U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

الحملة الفرنسية على الجزائر

الحملة الفرنسية على الجزائر



الحملة الفرنسية على الجزائر

جذورها التاريخية
أسبابها
1-السياسية
2-الدينية
3-الاقتصادية
4-العسكرية
تجهيز الحملة الفرنسية
استعدادات الجزائر لمواجهة الحملة الفرنسية
النتائج الأولية للحملة الفرنسية
نقد وتحليل بعض النقاط الرئيسية حول الحملة الفرنسية
1-مسألة الديون الجزائرية الفرنسية
2-حادثة المروحة
3-معركة نافرين وقضية مشاركة الأسطول الجزائري
خلاصة الحملة الفرنسية على الجزائر


جذورها التاريخية:  الحملة الفرنسية على الجزائر لم تكن وليدة حادثة المروحة وإنما تعود إلى النصف الثاني من القرن 18م؛ ومن بين مشاريع الاحتلال التي حاولت استهداف الجزائر نذكر:

-نشاط القنصل الفرنسي "كيريسي" الذي يعود إلى سنة 1782 واستمر إلى غاية سنة 1791 أين قدم تقريره إلى وزارة الحربية الفرنسية محددا فيه منطقة سيدي فرج كنقطة ضعف في الجزائر.[1] ولقد دار هناك نقاش كبير بين هذا القنصل ووزيره حول هذه المسألة.

-مشروع نابليون بونابرت[2] باحتلال الجزائر مع مطلع سنة 1801 الذي استغل طلب الداي مصطفى باشا (1798-1805) الهدية المعهودة له من القناصل الفرنسيين وهو القنصل "ديبوا-ثانفيل" الذي لم يقدمها له، فرد نابليون على الداي مهددا إياه بتحطيم الأسطول الجزائري، وأنذره أن فرنسا على عهده ليست هي فرنسا على عهد البوربون، كما كان يحلم بجعل البحر المتوسط بحيرة فرنسية، وكان يخطط لحملة عسكرية كبيرة ضد دول المغرب العربي؛ ولتحقيق ذلك طلب من الأسرى الفرنسيين بالجزائر أن يأتوه بكل المعلومات بخصوص الجزائر، كما أوصى السيد: "جون بون سار-اندري"بضرب الجزائر ضربة قوية وسريعة خلال 8 أيام، واقترح عليه فرنسي آخر نزول الحملة الفرنسية قرب تنس والهجوم على مدينة الجزائر برا.

     إلا أن نابليون تخلى عن هذه الحملة لظروفه العسكرية. ليعود إليها في سنة 1807 فأمر قنصله بمغادرة الجزائر وإعلام الداي أحمد باشا (1805-1808) أنه سيواجه الحرب إذا لم يطلق سراح الأسرى الجنويين والكورسكيين والطليان، كما أمر وزيره للبحرية بالتفكير جيدا بحملة ضد الجزائر وجمع المعلومات الضرورية عن وسائل التموين وطبيعة الأرض ومكان وزمان الحملة، وطلب أن لا يزيد عدد الجيش عن 20000رجلا، وأن تأتيه المعلومات في ظرف شهر، كما طلب من الوزير إرسال أحد جنوده الذين يمتازون بالروح العسكرية والمهارة الهندسية سرا إلى الجزائر ليتجسس ويعود بتقرير مفصل وخطة واضحة، فوقع الاختيار على الضابط: "بوتان".[3]

-إرسال فرنسا للضابط "بوتان" سنة 1808م للتجسس على السواحل الجزائرية ، قصد التعرف على نقاط القوة والضعف في الدفاعات البحرية، ولقد تضمن تقريره معلومات جد مهمة عن الجزائر، إلا أن انشغال نابليون بالحرب في اسبانيا وبحملته ضد روسيا وضعف أسطوله العسكري الذي عجل بسقوطه في معركة واترلو سنة 1814، حال دون تنفيذ هذا المشروع؛ فحدد هذا الجاسوس منطقة سيدي فرج كأحسن نقطة للهجوم؛ وهذا التقرير هو الذي تم العمل به سنة 1830.[4]

*أسبابها:

1-السياسية: نتيجة للمكانة السياسية والهيبة الدولية التي حظيت بها الجزائر خلال الفترة العثمانية[5]جعلتها محل أطماع ساسة الدول الأوربية نظرا لسيطرتها على حوض البحر المتوسط، فرأت فرنسا ضرورة ربط علاقات صداقة وتعاون مع الجزائر خدمة لمصالحها الحيوية، فكانت أول معاهدة صداقة يوم: 29/03/1619م وإلى غاية 05/07/1830، فبلغ مجموع ما تم التعاهد عليه حولي 57 معاهدة تخدم أكثرها مصالح فرنسا، وتعاقب خلالها 96 قنصلا و70دبلوماسيا. ورغم ذلك فإن هذا لم يمنع فرنسا من التفكير في احتلال الجزائر.[6] وبحكم الملكية الأوربية السائدة آنذاك ونظرا لتعرضها إلى التهديد من قبل الثورة الفرنسية التي رفعت شعار ادفع أعداءك إلى المقصلة قبل أن يدفعوك إليها[7] وأن الثورة ضد الملوك وليس ضد الشعوب؛ رأت الأنظمة الملكية ضرورة توجيه أنظار فرنسا خارج القارة الأوربية، وبالذات نحو الجزائر. ومن أهم ما تم الاجتماع حوله لتصفية الخطر المشترك-بالنسبة للنظام الملكي هو الثورة وبالنسبة لأوربا هي الجزائر-:

- مؤتمر فيينا 1815: رغم أنه انعقد لحل مشاكل القارة الأوربية فإن ذلك لم يمنع المؤتمرين من التطرق إلى الخطر الجزائري –الجهاد البحري – وكيفية استخلاص الأسرى الأوربيين بالجزائر وتدمير قوة الأسطول الجزائري الذي يهددهم بين الحين والأخر[8].

- التعاون البريطاني الهولندي ضد الجزائر: ففي يوم 16 أوت 1816 هاجمت قواتهما البحرية ميناء الجزائر، فأرغم هذا الهجوم عمر باشا على القبول بشروط الصلح التي فُرضت عليه[9].

- مؤتمر اكس لاشابيل 1818: بالرغم من أن محوره كان حول مسألة جلاء الجيوش الأجنبية عن فرنسا، فإن هذا لم يمنع الدول الأوربية من تجديد عزمها على التصدي للخطر الذي تُشكله الجزائر ولذلك سعت في البحث عن الذرائع التي تسمح لها بتنفيذ مؤامرتها، فافتعلت ما عرف بالصراع الأوربي العثماني على السواحل اليونانية الذي شاركت فيه الجزائر بقطع  من أسطولها في معركة "نافارين" سنة 1827[10]، حيث تحطّمت القطع العسكرية المشاركة فيها وهو ما أحدث فراغا عسكريا كبيرا على السواحل الجزائرية فاستغلته القوى الاستعمارية لصالحها.( سنعالج هذه النقطة فيما بعد حيث أن هناك دراسة أكاديمية موثقة تنفي مشاركة السفن الجزائرية في هذه المعركة، وهو ما سيثير إشكال كبير جدا حول هذه الحادثة). كما أن الملكية في فرنسا شابها نوع من التدهور والظروف السياسية غير المستقرة ولمحاولة احتواء غضب الشعب الفرنسي تم توجيه أنظاره إلى الخارج بالحملة العسكرية على الجزائر.

