التي تم في عام 1555 في أن يرضي كل الأطراف، إذ لم يستطع الإمبراطور أن يفرض الكاثوليكية على الشعب الألماني كله، بل اضطر إلى ترك الحرية لكل حاكم في ولاية أو أبرشية أن يختار المذهب الذي يروق له ويفرضه على رعاياه.

كذلك لم ينصف الصلح أتباع مذهب كلقن بألمانيا، مع أن الكلقنية كانت المذهب الذي اعتنقه الكثيرون من الألمانيا، واصبحت المذهب الرسمي لبعض الولايات الألمانية مثل براندنبرج Brandenbung وبلاتين Platine وقصر صلح اجزبرج شروط الصلح على اللوثريين متجاهلا الكلفنين كل التجاهل، وترتب على ذلك أن حقد هؤلاء على اللوثريين، ولذلك لم تتقارب وجهات نظرهم وانقسم الفريقان البروتستنتيان على أنفسهم، واختلفوا في تحديد مبادئ البروتستنتية وشعائرهم، وذلك في الوقت الذي انتعش فيه المذهب الكاثوليكي عن طريق الثورة الإصلاحية المضادة، وبالجهود العملية التي بذلها اليسوعيون الجزويت) مما ساعد على دعائم الكاثوليكية في يولندة، والأرض المنخفضة الأسبانية وفرنسا، وساد المذهب تماما في كل من أسبانيا وإيطاليا، وقد أدى هذا الانتعاش الكاثوليكي إلى بعث الأمل في احتمال القضاء على البروتستنتية، وعودة ألمانيا إلى كنف الكنيسة الرومانية، والواقع أن صلح الجزبرج لم يكن سوى منح فترة لالتقاط الأنفاس، ولم يكن بطبيعة حلا حاسما للمشكلة الدينية التي عادت إلى التفجر بعد ذلك في عام 1618 في حروب ضارية استمرت ثلاثين عاما وانتهت بصلح وستقاليا عام 1648.

وقد اختلطت المشكلات الدينية بالدوافع السياسية، فقد كان الإمبراطور الزعيم الطبيعي للكاثوليكية وحامي حماها في ألمانيا، ولكن الأمراء الألمان الذيم احتاروا الكاثوليكية مذهبا لولاياتهم كانوا يخشون من أن تأييدهم لإمبراطور ضد الأمراء البروتستنت سوف يؤدي إلى تدعيم سلطانه المطلق على الجميع من حكام كاثوليك وبرتستنت على السواء، ولذلك كان هؤلاء الأمراء الكاثوليك  الذين يمقتون البروتستنتية يكرهون أيضا وجود إمبراطور قوي، وهذا يفسر إلى حد كبير التغير الذي كان يطرأ على مواقف بعض هؤلاء الأمار إبان حرب الثلاثين عاما.

وثمة مشكلة أخرى أدت إلى تدهور العلاقات بين الكاثوليك والبروتستنت في ألمانيا، أن أمراء الشمال والجنوب من البروتستنت قد تجمعوا وكونوا "الاتحاد البروتستنتي" سنة 1608، وفي مقابل ذلك تكون "الحلف الكاثوليكي" سنة 1609.

فتهيأ بذلك الجو لاندلاع حرب ديني في ألمانيا، ومن هنا بدأت حرب الثلاثين عاما وكانت بوهميا أول مسرح دارت عليه تلك الحروب، إلا أنها بعد ذلك انتشرت ولم تعد حروبا دينية فحسب، بل ما لبثت أن أصبحت حربا دولية بين أمم مختلفة قامت تناهض سيادة آل هبسبرج لحفظ التوازن في أوربا.

وقد انقسمت حرب الثلاثين سنة إلى أربع مراحل هي: الحرب البوهيمية (1618-1625) والحرب الدنمركية (1625-1629) والحرب السويدية (1630-1635) والحرب السويدية الفرنسية (1635-1648).

الحرب تبدأ في بوهيميا:

انطلقت أول شرارة للحرب في بوهيميا التي كانت معقلا من معاقل البروستنتية، وقد حدث في عام 1618 أن انتخب فرديناند أمير النميا ومن سرة هبسبرج إمبراطورا باسم فرديناند الثاني وكان في الوقت نفسه ملكا على البوهيميين، ومعروفا بأنه من غلاة الكاثوليكية وخصما عنيدا للمذهب البروتستنتي، وقد تأكد للبوهيميين مدى الخطر الذي يحيق بهم وبمذهبهم عندما أمر بهدم بعض الكنائس البروتستنتية، فعارضوا وتظلموا، وانتفض الشعب البروتستنتي في براج واشتدت المقاومة مما أدى إلى قيام حرب بين الأهالي والقوات الكاثوليكية، واعتدى الثوار على ثلاثة من رجال الحكومة كانوا مبعوثين من قبل الأمبراطور، وألقوا بهم من نافذة  دار البلدية، وكان هذا الأعداء فاتحة الحرب الطاحنة، حيث سير عليهم فرديناند قواته لقمع ثورتهم.

ولم يكن بوسع البروتستنت أن يأملوا النجاح في تلك الحرب بغير مساعدة خارجية، فاتجهوا إلى فردريك حاكم ولاية البالاتين وهو أحد زعماء البروتيتنت الكملقنيين فلبى فردريك دعوتهم وتزعم حركتهم وقبل التاج البوهيمي ولقب فردريك الخامس واستقدم قوات من الاتحاد البروتستنتي لتحارب في صف القوات البوهيمية، أما الإمبراطور "فرديناند" فقد تلقى عونا ماليا من البابا واستقدم قوات إسبانية من ميلان وقوات كاثوليكية من باقاريا ثم اجتاح بوهيميا بجيش لا يقل عده عن خمسين ألف مقاتل، ولما التحم الجيشان  في موقعة "الجبل الأبيض" بالقرب من براغ، لم تستطع قوات فردريك أن تصمد أمام الهجوم الكبير، وانتصر جيش فرديناند وهرب فردريك تاركا قواته لأسوأ مصير، وقد أطلق عليه "ملك الشتاء" لأنه لم يتمتع بتاج بوهيميا إلا فترة الشتاء. وضرب فردناند بيد من حديد على أمراء البروتستنت ونفى عددا كبيرا منهم، واستخدم البطش والتنكيل ليرغم المواطنين في بوهيميا على اعتناق  الكاثوليكية، وترتب على ذلك هجرة آلاف الأسر البروتستنتية وتدفق اليسوعيون على البلاد فأنشأوا فيها إرسالياتهم التبشيرية والمدارس وهكذا بدأت كثلكة بوهيميا من جديد وأخمدت أنفاس البروتستنت في النمسا عندما ثار أهلها انتصارا لبوهيميا. وأدت النكسة إلى انحلال الاتحاد البروتستنتي في عام 1621 وانتقال زعامة البروتستنت إلى يد ملك الدنمرك وانتهى الدور الأول من حرب الثلاثين سنة.

الدور الدنمركي (1625-1629):

كانت الدنمرك وأنجلترا تتبعان سير الحرب البوهيمية بكل قلق واهتمام، وكان كرستيان الرابع ملك الدنمرك –وكان في الوقت نفسه دوقا لإمارة هولشتين وهي ولاية تابعة للإمبراطورية الرومانية المقدسة- وله أهداف سياسية إلى جانب تعصبه المذهبي، فقد كان يأمل  في الاستيلاء على بعض الأبرشيات الألمانية ويكوّمها مملكة باسم ولده، وقد دخل الحرب معتمدا على تحالفه مع انجلترا وأمراء شمال ألمانيا، وعلى ما له الوزير الفرنسي ريشلييه من وعود بالمساعدة.

وهكذا بدأت المرحلة الثانية من حرب الثلاثين عاما، ورأى الإمبراطور أن البروتستنت في هذه المرة أكثر قوة وأشد مراسا. فاستعان بأعظم قواد ألمانيا في ذلك العصر "والنشتين" Waccenstien  دوق فريدلند، المعروف بمقدرته على جمع الجند المرتزقة من مختلف جنسيات أوربا وهم الذين يعيشون على كسب المواقع توطئة للسلب والنهب. واشترط "والنشتين"  أن تكون القيادة العليا له وحده رغم أن لقوات الإمبراطور قائد قدير هو "قلي" إلا أن الإمبراطور كان مضطرا لقبول شروط والنشتين لكسب المعركة ضد البروتستنت.

وما لبث أن استطاع والنشتين ومن معه من قواد الإمبراطورية من هزيمة ملك الدنمرك وطرد قواته من الأراضي الألمانية واحتلال معظم الأراضي الدنمركية نفسها. وحاول والنشتين بعد ذلك المزيد من التوسع نحو الساحل لتقوية دفاعه ضد أي غزو محتمل من جانب السويد وفي الوقت نفسه يستغل موارد المواني بفرض الضرائب فيها فإعالة جيشه والإنفاق على مطالب المرتزقة من قواته، وقد رفضت ميناء سترالسند Staralsund الإذعان لما فرضه عليها واستعدت للدفاع عن نفسها فحاصرها لمدة خمسة أشهر  خلال عام 1628 ولكنها قاومته واستبسلت في الدفاع، وساعدها أن حصارها كان بريا فقط أما البحر فكان مفتوحا لمدها بالمساعدات عن طريق الأسطولين الدنمركي والسويدي. ولما يئس والنشتين اضطر إلى رفع الحصار عنها، وعلى أثر لك أدرك كل من الإمبراطور، وكرستيان ملك الدنمرك أن لا مفر من الاتفاق ولا سيما أن الأخير يئس من وصول أية مساعدة فعالة من إنجلترا التي وعده بها ملكها شارل الأول. أما الإمبراطور فرأى أن يسارع بعقد اتفاق قبل أن يدخل ملك السويد الحرب في صف البروتستنت.

وعلى ذلك تم صح لوبك Lubeck سنة 1629 عل أن يتنازل كرستيان عن كل ما يدعيه في الأسقفيات الألمانية على شرط أن يسترد أملاكه الوراثية وهي هولشتين وشلزويج وجنلند.

وبذلك قوي مركز الإمبراطور وشعر البروتستنت أنهم أصبحوا تحت رحمة الكاثوليك الذين صمموا من جانبهم على انتهاز الفرصة لتدعيم مركزهم، فحرضوا الإمبراطور فرديناند على إصدار "مرسوم الإعادة Edict of Restitution" خوّل فيه للكنيسة الرومانية استرجاع كل الأملاك التي انتزعت منها منذ معاهدة اجزبرج عام 1555، وقد روّع هذا المرسوم جميع البروتستنت لا في ألمانيا فحسب بل أفزع أيضا البروتستنت في كل أوروبا، وخصوصا حكام الدول التي تخشى أطماع الإمبراطور وأحلامه في إنشاء حكومة ملكية من آل هبسبرج تمد سلطانها إلى أوربا بأسرها.

وكان من بين من أوجسوا من نواياه خيفة، الفرنسيون والسويديون، وكان المسيطر على السياسة الفرنسية حينذاك "ريشلييه" ولكنه لم يكن في ذلك الحين في وضع يمكنه من التفرغ لمناهضة الإمبراطورية، إذ كان ما يزال مشغولا بكسر شوكة أشراف فرنسا من جهة وقمع حركة الهيجونوت من جهة أخرى ولذلك اكتفى بتأييد المغامرة التي قام بها جستاف أودلف ملك السويد، وإمداده بالمال. وفي الوقت نفسه أجرى اتصالات مع بعض الولايات الكاثوليكية الألمانية لإثارتهم ضد الإمبراطور مستغلا المخاوف التي تراودهم تجاه عزم الإمبراطور على أن تكون السلطة الألمانية مركزة كلها في يده.

الدور السويدي (1630-1635):

كان جوستاف أدولف Gustavus Adolphus ملك السويد من أعظم القواد الأوربيين في القرن السابع عشر، وحاكما قديرا استطاع جمع الشعب السويدي تحت لوائه وتكين جيش جهزه بأحدث الأسلحة ودربه على أيدي خبراء من الهولنديين العسكريين.

وقد دفعه إلى القيام بمغامرته الحربية ضد الإمبراطورية حماسته الدينية وغيرته على طائفة البروتستنت الذين كانوا يعيشون في مأساة كبرى عقب هزيمتهم في ألمانيا، وفي الوقت نفسه كانت سياسته تهدف إلى حماية بحر البلطيق والسيطرة عليه، حيث كانت الممتلكات السويدية تمتد على ساحله الشرقي. وكان يعتقد أن انتصار الإمبراطور في ألمانيا على البروتستنت قد يدفعه إلى القيام بمغامرة حربية ضد دولة السويد البروتستنتية في شمال ألمانيا. وأخيرا فقد كانت تخامره فكرة يحلم بتحقيقها وهي أن انتصاره على الإمبراطور يؤدي إلى استيلاء السويد على شريط من الأرض على الساحل الشمالي لألمانيا وعندئذ يصبح بحر البلطيق بحيرة سويدية.

نزل جوستاف بقواته في ألمانيا في يونيه 1630، وتعلقت به آمال البروتستنت في كل مكان، واعتقد أن أمراء الولايات البروتستنتية سوف يسارعون للانضمام إليه، إلا أن أميرا سكونيا وأمير براندنبرج رفضا التعاون معه وخيبا أمله فيها.

وتقدم جوستاف من يوميرانيا لنجدة "مجدبرج Magdeburng التي كان يحاصرها القائد الإمبراطوري "تلي" لينزعها من يد الإمبراطور تطبيقا لمرسوم "الإعادة"، وهنا رفض أمير أمير سكونيا وبراندنبرج السماح لقوات جوستاف بالمرور عبر ولا يتيهما للوصول إلى "مجدبرج". وكانت النتيجة أن اكتسحتها قوات الإمبراطور قبل أن ينقذها الجيش السويدي وارتكب الفاتحون أكبر مجزرة في التاريخ، حيث ذبحوا بوحشية ما لا يقل عن عشرين ألف من سكانها من رجال ونساء ثم أشعلوا الحرائق في المدينة. وزهوا بالنصر الذي حازه القائد "تلي" تقدم لغزو سكونيا، وبدأ بمطالبة أميرها أن ينزع سلاح جيشه وعندها أدرك الأمير خطأه بعدم التعاون مع ملك السويد، ولم يعد أمامه إلا أن يستنجد به ويتعهد له بأن يكون حليفا مخلصا، وتبع ذلك انضمام أمير برانبرج للمعركة.

وقام جوستاف بمعاونة حليفية بالتقدم نحو "ليبزج Liepzig" التي التي احتلتها قوات "تلي". وتقابل الجيشان عند ضاحية بريتفلد Breitenfeld بالقرب من ليبزج وهنا ظهرت مقدرة جوستاف الحربية وكفاءة جيوشه المدربة، وانهزم أمامه قواد الإبراطور وثم قتل وأسر عشرات الآلاف من جنود الإمبراطورية.

ةشرع جوستاف بعد ذلك في التقدم نحو الغرب في الأراضي الألمانية مستوليا على عدة مدن، وحاول "تلي" أن يقاوم الهجوم السويدي والتحم مع جوستاف في موقعه على نهر "لخ Lech" أحد روافد نهر الدانوب جرح فيها القائد "تلي" جرحا مميتا لم يمهله أكثر من أسبوعين واضطربت جيوشه إلى التقهقر تاركين السبيل مفتوحا أمام جوستاف ليتقدم نحو ميونج عاصمة بافاريا.

وارتاع الإمبراطور فردناند، وخصوصا أن جيش ملك السويد كان يزداد عددا وقوة بانضمام الكثيرين من الألمان إليه وكان الحل الوحيد أمامه أن يستدعي من جديد القائد والنشتين([1]). الذي أصرت على أن يكون من جديد صاحب الكلمة الأولى على جيوشه وأن يُترك له التصرف في البلاد التي يدخلها والغنائم التي تستولي عليها قواته، وأن يلغى مرسوم "الإعادة" الذي قال عنه والنشتين أنه ينافي مبادئه ومبادئ جيشه في التسامح الديني. فلم ير فرديناند بدا من الرضوخ لتلك الشروط رغم ما فيها من مساس بهيبته وكرامته.

وسرعان ما جمع والنشتين حوله، وفي مدة وجيزة، جيشا بلغ ستين ألف، وسار به عبر سكسونيا لمقابلة عدوه –وكان جوستاف قد بعد كثيرا عن بلاده داخل ألمانيا واتخذ "نورمبرج" مقرا لعملياته الحربية. وعندما هاجممه والنشتين اضطر إلى التقهقر. وعند لوتزن Lutzen (1632) التقى الجيشان في موقعه عنيفة تشتت أثناءها جيش والنشتين وهزم هزيمة ساحقة، إلا أن الجيش السويدي فقد ملكه أثناء المعركة فقد جرح جرحا مميتا ثم أجهز عليه الأعداء.

أما والنشتين فقد تراجع إلى بوهيميا ليحاول جمع فلول جيشه المنهزم، وأخذ بعد ذلك يعيد تنظيمه وتدريبه. ومع أنه خرج من الموقعة الأخيرة مهزوما، إلا أنه كان لا يزال مزهوا بقوته، وبأنه صاحب الكلمة العليا في ألمانيا. ثم فكر في إرغام الإمبراطور والسويد على عقد صلح يضع هو شروطه، وشرع يفاوض الوصي على عرش السويد سرا. وغضب الإمبراطور من تصرفات والنشتين فقرر عزله من قيادة الجيش واتهمه بالاتصال بالعدو، وأباح قتله، وقد تبع هذا مصرع والنشتين على يد جندي إيرلندي طمعا في المكافأة. وتولى قيادة الجيش فرديناند ابن الإمبراطور –وكان ملكا على المجر- فتقدم نحو بافاريا وحاصر نوردلنجن Nordlingen وهناك انهزم السويديون هزيمة ساحقة. ونتج عن الهزيمة خروج سكسونيا من الحرب وعقدت صلحا منفردا مع الإمبراطور (مايو 1635)، وحذت حذوها الولايات البروتستنتية الألمانية الأخرى وسحبت تأييدها للتدخل السويدي، ومقابل ذلك ألغى الإمبراطور معظم بنود مرسوم "الإعادة" لتهدئة روع البروتيتنت وتأمينهم على حياتهم الاقتصادية. وهكذا تخلّى الألمان البروتستنت عن مساعدة من جاءوا لمساعدتهم، وتهيأ الجو  للتقارب بين الولايات الألأمانية، حتى بدت الحروب الدينية الداخلية على وشك الانتهاء، في حين كانت حرب الثلاثين عاما لا تزال مشتعلة لأن فرنسا –وعلى رأس سياستها رتيشلييه- قررت بعد الهزيمة السويدية أن تلبي طلب الوصي على عرش السويد بالتدخل، وأصبح دور فرنسا في حرب الثلاثين سنة إيجابيا بعد أن ظل سلبيا عدة سنين.

الدور الفرنسي السويدي (1635-1648):

بعد أن كانت فرنسا تكتفي بمد يد المساعدة المالية للسويد، قرر ريشلييه أن يرسل إلى الميدان جيشا فرنسا لمهاجمة جيش الإمبراطور في الجبهة الغربية، وفي الوقت نفسه أعلن الحرب على أسبانيا التي يحكمها الفرع الثاني لأسرة هبسبرج.

وهكذا دخلت حرب الثلاثين سنة في دورها الأخير والحاسم، يشترك فيها الفرنسيون إلى جانب السويديين على الأرض الألمانية، ولم يعد الخلاف الديني هو الدافع لهذه الحرب، فقد كان غزاة ألمانيا هذه المرة يتألفون من كلا المذهبين، البروتستنتي والكاثوليكي. وعلى الرغم من أن ريشلييه كان كردينالا كاثوليكيا تابعا للكنيسة الرومانية، إلا أنه بدوافع سياسية أظهر نواياه علانية في الحرب إلى جانب البروتستنت الألمان، وصارت الحرب دولية ذات أهداف سياسية بعيدة. حاول ريشلييه أثناءها أن يشتمل إلى جانبه جميع أعداء أسرة هبسبرج ممن يستطيعون القيام بالعون الحربي الفعال، وعلى الأخص ضد الفرع الأسباني العدو الأول لفرنسا، وكان هدفه الأول إضعاف سيطرة أسبانيا على الأراضي المنخفضة الأسبانية لأن الوجود الأسباني في تلك البلاد يعتبر تهديدا دائما للعاصمة الفرنسية، وفي ذلك العام نفسه 1635 الذي قرر فيه دخول الحرب إلى جانب السويد عقد تحالفا آخر مع الهولنديين الثائرين الذي جددوا حرب الاستقلال بعد أن انتهت هدنة الاثني عشر عاما منذ عام 1621، وهكذا كانت حرب الثلاثين عاما في دورها الأخير صراعا على السيادة بين آل بوربون وآل هبسبرج بفرعيهم الألماني والإسباني.

أعد ريشيلييه خطة الحرب، بأن يزحف الجيش الفرنسي عبر الرين، ويزحف الجيش السويدي من قواعده على بعض البلطيق جنوبا داخل الأراضي الألمانية حتى يجد الإمبراطور نفسه محصورا بين قوتين عاتيتين، ومع ذلك فقد صمم الإمبراطور على المقاومة المستميتة رغم ضعف التأييد الذي كان يلقاه من شعبه ومن الأمراء الألمان، واستطاع فعلا في بادئ الأمر أن ينتصر في عدة مواقع، إلا أن توالي الهجمات التي كان يقوم بها الفرنسيون والسويديون أثقلت كاهله وبعثت اليأس في نفسه، بينما كان الشعب الألماني يعاني أقسى ضروب الذل والهوان، فقد تحولت بعض المدن والقرى إلى أنقاض وتحطمت الحياة الزراعية وانتشرت المجاعة في البلاد وتفشت على أثرها الأوبئة والطاعون.

وبتوالي الكوارث والهزائم، اضطر الإمبراطور إلى أن يجنح للسلم فقد كانت الجيوش الفرنسية تزداد عنفوانا والنصر يحالفها  في كل المعارك تحت قيادة الأمير "كنديهCondé" والقائد الكبير "تورين
Turenne
"، بينما كانت الجيوش السويدية من جانبها منتصرة على طول الخط.

وأدرك الإمبراطور سوء المصير، ولكنه لم يدرك نهاية الحرب فقد أدركته المنية عام 1637، وخلفه على العرش ابنه فرديناند الثالث (1637-1657) الذي شهد عهده هزيمة ألمانيا النهائية مما اضطره إلى الدخول في مفاوضات صلح مع أعدائه المنتصرين وأفضت المفاوضات في النهاية إلى عقد معاهدة وستقاليا عام 1648.

صلح وستفاليا 1648:

ابتدأت محادثات الصلح في مقاطعة وستقاليا الواقعة في حوض الرين الأسفل في المدينتين مونستر  Münster وأسنابروك Osnabruck([2])، وطالبت فرنسا والسويد باشتراك الولايات الألمانية في المفاوضات، كل منها

خامسا: أن تستولي براندنبرج Brandenburg الواقعة في قلب الإمبراطورية على روميرانيا الشرقية الشرقية ومعظم مجد بورج وعدة أسقفيات أخرى مجاورة، وانتقلت زعامة البروتستنت بهذا الاتساع من أمير سكسونيا إلى أمير براندنبرج.

سادسا: الاعتراف رسميا باستقلال هولندة وسويسرة

أثر الحرب في ألمانيا:

تركت الحرب أثرا سيئا في الإمبراطورية إذ انسخلت عنها كثير من الولايات التي تشكل حدودها، فلم تعد هولندة وسويسرة تابعتين للإمبراطور وانقسمت ألمانيا إلى ما يزيد عن مائتي ولاية، وأصبح كل أمير يدعى استقلاله في ولايته وضاعت هيئة الإمبراطور وبذلك فشلت الجهود التي بذلها الأباطرة للسيطرة على سائر ولايات الإمبراطورية، وقد أظهر صلح وستقاليا أن الإمبراطورية لم يكن لها كيان الإمبراطوريات الموحدة ولم تعد سوى اتحاد ضعيف بين حكومات منها الكبيرة والصغيرة، ولم تعد هناك سلطة مركزية تستطيع سن القوانين وتجنيد الجيوش وفرض الضرائب، وسنحت الفرصة –ما بين حين وآخر- لقادة آخرين يتزعمون ألمانيا، وتتمثل هذه الظاهرة في حكام براندنبرج الذي أصبحوا فيما بعد ملوك بروسيا.

وأخيرا فإن صلح وستقاليا كان نهاية للعصر الذي أطلق عليه في التاريخ عصر الإصلاح الديني فقد أصبح الوضع الديني واضحا، فقد قضي على أمل المصلحين الأوائل في تحطيم الكاثوليكية الرومانية التي تتبع روما، وكذلك فشلت حركة الثورة الإصلاحية المضادة في إعادة الولاء المطلق للبابا وكنيسة روما، ومن ثم كان لابد من بقاء المذهبين –الكاثوليكي والبروستنتني- وتعايشهما جنبا إلى جنب في أوربا، وساد في أوربا مبدأ التسامح الديني الذي فرضته الدول التقدمية على رعاياها.                                                                



([1])-كان الإمبراطور قد عزل والنشتين من القيادة العامة للجيش بناء على تظلم المواطنين من عبث جنوده المرتزقة، ولصلفه وكبريائه، وتحريض الأمراء للإمبراطور ضده.

([2])-استخدمت مونستر مقرا للمفاوضين الفرنسيين والولايات الكاثوليكية، وأما اسنابروك فكانت مقرا للسويديين والولايات البروتستنتية.


قائـمة المراجع المعتمدة

1-                             موريس كروزيه، تاريخ الحضارات العام،ط2، منشورات عويدات، بيروت، 1987.

2-         جان بيرنجيه وآخرون، أوروبا منذ بداية القرن الرابع وحتى نهاية الثامن عشر، ط1، منشورات عويدات، بيروت، 1995.

3-         خليل علي مراد وآخرون، دراسات في التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل،1988.

4-         عبد الحميد البطريق وعبد العزيز نوار، التاريخ الأوروبي الحديث من عصر النهضة إلى أواخر القرن الثامن عشر، دار الفكر العربي، القاهرة،1982.

5-                             عبد الحميد البطريق، التيارات السياسية المعاصرة1815-1960،بيروت،1974.

6-         عبد العظيم رمضان، تاريخ أوروبا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوروبية إلى الحرب الباردة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،1997.

7-         جلال يحيى، التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر حتى الحرب العالمية الأولى، الإسكندرية،1983.

8-                             هـ.أ.ل .فشر، تاريخ أوروبا في العصر الحديث(1789-1950)،ط7، القاهرة،1976.

 

   اقرأ ايضا:

التوسع الأوروبي وحركة الكشوف الجغرافية

حركة الاصلاح الديني

النهضة الأوروبية

انتعاش الكنيسة الكاثوليكية حركة الإصلاح المضادة

حرب الثلاثين عاما(1618-1648)

إنجلترا في القرن السادس عشر (عصر أسرة تيودور) 1485-1603

إسبانيا وثورة الأراضي المنخفضة

الثورة الفرنسية

 

 

 

 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة