الإستعمار البريطاني في قارة أسيا
الإستعمار البريطاني في قارة أسيا
مقدمة
-*جدور الاستعمار البريطاني
اولا: لمحة عن الإمبراطورية البريطانية
ثانيا:توافد الإنجليز في قارة أسيا
-* أسباب
الإستعمار البريطاني و سياسة المعتمدة في مستعمراتها
اولا: أسباب الإستعمار البريطاني لقارة أسيا
ثانيا: السياسة الاستعمارية البريطانية
-* نماذج عن مستعمرات البريطانية
اولا: الهند
ثانيا : ماليزيا و بورما
ثالثا:ملاكا و ملايا
الخاتمة
قائمة المصادر و المراجع
-*جدور الاستعمار
البريطاني
اولا:
لمحة عن الإمبراطورية البريطانية
من السهل أن نرى الأثر الطبيعي للإمبراطورية على بريطانيا، ولكن الأثر الذهني أقل وضوحا، كما أن الشعوب وأصولهم وسلوكهم والنظرة التي لا تزال عالقة بالذاكرة، برغم أنها كانت أقل من ثلاثين وأربعين عاما مضت، عندما كانت الإمبراطورية في حيز الوجود، و أن امتلاك إمبراطورية أثر بعمق في الطرق التي نظر منها البريطانيون إلى أنفسهم وإلى بقية العالم، لقد غيرت الإمبراطورية الشخصية البريطانية، وهذا هو المهم حيث شجعت على الإحساس بالسيادة والسمو اللذين كانا أيضا مظهرين السلطة استعمارية سابقة وهي فرنسا، وهذا الإحساس في الغالب يثير الخوف من الأجانب كما يولد الغطرسة العنصرية. وفي نفس الوقت كانت المثل الليبرالية العميقة بروتستانتية الجذور، ينتج عنها إحساس قوي بالمهمة والواجب الإمبريالي[1] الذي يجب أن تؤديه، لقد ظهرت الإمبراطورية البريطانية إلى حيز الوجود؛ وذلك لرفع شأن رعاياها وتطورهم كما يدعي أبطالها. لم يكن من السهل على البريطانيين أن يستريحوا كلا إلى فكرة الإمبراطورية التي تضم أرضنا مترامية، ومنذ القرن السابع عشر، ومع التشجيع الرسمي، تعلم البريطانيون أن يكونوا فخورين بقوانينهم، وحرياتهم الشخصية، حكوماتهم المنتخبة. ولكن الكثيرين يتساءلون هل كانت حقوق البريطانيين مقصورة عليهم أم أمكن تصديرها وشارك فيها كل إنسان تحت الحكم البريطاني؟ فلقد لازم هذا السؤال الإمبراطورية طوال تاريخها، وكانت الإجابة بالإيجاب في اللحظات الحرجة، و إذا نظرنا إلى الثمانين عامامن منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى منتصف ستينيات القرن العشرين نجد أنه عندما بلغت الإمبراطورية ذروتها انهارت، وبعدها حاولت دراسة قضية مرتبطة بها، كيف نظر البريطانيون إلى إمبراطوريتهم؟ فخلال هذه الفترة صارت بريطانيا ديمقراطية، ومن ثم لا يمكن لها أن تجد دعما دون موافقة الشعب البريطاني عامة، ويعد هذا أمرا حيويا لتفسير النمو الإمبراطوری وانهياره، والأفكار وحدها لا تصنع إمبراطورية، فإن قصتها هي خلاصة حياة الرجال والنساء الذين بنوها وحكموها، وحقق بعضهم إنجازات عظيمة ووضعوا خطوطا رئيسية، وبعد فترة من الزمن وجدوا أنفسهم أبطالا وصارت أعمالهم تدرس في قاعات الدراسة، وتغيرت شخصياتهم المتواضعة من بعض صفائها المتواضعة، وصاروا نماذج لأجيال المستقبل، وصار الأبطال الممتازون في الإمبراطورية مجموعة مختلطة، فكان هناك القواد ورجال السياسة الأذكياء مثل بيت Pitt، وولف Wolfe ورودني ونيلسون وولنجتون الذين قاموا بواجبهم حسب المبادئ النبيلة، من ثم اكتسبوا احترامهم، وهناك أيضا المتمردون و العصاة الذين سافروا إلى أرض أجنبية، واكتشفوا طاقات ورؤى كامنة. [2]
وكان كلايف أولهم وبعده جاء غوردون الذي كان مثله مثل العديد من بناة الإمبراطورية، تصور نفسه مندوب العناية الإلهية التي جعلت بريطانيا وحدها صانعة عالم أفضل، وكان رودس أحد نجوم الإمبريالية لكنه كان مفعما بالطموح وتحجر القلب. وأخيرا كان هناك لورانس الجزيرة العربية في القرن العشرين، لكنه كان رقيقا أساسا وأضاف حيوية البريق الإمبراطورية الغاربة. وكان بناء إمبراطورية ووضع بصمة إنسان عليها أكثر نشاطا وحيوية من تجريدها، ولم يبزغ أحد من التحرر الإمبراطورية مع الإغراء الرومانسي لكلايف (Clive) ولورانس. Lawrance وكان بروز مونتباتن - وهو شخصية سطحية- يرجع إلى ارتباطه بالعائلة الملكية (ما بين وفاة ويليام الرابع وأواخر ثمانينيات القرن العشرين تمتعت العائلة الملكية باحترام لا مثيل له أكثر منها موهبة لديه. وأكثر من ذلك جاء إلى Attlee، وماکلود، وماكميلان الذين كانوا، كما أعتقد، الأبطال الحقيقيين للتقهقر الإمبريالي الذي أشرفوا عليه ببراعة سياسيا، وبشكل معقول، وعلى خلاف الإمبراطوريات الفرنسية والبرتغالية والروسية لم تصل الإمبراطورية البريطانية إلى أجزاء ممزقة. كما أن أفعال وأفكار الكثيرين من الأشخاص الأقل شأنا، وربما كان أكثرهم أهمية هم النين شاركوا في الشتات البريطاني؛ وهذه العملية هي التي دفعت المستعمرين إلى أمريكا الشمالية وأستراليا وجنوب أفريقيا، وحول هذا الموضوع كنت حريصا بقدر المستطاع أن أخطو خطوة جانبية في مستقع (Guilt) ما بعد الإمبراطورية [3] أن الإمبراطورية البريطانية قد حولت العالم، وما آلت إليه الأمور الآن هو في جزء كبير منه نتاج ثلاثة قرون من التوسع البريطاني فيما وراء البحار. وتدين الأن الأحوال الديمغرافية، والاقتصادية، والحياة السياسية الأمريكا الشمالية، ومعظم أسيا والشرق الأوسط، و أفريقيا، والباسيفيكي، كثيرا إلى الحكم البريطاني السابق ونفوذه. وتعد اللغة الإنجليزية أكثر اللغات العالمية حدائة، وتشكيلا الحياة اليومية والعادات وطرق التفكير لمئات الملايين من الرجال و النساء، هي نتيجة الاتصال الطويل مع بريطانيا، وقيمها لعالم الحديث بعد التوسع الإمبريالي ما هو إلا نتاج ذلك العصر من الإمبراطوريات التي امتدت من أوائل القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين سواء للأفضل أو للأسوا، وقد حصلت بريطانيا على الكثير بكل المقاييس من هذا الاندفاع للتوسع الأوربي.[4] والسيكولوجية ضخمة في كل مكان، كما في بريطانيا، وان هذه الدولة متعددة الجنسيات ما هي إلا نتيجة مباشرة لكونها كانت يوما ما إمبراطورية، ولهذا السبب وحده فإنها تستحق أن ننظر عن قرب إلى أنها بناء الإمبراطورية وطبيعتها، والأكثر منذ تاريخها وكل صانعيها هو أنها قد ختمت من المناهج الدراسية، وأن ما كتبته سوف يجعل ماضيها أكثر فهما لكل ورثة الإمبراطورية، وهذا هو أملی.[5]
ثانيا: توافد الإنجليز في
قارة أسيا
كان انتهاء القرن السادس عشر يده أفول الدولة البرتغالية وأفول هيبة الدولة الإسبانية معها. ورافق ذلك بروز الدولتين الأوروبيتين والبروتستنتيين)، هولندا وإنجلترا على الشاشة الدولية، بروزا عسكري اوتجاريا وغيره، ففي عام 1953م جرت أول محاولة للتجار والبحارة الإنجليز للمشاركة في تجارة البهارات (أو نهبها) من جزر الهند الشرقية. حينها أسس جماعة من التجار الإنجليز في لندن شركة سموها شركة موسكوه ، وهدفت هذه للوصول إلى جزر الملوکا بڑا وعبر الأراضي الروسية ولذلك الاسم. وبالطبع كان السبب في توجههم لطرق البر هو أن إنجلترا حينها كانت في طور النشأة بحرية ولم تجرؤ بعد على تحدي إسبانيا أو البرتغال في عرض البحر إما بالإبحار حول رأس الرجاء الصالح البرتغالي أو حول مضيق مجلان الإسباني لذلك تكررت في الدعايات والتكهنات الإنجليزية فكرة إمكانية الوصول إلى كل شرقي آسيا وإلى جزر البهارات خاصة إما بواسطة طريق برية عبر الأراضي الروسية ومن هناك للصين ولجزر الهند او بواسطة طرق بحرية جديدة كالإبحار مثلا من الشمال والشرق في محيط القطب الشمالي وحتى الوصول إلى الصين والهند وجزر الهند أو بالإبحار غربا وشمالا صوب أمريكا الشمالية ومن هناك مواصلة السفر برا وغربا حتى الوصول إلى الصين وجزر الهند من هناك. وقد سميت تلك الطريق (الوهمية) والممر الشمالي الغربي , وقد سميت الطريق أو الفكرة الأولى الممر الشمال الشرقي ومن الدوافع الرئيسية، دون الدافع المادي بالطبع، لاهتمام الإنجليز للوصول[6] الى هناك كان عداؤهم لإسبانيا خاصة وللبرتغال (الكاثوليكيين) وقد نشأت انجلترا الحديثة في عهد ملكتها العظيمة أليزابيث الأولى التي طال حكمها من ۱۹۵۸م وإلى عام 1903م ففي أيامها أخذت الملكة إليزابيث تحرش وتشجع بحارتها على القرصنة في المحيط الأطلسي، وخاصة الاعتداء على السفن الإسبانية العائدة من القارتين الأمريكيتين والمحملة بما نهب وسلب الإسبان من هناك، وكان ذلك الوازعين أهمهما نهب ما نهبه الإسبان من ذهب وفضة من حضارات الأمريكيتين والثاني لمحاربة إسبانيا والكاثوليكية ذلك لأن انجلترا، ومنذ أيام والدة الملكة إليزابيث الملك هنري الثامن قد أعلنت انفصالها عن الكنيسة الكاثوليكية ورفضت زعامة البابا الدينية في روما. وقد جاء ذلك في قرار أصدره البرلمان الإنجليزي عام 1534م سمي قرار السيادة» (Act of Supremacy) . أعلن فيه البرلمان أن ملوك انجلترا بعد ذلك هم رؤساء الكنيسة الإنجليزية Anglican Church) وليس البابا في روما، وبهذا أصبحت انجلترا في صفوف من ثاروا على البابا وعلى المذهب الكاثوليكي فيما سميت في التاريخ «ثورة الإصلاح، ، والتي بدأها وكما أسلفنا الكاهن الألماني مارتن لوثر عام ۱۰۱۷م. لذلك جرى، ومن أواسط القرن السادس عشر وإلى آخره صراع بحري في المحيط الأطلسي وأينما التقت السفن الإسبانية بالقراصنة الإنجليز وقد ازاد العداء بين الدولتين تشجيع الإنجليز ملكة وشعبا للثورة الهولندية على إسبانيا التي كانت تستعمرها، حيث أن العرش الإسباني ورث حكم هولندا بطريقة التناسب الملكي، وقد اعتنق معظم الهولنديين المذهب البروتستنتي بعد ثورة «حركة الإصلاح، مما زاد من قسوة وتنكيل الحكام الإسبان الكاثوليك بالشعب[7]
الهولندي
وكل ذلك أتي بإرسال إسبانيا، في عام ۱۹۸۸م أسطورة عظمية متوجه صوب هولندا لقمع
حركة التمرد الهولندية ومعاقبة الإنجليز أيضا لمساعدتها، غير أن الدوائر دارت على
ذلك الأسطول الذي تحطم معظمه على أيدي البحارة الهولنديين والإنجليز في معركة
عظيمة في القتال الإنجليزي سميت بعدها معركة «الأرمادا الإسبانية، وقد ساعد في ذلك
أيضا عاصفة قوية هبت أثناء مرور الأسطول الإسباني من هناك بعد ذلك بدأ نجم إسبانيا
بالأفول وبدأ نجم هولندا خاصة (ومن بعدها إنجلترا) بالتألق. ومن أشهر البحارة الإنجليز الذين شجعتهم الملكة إليزابيث على
القرصنة ضد الإسبان كان البحار فرنسيس دريك. ففي عام ۱۹۷۷م باشر هذا يعذ
غزوات على المرافيء الإسبانية في الأمريكيتين ومن هناك
استدار حول أمريكا الجنوبية عبر مضيق مجلان ووصل
جزر الهند الشرقية، مثله مثل القبطان مجلان من قبله، هناك تهب حمولة كاملة من
البهارات.. اغتصبها من الأهالي ومن السفن الإسبانية والبرتغالية هناك، وعاد بها
إلى ملكته عام ۱۹۸۰م وبعد رحلة دريك هذه بثلاث سنين انطلق إنجليزي اسمه رالف افتش،
(Fath)
ومعه ثلاثة من زملائه من مدينة حلب السورية متوجهين شرقا وعن طريق البر قاصدين
الوصول إلى شبه جزيرة ملايا ومن هناك ليبحروا إلى جزر البهارات. وكان هؤلاء موظفين
في الشركة الإنجليزية المسماة شركة الشرق الأدنى، في حلب والتي بدأت أعمالها هناك
قبل ذلك بعامين. وهدف افتش، وزملاؤه العودة بمعلومات أوفي عن جزر المملوكا
وبهاراتها وطرق التعامل والتجارة بها وغير ذلك وإمكانية الوصول إليها عن طريق البر
التي انتهجوها. وقد نجح هؤلاء بالوصول إلى[8] الهند مشيا على الأقدام.
وفي عام ۱۹۸۷م توجهوا من هناك شرقا صوب برما، ومن برما توجه فتش إلى شبه جزيرة ملايا إلى الجنوب مبتعدا
عن الشواطي، خوفا من أن يكتشف الإسبان وجوده ، ولكن ، لصعوبة الطرق أو عدمها هناك ولكثافة
الغابات الاستوائية وما فيها من قبائل شبه همجية وشرسة عاد هذا حيثما أتی مقتنعة
باستحالة التجارة بهذه الطريقة؟). وفي عام 1986م أبحرت حملة إنجليزية عبر مضيق
مجلان متوجهة صوب الملوكا ومقتدية بما أنجزه القرصان فرنسيس دريك من قبل. ومول هذه الحملة جماعة من رجال اعمال لندن، ونتجت بأرباح طائلة
لهؤلاء. ولحقها بعد عام من ذلك حملة أخرى قادها دريك نفسه ونتجت كذلك بارباح جمة
وحفز كل ذلك مجموعة من التجار الإنجليز بالتقدم عام 1989م للملكة إليزابيث الأولى
لمنحهم رسمية حق احتكار تجارة البهارات من وفي جزر الهند الشرقية، وهذا ما جرى، وبعد عدة
سنوات من التحضير وجمع رأس المال أعلن هؤلاء في لندن وفي 31 كانون أول ۱۹۰۰م تأسيس
شركة الهند الشرقية. وفي صيف عام 1901م أرسلت الشركة الجديدة هذه القبطان جیمز
لانگشتر (Lancaster
على راس اسطول مكون من ثماني سفن وتوجه إلى الملوکا، لكن بعدما وصل الإنجليز إلى
هناك عام ۱۹۰۲ وجدوا أن الهولنديين قد وصلوها قبلهم وبأعداد و زخم مادي وحربي أكبر
وأكثر بكثير منهم، وبهذا بدأت منافسة ومناحرة جديدة بين الشعبين (البروتستنتين
الأن نتجت أخيرا عن طرد الإنجليز كلية من هناك عام ۱۹۲۸م. وفي تلك الأثناء كان الهولنديون
قد أكملوا طرد ما تبقى من التجار الإسبان والبرتغاليين وغيرهم تماما . وبعد ذلك صفا الجو للهولنديين في كل الجزر التي صارت حديثأ دولة
اندونيسيا إلا من مقاومة بعض السلاطين الوطنية هنا أو هناك. كذلك اهتم الإنجليز
بعد عام ۱۹۲۸م أكثر وأكثر بالتجارة في الهند وأخيرا استعمار تلك القارة .[9]
-* أسباب الإستعمار البريطاني و سياسة المعتمدة في
مستعمراتها
اولا: أسباب
الإستعمار البريطاني لقارة أسيا
ليس من الصعب أن نفهم
السبب الذي حمل الانجليز على احتلال اسيا لأن الأساس الكامل الذي تقوم عليه
الرأسمالية هو التنافس الوحشي والإستغلال، وما الإستعمار إلا مرحلة من مراحله وتكمن أسباب الاستعمار البريطاني
للهند في عاملين أساسيين::
-1 الرغبة في ممارسة التجارة الحرة والحصول على الأرباح أي أن العامل
الاقتصادي كان واضحا وقويا في السياسة الاستعمارية البريطانية تجاه الهند، وقد
زادت الظروف السائدة يومئذ من أهمية وقوة العامل الاقتصادي، فبريطانيا كانت آنذاك
رائدة الثورة الصناعية، وكان اقتصادها يتوسع بسرعة ملحوظة وكبيرة، وكانت تبحث عن
الأسواق الخارجية لتصريف[10] منتجاتها الصناعية،
ومنافذ لاستثمار رؤوس الأموال، وقد بدت مناطق جنوب وشرق آسيا كأسواق غير محدودة
لتجارة المنسوجات القطنية، في حين كانت المناطق الباردة في وسط آسيا وشمالها
الشرقي تمثل أسواق مهمة للمنتجات الصوفية.
-2العامل الاستراتيجي الأمني بمعنى حماية الدولة من أية أخطار خارجية
محتملة خاصة من ناحية الشمال الغربي المدخل الطبيعي للغزاة في كل العصور[11]
-3العامل الاقتصادي من
أهم العوامل التي دفعت الدول إلى الاستعمار هي البحث عن الأموال، والسيطرة الاقتصادية،
وجَني الأرباح، ، وأدركوا مقدار الربح والقوة الاقتصادية التي يمكن جنيها بواسطة
عمليات تصدير هذه المواد بعمليات منظّمة ومنسّقة
-4 العامل السياسي يُعتبر القرن التاسع عشر عصر القوميات، والحِراك السياسي
القوي القائم على التنافس بين الدول من أجل السيطرة على مصادر القوى والتربّع على
العرش، وامتلاك السلطات ذات النفوذ القوي، بالإضافة الى اكتساب المكانة المرموقة
سياسياً، وهذه العوامل هي التي أدت فيما بعد الى قيام الحرب العالمية الأولى، كما
كانت هذه الأمور أحد أهم دوافع الرغبة في ظهور التوسع الاستعماري، ومن هذا الإطار
السياسي تفرّعت الأسباب لكل بلد؛
-5عامل الثقافي تعتقد الإمبراطوريات المستعمرة أنها أعلى شأناً، وأرفع
قيماً، وأكثر ثقافةً من الشعوب أو الأمم التي تستعمرها؛ لذلك ظنوا أنهم باستعمارهم
للبلدان المتخلفة حسب اعتقادهم سيساهم في تثقيفهم، ورفع شأنهم من خلال التعليم،
ونشر الثقافة لديهم؛ فمثلاً في نهايات القرن التاسع عشر، زعمت أوروبا وتمسّكت
برؤيتها العنصرية، بأنه ينبغي استعمار الأعراق من الطبقات الدنيا المتخلفة من أجل
الارتقاء بهم حضاريّاً، ومن هذا المُنطلق عملت القوى الأروبية على الاستعمار
والاحتلال من خلال اعتقادها بتفوق جنسها، والتمسك بأنها تختلف وتتميز عن الأعراق
الأخرى[12]
ثانيا: السياسة
الاستعمارية البريطانية
الواقع أن السياسة
الاستعمارية بوجه عام لا يمكن أن توجه الا نحو الاستغلال في جميع الميادين و
بالطرق العديدة تحت شعار التطوير والتحرير. وبينا سلکت بريطانيا مثلا سياسة تطوير
مستعمراتها من السكان البيض ذوي الأصل الأوروبي يمنحها الاستقلال الداخلي بتطبيق
نظام الدومنيون عليها في بداية القرن الحالي ثم بمنحها الاستقلال التام طبقا
لتشريع وستمنستر WESTWINSTER الصادر في سنة 1931 ضمن
رابطة الشعوب البريطانية connonwealth of british nations فإنها اكتفت بالنسبة لمستعمراتها ذات الشعوب الملونة في كل من
اسيا وإفريقيا بإنشاء مجالس تمثيلية صورية كطريق محو الاستقلال بعد المرور بمرحلة
انتقالية ضرورية، يكتمل خلالها النضج السياسي لتلك الشعوب، وما دام تحديد المدة
الانتقالية وتقييم مستوى التأهل للحكم الذاتي المستعمرة ما من حق الدولة
البريطانية وحدها فإن اصدار القرار في هذا الشأن
كان يخضع قبل كل شيء
لمصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويستدعي اتباع سياسة الحذر الشديد
ويستوجب التريث الكثير ويفرض الاستتار وراء واجب حماية الأقليات المضطهدة،
والحيلولة دون الصراعات الطائفية. كل هذا بهدف الحفاظ لأطول مدة ممكنة أو إلى مالا
نهاية على مستعمراتها وحتی في حالة منح الحكم الذاتي لاحدى مستعمراتها فذلك لا
يعني القطيعة نهائيا مع الامبراطورية.[13]
-* نماذج عن مستعمرات البريطانية
اولا: الهند
بدأت البعثات
الانجليزية التجارية تتوافد على الهند، منذ البدايات الأولى للقرن 17م، ولم تثبط
المحاولات البرتغالية الفاشلة لاستمالة السلاطين المغول، ونظرا لحيلة ودهاء
الانجليز، صرحت لهم الدولة بإقامة وكالات تجارية
ثم بدأوا يقتربون تدريجيا من
سلاطين الهند فساعدوهم الهنود في حربهم ضد البرتغال، فحصل الإنجليز من وراء ذلك
على المزيد من الامتيازات، حتى بلغوا الثراء والقوة واتساع النفوذ، مما مكنهم من
شراء المدن الهندية من البرتغاليين وتوسيع رقعة أراضيهم عند كلكتا ومد نفوذهم إلى
مدراس وما يليها جنوبا ، ثم استولوا على بومباي وعينت انجلترا حاكما عليها ثم
سلمتها إلى الشركة، وبفعل الامتيازات التي أعطاها السلاطين المغول لهذه الشركة
تمكنت من إنشاء محاكم مدنية وجنائية منذ 1661م، ففي سنة[14]1683م أنشأت في بومباي محكمة طبق فيها
القانون الانجليزي لأول مرة على الرعايا الهنود وبعد وفاة الامبراطور
أورانجزيب سنة 1707م أخذت الحكومات المستقلة تتكون في مناطق متعددة، و أصبحت
الخلافات والحروب تقوم بينها، فكان ذلك من حسن حظ المنافسين لشركة الهند الشرقية،
فبدأ الانجليز في عمليتهم الحقيقية في[15]
السيطرة وكسب الوقت
والبلاد إلى جانبهم، وما إن بلغ هذا التنافس ذروته حتى قامت الحرب بين انجلترا
وفرنسا في حرب الوراثة النمساوية التي بدأت سنة 1740م في أوربا، وانتقلت بطبيعة
الحال إلى الهند، وكان على رأس الشركة الفرنسية دوبليكس الذي صمم على إجلاء
الانجليز من الهند حتى ينفرد بها لوحدها، وبعد خروج فرنسا مهزومة من الحرب، بدا
أمر دوبليكس حرجان فبدأت انجلترا تدس له الدسائس في قصر فرساي، واستطاعوا أن
يجعلوا لويس الخامس عشر يقوم باستدعائه، وترك جميع ما قام بفتحه، وعاد في 1745م،
فكان هذا العمل أشد ضربة وجهت للنفوذ الفرنسي في الهند. وبذلك كسبت الشركة كثيرا،
ووطدت أقدامها واسترجعت باقي المواقع من فرنسا، وأخذ الانجليز يتدخلون في شؤون
البلاد لفرض سيطرتهم عليها فأدرك الأمير سراج حاكم البنغال أن الانجليز أصبحوا لا
يكفون عن التدخل في شؤون الحكم، ففكر في أن يقف في وجهه هذا التدخل، فهاجم حصن
وليم، وكان الانجليز أكثر قوة، فاستردوا الحصن، وعقدوا الصلح معه، فرأى الانجليز
في سراج عرقلة لوجودهم،[16]
فهاجموه في واقعة بلاسيد سنة 1757م، والتي انتهت بهزيمته، وكان ذلك بسبب الخيانات التي تغلغلت في صفوفه، وبهذا سيطر الانجليز على البنغال وبعد القضاء على سراج ظهرت شخصية جديدة وهو حيدر علي الذي وقف في وجه الانجليز، ولكن بطبيعة الحال، تمكنت انجلترا من القضاء عليه سنة 1858م ، وبهذا ازداد نفوذ الشركة، وأصبح يقوى أكثر فأكثر، لتكون سنة 1858م هي تاريخ انتقال الحكم من الشركة إلى الإمبراطورية الأنجليزية في عهد الملكة فكتوريا ، وبهذا سيطر الانجليز على كل أجزاء الهند فعلا، وشمل حكمهم ونفوذهم كل مملكة وإمارة فيها، وأصبح من فيها من أمراء وملوك في يد الحاكم العام الانجليزي، وتحت سيطرته. لكن بقيت مملكتان إسلاميتان هما مملكة حيدر أباد، ومملكة أوده في الشمال ، واللتان كانتا خاضعتين فعلا للانجليز، إلا أن مظهرهما كان باقيا على الرغم من انهيار كل ما حولهما، من إمارات وممالك، وهو ما أدى إلى إصدار أوامر من قبل الانجليز بإزالة ما تبقى لها من هذا المظهر، فاستغلت الديون التي كانت تدينها الشركة للمملكتين، وبدأت بضم مقاطعاتها تدريجيا[17] بعدما اختبأت انجلترا وراء ستار شركة الهند الشرقية التي كانت في ظاهرها تحمل قناع تاجر، لكنها كانت تعمل في الخفاء من أجل احتلال الهند، فبدأت هذه الشركة تعزز من وجودها هناك مع بدايات القرن 19م، وتمثلت طريقتها التوسعية في إنشاء فروع لها في مختلف المدن الهندية مثل بومباي، كلكتا، والعديد من المدن الأخرى، إلى غاية أن تمكن الانجليز السيطرة على دلهي سنة 1857م، فسعوا إلى ترسيخ قواعدهم العسكرية هناك، والاستفادة من أراضيها الواسعة ومواردها الضخمة، وأصبحت الإدارات الحكومية بها تسير على النظام الانجليزي، فكانت اللغة الانجليزية هي اللغة الرسمية للخطاب [18]
وفي سنة 1858م انتقلت إدارة حكم الهند من شركة الهند الشرقية إلى
الحكومة الانجليزية، وأنشأ في لندن مجلس يعمل مع وزير الهند، وهو أحد أعضاء
الوزارة الانجليزية كما أنشأ في الهند مجلس آخر يساعد الحاكم العام، وكان الموظفون
البريطانيون المدنيون في حكومة الهند يعينون في انجلترا ذاتها، وكانت انجلترا
تستغل على الدوام ما كان يحدث بين الأمراء من نزاعات بالدس والوقيعة، من أجل بسط
نفوذها على الولايات المتبقية، التي تمكنت من الاستيلاء على أغلبها بقوة السلاح[19] وقد بادر بعض الأمراء المحليين إلى محالفة هؤلاء المستعمرين في أول
الأمر، لكنهم منعوا من ممارسة أي نشاط سياسي أو إداري دون استشارة مستشاريهم
البريطانيين، وفرضت انجلترا على هؤلاء الأمراء الكثير من الأموال التي كانوا
يدفعونها نضير حمايتها لهم، ودفاعها عن أراضيهم، فاضطر العديد منهم إلى بيع
أولادهم لسداد ما كانوا يلزمون به، فعاني الملايين من أهل الهند من الظلم والطغيان[20]
ثانيا : ماليزيا و بورما
1- ماليزيا
بدأ الاستعمار
البريطاني للملابو عن طريق شركة الهند الشرقية البريطانية التي نشطت منذ عام ۱۹۰۱م
أولا عن طريق الاحجار مع تلك البلاد في الفلفل وبقية أنواع التوابل ، وكان أول
مركز للشرق في البلاد الهندية مدينة سورات، عام ۱۹۱۲م. ثم وقرع مدينة بومباي في يد
الشركة عام ۱۹۹۰م. وقد اتسعت اهتمامات شركة الهند الشرقية البريطانية التجارية
بجزر أرخبيل الملابو . حيث حصلت الشركة على
ولاية «بلوبينانج ، عام ۱۷۸۹ ، كما استولت الحكومة البريطانية عام ۱۸۱۹م على
سنغافورة من سلطان چوهور ، واستولت على ملقا من الهولنديين عام ۱۸۲۶ م بعد أن
تنازلوا عنها في مقابل أن يحصلوا على بنكولين، في جزيرة سومطرة ، وبعد مضي عامين
۱۸۲۹م أصبحت كل من «بلوبینائج، وملقا وسنغافورة تعرف باسم مستعمرات المضيق .
وخضعت ماليزيا لإدارة بريطانية سمحت لاستثمارات ضخمة قامت بها طبقة التجار الأثرياء في مستعمرات المضيق ، وكانت هذه الاستثمارات تتم بطريقة غير مباشرة والتي كانت في شكل قروض تدفع مقدما إلى الطبقة الحكومية الملاوية ، تلك الطبقة التي كانت محتكرة للأنشطة الاقتصادية في ولايات الملابو.[21] وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بدأ الغزو الاقتصادي في شبه الجزيرة الملاوية ، وقد تدفقت رؤوس الأموال عقب توالی أعداد كبيرة من العمال الصينيين الذين كانوا يعملون في مناجم القصدير . وفي عام ۱۸۹۷م انتقلت إدارة المستعمرات من مكتبها بالهند إلى مکتبها مستعمرات المضيق . وكانت معاهدة «بنکور ه عام ۱۸۷۶م مثل بداية التغيير الجذرى السياسي والإداري في ولايات الملايو واطلع البريطانيون على المهام والواجبات التي كانت يوما ما مقصورة على[22]
الأمراء والأرستقراطيين، وظل هذا التغيير مستمرا لسنوات طويلة . وقد استحدث البريطانيون في إدارتهم للبلاد الملاوية ، نظاما جديدا وهو تعيين ما عرف باسم المندوب المقيم الذي يقوم بتقديم المشورة والنصح للسلاطين في جميع الشئون فيما عدا ما يتعلق بأمور الدين الإسلامي والعادات والتقاليد المحلية لشعب الملاير . وفي عام ۱۸۹۹م قام اتحاد الفيدرالي لولايات الملابو ، وفي عام ۱۹۰۹م تنازلت سبام لبريطانيا عن سلطاتها على ولايات : قدح ، بيرليس ، کانتان و ترنجانو ، وتم تعيين مستشارا بريطانيا لكل من هذه الولايات الأربع ، ثم لحقت جوهور بهذه الولايات في عام 1914 لتشكل ما سمي باسم : الولايات الملاوية غير المتحدة، وهذه الولايات الخمس لم يتم ضمها إلى الاتحاد السابق خوفا من زوال سلطاتها وانتقالها إلى بريطانيا وفي ظل الإدارة البريطانية لملابو سمحت السلطات البريطانية بهجرة كبيرة من مواطني شبه القارة الهندية منذ عام ۱۹۱۰م للعمل بصناعة المطاط في الملابو . وقد استطاعت إدارة أعمال المصالح البريطانية في عام ۱۸۷۷م و ۱۸۷۸م، الحصول على حق تنازل الممتلكات في شمال بورنيو من سلطان بورنيو ، كما حصلوا على تنازل سلطان سولو[23] على شرق بورنیو و حينما تاسست الشركة البريطانية لشمال بورنيو عام ۱۸۸۲م استولت على ماتبقى من الممتلكات ، وفي عام ۱۸۸۸م أصبحت كل من سرواك وبروناي، وشمال بورنيو- وهي الآن صباح- تحت الحماية البريطانية وقد تعرضت ماليزيا أثناء الحرب العالمية الثانية للاحتلال الياباني خلال عامي ۱۹۶۱ و ۱۹۶۲م، وحتى استسلمت اليابان لقوات الحلفاء في شهر سبتمبر 1945م عندما عادت الإدارة البريطانية لحكم الملابو مرة أخرى. في الوقت الذي كانت فيه الحركة الوطنية لشعب ماليزيا تنظم صفونها من خلال منظمات مختلفة ، وخلال الاحتلال اليابانی عینت هذه المنظمات جذورها ووحدت صفوفها ، وفي عام 1946م تكونت المنظمة الوطنية لالاتحاد الملابو آمنه ، وذلك في سبيل تحديد وتوحيد مطالب المناضلين الوطنيين من أجل تحقيق الاستقلال القومي وعندما قام الحكم العسكري البريطاني لماليزيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة انقسمت مستعمرات المعنية وأصبحت سنغافورة مستمرة بريطانية . وأنشأت بريطانيا اتحاد االملابو في شهر أبريل عام 1946م إلا أن هذا االاتحاد واجه معارضة شديدة من قبل الوطنيين حتى تلاشي في النهاية عام 1948م، ثم ظهر عدم الرضا نتيجة تحويل السلطة من حكام االملابو إلى التاج البريطاني، وعقدت اتفاقية اتحاد الملابو عام 1948م، والتي بموجبها تم تعيين مندوب سامي بريطاني ومجلسا استشارا . مع تحويل جزء كبير من السلطات إلى حكومات الولايات والمستوطنات .[24] ومنذ عام 1948م شنت العصابات الإرهابية الشيوعية حملات عنف وإبادة وذلك لشل حركة الانتعاش الاقتصادي التي كانت قد بدأت في الظهور في البلاد، مما استدعی إعلان حالة الطوارئ في البلاد التي استمرت لمدة 13 سنة عاشت فيها ماليزيا في ظل صراع عنيف استمر حتى انتهت هذه الأحوال عام ۱۹۹۰م.[25]
2- بورما
نزحت قبائل بژمان» وغيرها هنا من جنوبي الصين وإلى الجنوب وإلى ضفاف
الأنهار في أوائل القرن السابع الميلادي . وفي الفترة فيما بين عام 1944م وإلى
۱۲۸۷م توحدت قبائل رمان، خاصة في دولة قوية حكمتها عائلة «باجان، المالكة وكانت
عاصمتها مندلاي. وقد قضى على دولة اباجان، هذه قبائل المتجول التي غزت برما عام
۱۲۸۷م). ولما تراجع غزاة المتجول، وبعد سنوات من النهب والسلب والتدمير. وكالعادة
المتجولية في التاريخ.. خلف هؤلاء فراغة عسكرية أتاح لدولة تايلاند حينها أن تتوسع
كثيرة على حساب أراضي برما . وكانا التيلانديون
إذ ذاك قد ضموا أيضا إلى دولتهم معظم أراضي لاوس وكامبوديا اليوم ) . وأسس أمراء قبيلة «مون». . ولما حكموا برما
ووحدوا أراضيها انتشر بذلك المذهب البوذي هناك .
وعاصر بدء الاستعمار الإنجليزي في الهند وفي أواسط القرن الثامن عشر بروز آخر
عائلة مالكة قوية في برما وهي عائلة ركن يونج .. وقد حكمت هذه من ۱۷۰۲م وإلى
۱۸۸۰م. وكان أول من أسسها زعيم قبلي من شمال البلاد اسمه وألونج باياء[26] حكم من ۱۷۰۲ وإلى
۱۷۹۰م). ووحد هذا البلاد تحت سلطته بعد أن طرد التايلنديين مما ظلوا فيها من
الأراضي البرمية. وقد قتل هذا في معركة مع التايلنديين عام ۱۷۹۰م وخلفه ابنه نونجد
اوجي، الذي أنجز ما لم يكمله والده من تثبيت السلطة عائلته ومن توحيد البلاد، وعمل
من بلدة افاء في أواسط البلاد عاصمة له. وفي عام ۱۷۷۰م تغلب هذا على حملة صينية
غزت بلاده بعدها أرسل هو حملة من عنده لتطويع قبائل اشن، المتمردة وانجز ذلك.
وبهذا صارت دولته وسلطته محادية لدولة شركة الهند الإنجليزية التي كانت تحكم الهند
من[27] لكلتا.. الأمر الذي جلب لهولبرما
المتاعب من المستعمرين الإنجليز. إذ أخذت الشركة الإنجليزية بعد ذلك بتسليح وتشجيع
قبائل اشن، على التمرد على آقا . واعلن هؤلاء أخيرا وفي عام ۱۷۹4م ثورة على السلطة
البرمية المركزية وعلى ملك برما حينها ،
وأرسل هذا حملة لقمع تلك الثورة، منها أخذ الإنجليز ذريعة للتدخل فارسلوا إنذارا
لآفا عام ۱۱۷٦م بأن يبتعد ملكها عن الحدود
الإنجليزية الهندية وأمروا بأن يقبل هذا مندوبا عن بريطانيا والشركة الإنجليزية
ويتمركز في عاصمته آقا، ولم يسع ملك برما إلا أن يقبل ذلك وأرسلت الشركة من كلكتا
مندوبا عنها لآفا فردا اسمه الكابتن هيرام گوش (Ccx) ، ووصل هذا لهناك وأخذ
ينصرف وكأنه امپراطور لیبرما مما نتج عن طرده من هناك عام ۱۷۹۸م، وتخلصت المملكة
من المضايقات الإنجليزية ولمدة ثلاثة عشر عاما وسبب ذلك انشغال الإنجليز بحروبهم
مع نابليون وفرنسا لكن في عام ۱۸۱۱م غزت جماعة إنجليزية ومعها أفراد مسلحة من
قبائل اشن، الأراضي البرمية المحاذية للهند، وتتالت الغارات والتحرشات الإنجليزية
ببرما، مما أدى أخيرا إلى حرب بين مملكة برما وشركة الهند الشرقية عام۱۸۱۸4م
ربحها الإنجليز ولكن بعد خسائر كبيرة في صفوف
مقاتليهم ومعظمهم من الهنود ، وتسمى هذه الحرب (من ۱۸۲4 إلى ۱۸۲۹م) الحرب وانجلو -
برمية الأولى [28]
وقد ختمت تلك الحرب بمعاهدة
عام ۱۸۲۹م، بموجبها أجبر الإنجليز ملك برما على قبول مندوب إنجليزي جديد في آفا
(وبالطبع للتدخل ورصد ما يجري في البلاد) وتنازلت كذلك برما الإنجليز عن اراضي شواطئ الاستراتيجية، وهي الشواطىء الجنوبية من برما وعن شواطیء برما
الشمالية الغربية المحاذية للهند). وبهذا امتدت حدود الهند الإنجليزية وحتى القريب
من مدينة أكياب، وكما هو الحال لليوم . وفي تلك الأثناء كان الإنجليز قد أخذوا ما
سموها مستعمرات، أو مستوطنات مضيق ملاكا من
الهولنديين. وجاء ذلك حسب معاهدة في هولندا عام
۱۸۲4م فيها أعادت بريطانيا لهولندا جزر الهند الشرقية الهولندية ، والتي احتلتها
أيام الحروب النابليونية، على شرط أن تبقى مستوطنات مضيق ملاكاه انجليزية . لذلك
كانت المطالبة الإنجليزية شاطىء اسرين، قريبة من
تلك والمستوطنات، لم تكن عن طريق الصدفة. حيث أنه وبذلك يؤمن الإنجليز السيطرة على
كل أو معظم شواطىء خليج البنجال شرقا وغرية والأكثر من أربعة آلاف میل۔ وقد لاقي مندوبو
الشركة الإنجليزية في آفا صعوبة
في إقناع ملوك برما على الانفتاح وقبول الاستثمار
الإنجليزي في بلادهم، وخاصة في التعامل بزراعة الأفيون التي كانت الشركة
الإنجليزية تزرعه في الهند وتصدره للصين). وانشغلت الشركة الإنجليزية والدولة
البريطانية في أمور أوروبية وهندية محلية[29] بعد ذلك على كل حال،
مما سبب عدم اهتمام الإنجليز بما سموه وعدم التعاون البرمي.
وفي عام ۱۸۰۱م أرسل الحاكم العام للشركة الانجليزية في كلكتا سفينة
حربية إلى بلدة درانجون، الواقعة على رأس دلتا نهر اليروادي، وحاصرتها. وأدى ذلك
العدوان الإنجليزي إلى ما تسمى الحرب الأنجلو - برمية الثانية عام [30]
۱۸۵۲م. وانتصر الإنجليز
ثانية في هذه وقرضوا بعدها على ملك برما التنازل عن اراضي وعلى الإجمال كان
المجتمع البرمي قبل ذلك مجتمع متجانسة ومتراصة. ولكن، ومن نتائج تلك السياسة ،
قامت، وما زالت قائمة لليوم عدة ثورات في برما بعد استقلالها، يرفض اصحابها السلطة
المركزية في رانجون، وكما شجعهم على ذلك الاستعمار الإنجليزي من قبل. والبوذية ،
وكما هو معروف هي دين البرميين، ولإضعافها كنقطة تجمع (وطنية) برمية رفض الإنجليز
الاعتراف بها (وحسب ما طالب به رؤساؤها) کدين للدولة ، واتخذ الإنجليز ذريعة لذلك
الرفض أنهم اتبعوا هم، وفي دولتهم بريطانيا، سپاسة انفصال الكنيسة عن الدولة،
وابتعاد أهل الدين عن التدخل بالسياسة. ولم يقنع ذلك المنطق زعماء الدين البوذي.
لذلك لم يكن مستغربة أن يكون هؤلاء أول من طالب باستقلال بلادهم من بريطانيا، أو
على الأقل الحكم الذاتي والتخلص من ارتباط بلادهم بالهند الهندوسية
وأدخلت بريطانيا في عام ۱۹۲۱م ما سمته «نظام دياز گي»[31] .
وقد
سبب تخصيص الوزارات الهامة لتبقى تحت السلطة الإنجليزية أن رفض معظم الزعماء
البرميين المعروفين التعامل مع نظام دبارکي، هذا و حتى أن استقلت البلاد عام
1948م. ويقول المؤرخ فرذ «جرین إن نظام دیاركي الذي أدخله الإنجليز لبرما طال أجله
فقط لأن الفئات غير البرمية قبلت الاشتراك فيه ويعني بالفئات غير البرمية،
الأقليتين الهندية والصينية المتواجدة في البلاد. . مما شدد من كرة الأهالي
لكلتيهما. وقد كان انفصال برما عن الهند من أوائل مطالب الوطنيين اليرميين من
بريطانيا. ولكن في الثلاثينات من فرنا هذا القسم الرأي عند هؤلاء في[32] ذلك الموضوع. فمنهم من الخ في ذلك الطلب وخاصة لإيقاف هجرة الهنود
إلى بلادهم، وقسم آخر رأى أنه إذا انقسمت برما عن الحكم في الهند وبعدها منحت
بريطانيا الهند استقلالها، سيظل الإنجليز في برما لمدة أطول..[33]
ثالثا:ملاكا و ملايا
وعلى هذا الأساس وصلت
عام ۱۷۹۰م حملة إنجليزية مرسلة من قبل شركتهم الحاكمة في الهند مدينة ملاكا
الهولندية وحب بها. وظلت الشركة الإنجليزية تدير شئون ملاكا حتى انتهاء الحروب
النابليونية عام ۱۸۱۵م، وفي تلك الأثناء حول الإنجليز معظم ما تبقى من تجارة
ملاكا إلى جزيرة بينانج التابعة لهم وهجروا المدينة تقريبا بعد أن دمروا حصتها
الشهير والمسمى الشهيرة، والذي بناه البرتغاليون من قبل، وقد أخذت أعمال التدمير
عامين كاملين، وقد دمره الإنجليز بنفس الدافع والقصد الذي دمر فيه الجنرال
الروماني «شکییوه في العصور القديمة مدينة قرطاجنة ، وحتى لا تنافس ملاکا بعد ذلك
بينانج وللأبد. بعدها صارت بينانج مركز السلطة الإنجليزية في مضيق ملاكا وأرسلت
الشركة الإنجليزية من الهند أحد موظفيها النشيطين واسمه طوماس ستانفورد رافلز،
ليصبح أول حاكم لها. وكان رافلز في العشرينات فقط من عمره إذ ذاك . ومع ذلك كان قد
برز في خدمة الشركة بالهند. وأصبحت بينانج أيام إدارته لها من أهم مرافيء بريطانيا
الحربية والتجارية في كل الشرق الأقصى). | وبعد سنوات من وجود رافلز في بينانج
اكتشف في جزيرة سنجافورا موقع استراتيجية أحسن منها كونها تتسلط على مدخل مضيق
ملاكا من الجنوب وأقرب من بينانج الجزيرة جاوا وجزر البهارات ،، جزر الملوكا، ومن
سنجافورا ومن بينانج ترأس رافلز[34] نفسه حملة عام ۱۸۱۰م متوجهة إلى جاوا
واحتلها. بعدها نصبته الشركة حاكمة الجاوا أيضا.'
وأصبحت سنجافورا التي كانت خالية من السكان حين اكتشفها
رافلز وبدا بتبتطويرها من أهم المواقع الإنجليزية في الشرق الأقصى كله وفي خلال
سنوات قليلة وبعد انتهاء الحروب النايليونية عام ۱۸۱۰م طالبت هولندا بمستعمراتها
في تلك النواحي بما فيها جزيرة ستجافورا التي عدتها من جزر الهند الشرقية
الهولندية وأخيرا وفي عام ۱۸۲4م اتفقت بريطانيا وهولندا على ما يلي :۔[35]
ترفع بريطانيا وشركتها في الهند
أيديها عن جزر الهند الشرقية وتعترف بالسيادة الهولندية عليها مقابل ابتعاد
الهولنديين عن مضيق ملاكا وعن جزيرة سنجاقورا خاصة وتعرف عن التدخل بشئون شبه
جزيرة ملايا بعد ذلك وعن الاتصال بسلاطينها، وهكذا أصبحت ملايا بعدها منطقة نفوذ
بريطانية .[36] ظل الإنجليز من عام ۱۸۲4م ولبعد خمسين سنة من
ذلك مقتنعين بتطوير تجارتهم ومرافئهم في مضيق ملاكا وفي الجزر الواقعة فيه التي
سموها ومستعمرات ملاكا، وشملت هذه جزيرة بينانج وجزیر سنجافورا ومرفأ ملاکا وعدة
جزر صغيرة في المضيق، أما داخل البلاد فقد أهمله الإنجليز ولعدة عوامل :
أولا: لقد اهتم الإنجليز في ذلك الحين باستعمار برما مما أدى إلى الحربين
الأنجلو - برميتين، الأولى عام 1834م والثانية عام ۱۸۰۲م، وكما عرضنا في الفصل
الثالث[37]
ثانيا: كون طبيعة الأراضي الداخلية في شبه جزيرة ملايا غير مشجع مناخيا ،
وكان من الصعب التغلغل فيها الكثافة الغابات الاستوائية هناك وكثرة الحيوانات
المفترسة الضارية والأفاعي والحشرات السامية فيها.
ثالثا: كون تلك الأراضي غير مشجعة لوجود سلاطين وقبائل محاربة ومنحاربة
فيها، الكثير منها ما زال في طور بدائي من الحضارة .
وقد باشرت الدولة
البريطانية خاصة بعد عام ۱۸۷۳م، وكان ذلك بعد سنوات من استلامها زمام الحكم في
الهند وغيرها من أيدي الشركة الإنجليزية).. باشرت بجد في التدخل بشئون ملايا
وأخيرا استعمارها كلها.[38]
وجاء ذلك للأسباب
التالية :
أولا :- في عام 1869م افتتحت قنال السويس وبذلك تضاعفت الملاحة العالمية
والتجارة مع بلدان الشرق الأقصى وتضاعف اهتمام بريطانيا بكل ما يقع على طريق تلك
الملاحة والتجارة .
ثانيا :- في عام ۱۸۷۱م توحدت المانيا وبدات بمنافسة دول الاستعمار بما فيها
بريطانيا في حقل التجارة والاستعمار أيضا.
ثالثا :- تشطت هولندا في إكمال استعمارها كل جزر الهند التي تسمى اليوم
أندونيسيا مما أثار اهتمام بريطانيا باستعمار ملایا قبل أن تنافسها في ذلك إما
ألمانيا أو هولندا
رابعا:- تجدد النشاط الاستعماري الفرنسي في تلك النواحي خاصة بعد أن جاء
نابليون الثالث لحكم فرنسا عام ۱۸۵۲م. وقد باشرت فرنسا وبحماية كامبوديا مثلا عام
۱۸۹۳ وكما أسلفتا۔
خامسا:- ازدياد الطلب العالمي على معدن القصدير المستخرج من مناجم
سادسا :- إلحاح التجار الإنجليز (والصينيين) في سنجافورا وفي بينانج على
الدوائر الرسمية في لندن لكي تتدخل لوقف ما سموه القرصنة في مضيق ملاكا من قبل
الأهالي والسلاطين في شبه جزيرة ملايا وفي جزيرة نظرا[39]
ونتيجة لكل ذلك أرسلت
بريطانيا عام ۱۸۷۳م حاكما جديدا لستجافورا اسمه سير أندرو كلارك (Clarke) مزودة بالتعليمات
اللتدخل في ملايا، وكان أول عمل له استجابة لذلك دعم أحد زعماء سلطنة بيراك في شبه
الجزيرة اسمه عبد الله للتوصل للحكم وطرد قريب له من السلطنة. وجرى ذلك راسا بعد
وصول الىهناك، أي في عام ۱۸۷۳م، مقابل
ذلك الدعم وقع السلطان عبدالله معاهدة صداقة مع بريطانيا في كانون ثاني ۱۸۷4م.
وبالطبع كان المفهوم البريطاني[40] اللصداقة في تلك الأيام
وخاصة مع زعماء العالم خارج أوروبا هو «الحماية، التي عمت الاستعمار [41]
[1] لورانس جيمس : شروق الإمبراطورية البريطانية و غروبها , المركز القومي للترجمة , القاهرة,2016,ص.18
[2]نفسه, ص.19
[3]نفسه, ص.20
[4]نفسه, ص.21
[5] نفسه,ص.22
[6]
محمود
السيد: تاريخ دول جنوب شرق اسيا , مؤسسة الشباب الجامعية,الإسكندرية,2004,ص.39
[7]
نفسه,ص.40
[8]
نفسه,ص.41
[9]
نفسه,ص.42
[10] معمولي وفاء : الماهتما غاندي و سياسة اللاعنف في الهند 1869م-1948م,رسالة ماستر في : التاريخ المعاصر,جامعة محمد خيضر, بسكرة, 2014م-2015م,ص.35
[11] نفسه,ص.36
[12] نفسه,ص37
[13] عبد الحميد زوزو: تاريخ الإستعمار و التحرر في إفريقيا و أسيا ,ديوان المطبوعات الجامعية ,الجزائر,2009,ص.31
[14] غالية عباسي و امينة هندة: المهاتما غاندي و المقاومة
السلمية في الهند (1915م-1947م),رسالة ماستر في : تاريخ حديث و معاصر,جامعة جيلالي بونعامة خميس ,الجزائر,2014-2015,ص.12
[15] نفسه,ص.13
[16] نفسه,ص.13
[17] نفسه,ص.14
[18] نفسه,ص.15
[19]نفسه, ص.15
[20] نفسه,ص.16
[21]رأفت
غنيمي الشيخ و اخرون:
تاريخ
أسيا الحديث و المعاصر,عين
دراسات و البحوث الإنسانية و الاجتماعية ,دمشق,2004م, ص.164
[22] نفسه,ص.165
[23] نفسه,ص.165
[24] نفسه,ص.166
[25] نفسه,ص.166
[26] فايز صالح أبو جابر: الاستعمار في جنوب شرق اسيا,دار البشير,عمان,1991,ص.51
[27] نفسه,ص.52
[28] نفسه,ص.52
[29]نفسه, ص.53
[30] نفسه,ص.54
[31] نفسه,ص 56
[32] نفسه,ص.57
[33] نفسه,ص.58
[34] نفسه,ص.144
[35] نفسه,ص.145
[36] نفسه,ص.145
[37]نفسه, ص.147
[38] نفسه,ص.147
[39] نفسه,ص.148
[40] نفسه,ص.148
[41] نفسه,ص.149
قائمة المصادر و المراجع
1- لورانس جيمس : شروق الإمبراطورية البريطانية و غروبها , المركز القومي للترجمة , القاهرة,2016
2- محمود السيد: تاريخ دول جنوب شرق اسيا , مؤسسة الشباب الجامعية,الإسكندرية,2004
3- معمولي وفاء : الماهتما غاندي و سياسة اللاعنف في الهند 1869م-1948م,رسالة ماستر في : التاريخ المعاصر,جامعة محمد خيضر, بسكرة, 2014م-2015م,
4- عبد الحميد زوزو: تاريخ الإستعمار و التحرر في إفريقيا و أسيا ,ديوان المطبوعات الجامعية ,الجزائر,2009
5- غالية عباسي و امينة هندة: المهاتما غاندي و المقاومة السلمية في الهند (1915م-1947م),رسالة ماستر في : تاريخ حديث و معاصر,جامعة جيلالي بونعامة خميس ,الجزائر,2014-2015
6- رأفت غنيمي الشيخ و اخرون: تاريخ أسيا الحديث و المعاصر,عين دراسات و البحوث الإنسانية و الاجتماعية ,دمشق,2004م
7- فايز صالح أبو جابر: الاستعمار في جنوب شرق اسيا,دار البشير,عمان,1991
إرسال تعليق