2-الدينية: لضمان نجاح الحملة العسكرية تم توظيف الدين المسيحي على غرار ما قام البابا "أوربان الثاني" عندما دعا إلى الحرب الصليبية الأولى سنة 1095 باسم السيد المسيح، ومن بين الدلائل المؤكدة على صليبية الحملة نذكر:

-تصريح وزير الحربية الفرنسية الكونت "كليرمون تونير" الذي جاء في ختامه: (( إنها حرب صليبية هيأتها العناية الإلهية لينفذها الملك الفرنسي الذي اختاره الله ليثأر من أعداء الدين والإنسانية-المسلمين- كما أضاف مخاطبا الملك الفرنسي قائلا: لعل الوقت سيجعل من حظنا نحن الفرنسيين تمدين الجزائريين بجعلهم مسيحيين)).[11]

-خطاب "شاطو بريان" أمام البرلمان الفرنسي يوم: 19/04/1816 الذي جاء فيه: ((… أليس يتعين على الفرنسيين الذين خُلقوا للمجد والأعمال العظيمة أن يكملوا العمل الذي شرع فيه أسلافهم ؟ ففي فرنسا وقعت الدعوة للحرب الصليبية الأولى وفي فرنسا يجب أن ترفع راية الصليبية الأخيرة)).[12]

-التعصب الديني الأعمى الذي باشره جنود الاحتلال الفرنسي اثر اقتحامهم للعاصمة، واعتدائهم على المساجد والعبث بمحتوياتها وتحويلها إلى كنائس ومخازن ومستشفيات وملاهي والبعض منها تم تهديمه، ثم احتفالهم الذي أقاموه في القصبة بانتصار الصليب على الهلال إلا دليلا على حقدهم الصليبي.[13]

3-الاقتصادية: قبل الحديث عن هذا الدافع نطرح السؤال الآتي: هل الوضعية الاقتصادية المتدهورة للجزائر في أواخر العهد العثماني هي من كان وراء هذا الدافع؟.

       من دون شك أن الدافع الاقتصادي قد شارك فيه أكثر من طرف: النظام الملكي؛ السماسرة اليهود بالجزائر، التيارات  الفكرية والاقتصادية التي أفرزتها النهضة الأوربية والثورة الفرنسية كالبورجوازية والميركانتالية والسانسيمونية.

      فالنظام الملكي الفرنسي كان يتطلع إلى سيطرته على السواحل الجزائرية الغنية بالمرجان منذ القدم، والتي تمثل في غالب الأحيان مراكز تجارية للسفن العابرة للبحر المتوسط نظرا لطول الساحل  الجزائري، وقصد تثمين هذا الطرح تم تأسيس شركة "لانش" الفرنسية على عهد الباي لارباي حسين بن خير الدين باشا في سنة 1561، ولقد أعقب ذلك امتيازات اقتصادية عدة  سمحت لفرنسا بالمزيد من فرض وجودها بالسواحل الشرقية للجزائر، الشيء الذي أدى إلى تأسيس المؤسسة الفرنسية الإفريقية في عهد الداي حسين باشا (1557-1567)، إلى أن جاءت الثورة الفرنسية التي تعرضت بموجبها فرنسا إلى حصار اقتصادي قاري، فكانت الجزائر البلد الوحيد –العربي الإسلامي-الذي فك عنها حصارها عن طريق تموينها بمادة القمح الذي جمع بين الهبة والبيع.

       لقد كان مقدار ما اقترضته فرنسا من الجزائر حوالي 24 مليون فرنك فرنسي، ثم انخفض هذا المبلغ إلى حوالي 07 مليون فرنك فرنسي.[14] على أساس أن يدفع كله في فاتح مارس من سنة 1820، وقصد المماطلة في تسديده كانت فرنسا قد وظفت السماسرة اليهود في شخصي بكري وبوشناق، نظرا لإحتاكرهما لسوق الحبوب والخشب في العهد العثماني، وفي هذه الأثناء تدبر مؤامرة ضد الجزائر شارك فيها كل من: رئيس الوزراء الفرنسي" تاليران" بفرنسا والقنصل الفرنسي "دوفال" بالجزائر ، والسماسرة اليهود، على أن يحاول القنصل الفرنسي إيجاد ذريعة لتوتر العلاقات بين البلدين؛ وكعادة القناصل فإنهم يقدمون التهاني للداي في المناسبات الدينية، وبحلول عيد الفطر-البيرم باللغة التركية- الموافق ليوم29/04/1827، قدم القنصل"دوفال" تهانيه للداي حسين فاستغل هذا الأخير فرصة وجوده ليسأله لماذا لم يتلق ردودا من حكومته بشأن المراسلات التي بعثها لحكومة بلاده بشأن الديون. فأجابه القنصل بمايلي: إن حكومتي لا تتنازل لإجابة رجل مثلكم.[15] فما كان من الداي إلا أن ضربه بمنشة كانت في يده، وهذا ما عرف بحادثة المروحة.

       أما مسألة التيارات الفكرية التي أفرزتها الثورة الفرنسية فكان لها دورا كبيرا في توجيه هذه الحملة وبهذا الخصوص يقول سعيدوني: فهذه الأوضاع السياسية والعلاقات الدولية فرضت على فرنسا أن تنتهج في سلوكها الدولي ومشاريعها الاقتصادية هذا المنهج المتأثر بالتيارات الفكرية آنذاك كالسانسيمونية والمركانتيلية،[16] والبورجوازية، وسنرى هذا التوجه بشكل جلي بعد الاحتلال مباشرة.

4-العسكرية: في إطار الحركة الاستعمارية الأوربية التي عرفها العالم المتخلف؛ عقب الكشوفات الجغرافية؛ فإن فرنسا كانت تسعى جاهدة لقطع الطريق أمام منافسها التقليدي في حوض البحر المتوسط، والمشرق العربي، واقتسام ما يعرف بتركة الرجل المريض، وعليه فاحتلال فرنسا للجزائر ما هو إلا مرحلة من مراحل المسألة الشرقية. وقصد احتواء الخطر الذي يشكله الأسطول الجزائري جرت الكثير من الحملات العسكرية ضد الجزائر منها:

استدراجه إلى معارك هامشية مفتعلة منها:

-حملة "دوكسين" سنة 1682.

-حملة "دسترس" في سنة 1688 التي رمت العاصمة الجزائرية بحوالي 10000قنبلة.[17] إلا أن الجزائريين استماتوا في الدفاع عنها.

-حملة "نابليون" في سنة 1805 بقيادة شقيقه "جيروم" الذي حمل الداي على إطلاق سراح الأسرى الإيطاليين أو إعلان الحرب على الجزائر فأطلق الداي سراح 230 أسيرا.[18]

-الحملة الإنجليزية على العاصمة سنة 1816 وسنة 1824؛ وبالإضافة إلى هذه المحاولات الرامية إلى تدمير الأسطول الجزائري تم استدراجه إلى معارك هامشية مفتعلة إلى جانب الدولة العثمانية حيث شارك الأسطول الجزائري بعدة قطع حربية على متنها 4000 رجلا إلى جانب الأسطول العثماني في القضاء على ثورة اليونان سنة 1821. كما شارك في معركة نافارين سنة 1827[19]، بعدة سفن حربية كما هو شائع عند الكثير من الباحثين، مع الاحتفاظ بحوالي 11 سفينة حربية مجهزة بحوالي 200 مدفعا و3260رجلا لحراسة السواحل الجزائرية.[20] حيث تحطّمت القطع العسكرية المشاركة فيها وهو ما أحدث فراغا عسكريا كبيرا على السواحل الجزائرية فاستغلته فرنسا لصالحها بفرض شروط مجحفة على الجزائر نظير حادثة المروحة هي:

-إرسال وفد هام يرأسه وزير البحرية والشؤون الخارجية للاعتذار رسميا عما حدث للقنصل الفرنسي فوق القطعة العسكرية الفرنسية " لابروفانس"بقيادة القبطان "كولي". التي أرست على الشاطئ يوم: 12/06/1827.[21]

-رفرفة العلم الفرنسي على أبراج العاصمة الجزائرية.

-تحية العلم الفرنسي والوفد المفاوض بشأن الصلح بحوالي 100طلقة مدفعية. ولكن الداي حسين رفض هذه الشروط بل علق عليها بقوله: أتعجب كيف الفرنسيين لم يطلبوا زوجتي أيضا.[22] ونظرا لتمسك كل طرف برأيه أعلن"كولي" الحصار البحري على الجزائر يوم: 16/06/1827. فما هي الإجراءات التي اتخذها الداي حسين لفك الحصار؟ وما هي الإجراءات الفرنسية قصد نجاح هذا الحصار؟.

       قبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا طرح السؤال الآتي: هل كانت هناك إجراءات فرنسية لمحاولة حل هذه الأزمة بالطرق السلمية؟ لقد تبنت فرنسا ثلاثة حلول رئيسية لهذه الأزمة وهي تتمثل في ما يلي:

1- اقتراح وزير الخارجية الفرنسي" بولينياك" القاضي بعرض المشكلة على السلطان العثماني؛ بحكم أن الجزائر تابعة للدولة العثمانية من ناحية القانون الدولي.[23] على أساس أن يقوم السلطان بإرغام الداي حسين على تقديم الترضيات المطلوبة، إلا أنه رفض ذلك بحكم:

-الجزائر مستقلة عنه ولا تلتزم بفرماناته، وخروج دايات الجزائر عن طاعته.

-حسب رواية أحمد الشريف الزهار أن السلطان كان يتمنى أن يأخذ الداي تأديبا له نظير خروج عن الطاعة.

2-توظيف محمد علي باشا في احتلال الجزائر؛ تعود هذه الفكرة إلى فرنسا ممثلة في قنصلها بمصر "دروفيتي"[24] والمغامر المركيز "دي ليفرون"، وتتضمن هذه الفكرة ما يلي: تساعد فرنسا محمد علي على أن يصبح حاكما على كل من: طرابلس، تونس، الجزائر؛ بواسطة 04 سفن حربية وتحت الحراسة الفرنسية من ناحية البحر ويتولى هو تكوين جيش من ناحية البر، وبملغ مالي قدره 28 مليون فرنك فرنسي. وعندما تم عرض المشروع على محمد علي وافق عليه بل أكد قدرته على تجنيد 68000 رجلا و23 سفينة وتوفير 100 مليون فرنك فرنسي لتغطية نفقات الحملة،[25] ويكون على رأسها ابنه إبراهيم باشا؛ وان تساعده فرنسا بأربع سفن عسكرية وبـ 80 مدفعا.

       وعندما عرض المشروع على رئيس الوزراء الفرنسي رأى ضرورة عرضه على السلطان العثماني أرسل الضابط "هودير" إلى مصر للتفاوض، وطلب من قنصله بإستانبول بمعرفة رأي السلطان على أن يحدد له فوائده المتمثلة في:

-الحصول على جزية هامة من الولايات الثلاثة.

-تعهد فرنسا بعدم إرسال جيشها إلى الجزائر،[26] وبعد تردده في الأمر أرسل مبعوثا عنه إلى الجزائر وهو خليل أفندي لحل المشكلة سلميا إلا أنه فشل في مهمته.

     لقد أثار هذا المشروع ردود فعل قوية في فرنسا نظرا لمعارضته من طرف وزير الحربية " دي بورمون" ووزير البحرية " دي هوسي" كونه بمثابة إهانة أخرى للشرف الفرنسي، إلا أنه تم اقتراح تعديل المشروع على النحو الآتي:

-تخفيض المعونة المالية إلى 10 مليون فرنك فرنسي.

-السفن الحربية الأربع تعار له ولا تسلم إليه.

-مشاركة فرنسا إلى جانبه بواسطة جيش البحرية، فوافق الملك الفرنسي على هذا التعديل في 12/10/1829، إلا مجلس الوزراء المنعقد في 19/12/1829 رفض هذا المشروع من أساسه، وقرر وتساعد فرنسا محمد علي على حكم تونس وطرابلس وتساعده بمبلغ مالي قدره 08 مليون فرنك فرنسي، أن تتولى فرنسا بنفسها القيام بهذه الحملة.[27]  فرفض هو الآخر هذا التعديل؛ وصرح قائلا: إنهم لن يصلوا أبدا إلى الجزائر، وإذا وصلوا فلن يجرؤوا على البقاء فيها لمعارضة بريطانيا لهم.[28]

3-فتح باب التفاوض مع الداي حسين؛ فمنذ بداية الأزمة طلبت فرنسا من الداي أن يقدم اعتذاره الرسمي للحكومة الفرنسية إلا انه رفض ذلك، ومرة أخرى طلبت منه إرسال وفد للتفاوض مع الفرنسيين إلا انه رفض ذلك، وفي سنة 1829 أرسلت له بسفينة " لا بروفانس" البرلمانية بقيادة القبطان " دي نيرسيا"  يركبه السيد "دولابروتونيار" والتي وصلت ميناء الجزائر يوم: 30/07/1829 قصد البحث عن حل سلمي للأزمة، فأسفرت هذه المحاولة عن عقد لقاء بين الداي والمفاوضين الفرنسيين إلا أنهم لم يتوصلوا إلى حل سلمي للأزمة، وأثناء عودة هذه السفينة أمر رئيس المدفعية بإطلاق النار عليها، الأمر الذي زاد في تأزم الوضع.

      وبخصوص هذه السفينة يذكر حمدان خوجة: (( وفيما يخص طلقات المدفعية المشئومة التي وجهت للسفينة البروفانس والتي ضاعفت من الأسباب وجعلت فرنسا تقرر الحرب وعجلت بؤسنا وخرابنا)).[29] لقد أثار هذا الحادث ردود فعل وخيمة في فرنسا، حيث اعتبرته أكثر إهانة لها من حادثة المروحة. وعلى إثر ذلك قرر مجلس الوزراء الفرنسي يوم: 30/01/1830  القيام بحملة عسكرية ضد الجزائر؛ وفي: 07/02/1830 أقر الملك مشروع الحملة وأصدر مشروع ملكيا يقضي بتعيين السيد "الكونت دي بورمون" قائدا عاما لها والأميرال " دوبيري" قائدا للأسطول.

*تجهيز الحملة الفرنسية.

       على اثر المرسوم الملكي السابق الذكر بدأ تجهيز الحملة الفرنسية الذي استغرق حوالي ثلاثة أشهر، وهي تتشكل من: 100 سفينة ملك للدولة الفرنسية، 500 سفينة تجارية تجمعت في مرسيليا وطولون، وهي بدعم ومساهمة البورجوازيين والميركانتاليين، توفير التموين بالغذاء للجنود والخيول لمدة شهرين، وتموين مادي عسكري قدر بحوالي 5 ملايين خرطوشة وحوالي 280 ألف طن من البارود...الخ. وقبل 15 ماي 1830 كان كل شيئ جاهز للإبحار، مع أن العدد الإجمالي للجيش تم تقديره بحوالي37000رجلا، تم تقسيمه إلى ثلاث فرق عسكرية، ولقد صاحب الحملة العديد من المترجمين والفانين والرسامين ورجال الدين المسيحي وغيرهم؛ وفي يوم: 25/05/1830 غادرت ميناء طولون نحو الجزائر، وفي يوم: 14/06/1830 كان أول نزول للفرقة العسكرية الأولى للجيش الفرنسي بكل معداتها بمنطقة سيدي فرج دون مقاومة تذكر. ورغم المحاولات اليائسة للجنود الأتراك بمنع تقدم الجيش الفرنسي نحو العاصمة فإن محاولاتهم باءت بالفشل؛ كون الجيش الفرنسي كان أكبر وأكفأ جيش أوربي في عصره؛ فوجد شعبا معزولا بلا أسطول وبلا سلاح.[30]

 

*استعدادات الجزائر لمواجهة الحملة الفرنسية.

1- قيام القائد يحي آغا بتحصين الأبراج العسكرية وحمايتها من كل خطر يهددها؛ وحسب مذكرات أحمد الشريف الزهار فإن  يحي آغا قد توجه إلى سيدي فرج وبنى هناك حصنا من اثني عشر مدفعا وجعل العسة من العسكر الجديد في كل حصن وعين لهم المئونة.[31] إلا أن الداي حسين وللأسف الشديد قضى على طموحاته  بعزله ونفيه إلى البليدة ثم القيام بإعدامه فيما بعد،[32]نتيجة للوشاية التي حاكها ضده وزير المالية وأنصاره، على أنه دبر مؤامرة لقلب نظام الحكم. ويعتبر هذا القائد من أحسن رجال الدولة عقلا ومعرفة.

2-تعيين إبراهيم أغا خلفا للقائد يحي وحسب الزهار فإن هذا القائد مثله مثل الحمار لا يعرف إلا الأكل والنكاح،[33]والجيش الذي كان تحت قيادته وزع على واحد منهم 10 خرطوشات فقط ظنا منه أنها ستقضي على نصف الجيش الفرنسي، بل كان مستأثرا برأيه بدليل أنه رفض كل الخطط العسكرية التي طرحها له بايات الأقاليم آنذاك وعلى رأسهم الحاج أحمد باي. وما انهزامه في معركة سطاوالي وفراره إلا دليلا على ذلك.

3-أمر الداي بتعمير الحصون وتعيين العسكر قصد الحراسة، كما أنه حاول تشكيل جيش من قبائل زواوة، كما وعده شيوخ القبائل بتجنيد الشعب؛ وحسب وصف الزهار لهذا الجيش نذكر: فلما قرأ عليهم دعوة الجهاد اجتمعت لديه ملايين يظهرون له الرغبة في الجهاد، وهم قوم مثل البهائم ظهر لهم أن ذلك القتال إنما هو كقتال بعضهم لبعض، قتال حمية الجاهلية، وقد ذكروا له الألوف لأنهم لا يعرفون مقدار الألف فضنوا أن الماية هي الألف، والباشا نفسه ظن أن هذا القتال مثل قتال الرعية.[34]

4-تعيين إبراهيم باشا على إثر ضرب السفينة لا بروفانس، والذي سلمت له خطة الفرنسيين ومكان نزولهم وعددهم وعدتهم، ولكنه لم يصدر أوامره للنفير العام، بل اكتفى بجيش يتكون من أهالي متيجة الذين لا يعرفون حسب حمدان خوجة سوى بيع الحليب. ولم يتعامل مع القوات التي جندها له بايات الأقاليم والمقدرة بحوالي 70 ألف رجل بقيت كلها مرابطة على بعد عدة كيلومترات من العاصمة، لثقته في جنوده ولاعتقاده أن القصبة لن تسقط، كما أن هذا القائد لم يقم بأي تعزيزات عسكرية في منطقة سيدي فرج، عدا 12 مدفعا صغيرا كان قد وضعها يحي آغا مع بداية الحصار. وعند أول مجابهة حقيقية مع العدو انهزم في معركة سطاوالي يوم 19/06/1830وفر، ليتم تعيين الباي بومزراق مكانه وبرفقة المفتي ابن العنابي للتحريض على الجهاد ولكن قد فات الأوان.

5-الداي حسين رغم علمه المسبق حسب مذكرات أحمد باي بالحملة فإنه لم يحرك ساكنا فهو تارة بين مكذب للحملة وتارة بين مستهترا بها بدليل انه عندما ظهرت بعض سفن العدو الفرنسي للعيان وأخبر الداي بذلك فرد قائلا: أن ذلك سحاب ظهر في الأفق.[35] وحتى أن العدد الهائل الذي تم استدعاؤه من المتطوعين في الجيش من مختلف البايلكات لم يتم استغلاله، فباي الشرق جمع له حوالي 13000 مقاتلا جلهم من الفرسان، وباي الغرب جمع له3000 مقاتلا...الخ.[36]

        وفي هذه الأثناء تدبر مؤامرة لقلب نظام الحكم بقيادة وزير المالية، بالتفاوض مع جنود الاحتلال باسم الداي، وفي يوم: 03/07/1830 اجتمع أعيان المدينة من للنظر في إمكانية الاستسلام وهو ما تم فعلا يوم: 05/07/1830. بإمضاء معاهدة الاستسلام بين الداي حسين و"دي بورمون" التي تضمنت 05 بنود رئيسية:

1-تسلم قلعة القصبة وكل القلاع الأخرى المتصلة بالمدينة وميناء هذه المدينة إلى الجيش الفرنسي هذا الصباح على الساعة العاشرة.

2-يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي أمام سعادة باشا الجزائر أن يترك له الحرية وكل ثرواته الشخصية.

3-سيكون الباشا حرا في أن يذهب هو وأسرته وثرواته الخاصة إلى المكان الذي يقع عليه اختياره، فإذا فضل البقاء في الجزائر فله ذلك هو وأسرته تحت حماية القائد العام للجيش الفرنسي وسيعين له حرس لضمان أمنه الشخصي وامن أسرته.

4-يتعهد القائد العام لكل الجنود الانكشاريين بنفي المعاملة ونفس الحماية.

5-سيظل العمل بالدين الإسلامي حرا، كما أن حرية السكان مهما كانت طبقتهم ودينهم وأملاكهم وتجارتهم وصناعتهم لن يلحقها أي ضرر، وستكون نساؤهم محل احترام، وقد التزم القائد العام على ذلك بشرفه.

وسيتم تبادل وثائق هذا الاتفاق قبل الساعة العاشرة هذا الصباح، وسيدخل الجيش الفرنسي حالا بعد ذلك إلى القصبة ثم يدخل كل القلاع التي حول المدينة كما يدخل الميناء.                                             توقيع الكونت "دي بورمون" وختم حسين باشا داي الجزائر.

*النتائج الأولية للحملة الفرنسية.

1. -استباحة مدينة العاصمة للجيش الفرنسي.

2. -نهب الخزينة الجزائرية المقدرة آنذاك بحوالي: 55.684.527 فرنك فرنسي، وهي موزعة على النحو الأتي:

3. ذهب وفضة وجواهر 48.684.527، صوف وبضائع أخرى 3.000.000، و 4.000.000 قيمة مدافع أرسلت إلى فرنسا.[37]

4. -نفي الداي حسين وعائلته يوم: 10 جويلية إلى نابولي، وفي اليوم الموالي تم طرد الأتراك المقدر عددهم آنذاك بحوالي 5092 شخص إلى الأناضول.

5. -تدمير المساجد وتحويلها إلى كنائس ومخازن ومرابط للخيول.

6. -السلب والنهب لكل ما وجده جنود الاحتلال والاعتداء على الشرف الجزائري، وسبي النساء والأطفال وقطع أصابع وأذان النسوة اللائي يرتدين الحلي والمجوهرات، وبيعها في الأرصفة.

7. -الاستيلاء على الأرشيف الجزائري وتهريبه إلى فرنسا.

 

*نقد وتحليل بعض النقاط الرئيسية حول الحملة الفرنسية.

1-مسألة الديون الجزائرية الفرنسية.

      تعود هذه المسألة إلى تاجرين يهوديين لعبا دورا رئيسيا في حبك خيوطها، وهما بكري[38] وبوشناق، ويعود سبب ثراء هذه العائلة إلى إحدى القصص التاريخية التي يمكن سردها في ما يلي: فقد قيل أن مصطفى الوزناجي باي التيطري بين سنة 1775-1794، كان يخشى غضب الباشا عليه أثناء إحدى رحلاته العادية إلى مدينة الجزائر التي يقوم بها كل ثلاث سنوات، وعندما ضاقت به السبل لم يجد أمامه سوى بوجناح الذي أعطاه ما يحتاجه من مال. وبعد ذلك عين الباي مصطفى الوزناجي بايا على قسنطينة، فاعترف له بالجميل، بل أصبح له نفوذ قوي لديه.

      أما كيف ازدهرت تجارتهما فهناك قصة طريفة ترويها المصادر التاريخية على النحو الآتي: فعندما أراد مصطفى الوزناجي أن يتقدم بهدية ثمينة إلى امرأة الباشا طلب من بوجناح أن يأتيه بحلية كريمة تعرف محليا بالصريمة، فجاءه بمبلغ 300.000 فرنك، فاشتراه منه الباي، ومادام هذا الأخير لا يملك ثمنها نقدا فقد دفع له مقابل ذلك قمحا على حساب أربع فرنكات للكيلة الواحدة، وهكذا حصل بوجناح على 75.000 كيلة من القمح، وعندما باعه في فرنسا ربح منه 3.450.000فرنك، بينما لم تكلفه الصريمة المشتراة من باريس سوى 30.000فرنك.

      وهكذا ومع مرور الزمن بدأ نشاط التاجرين ينمو ويزدهر؛ مما سمح لهما بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة، وخاصة بوجناح. لدرجة أن بعض الجزائريين أصبحوا يُطلقون عليه لقب ملك الجزائر، وبلغ به ذلك أنه أصبح يستقبل هو وأهل طائفته باسم الباشا القناصل الأجانب كما فعل مع قنصل الدانمرك والسويد وهولندا سنة 1801، كما قام بالمفاوضات التي جرت بين الجزائر والبرتغال، وفي سنة 1804 استقبل مبعوث السلطان إلى الجزائر، ولم يقتصر نشاطهما على الجزائر فحسب بل امتد إلى حوض البحر المتوسط، فكانت لهما مراكز تجارية في مرسيليا وجنوا ونابولي وأزمير والإسكندرية وتونس واسبانيا ومنطقة الراين وبلجيكا.

       تعود مسألة الدين على أساس أن فرنسا كانت مدينة لليهوديين الجزائريين، كما هما مدينين للجزائر، وفي سنة 1795 قدر دين فرنسا بمليونين من الفرنكات، أما دين اليهوديين للجزائر فقد قدر ب 300.000فرنك، ومع مرور الوقت جر يهود الجزائر الداي حسين إلى التدخل لدى فرنسا للمطالبة بالدين، على أساس أن اليهوديين من رعاياه. ونظرا لخطورة هذه العناصر تم اغتيال بوجناح من طرف جندي انكشاري في سنة 1805 كما تم اغتيال الباشا مصطفى المتعاون معهم. كما تم في سنة 1811 التخلص من داود بكري، وبدأت ردود فعل معادية لهم في الجزائر وفرنسا.

      وفي سنة 1819 عينت الحكومة الفرنسية لجنة رباعية لدراسة الدين الذي على فرنسا لرعايا الجزائر اليهود، وقدرته بحوالي 42 مليون فرنك، ومع مرور الزمن انخفض هذا المبلغ إلى حوالي 7 ملايين فرنك نتيجة مطالبة أطراف أخرى بديونها التي على أسرة بكري –بوشناق، ولقد حاولت فرنسا إرضاء الباشا على أساس تسديد الديون لرعاياها قصد تمكنه من تعويض ديونه عليهما، وهو ما أعلن عنه شخصيا في 12 أفريل 1820، وفي 24 جويلية صدر قانون عن البرلمان الفرنسي بتخصيص 7 ملايين فرنك لتسديد الدين إلى يعقوب بكري الذي أصبح يمثل الطائفة اليهودية في الجزائر، وعلى اثر ذلك كاتب الباشا فرنسا عدة مرات في شأن الدين، بل أصبح يطالب بدفعه إليه مباشرة وليس ليعقوب بكري. ومحاولة منهم لتعكير صفو العلاقات بين الطرفين تم توظيف القنصل الفرنسي "بيار دوفال" لتعقيد المسالة بشكل كبير، والذي تم رشوته من طرف يعقوب بكري للعمل لصالحه، وهو ما زاد في اهتزاز ثقة الباشا فيه.[39]

2-حادثة المروحة.

     تعود تفاصيله إلى أحد المناسبات الدينية، وهي مناسبة عيد الفطر وهو ما يسمى بيوم "البيرم" عند الأتراك؛ حسب رواية حمدان بن عثمان خوجة[40] الذي صادف 29 افريل 1827، إلا أن هناك بعض المراجع تؤرخ للحادثة بعيد الأضحى كما ذهب إلى ذلك الدكتور أبو القاسم سعد الله[41]، فلقد جرت العادة أنه في مثل هذه المناسبات يتقدم قناصل الدول الأجنبية بالتهاني للباشا، وكان من بينهم القنصل الفرنسي "بيار دوفال"، وأثناء تأديته مراسيم التهاني دار هناك حديثا بين الداي حسين والقنصل الفرنسي، حول الأسباب التي جعلت فرنسا لا تجيب عن رسائل الداي بشأن الديون؛ وعندما احتد النقاش بينهما أمر الداي القنصل بالخروج فرفض ذلك، مما دفع بالداي إلى ضربه بمروحة كانت بيده، وقد ادعى "دوفال" في تقريره إلى حكومته بأنه ضربه ثلاث مرات. وتذهب رواية أخرى إلى أن حادثة الضرب لم تقع إطلاقا. إلا أن حمدان بن عثمان خوجة يؤكد وقوع الحادثة.[42] حيث أن الداي عندما عندما سأل القنصل بشأن عدم إجابة حكومته عن رسائله بشأن الديون إجابة بوقاحة نصها: (( إن حكومتي لا تتنازل لإجابة رجل مثلكم ))،[43]فمن دون شك أن هذه  الكلمات قد مسّت وحطّت من كرامة الداي حسين أمام ديوانه.

3-معركة نافرين وقضية مشاركة الأسطول الجزائري.[44]

      على اثر ثورة اليونان ضد الدولة العثمانية، للمطالبة بالانفصال عنها سنة 1821، لم يكن هناك بدا أمام الجزائريين من المشاركة في هذه الحرب إلى جانب الدولة العثمانية، بناء على طلب السلطان العثماني محمود الثاني في أوت 1821، وتقدر عدد السفن الجزائرية المرسلة بثلاثة سفن –من نوع فرقاطة-[45]من طرف حسين باشا في سنة 1823 إلى الإسكندرية، وكانت مهمتها حراسة أحد السفن المصرية القادمة من انجلترا من أي هجوم من طرف السفن اليونانية، أثناء مرورها على الجزائر؛ وعندما وصلت السفينة المصرية إلى مصر قرر قائد السفن الجزائرية الحاج علي قبطان الانضمام إلى الأسطول العثماني المرابط في ميناء نافارين في 14 مارس 1823، ولكنها مع بداية فصل الشتاء عادت السفن الجزائرية بإذن من القبودان دريا محمد خسرو، ودخلت ميناء الجزائر في 27 أكتوبر. وكان عددها ثماني سفن موزعة حسب نوعها كما يلي:

-سفينتان من نوع فرقاطة ذات ستين مدفعا والثانية ذات ثماني وخمسين مدفعا.

-ثلاث سفن من نوع كورفت واحدة منها ذات ستة وثلاثين مدفعا والثانية ذات أربعة وثلاثين والثالثة ذات اثنين وثلاثين.

-سفينتان من نوع بريق أحدهما ذات اثنين وعشرين مدفعا وسفينة واحدة من نوع غاليوت ذات أربعة عشر مدفعا.[46] مع العلم أن هناك سفينة أخرى رقم 9 من نوع بريق كانت قد سبقت السفن المذكورة ودخلت ميناء الجزائر بتاريخ 9 سبتمبر 1823، وكان على متنها 100 جندي متطوع. وبهذا يكون مكوث السفن الجزائرية إلى جانب الأسطول العثماني مدة 26 شهرا، وقدرت نفقات هذا المكوث بحوالي 123867 قرشا.

       وإذا كانت تعليمات القبودان السابق تقضي بعودة السفن الجزائرية إلى بحر ايجه مع مطلع فصل الربيع، فإن النزاع الإنجليزي الجزائري حال دون ذلك. ولكن السلطان العثماني سرعان ما جدد طلبه للإيالات الثلاث تونس وطرابلس والجزائر بإرسال سفنها إلى بحر ايجه وعلى متنها مجتمعة 1250 جنديا، وحدد لكل من الجزائر وتونس 500 جندي، والباقي حدده لطرابلس. فكيف كان موقف الجزائر من هذا الطلب؟

     لقد استجاب حسين باشا لهذا الطلب وعين لذلك نفس السفن الثمانية المشاركة في المرحلة الأولى من الحرب، عدا سفينة واحدة من نوع كورفت ذات أربعة وثلاثين مدفعا والتي أرسلت بدلا منها سفينة أخرى من نوع غاليوت ذات اثني عشر مدفعا. وتم تعيين مصطفى رايس قائدا لها ومساعده سر عسكر الحاج عبد الله، وهذه السفن هي على النحو التالي:

-ثلاث سفن من نوع فرقاطة تحمل واحدة منها اثنين وستين مدفعا وتعرف باسم مفتاح الجهاد، وتحمل الثانية 50 مدفعا وتعرف باسم أبو الهوس. وحمل الثالثة 40 مدفعا وتعرف باسم ريح اسكندر.

-سفينتان من نوع كورفت تحمل واحدة منهما 36 مدفعا وتعرف باسم مزار، وتحمل الثانية 46 مدفعا وتعرف باسم فايزة.

-سفينة من نوع بريق تحمل على 18 مدفعا وتعرف باسم الهدى المحمدي، وسفينة أخرى من نوع بولاقر تحمل 20 مدفعا وتعرف باسم صاقورة، وسفينة واحدة أيضا من نوع سكونة تحمل 12 مدفعا وتعرف باسم صورية.

      وفي 4 أفريل 1825 غادرت السفن الجزائرية ميناء الجزائر باتجاه بحر ايجه للمشاركة في الحصار البحري المضروب على مدينة نافارين، وبعد حصار مشدد تم اقتحامها من طرف العثمانيين واسترجاعها لحاضرة الدولة العثمانية. وعلى اثر هذا الانتصار قام إبراهيم باشا قائد الأسطول المصري بإرسال جزء من أسطوله إلى الإسكندرية وجزء آخر إلى جزيرة كريت، ولقد كانت السفن الجزائرية ضمن هذا الأخير، وبعد تحضيرات مطولة تم تجهيز حوالي 58 سفينة وبتجنيد حوالي 4700 رجل، ونظرا لتدهور الوضع على السواحل الجزائرية، قام حسين باشا بمراسلة قائد الأسطول الجزائري يأمره بالعودة الفورية، إلا أن قائد الأسطول القبودان دريا محمد خسرو باشا لم يأخذ هذا الطلب بجدية، مما دفع بمصطفى رايس إلى عصيان أوامر سيده والانفصال تحت جناح الليل عن الأسطول العثماني، باتجاه الجزائر العاصمة التي وصلها خلال شهر جوان سنة 1826، وهو ما اعتبره قائد الأسطول العثماني فيما بعد بمثابة عصيتان وتمرد عن السلطان العثماني.

       إلا أن السلطان أنصف الجزائريين بهذا السلوك نظرا للظروف التي كانت تمر بها الجزائر، ونظرا للخدمات التي قدمتها الجزائر للدولة العثمانية، ولقد اكتفى السلطان في الأخير باللوم والعتاب على حسين باشا. وخلال شهر فيفري 1827 راسل قائد الأسطول حسين باشا بشأن إرسال السفن الجزائرية للمشاركة في الدفاع عن الدولة العثمانية، وإلى هذا التاريخ تكاد تتوقف المصادر التاريخية في الحديث عن حقيقة مشاركة السفن الجزائرية في المرحلة الثانية ممن الحرب اليونانية العثمانية. وإلى هنا يثار إشكال كبير جدا حيث أن المراجع التي تحدثت عن هذا الجانب تشير كلها إلى مشاركة الأسطول الجزائري بل وإلى تحطمه في معركة نافارين. ولكن المصادر التي تناولت الحدث لم تشر إطلاقا على مشاركة السفن الجزائرية فغي المعركة ومن بين هذه المصادر نذكر ما يلي:

1-مذكرات احمد الشريف الزهار التي تعد أهم مصدر للفترة الأخيرة من العهد العثماني بالجزائر، فبالرغم من إشارته إلى معركة نافارين، فإنه لم يشر إلى وجود أية سفينة جزائرية في تلك المعركة.

2-مجموعة الرسائل التي أرسلها وكلاء الجزائر في المدن العثمانية على حسين باشا ووزرائه، فرغم تطرقها إلى تفاصيل المعركة؛ إلا أنها لم تشر هي الأخرى إلى وجود سفن جزائرية شاركت في المعركة.

3-القائمة التي أعدها القنصل الفرنسي بالإسكندرية بخصوص الأسطول الذي كان يجري إعداده في أغسطس 1827 بميناء الإسكندرية للمشاركة في معركة نافارين، حيث أشارت القائمة إلى عدد السفن وأنواعها والجهات التي ينتمي إليها، فنجدها أشارت مثلا إلا السفن المصرية والتونسية والعثمانية، ولكنها لم تشر إلى وجود أية سفينة جزائرية.

4-المؤلف الذي وضعه المؤرخ الفرنسي جورج دوين حول معركة نافرين، فهو الآخر يخلو من أية إشارة للسفن الجزائرية في تلك  المعركة.

5-البحار الجزائري الذي ورد ذكره في رسالة أرسلها من نفارين عقب المعركة مباشرة، آغا خليل الذي كان يعمل طوبجي باشي في السفن التونسية إلى والده بتونس، إذ اخبره بأن إبراهيم نجل محمد علي والي مصر وبصحبته قره محمد قبطان وقبطان آخر من العرب جزائري يجولون في البحر الرومي وصادفوا كفار الروم وحاربوهم بسفينة واحدة ساعتين ونصف، وللعلم أن هذا البحار الجزائر ي لم يكن يقود سفينة جزائرية، وإنما يقود سفينة تابعة للباب العالي.

      وتجدر الإشارة هنا إلى أنه كانت هناك سفينتين جزائريين موجودتين خلال شهر أكتوبر 1827 بميناء الإسكندرية، الأولى من نوع فرقاطة تحمل اسم مفتاح الجهاد ويقوده اسيتانلي مصطفى رايس، والثانية من نوع بريق تعرف باسم اسكندر ويقودها عبد الرحمان قبطان.ونظرا لتدهور العلاقات بين الجزائر وفرنسا أرسلت فرنسا سفنا خاصة إلى مياه الإسكندرية لمنعها من الخروج من الميناء لكي لا تتوجه على الجزائر للمشاركة في فك الحصار المضروب عليها.

*خلاصة الحملة الفرنسية على الجزائر.

1-من خلال ما توفر لدينا من معطيات تاريخية، وبدليل مشاركة الكثير من الأطراف الأوربية في هذه الحملة، يمكننا القول أن هذه الحملة ليست حملة فرنسية فحسب؛ وإنما هي حملة فرنسية أوربية. ولقد تم إقحام فرنسا في هذه الواجهة من طرف الأنظمة الملكية الأوربية للتخلص من الخطر الذي باتت تشكله أفكار الثورة الفرنسية-الحرية والأخوة والمساواة-. ونظرا لتخوفها من أشياع هذه الأفكار الذين ما زالت لهم القدرة الكافية على استهدافها، ودليل ذلك ما حدث فعلا في فرنسا نفسها وفي باقي أنحاء أوربا في ثورات 1830 وثورات 1848 في أوربا. حيث عرفت الكثير من الأنحاء والمناطق استقلالها عن الدولة الأم.

2-الجيش الذي تشكلت منه الحملة الفرنسية، كان عبارة عن حثالة من الصعاليك واللصوص، والمتشردين واللقطاء الذين ضاقت بهم الدول الأوربية ذرعا؛  وإضافة إلى هذه التركيبية السيكولوجية، فإنه تم شحنه بأفكار متطرفة من طرف رجال الدين المسيحي، الذين لم يراعو حرمة المبادئ  السمحاء لدينهم، وما الأعمال البشعة التي ارتكبها هذا الجيش أثناء عملية الاقتحام للعاصمة إلا دليلا على ذلك.

3-اغتباط يهود الجزائر باحتلال العاصمة الجزائرية، وهم من ساهم بشكل كبير في إرشاد الجيش الفرنسي إلى المناطق الثرية التي يمكن نهبها، فلقد كان لهم دورا كبيرا في إرشاد الجنود إلى الأماكن الثّرية من  المدينة التي سُلبت ونُهبت لحساب اليهود تحت هتافات "Viva les franchais"[47].

4-توظيف الإعلام في خدمة مشروع الاحتلال، ودليل ذلك المنشور الذي تم توزيعه على الجزائريين قبل الاحتلال الفرنسي لها، حيث صور لهم حكومة الداي حسين بالظالمة وغير العادلة، وان الفرنسيين سيخلصونهم من ذلك، ومن دون شك أن كان لهذا المنشور دور كبير في استقطاب عدد هائل من الجزائريين لمباركة الحملة الفرنسية. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الحملة الفرنسية كانت قد جلبت معها مطبعة لطبع المناشير وتوظيفها في الاحتلال، ولقد كتب لهذه الأخيرة أن تصدر أول جريدة لها على التراب الجزائري باسم بريد الجزائر.



[1] -العربي،  إسماعيل: المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر، ط، 2، ش، و، ن، ت، الجزائر، 1982، ص، 18.

[2] - هو نابليون بونابرت (1769-1821) ولد في أجاكسو من أسرة بونابرت، إمبراطور فرنسا (1804-1814) مثّل الجناح العسكري للثورة الفرنسية،  انهزم في معركة واترلو 1815، نُفي إلى جزيرة سانت هيلانة بالمحيط الأطلسي حيث توفي بها عام 1821، يراجع: تاريخ نابليون الأول، مج.3،ص-ص.71-78، المنجد في اللغة والأعلام، ط.31، ص.567

[3] -أبوا القاسم، سعد الله: محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث (بداية الاحتلال)، ط، 3، ش، و، ن، ت، الجزائر، 1982، ص-ص، 19-21.

[4] -نفسه، ص، 28.

[5]- مولود قاسم، نايت بلقاسم: شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830، ج.1، ط.1،دار البعث، قسنطينة، الجزائر، 1405هـ/1985م، ص-ص.29-30.

[6] فركوس، صالح: المختصر في تاريخ الجزائر من عهد الفينيقيين إلى خروج الفرنسيين (814ق.م-1962م)، دار العلوم للنشر والتوزيع /مطبعة عمار قرفي، باتنة،  الجزائر، 2002، ص، 131.

[7] -عميراوي، احميده: محاضرات في تاريخ الجزائر لطلبة السنة الولى تاريخ، جامعة قسنطينة 1990 بالمدرج أ..

[8]- محمد، زروال: العلاقات الجزائرية الفرنسية 1791-1830، مطبعة دحلب، الجزائر، ص.59، ويراجع أيضا: دور حمدان خوجة في تطور القضية الجزائرية  (1827-1840)، ص.31.

[9]- عبد الجليل، التميمي: بحوث ووثائق في التاريخ المغربي الجزائر تونس ليبيا 1816- 1871، ط.2، د.م.ج، الجزائر، 1985، ص.62.

[10]- أحمد، الشريف الزهار: مذكرات(1161هـ-1246/1754-1830)، تحقيق أحمد توفيق المدني ش.و.ن.ت، الجزائر،1980 .ص.165

[11] صالح، عوض: معركة الإسلام والصليبية في الجزائر، ص، 65

[12] -الميلي، مبارك،: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، ج، 3، ص، 283.

[13] أبوا القاسم، سعد الله: الحركوة الوطنية الجزائرية، ج، 1، ص، 72.

[14] -حمدان بن ثمان، خوجة: المرآة، ط، 2، تقديم وتعريب وتحقيق محمد العربي الزبيري، ش، و، ن، ت، الجزائر، 1982، ص، 182.

[15] -نفسه، ص، 180.

[16] -دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر، المرجع السابق، ص، 92.

[17] -فركوس، صالح: المرجع السابق، ص، 140.

[18] -نفسه، ص، 140.

[19]- أحمد، الشريف الزهار: مذكرات(1161هـ-1246/1754-1830)، تحقيق أحمد توفيق المدني ش.و.ن.ت، الجزائر،1980 .ص.165

[20] سعيدوني، ناصر الدين: دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر العهد العثماني، م، و، ك، الجزائر، 1982، ص، 85.

[21] -أبو القاسم، سعد الله: محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث، المرجع السابق، ص، 24.

[22] -نفسه، ص، 82.

[23] إسماعيل، العربي: المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر، المرجع السابق، ص، 12.

[24] -نفسه، ص، 13.

[25] -أبو القاسم، سعد الله: محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث، المرجع السابق، ص، 30.

[26] -نفسه، ص، 31.

[27] -تعود أسباب ذلك إلى معارضة روسيا وانجلترا والسلطان العثماني للمشروع/ تخوف فرنسا من نجاح المشروع بقيادة والي مصر وظهور قوة جديدة لها في حوض البحر المتوسط/ الضجة الإعلامية التي أثيرت حوله،

[28] -إسماعيل، العربي: المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر،  المرجع السابق، ص، 33.

[29] -حمدان بن عثمان، خوجة: المرآة، المصدر السابق، ص، 184.

[30] -أبو القاسم، سعد الله: أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر، القسم الأول، ص، 274.

[31] -أحمد الشريف، الزهار: المصدر السابق، ص، 163.

[32] -نفسه، ص، 163.

[33] -نفسه، ص، 163.

[34] - نفسه، ص، 168.

[35] -نفسه، ص، 171.

[36] صال، عباد: الجزائر خلال الحكم التركي، ص، 254.

[37] -صالح، فركوس: المرجع السابق، ص، 146.

[38] -هو ميشيل كوهين بكري المعروف باسمه المعرب ابن زاهوت، كان صاحب تجارة في أورب، وفي سنة 1770 فتح مركزا تجاريا في الجزائر، ومع مرور الزمن ازدهرت تجارته بعدما انظم إليه اخوته الثلاثة وابنه داود؛ وصهره نافتالي بوشناق، المعروف باسمه المتعرب بوجناح ويوجناح، وكان هو الآخر من أسرة تجارية عريقة، حلُ بمدينة الجزائر سنة 1733، ومع مرور الزمن تطورت تجارته وازدهرت،

[39] -أبو القاسم، سعد الله: محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث، ص-ص، 14-23

[40] -المرآة، ص، 180.

[41] -محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث، ص، 24.

[42] -المرآة، ص، 180.

[43] -المرآة، ص، 180.

[44] -هي دراسة أعدها الاستاذ خليفة حماش

[45] -تعرف إحداها باسم مفتاح الجهاد وتحمل على متنها 400 بحارا، وتعرف الثانية باسم أبو الهوس ونتحمل على متنها 350 بحارا، وتعرف الثالثة باسم مولن جيلان وتحمل على متنها 100 بحارا، يراجع: الجزائر والحرب اليونانية العثمانية 1821-1827.

[46] -خليفة ، حماش: ص، 177.

[47] - نفسه، ص-ص. 228-230.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة