U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

مقاومة الحاج أحمد باي في الشرق الجزائري 1830-1848

 

مقاومة الحاج أحمد باي في الشرق الجزائري  1830-1848



مقاومة الحاج أحمد باي في الشرق الجزائري  1830-1848


1-المرحلة الأولى: 1830-1837
1-احتلال عنابة
الحملة العسكرية الأولى
الحملة العسكرية الثانية
2-المرحلة الثانية 1837-1843
3-المرحلة الثالثة 1843-1848
خلاصة (قراءة في أسباب فشل مقاومة الحاج أحمد باي)؟


1-المرحلة الأولى: 1830-1837.

على اثر عودة الحاج أحمد باي إلى عاصمة إقليمه واجهته عدة جبهات يمكن عدها في ما يلي:

1-جبهة فرنسا التي ما فتئت تتطلع إلى احتلال قسنطينة.-جبهة الطامعين في تولي منصبه وتولي إدارة إقليم قسنطينة.-جبهة الموالين للعدو الفرنسي.-جبهة باي تونس الذي يتطلع إلى ضم إقليم قسنطينة إليه بالتعاون مع الفرنسيين. فكيف واجه أحمد باي هذه الجبهات؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا معرفة المدن الواقعة تحت سلطة أحمد باي والتي تعرضت للاحتلال.

1-احتلال عنابة.

      على اثر احتلال العاصمة الجزائرية أرسل الحاكم العام "بريتزان" الضابط "هيدار" خلال شهر سبتمبر 1831، الذي كان تحت تصرفه كتيبة عسكرية بقيادة النقيب "بيقوت" لاحتلال المدينة؛ إلا أن شدة المقاومة الجزائرية في المدينة حالت دون نجاح هذه الحملة، فلم يثن هذا من عزيمة الفرنسيين الذين بادروا بإرسال حملة عسكرية أخرى في عهد الدوق "دو رفيقو" وبقيادة "دارموندي" واللقيط يوسف المملوك ليتمكنا من احتلالها في شهر مارس 1832.

2-احتلال بجاية سنة 1833 والتوغل منها نحو الداخل، قصد الاتصال بالساخطين على الحاج أحمد لتحييدهم أو كسبهم ضده.

-رد أي معونة عسكرية تأتي من الخارج، سواء من السلطان العثماني أومن تونس أو من باي طرابلس، بمعنى عزل الحاج أحمد عن التعامل مع العالم الخارجي.

       ولنعود الآن للإجابة عن السؤال السابق؛ فالحاج أحمد باي وفي طريق عودته من العاصمة ثارت ضده عدة قبائل من أهمها قبيلة ريغة بسطيف وقبيلبة العلمة وقبيلة عامر الغرابة  بقيادة الشيخ ابن القندوز المناهض له، الذي ينتمي إلى عائلة أولاد مقران، ولكن حنكة الباي وقوة الجيش المرافق له والذي يبلغ حوالي 3000 جندي[1]، تمكن من الانتصار على هذه القبائل ودخل عاصمته قسنطينة. حيث حيك ضده انقلابا تزعمه مجموعة من الضباط اليولداش بزعامة القائد سليمان الذي عين نفسه بايا على الإقليم، وخليفته ولد شكال محمود وسطمبولي وجيمي علي ووزان أحمد وزميرلي بشير وضبيات علي، ولكن بمجرد أن علم سكان المدينة بخروج هؤلاء الزعماء خارج المدينة لملاقاة الحاج أحمد باي ومحاربته خارج المدينة اتجهوا إلى زعيم الانقلاب الباشحامبا علي بن عيسى واعتقلوه ثم قتلوه، ففشل الانقلاب ودخل الحاج مدينته ونفذ حكم الإعدام في كل المتآمرين عليه.

      وعلى اثر وجوده في قسنطينة حيكت ضده مؤامرة فرنسية تونسية مفادها أن الحاكم العام "كلوزيل" قد عزل الباي أحمد من منصبه وعين مكانه شقيق الباي التونسي مصطفى باشا على بايلك قسنطينة، وخير الدين على بايلك وهران،  كما بعث الباي التونسي برسائل إلى أعيان المدينة يندد فيها بالحاج أحمد ويحثهم على شق عصا الطاعة، ويذكرهم أن البايلك كان تابعا لتونس في السابق؛[2] ونتيجة لهذا الموقف المعادي له دعا الحاج أحمد أعضاء ديوانه للاجتماع وعرض عليهم ما كتبه باي تونس فاستنكروا الأمر، وطلبوا من الباي أن يخلع على نفسه لقب الباشا كخليفة للداي حسين وسك النقود باسم السلطان العثماني حتى يقطع دابر هذه الإشاعات، فامتثل لهم؛ كما كتب للسلطان يخبره بالأمر ويدحض في حجج الباي التونسي، وبالتطورات التي حدثت على مستوى إقليمه.[3]

وبعد أن استتب له الأمن في عاصمته قام بالخطوات الآتية: 1-تنفيذ حكم الإعدام في المتآمرين عليه من داخل المدينة.[4]

2-تنظيم أموره الإدارية كما ألّف مجلسا للشورى ومجلسا عسكريا.3-توحيد السكان والقبائل المتناحرة.

4-تحديد المسؤوليات العسكرية فأسند أمر الدفاع إلى الخزناجي بن عيسى ومحمد بن البجاوي، وتحت إمرته 1000 فارسا و30 مدفعا كبيرا.5-استدعائه لقوات عسكرية من مختلف القبائل والتي بلغت حوالي 5000 فارس و 500 رجلا، وجعل من سيدي مبروك معسكرا لقواته.[5] فكيف كان موقف السلطات الفرنسية من عودة الحاج أحمد باي إلى قسنطينة؟ لقد حاولت فرنسا التفاوض مع الحاج أحمد باي على النحو الآتي:

-التفاوض مع الحاج أحمد باي أثناء تولي دورفيقو منصب الحاكم العام في الجزائر في 17/12/1831، حمل الباي على الاستسلام، والاعتراف بالسيادة الفرنسية؛ إلا أنه رفض ذلك.

-محاولة استغلال التيار  المناوئ له فوقع الاختيار على فرحات بن سعيد في الصحراء –الزيبان- قصد تشجيعه للقضاء على الباي، ، إلا أن هذا الأخير اشترط الدعم العسكري الفرنسي، مما ساهم في فشل هذه المحاولة.[6]

-محاولة استغلال عداوة بعض الشيوخ والزعماء للوقوف في وجه هذا الباي، ومن بين هؤلاء نذكر: إبراهيم الكريتلي في عنابة، وشيخ أولاد عبد النور محمد بن أحمد الغضبان، وعائلة ابن جلاب بتقرت...الخ، ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.[7]

-محاولة عزل الشيوخ الأقل شأنا عن الحاج أحمد وجلبهم إلى الجانب الفرنسي أو تحييدهم، كما فعل الفرنسيون مع شيخ الحنانشة الحسناوي وشيخ دريد بلقاسم بن يعقوب وشيخ أولاد مقران محمد بن القندوز، وغيرهم والاستفادة أيضا من المدنيين الساخطين على الحاج أحمد كم ا فعلوا مع محمد بن نعمون.[8]

   وعلى اثر احتلال مدينة عنابة حاول الحاج أحمد باي فتح جبهة للتفاوض وطلب المساعدات من السلطان العثماني ومن القنصل البريطاني بتونس "توماس ريد"، كما أرسل بشكوى خطية إلى البرلمان البريطاني يطلب فيها حمايته من الهمجية الفرنسية، ومع تقدم الزمن كانت القوات الفرنسية قد توغلت نحو الداخل رغم المقاومة الشرسة التي تلقتها، وكان هدفها هو احتلال العاصمة قسنطينة، ولنجاح هذا المسعى جهزت حملتين عسكريتين يمكن تتبعهما على النحو الأتي:

 

1-الحملة العسكرية الأولى:

      مع مطلع شهر جانفي 1836 أصدر " كلوزيل" أمرا إلى يوسف المملوك ليعيث فسادا في مدينة عنابة وما جاورها قصد ترهيب السكان، ونظير هذا العمل النكد بدأ الإعداد الجيد لحملة فرنسية على مدينة قسنطينة في نوفمبر، انطلاقا من مدينة عنابة وتمركزت في عقبة العشاري بين الحامة وقسنطينة، وبعد المناوشات الأولى قرر الحاج أحمد استدراجهم إلى المدينة، حتى اقتربوا من سفوحها الوعرة ليصبحوا بين فكي كماشة، المدينة المجهزة بالمدفعية وقوات الحاج أحمد التي تمركزت في مؤخرتهم، فتحرك العدو نحو سطح المنصورة قصد رمي المدينة بالمدفعية إلا أن طول مدة المعركة التي دامت حوالي أسبوع وقرب نفاذ ذخيرة العدو انسحب بشكل تدريجي إلى ما وراء مدينة قالمة التي تم احتلالها في سنة1837،[9] ومجاز عمار، وبذلك خاب أمل العدو في اقتحام المدينة. ولما عاد الحاج أحمد إلى المدينة نفذ حكم الإعدام في شيخ البلد وبعض أتباعه الذين حاولوا تسليم المدينة إلى الأعداء خلال الحصار، وشرع في إصلاح وترميم ما أحدثه العدو من ثغرات في حصون المدينة.[10]

       وعلى اثر هذا الفشل حاول "دامريمون" الدخول في مفاوضات مع الباي تقضي باعترافه بالسيادة الفرنسية وتقديم ضريبة سنوية للفرنسيين مقابل السلام بين الطرفين، إلا أنه رفض هذا الطرح، مما دفع بالفرنسيين إلى التفكير في تجهيز حملة عسكرية ثانية، ونظرا لتشتت القوات الفرنسية بين الشرق والغرب قرر الجنرال "بيجو" الدخول في مفاوضات مع الأمير عبد القادر انتهت بعقد معاهدة التافنا في شهر ماي 1837، والتي بموجبها تفرغت القوات الفرنسية للقضاء على مقاومة الحاج أحمد باي في الشرق الجزائري. في الوقت الذي قام فيه "دامريمون" بتعيين النقيب" فولتز" الذي كان آنذاك مقيما بتونس للقيام بدور الجوسسة لمراقبة الرأي العام القسنطيني وأخذ معلومات عن القوة العسكرية للباي وكذا استعداداته وتحركاته.[11]

الحملة العسكرية الثانية.

      قبل انطلاقها بعث كل من الماريشال "دامريمون" والدوق "دي نمور" برسائل إلى الباي يخبرانه بقدوم الحملة الفرنسية ويطلبان منه التفاوض حول النقاط السابقة الذكر، كما أرسل " دامريمون" نفسه برسالة تعهد زائف للسكان مقاطعة الشرق يتعهد لهم فيها باحترامهم. إلا أن ابن عيسى كان يدرك مطامع العدو وزيفه فرد عليه بقوله:(( إذا كنتم تفتقرون إلى الذخيرة الحربية نبعث لكم ما تريدون، وإذا لم يكن لديكم البسكويت نقتسم معكم ما عندنا، ولكن لا يمكن أن تدخلوا قسنطينة أو تصبحوا سادتها إلا إذا قضي على آخر واحد منا)).[12]

      كان وصول الحملة إلى سطح المنصورة يوم 5/10/1837، وبقوات عسكرية تقدر بحوالي 11000 جنديا مدعما بضباط سامين معروفين بقدراتهم العسكرية، وبتجاربهم وحنكتهم مثل: تريزل، وولبير ولامي، وهولد دي فلوري وكومب ولاموريسيار تحت قيادة دامريمون.[13] وغيّر الفرنسيون خطتهم العسكرية هذه المرة مستفيدين من أخطائهم في الحملة الأولى في حين أن المقاومين حافظوا على نفس  الإستراتجية الأولى، إذ اعتمد الحاج أحمد باي على تجنيد القبائل المناصرة له مثل الحنانشة والحراكتة والتلاغمة وفرجيوة وزواغة وأولاد عبد النور وريغة وغيرها، وكل هؤلاء ليس بالجنود المحترفين وإنما هم رجال مقاومة شعبية غير منظمة، ورغم ذلك فإن الجيش الفرنسي قد واجهته مقاومة شرسة بقيادة ابن عيسى، في الوقت الذي لقي فيه "ديبورمون" مصرعه في 12/10/1837، وقائد الأركان "بيريقو"، فخلف "فالي" "دامريمون" وتعززت القوات الفرنسية بقوات المدفعية الهائلة التي تمكنت من فتح ثغرة كبيرة في  سور المدينة الرئيسي مما سهل من اقتحامها، في 13 أكتوبر وعاثت فيها فسادا. ونظرا لذلك انسحب الحاج أحمد باي وبمن معه نحو الجنوب القسنطيني لمواصلة المقاومة المسلحة.[14]

2-المرحلة الثانية 1837-1843.

    على اثر احتلال مدينة قسنطينة عقد الحاج أحمد اجتماعا مع قيادته العسكرية قصد جمع صفوفها في شكل زمالة تضم امتهتهم وأفراد عائلاتهم، والتوجه بها نحو الجنوب للاحتماء من الخطر المحدق بها، مما سيسهل عملية التفرغ لمقاومة العدو الفرنسي، بقطع الطريق الرابط بين قسنطينة والمدن التي أحتلها في الشمال، قصد استرجاع المدينة فيما بعد. إلا أن خاله ابن قانة عارض هذا الطرح بدعوى أن هناك خطر آخر محدق بهم يكمن في فرحات بن سعيد الذي سيهاجمهم من الجنوب، ومما جاء على لسان ابن قانة: (( ماذا تريدون أن تفعلوا: تبتعدون عن بلدكم وتتوجهون نحو الشمال إذن، فأنتم لا تعلمون أن فلرحات بن سعيد يقترب بسرعة من الزيبان، وفي الوقت الذي تحاولون فيه الدفاع عن قسنطينة، فإنكم تعرضون انفسكم للطرد من منطقتكم، ولذلك يجب أن نسرع إلى الصحراء ندخل عائلاتنا ومن اتبعنا على المدن ثم نخرج متحدين ضد العدو الذي نخشى هجومه اكثر، فالفرنسيون لن يتقدموا بينما فرحات يزحف علينا، ومن ثمة يجب الن نبدا بمحاربته، وبعد ذلك نوحد قوانا ونهاجم الفرنسيين)).[15] فوافق الحاج أحمد على هذه الفكرة.[16]

      وفي هذه الأثناء وردت على الحاج أحمد رسائل من الفرنسيين يلحون فيها على اعترافه بالسيادة الفرنسية والاستسلام للفرنسيين

فرفض ذلك، كما وردت عليه رسائل من أحد أعيان مدينة قسنطينة ابن العطار والحاج الباي من عنابة وبإلحاح من فرنسا، فأجاب على مطلبهما بقوله: (( لأريد أن أستسلم، ولكن لا أحب أن يفرض علي الذهاب إلى فرنسا، يجب أن يترك لي الأمر في التوجه إلى بلد إسلامي أو إلى بيت الله)).[17] إلا أن خاله عارضه في ذلك، بقوله له: (( ماذا تريد أن تفعل أتريد أن تنكث عهدا ضربته على نفسك؟ ألم تقل أنك ستصطحبنا إلى الصحراء؟ فلا تقبل هذا الاقتراح)).[18] فرفض الحاج احمد باي مطلب المبعوثين السابقين وتوجه نحو الصحراء.

      وعندما علم فرحات بن سعيد بتوجهه نحو الصحراء عزم على طلب الاستسلام للفرنسيين مقابل تعيينه في منصب شيخ العرب ومساعدته في القضاء على الحاج أحمد باي، إلا أن الفرنسيين لم يولوا أدنى اهتمام لطلبه هذا. مما دفعه إلى المبادرة بالهجوم عليه خلال سنة 1838 دون مساعدة القوات الفرنسية،  ولقد كلفه هذا الهجوم هزيمة نكراء أمام قوات الحاج أحمد باي، إذ تم قتل حوالي 300 شخص من قواته وجرح عدد لا يحصى منهم، الأمر الذي دفعه إلى الهروب نحو منطقة واد سوف. ونظرا لذلك كلف الأمير عبد القادر خليفته بالتيطري محمد البركاني بمهاجمة الحاج أجمد باي في بسكرة، فانسحب منها هذا الأخير في نفس السنة وعيّن الأمير بها خليفة له وهو الحسن بن عزوز في منطقة الزاب، فحز ذلك في نفس فرحات بن سعيد الذي حاول التعاون مع الفرنسيين لمحاربة الأمير عبد القادر، إلا أن هذا الأخير تمكن من إلقاء القبض عليه وسجنه في احد السجون بمدينة تاقدامت العسكرية.[19]

    وفي هذه الأثناء كاتب الحاج أحمد باي تونس ملتمسا منه مساعدته والوقوف إلى جانبه، إلى أن هذا الأخير كان ضحية المخابرات الفرنسية، فطلب منه اللجوء إليه كأخ شقيق وترك باب الجهاد، وعدم استفزاز رعاياه بمنطقة التخوم الجزائرية التونسية، حفاظا على علاقات الصداقة التي تربطه بفرنسا، كما كاتب السلطان العثماني محمود في نفس الموضوع، ما نصه: (( أنظروا أنني رفضت التفاوض مع الفرنسيين وظللت أنتظر النجدات التي وعدتموني بها، أنني لم افعل شيئا دون استشارتكم والعمل بنصائحكم، وها أنا الآن طردت من قسنطينة وأصبحت أتجول بين الأعراب، هل هذا هو جزاء ثقتي بكم وهل نفذتم ما وعدتموني به منذ سبع سنوات أليست طاعتي إليكم هي التي قادتني إلى هذا الوضع المؤلم وهل تتركونني على ما أنا عليه أنني أخبرتكم وعليكم أن تفعلوا ما تريدون)).[20]

      إلا أن الظروف التي كانت تمر بها الدولة العثمانية حالت دون تقديم أدنى مساعدة تذكر لصالح الحاج أحمد باي في هذه الفترة. ورغم تحذيرات باي تونس للحاج أحمد باي فانه اقترب من منطقة بوحصيف الحدودية وأذن لأصحابه بالتزود من تونس بكل ما يحتاجونه من حبوب، لكن في تلك الظروف العصيبة التي كان الباي يحاول فيها جمع الشمل تخلى عنه اقرب المقربين اليه وهو خاله ابن قانة، باستسلامه للفرنسيين في شهر ديسمبر1838. ثم ظل مقيما عند قبيلة الحراكتة بالنمامشة لمدة 60 يوما، الأمر الذي دفع بالفرنسيين إلى شن هجوم كاسح على الحاج أحمد باي في شهر ماي 1838 بقيادة الجنرال" نيقيري" قصد إلقاء القبض عليه، إلا أنه تمكن من الانفلات من قبضة العدو بالتوجه نحو منطقة واد ريغ، وفي هذه الأثناء أيضا تحاك مؤامرة ضده من طرف ولد يونس وأولاد سيدي يحي والزرالمة من رعايا تونس، إلا أنه تمكن من إحباطها.

وفي سنة 1840 هاجم الجنرال "قالبو" الحراكتة وقتل منهم العدد الكثير ، كما استولى على حوالي 80000 رأسا من الماشية، فاستنجدوا بالحاج أحمد الباي الذي تمكن من استرجاع عدد هائل من رؤوس الماشية بتعرضه لقافلة الغنائم الفرنسية، ثم سرعان ما عاد أدراجه إلى منطقة واد ريغ. وفي سنة 1841 قام ابن قانة بمهاجمة الحسن بن عزوز في ميزاب وارتكب جريمة بشعة في حق السكان إذ تمكن من ومع بداية سنة 1842 انتقل الحاج أحمد باي من واد ريغ إلى النمامشة من جديد ومكث حوالي 60 يوما، ثم توجه بعدها على جبل الأوراس للاحتماء به ولجمع شتاته، ولم يتمكن الفرنسيين من الوصول إليه نظرا لصعوبة المسالك الطبيعية وظل مرابط هناك طيلة هذه السنة[21].

3-المرحلة الثالثة 1843-1848.

     مع مطلع سنة 1843 استنجد أولاد دراج بالحاج أحمد باي لحمايتهم من محمد الصغير بن عبد الرحمان خليفة الأمير عبد القادر، المقيم آنذاك بسكرة، وفعلا تم مهاجمته وقتل العديد من أنصاره والاستيلاء له على كم هائل من الذخيرة والمئونة، ثم ارتحل إلى منطقة الحضنة التي مكث بها حوالي أربعة أشهر ، ثم اتجه نحو أولاد سلطان الذين مكث عندهم حوالي سنة ونصف وتمكن من تجنيد حوالي 700منهم، وفي هذه الثناء دارت معارك هامشية بينه وبين الجيش الفرنسي انتصر في معظمها عليه، وعندما تم تعيين الدوق دومال حاكما عاما وعسكريا على إقليم قسنطينة  في أواخر هذه السنة-1843-فراهن على وضع حد لمقاومة الحاج أحمد باي، كان قد اتجه مع مطلع السنة الموالية بقواته نحو مدينة بسكرة لمطاردة الحاج أحمد باي. ولقد دارت معارك عنيفة بين الطرفين كان الحاج أحمد باي هو المنتصر فيها دائما. وفي هذه الأثناء ظل يتنقل ما بين وهاد مدينة باتنة وبسكرة وجبل متليلي والضاية. حوالي سنة كاملة.

      ومع مطلع سنة 1845 اتبع الجنرال بيدو الذي خلف الجنرال "دومال"سياسة الابادة تجاه سكان واد عبدي ، وأولاد وودجانة، وأولاد داوود، أنصار الحاج أحمد باي، ولقد حاول نجدتهم إلا أنه وجدهم منقسمين على أنفسهم فعاد أدراجه للتحصن بمنطقة منعة، ومن هناك توجه نحو جبل أحمر خدو الذي مكث به حوالي سنتين، وفي خلال هذه المدة كاتبه الفرنسيون قصد استسلامه، ونظرا لبعض الظروف التي أحاطت بالحاج أحمد باي ككبر سنه والأتعاب التي تعرض لها طيلة مدة مقاومته وتدهور حالته الصحية، وتفرق العديد من أنصاره بفعل سياسة الابادة الفرنسية، ومحاصرته في جبل أحمر خدو من طرف الجيوش الفرنسية، من مختلف الجهات طيلة شهري ماي وبداية شهر جوان، تحت إشراف العقيد " كونروبار: والنقيب "سانت جرمان" والبنقيب "ديبوسكي"[22] فلم يجد بدا من الاستسلام، وهو ما تم فعلا في 05 جوان 1848م.[23]   

                  خلاصة (قراءة في أسباب فشل مقاومة الحاج أحمد باي)؟

1-استناده على توجيهات ونصائح خاله ابن قانة، وهذا ما جاء في مذكراته بقوله: ((لقد اتبعت رأي بوعزيز بن قانة وكان ذلك هو مصابي الأعظم))[24]. وخروجه عنه في وقت الحاجة.2-إحجام باي تونس عن مساعدته ورفض أي مساعدة من الدولة العثمانية تعبر أراضيه أو شواطئ تونس، بل بلغ به الأمر إلى الاستيلاء على المساعدات العسكرية التي بعثت بها الدولة العثمانية إلى الحاج أحمد باي. والمقدرة ب أربع بواخر مشحونة بالجنود الأتراك وعلى متنها 12 مدفعا و 150 من المختصين في المدفعية وما يتبع ذلك من عتاد.[25]

3-عدم تعاونه مع الأمير عبد القادر حينما كاتبه بخصوص الاتحاد والتعاون.-عدم تكافؤ في القوة العسكرية بينه وبين الجيوش الفرنسية عدة وعددا.4-مراهنته على تحصينات مدينة قسنطينة، وعدم التعرض للعدو في الطريق الرابط بين المدن الساحلية ومدينة قسنطينة-الدخول في مواجهات هامشية مع خليفة الأمير عبد القادر في الجنوب، ومع بعض قبائل التخوم التونسية الجزائرية. 5-غياب الإستراتجية العسكرية لمواجهة الجيش الفرنسي عكس ما قام به الأمير عبد القادر في الغرب الجزائري.6-المقاومة على أكثر من صعيد: الباي التونسي، العدو الفرنسي، الخونة الذين تآمروا ضده وتحالفوا مع الجيش الفرنسي، الطامعين في منصبه والحاقدون عليه.[26]




[1] -صالح، فركوس: المختصر في تاريخ الجزائر، المرجع السابق، ص، 161.

[2] -يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين، المرجع السابق، ص، 38.

[3] - يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين، المرجع السابق، ص، 38.

[4] -يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين، المرجع السابق، ص، 37.

[5] -صالح، عوض: معركة الإسلام والصليبية، ج، 1، الزيتونة للإعلام والنشر، الجزائر، 1989، ص، 137.

[6] - صالح، فركوس: المختصر في تاريخ الجزائر، المرجع السابق، ص، 163.

[7] -الرجع نفسه، ص، 164.

[8] -أبو القاسم ، سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، ج، 1، المرجع السابق،  155.

[9] -أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، ج، 1، ص، 156.

[10] -صالح، عوض: المرجع السابق، ص، 138.

[11] -صالح، فركوس: الحاج أحمد باي قسنطينة (1826-1850)، د، م، ج، الجزائر، 1993، ص، 72.

[12] -نفسه، ص، 72.

[13] -محمد الطيب، العلوي: مظاهر المقاومة الجزائرية 1830-1954، ط، 1، دار البعث، قسنطينة، 1985، ص، 55.

[14] -نفسه، ص، 73.

[15] -أحمد باي: مذكرات أحمد باي، ط، 2، ترجمة محمد العربي الزبيري، ش، و، ن، ت، الجزائر، 1981، ص، 77.

[16] -يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين، المرجع السابق، ص، 45.

-[17] أحمد باي: مذكرات أحمد باي، المصدر السابق، ص، 79.

[18] -نفسه، ص، 79.

[19] - يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين ، المرجع السابق، ص، 46.

[20]- أحمد باي: مذكرات أحمد باي، المصدر السابق، ص، 83

[21] -نفسه، ص، 48.

[22] -صالح، فركوس: الحاج أحمد باي قسنطينة (1826-1850)، المرجع السابق/، ص، 100.

[23] -استسلم للضابط سان جرمان، ثم نقل إلى مدينة قسنطينة التي بقي بها مدة ثلاثة أيام، ثم نقل إلى سكيكدة لمدة يومين، ثم نقل على متن سفينة نحو العاصمة التي وصلها يوم الثلاثاء 17/ رجب 1264هـ، وخصصت له السلطات الفرنسية مكان للسكن وأجرة شهرية تقدر ب12000 فرنك، ولم يأذن له بالهجرة نحو المشرق، حتى وفاته سنة 1850. ودفن في ضريح الولي سيدي عبد الرحمان الثعالبي. يراجع: يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين، ص، -ص، 50-51.

[24] -أحمد باي: مذكرات احمد باي، المصدر السابق، ص، 77.

[25] -نفسه، ص، 61.

[26] -محمد الطيب، العلوي: المرجع السابق، ص، 61.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة