المقـاومـة في منطقـة القـبائـل (1850-1857)
المقـاومـة في منطقـة القـبائـل (1850-1857)
1-مقاومة الشريف ببوبغلة 1850-1854
أهداف الثورة
2-مقاومـة فاطمـة نسومـر 1854-1857
النتائج الأولية للمقاومة في منطقة القبائل
تعتبر منطقة القبائل خلال القرن التاسع عشر
مجالا خصبا لظهور العديد من المقاومات الشعبية للاستعمار الفرنسي، ونظرا لتشعب
هؤلاء المقاومين وكثرتهم سنركز حديثنا في هذه المحاضرة عن شخصيتين رئيسيتين قادتا
المقاومة في هذه المنطقة خلال الفترة الممتدة من 1850-1857، الشريف ببوبغلة وفاطمة
نسومر.
1-مقاومة
الشريف ببوبغلة[1].
1850-1854.
نظرا لتوسع حركة الاستعمار الفرنسي في
منطقة القبائل على اثر احتلال مدينة بجاية في سنة 1833، وما ترتب عن ذلك من نتائج
سلبية على السكان الذين أجبروا على الخضوع طوعا أو كرها للعدو الفرنسي، ونظرا
لتوفر بعض الخمائر النضالية للمقاومة ووجود قابلية السكان للثورة؛ استغل بوبغلة
هذه المعطيات وقام بعقد اجتماع عام ضم عددا هائلا من الأتباع والمناصرين له من
منطقة زواوة، تطرق فيه إلى ضرورة وضع حد للوجود الفرنسي بالمنطقة؛ بإعلان الجهاد،
فما كان من المجتمعين إلّا أن بايعوه على نصرة كلمة الله وطرد العدو.[2]
أهداف
الثورة.
1-تحري
مدينة بجاية من الاحتلال الفرنسي، وطرد الحامية الفرنسية المتمركزة بها.
2-وضع
حد للمتعاونين مع الزعامات المدجّنة التي تعاملت مع العدو الفرنسي كزعيم أولاد
مقران وزعيم زاوية شلاطة. وسنحاول تتبع حركة مقاومته في المحطات الآتية:
-حاول
اقتحام المدين خلال شهر ديسمبر 1850، إلا انه لم يتمكن من اقتحامها نظرا ليقظة
الفرنسيين بها، ولظروف طبيعية حالت دون ذلك، كما أن الفرنسيين بدورهم لم يتعقبوه خارج
المدينة، وخلال شهر مارس 1851 يكون بوبغلة قد وسع من نطاق ثورته لتمتد إلى بني
مليكش ونواحي حمزة وبني عبدلي...الخ، وهدد الكثير من الموالين للسلطة الفرنسية.
-أما
في شهر ماي 1851 فقد استهدف بحركته خط مواصلات العدو الرابط بين مدينتي سطيف
وبجاية، الأمر الذي زاد من حصار الفرنسيين أكثر في مدينة بجاية، كما تعرض إلى حرق
أملاك المعمرين[3]
والموالين لهم من الجزائريين. وفي العاشر ماي من نفس السنة يتمكن بوبغلة من تجنيد
حوالي 10000 مقاتل، ليتقدم به صوب مدينة بجاية، فجابهتهم نيران مدفعية العدو التي
تمكنت من ارباكهم وزرع الفوضى في صفوفهم، ورغم ذلك فلقد كانت بسالتهم أكثر من ما
تتصور، إذ جابهوا العدو نيران العدو بعزيمة وإرادة نادرة الوجود، ثم تراجعوا نحو
الداخل بعد ما حققوا عدة نتائج يمكن رصدها في ما يلي:
-الاستيلاء
على مكان القيادة الفرنسية بالمدينة.[4]
-حرق
وتدمير أملاك المعمرين في سهل بجاية.
-زرع
الرعب والهلع في صفوف الفرنسيين ومن ساندهم من الجزائريين.
-كسب
التأييد المادي والمعنوي للثورة من طرف بعض الزعامات الدينية كسي الجودي[5]
وابنه أحمد، حيث تمكنا من رص الصفوف وإقناع المعارضين للثورة بالانضمام إليها.
-تقليص
النفوذ الإداري للفرنسيين في المناطق التي مستها الثورة وذلك بعد فرار الكثير من
القيادات الجزائرية الممثلة لفرنسا، واحتمائهم بالعدو الفرنسي في بجاية.
وقصد
نجاح ثورته وظف بوبغلة لأنصاره مخططاته وأهدافه منها، بالاعتماد على القرآن الكريم
والسنة النبوية في جلب أكبر عدد ممكن من المناصرين، وذلك من خلال المناشير التي
كان يوزعها عليهم، والتي من أهمها ما ذكره أبو القاسم سعد الله في المنشور الآتي (( الحمد لله وحده، يأيها
الذين آمنوا بالله ورسوله ...لقد جئت اليوم لتخليص البلاد من ربقة النصارى، إن
سلطان تركيا يحاربهم في نواحي الصحراء، وقد قتل منهم وأخذ أمتعتهم، وإن سلطان
الغرب –المغرب-قد استولى على ثلاث مدن لهم في الغرب، وهو يتقدم نحو مدينة الجزائر،
وسيخبرني بالعمليات فيما بعد، فكونوا يقظين واستعدوا للجهاد...( كم من فئة
قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله). ))[6]. كما
استخدم أسلوب الإثارة والحمية كون هناك مساعدات آتية من بعض البلدان الإسلامية
لنصرته، وأن المسلمين قد اجتمعوا في صعيد واحد على محاربة الفرنسيين، ولم يكتف
بذلك بل اعتمد في بعض الأحيان على الكرامات؛ إذ أقنع أنصاره أن رصاص العدو لن يؤثر
فيهم كون الله تعالى إلى جانبهم.[7]
لقد كان لهذه الأساليب أثر الكبير في توحيد صفوف المقاومة، إذ انظم إليه العديد من
المناصرين الجدد دون قيد أو شرط؛ وأمام هذه التحركات كيف كان موقف السلطات
الفرنسية منها؟.
من دون شك فإن فرنسا راحت تعين في
القيادات العسكرية المحنكة كـ"بوسكي" و"ساطارنو"، وعلى العديد
من العملاء الجزائريين كالمترجم أحمد خاطري وأفراد من عائلة أورابح وعائلة أولاد
مقران وبلقاسم أوقاسي. كما أقدمت على طلب إمدادات عسكرية هائلة من وراء البحر،
وقامت بهجوم شامل على القواعد الأمامية لبوبغلة، مستخدمة في ذلك كل الأساليب
الوحشية ضد السكان العزل فحرقت ممتلكاتهم ودمرت منازلهم وشردت عشرات السر
الجزائرية بين التلال والوهاد، وبهذه الوسائل تمكن الجيش الفرنسي من التقدم إلى
غاية واد الصومام أين نصب حاميته العسكرية هناك وقام ببناء برج عسكري في منطقة
الجبابرة، الأمر الذي حز كثيرا في نفسية بوبغلة كون الكثير من مناصريه أصبحوا تحت
بطش الجيش الفرنسي.
ومع مطلع سنة 1852 يكون بوبغلة قد
تراجع بشكل كبير نحو الداخل، وعمل على طمأنة السكان وحثهم على القيام بواجبهم
المقدس مهما كانت الظروف، ومنذ ذلك الحين أصبحت منطقة زواوة وجبال جرجرة مسرحا للمعارك
العسكرية اليومية بين الثوار وجيش الاحتلال الذي تكبد خسائر فادحة في الأرواح
والمعدات. والتي من بينها معركة أقمون ومعركة ثامغروت، وغيرها ولقد كانت الدائرة
فيها على الجيش الفرنسي، الذي ضاعف من ممارساته الابادية، ضد سكان منطقة زواوة
بالخصوص الذين كانوا بمثابة جدارا منيعا أمام توسعه. ولكن هذه الأعمال الإجرامية
لم تزد سكان المنطقة إلا إصرارا على مقاومتهم له، بل كبّدوا العدو الفرنسي عشرات
القتلى من الضباط الفرنسيين فضلا عن الجنود العاديين؛ كونهم أدركوا فعلا حقيقة
الخطر المحدق بهم.
وقصد
البحث عن سند قوي لثورته اقترب من فاطمة نسومر وطلب يدها للزواج، إلا أن هذا
الأخير لم يتم كونه استشهد في أحد المعارك العسكرية يوم 26 ديسمبر 1854، ودفن
بتازمات، وكانت فاطمة نسومر هي من حملت مشعل الثورة من بعده.
ملاحظـة هامـة: إلى جانب مقاومة الجيش الفرنسي فإن بوبغلة قاوم
الكثير من بني جنسه المنظمين للعدو الفرنسي، وهم كثيرون؛ ومن بينهم سي الجودي الذي
تمكن من استمالة حوالي 29 شخصية إلى جانبه وضد بوبغلة، وهؤلاء وزعت عليهم فرنسا
برانيس الوظيفة وكان على رأسهم شيخ الشيوخ سي أحمد بن الحسين من بني يني وشيخ
الشيوخ الحاج السعيد أورمضان. بالإضافة إلى سكان بوجليل ومحمد أوقاسي في حوض
سيباو، ولقد وجد من خصومه حقدا دفينا لدرجة أنه عندما انتقل إلى بني يجر هدموا
منازله واستولوا على بعض أثاثه، وعندما ضاقت به السبل كان بوبغلة قد راسل
الفرنسيين عارضا عليهم فكرة استسلامه لهم مقابل منح قطعة من الأرض يعيش عليه كفلاح
بسيط مجرد من سلاحه، إلا أن الفرنسيين رفضوا طلبه. وحاولوا تضييق الخناق عليه أكثر
وهو في إحدى القرى ببني مليكش.
وفي خلال شهر ديسمبر 1854 يكون بوبغلة قد
شن هجوما على بعض خصومه في بني عباس، وكان على جانبه رفيقه عبد القادر المذبوح وأعراب
اوكروش وحوالي ستون رجلا من بني كروش، وعندما شعر الفرنسيون بتحركه تعقبتهم فرقة
عسكرية كانت متمركزة في قلعة تازمالت، ودخلت معهم في اشتباك مسلح أدى إلى جرح
بوبغلة جروح بليغة، وحاول الفرار إلا أن بومزراق المقراني وشقيقه لخضر اعترضا
سبيله، وأجهز عليه المدعو لخضر بن الدراجي في ساقه لإعاقته عن الحركة، وعندما ألقي
عليه القبض توسل إليهم أن يبقوا على حياته إلا أنهم لم يفعلوا ذلك، وقتلوه
غيلة-المكان الذي كان قد قتل فيه هو الطاهر أوتاجه قبل 18 شهرا- وحزوا راسه وحملوه
إلى برج بوعريريج وعلقوه على أحد الأعمدة يوم 28 ديسمبر، ووضعوا إلى جانبه ألبسته
وسلاحه وطابعه وحصانه.
2-مقاومـة
فاطمـة نسومـر[8]
1854-1857.
لقد تولت الزعامة الروحية والعسكرية
للمقاومة في نواحي جرجرة وبالخصوص في كل من: بني راثن وايشريضن وبني منقلات وبني
يني، إذ وجدت مؤازرة كبيرة جدا من طرف سكان هذه النواحي؛ الذين رفضوا الدخول تحت
سيطرة العدو المتربص بهم في كل من بجاية ودلس وتيزي وزو وسيباو...الخ. ولقد استغلت
فاطمة نسومر ظروف فرنسا الدولية اثر مشاركتها في حروب القرم، لإعلان ثورتها
المباركة مع مطلع سنة 1855.
ومما
زاد في تمسك الشعب بها هو شخصيتها الروحية والقتالية، ولقد تمكنت على حد بعيد من
تجنيد مئات الأنصار إلى جانبها والدخول بهم في مناوشات مع جيش العدو، كانت تكسب
المعركة في غالب الأحيان، خاصة بعد انضمام كل من سي الجودي والحاج عمر شيخ الطريقة
الرحمانية في منطقة القبائل، مما زاد في تأزم الوضع على الفرنسيين، ولكن مع بداية
انفراج حرب القرم تكون فرنسا قد عادت بكل ثقلها للقضاء على هذه المقاومة، ولقد
تعهد الجنرال "راندون" المعين خلال شهر ديسمبر من سنة 1851 بوضع حد لهذه
المقاومة عن طريق اكتساح منطقة جبال جرجرة منطقة تلو الأخرى، ولنجاح هذا المخطط
العسكري راهن على المعطيات الآتية:
1-تبني
حرب الابادة تجاه سكان المنطقة البواسل.
2-حرق
واقتلاع الأشجار التي تعيق تحركات وتقدم الجيش الفرنسي ومعداته العسكرية.
3-توظيف
بعض العملاء الموالين للجيش الفرنسي في المنطقة لتتبع ورصد تحركات المقاومين،
ومراكز قيادتهم العسكرية.
4-ضرب
حصار محكم على المناطق التي يتم احتلالها كي لا تتحول معقلا للثوار من جديد. ومع
هذه الإجراءات يكون الجيش الفرنسي قد واصل تقدمه نحو جبال جرجرة، ولكنه تكبد خسائر
فادحة في المعدات والرواح في معركة ايشريضن من شهر جوان 1857، والتي برهنت له على
صمود الشعب الجزائري للدفاع عن قضيته العادلة، الأمر الذي دفع بقواد الجيش الفرنسي
إلى مضاعفة أعمالهم الوحشية تجاه السكان العزل وتجاه كل من يقع في الأسر من
الثوار؛ إلا أن هذا لم يثن من عزيمتهم في الدفاع عن وطنهم.
ورغم
الخسائر التي تكبدها "راندون" في جيشه إلا أنه ظل مطاردا ثم محاصرا لفاطمة
نسومر بجبال جرجرة إلى غاية إلقاء القبض عليها من طرف الجيش الفرنسي خلال شهر
جويلية 1857، حيث أخذت أسيرة إلى سجن تابلاط؛ وظلت هناك إلى غاية وفاتها المنية به
في سنة 1863.
النتائج
الأولية للمقاومة في منطقة القبائل.
1-تمكن
الجيش الفرنسي من فرض سيطرته على جزء كبير من منطقة القبائل.
2-مصادرة
أملاك الزعماء والقيادات الروحية والعسكرية التي وقفت إلى جانب بوبغلة وفاطمة
نسومر.
3-الاعتداء
على مقدسات الزاوية الرحمانية، والعبث بمحتوياتها عن طريق الحرق والنهب والسلب.
4-الخراب
والدمار الذي لحق بالمنطقة من جراء العمليات الانتقامية التي قام بها الجيش
الفرنسي ضد السكان والطبيعة.
5-فرض غرامات وضرائب باهضة على سكان
المنطقة الشيء الذي زاد من تدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
6-نفي
عدد هائل من الشخصيات البارزة في منطقة القبائل إلى الجزر الفرنسية النائية.
6-هجرة
السكان من أراضيهم وممتلكاتهم نحو أماكن آمنة خارج الوطن، وموالاة البعض منهم
للفرنسيين للحفاظ على مصالحهم وممتلكاتهم الشخصية.
7-استيلاء
الجيش الفرنسي على خزانة الكتب التي تملكها فاطمة نسومر والمقدرة بحوالي 150 مجلد من
اثمن المخطوطات وفي مختلف العلوم.
[1] -الاسم الحقيقي له هو محمد الأمجد بن عبد
المالك، الملقب بالشريف ببوبغلة نظرا لإدمانه على ركوب بغلا له في تنقلاته بين
القرى، وكان يبلغ من العمر آنذاك حوالي 40 سنة، يراجع: ثورات الجزائر، ص،
75. ولقد تلقب الكثير من قادة المقاومة الجزائرية بهذه الألقاب قصد إخفاء الاسم
الحقيقي عن المستعمر الفرنسي.
[2] -أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية
الجزائرية، ج، 1، المرجع السابق، ص، 363.
[3] -نفسه، ص، 364.
[4] -نفسه، ص، 365.
[5] -لقد خرج عن بوبغلة وانظم للفرنسيين في سنة
1852، إلا أننا سنراه فيما بعد ينظم إلى فاطمة نسومر.
[6] -أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية
الجزائرية، ج، 1، المرجع السابق، ص، 366.
[7] -نفسه، ص، 367.
[8] - ولدت فاطمة نسومر في حوالي عام 1830، في قرية
ورجة التي تبعد عن عين الحمام بـ5 كلم، اسمها الحقيقي هو سيد أحمد فاطمة.زكريا،
مفدي: الياذة الجزائر: وتذكر ثورتنا العارمة
بطولات سيدتي فاطمة.
إرسال تعليق