U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

الانتقال من العصور الوسطى إلى عصر النهضة

 

  الانتقال من العصور الوسطى إلى عصر النهضة

 

 الانتقال من العصور الوسطى إلى عصر النهضة

تمهيد
بداية العصور الحديثة
مظاهر الانتقال إلى العصور الحديثة
1-المظهر الثقافي
2-المظهر الاقتصادي والاجتماعي
الولايات الإيطالية
ميلان
البندقية
فلورنسه
مملكة نابلي
قائـمة المراجع المعتمدة


    تمهيد

يظن الكثير من الناس ويعتقدون أن العصور الوسطى عصور تأخر وانحطاط وهو وصف لا يمثل الحقيقة تمثيلا صحيحا، ولعل هذه الفكرة ترجع إلى الأثر الذي أحدثه انبثاق العصر الحديث بما حمل من نهضة وتقدم في أذهان الناس، فقد كان هذا الأثر قويا إلى الحد الذي حجب الماضي عن أعينهم، فكان في نظرهم ظلاما كله.

وواقع الأمر أن العصور الوسطى تعتبر من أهم فترات التاريخ الأوربي، بل هي الأساس الذي نستطيع من خلاله أن نفهم التاريخ الحديث وذلك بدراسة أهم مظاهر العصور الوسطى في أوربا.

وتشمل هذه العصور تلك الفترة التي بدأت بسقوط الدولة الرومانية الغربية على أيدي البرابرة بعد منتصف القرن الخامس الميلادي، واستمرت حتى منتصف القرن الخامس عشر –وهو تحديد تقريبي- وفي خلال القرون حدثت تغيرات هامة في المجتمع الأوربي. وأول هذه التغيرات هي تلك التي حدثت بسبب محاولة رجال العصور الوسطى إصلاح ما أفسدته غزوات البرابرة والعمل على استقرار الأحوال بعد ما حدث من فوضى وارتباك. فكان عليهم أن يخرجوا أوربا من هذا المعترك الصاخب ليصلوا بها إلى حياة هادئة نسبيا.

وقد افلحوا في تحقيق تلك الأمنية واستقرت الأوضاع ونعم الناس بفترات من الأمن والسلام، ولكن تلك الفترات لم تكن متشابهة في مظاهرها على مدى القرون الوسطى، فالفرد الذي عاش في القرن العاشر كان أبعد حياة ومدنية عن شخص عاش في القرن السابع أو الثامن، فقد كان هناك نمو دائم ومطرد يبشر بحياة مستقبلة أرقى منزلة وأكثر حرية وأعظم تقدما. حتى إذا وافى القرن الثاني عشر ظهر نشاط ملحوظ في الحياة العلمية، ولو أن الاهتمام بالعلوم كان محصورا بين جدران الكنائس والأديرة التي كان لها الفضل في حفظ التراث القديم وصيانته وتسليم هذا التراث الضخم للعصور الحديثة:

وفي القرن الثاني عشر يحدث اتصال بين حضارة الشرق والغرب وبدأ عصر الترجمة، حيث ترجمت علوم اليونان عن العرب، وتأثر المجتمع بالفلسفة اليونانية القديمة. ولكنهم في تلك الفترة كانوا يدرسون العلوم كما وردت دون إثباتها علميا، وهذا هو الفرق بين العقليتين، عقلية العصور الوسطى وعقلية العصور الحديثة.

فأهل العصور الوسطى كانوا يأخذون العلوم على علاتها وشعارهم في ذلك "اعتقد لأفهم"، أما عندما أشرفت الصور الوسطى على الانتهاء، وانبثق عصر النهضة سادت الفكرة التي تقول بأن لا يجوز الاعتقاد في شيء قبل فهمه.

وعلى ذلك بدأت العقول تتحرر، واتجه الناس إلى نقد ما كان شائعا في العصور الوسطى حتى في الدين نفسه، فقد وجد من ينقد الكنيسة، وظهر "الهراطقة" الذين تعرضوا لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية بالنقد والتقريع، ونمت تلك الروح النقدية في أوائل العصر الحديث ونتج عنها حركة الإصلاح الديني البروتستنتي. كذلك كان من مميزات أواخر العصور الوسطى ظهور الجامعات وما تبع ذلك من انتشار العلم وتعميق الثقافة، فنشأت جامعات بدأت باجتماع الطلبة حول أستاذ من أساتذة الفلسفة أو الرياضة، ولم يكن ضروريا وجود البناء الذي يجمع الأساتذة بطلابهم، بل كانوا يجتمعون بحيث طيب لهم المقام، إلى أن أصبحت الحاجة ملحة في إيجاد رابطة تجمع بينهم وتحقق الغرض العلمي من اجتماعهم فنشأت الجامعات في أماكن مختلفة، وشجعها الباباوات الذين أصدروا قرارات بإنشائها ومدها بالمال والتسهيلات، وأنشئت كليات لدراسة العلوم الإلهية ومختلف الفنون والعلوم الإنسانية والقانونية، ولكن الطابع الدين كان قويا في هذه الدراسات.

بداية العصور الحديثة:

 اختلفت الآراء حول بداية العصر الحديث ؛ ذلك أن الكثير من الآراء التي سادت في العصور الوسطى عاشت أيضا بعض الزمن في العصر الحديث، وهذا يبين صعوبة إيجاد حدّ فاصل بين عصر وآخر. ولذلك يعتبر عصر النهضة الأوربية من دلائل الانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، ويصعب على المؤرخ أن يحدد تاريخا معينا يبدأ به التاريخ الحديث. فبعضهم يعتبر سقوط القسطنطينية في يد الأتراك العثمانيين عام 1453م بداية للتاريخ الأوربي الحديث، فقد ترتب على هذا الحادث قيام حركة لإحياء العلوم في أوربا، عندما غادر القسطنطينية عدد كبير من العلماء اليونانيين إلى أوربا حاملين معهم مخطوطاتهم الثمينة التي انبثقت منها دراسات جديدة أضاءت الطريق لظهور النهضة الأوربية وحركة إحياء العلوم.

ويذهب البعض الآخر إلى تحديد قيام العصر الحديث في أوربا بنشوب الحروب الإيطالية والصراع بين الملكية الإسبانية والفرنسية. والواقع أنه ليس من السهل تحديد بداية التاريخ الحديث لأن التاريخ لا يعرف حدا فاصلا بين عصر وعصر، وإنما هو تطور إنساني يعتمد فيه التطور على ما سبق من ظروف وأحداث وشخصيات، تؤثر في سير الحوادث وتصنع التاريخ بسلوكها ومواهبها. والانتقال من العصر الوسيط إلى العصر الحديث حدث بالتدريج ولم يسر على وتيرة واحدة.

مظاهر الانتقال إلى العصور الحديثة:

بدأت تظهر في أوربا في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر تغيرات ومعالم جديدة، لكنها كانت تدريجية ولم تشرق على أوربا دفعة واحدة، ولكن بذورها بدأت تنبت في أواخر العصر الوسيط ثم تطورت ونمت وآتت ثمارها في العصر الحديث.

1-المظهر الثقافي:

لقد كان من أبرز المظاهر لهذا التحول هو المظهر الثقافي، حيث كانت الكنيسة وحدها هي ملاذ الثقافة والتعليم، ولذلك اصطبغت الثقافة في العصور الوسطى بالصبغة الدينية، فقد كان العلماء في تلك العصور هم أنفسهم رجال الدين، وما يقوله رجال الدين حينئذ يتقبله الناس وما يرفضونه يرفضه الجميع، وكل تعاليمهم مسلم بها لا تقبل النقض ولا تحتمل الجدل. وكانت اللغة اللاتينية هي اللغة الأساسية التي يجب على كل فرد أن يتعلمها ويتقنها. أما اللغات القومية فكانت لغة التخاطب المحلي. ومن أراد المعرفة فلا سبيل إليها إلا عن طريق اللغة اللاتينية، التي كانت إذ ذاك لغة الجامعات يتفاهم بها الطلبة مع أساتذتهم، لذلك نصت لوائح الجامعات الأوربية في العصور الوسطى على عدم إجازة من يثبت أن لغته اللاتينية غير سليمة.

ومن هنا لم تهتم تلك الجامعات بالثقافة القومية الخالصة، بل كانت جامعات عالمية يفد إليها الطلاب من مختلف البلاد تجتذبهم إليها أسماء الأساتذة المشهورين الذين يتوقون إلى أن يتتلمذوا عليهم.

ثم تطورت الدراسة بالتدريج حتى اتجهت في العصور الحديثة إلى الناحية القومية ولم تعد اللغة اللاتينية وحدها هي لغة الثقافة والأدب. ولم تلبث الجامعات أن تصدر لسيادة الكنيسة البابوية وناهضت المبدأ بخضوع جميع الكنائس في البلاد الغربية خضوعا تاما للبابوية، وكان على رأس الجامعات المعارضة جامعة باريس التي أيدت مبدأ الكنيسة الفرنسية وقد تحقق فعلا للكنيسة الفرنسية هذا الاستقلال واكتسبت صبغتها القومية في عهد لويس الحادي عشر (1461-1483).

ومن المظاهر الثقافية لانتقال أوربا إلى العصور الحديثة عناية بعض الشعوب الأوربية بجغرافية العالم واكتشاف أبعاده. وقد كان احتلال البرتغاليين سبته على الساحل الإفريقي عام 1415 بمثابة الحلقة الأولى في سلسلة المغامرات البحرية التي أدت إلى دوران فاسكو داجاما حول إفريقية سنة 1492 وتأسيس الإمبراطورية البرتغالية والاستعمار البرتغالي في الشرق. ثم أدت تلك المغامرات إلى اكتشاف أمريكا، وانتقال التفوق التجاري من المدن الإيطالية إلى الدول كلها تتنافس وتتصارع على الاستعمار وتكوين امبراطوريات لها وراء البحار.

وقد أثبتت حركة الاستكشافات بطريقة عملية تلك الآراء التي ناهضها رجال الدين في العصور الوسطى وأهمها إثبات كورية الأرض بعد نجاح رحلة ماجلان حول الأرض. واتسعت دائرة المعارف الإنسانية بعيدا عن قيود الكنيسة وتزمت الكنيسة رجالها، وقد واكب اكتشاف أمريكا نشر الكتب المطبوعة، وأدرك الناس مدى التناقض بين ما كانت تلقنه الجامعات في العصور السالفة والحقائق الجغرافية التي تثبت عمليا في العصور الحديثة. وهكذا ازدادت معرفة الإنسان بأن العلم لا يقف عند حد وأن الحقيقة بنت البحث.

2-المظهر الاقتصادي والاجتماعي:

تميزت العصور الوسطى بالنظام الإقطاعي الذي بدأت تتلاشى مظاهره في العصور الحديثة. فقد كانت الأرض موزعة بين أشراف يمتلكونها بما عليها من إنسان وحيوان، ويحكمون إقطاعاتهم بمطلق إرادتهم، يقضي بين الناس بما شاء له حكمه، وبذلك كانت الأرض هي عماد الثروة الاقتصادية. لذلك انعدم وجود الطبقة الوسطى التي تعتبر عماد الحياة، أو كانت قلة معدومة الأثر في البلاد، ولذلك كان المجتمع طبقتين: أشرافا يتمتعون بكل شيء، وفلاحين يعتبرون أرقاء للأرض.

وببداية العصور الحديثة أخذت الأوضاع في بعض البلاد الأوربية تأخذ أشكالا اقتصادية متغيرة، ففي فرنسا مثلا، حيث كان النظام الإقطاعي سائدا، كان الملك نفسه يحكم إقطاعا في باريس ولا يتعداه إلى بقية الإقطاعات على الرغم من اعتراف الأشراف به وبأسرته، إلى أن حدث تطور أضعاف قدرة الأشراف بعد أن أنهكت قواهم الحروب المتتالية. وعندئذ بدأ بعض الملوك يحطمون نفوذهم ويبسطون سيطرتهم خارج باريس، فقام صراع طويل بين الملكية والأشراف انتهى بهدم النظم الإقطاعية وتحرر الفلاحون من رق الأرض، ومنحوا حق الملكية، فكان هذا التحول الاقتصادي على أكبر جانب من الأهمية.

وقد أعان الملكية في النصر الذي حازته على الأشراف أن الناس بدأوا يشعرون بأن الأرض لم تعد المصدر الأساسي للثروة، فقد أينعت التجارة وراجت الصناعة، وظهرت على أثر ذلك طبقة وسطى تشتغل بالتجارة، ونالها ثراء دفعها إلى النفوذ الذي حرمت منه في العصور السالفة، وعلى الأخص عندما اتسعت العلاقات التجارية بين أوربا والعالم الجديد بعد حركة الكشوف الجغرافية. ومن جهة أخرى ازدادت العلاقات الأوربية بالشرق الغني بغلاته ومنتجاته.

وانتعشت أحوال أوربا الاقتصادية بانتعاش تلك الطبقة الجديدة التي كان من مصلحتها تدعيم نفوذ الملكيات، ليسود الاستقرار والأمن حتى تستطيع ممارسة نشاطها ومضاعفة ثرواتها، وبذلك ارتبطت مصلحة الملوك بمصلحة الطبقة الوسطى في الصراع ضد الأشراف ورأت الملكية أن من مصلحتها الاستعانة بمواهب رجال الطبقة المتوسطة والانتفاع بأموالهم، فعيّن الملوك منهم أعضاء في البرلمان وحكاما في الأقاليم، وقضاة، ومشرعين.

وقد غيرت تلك الظروف نظرة الملوك في الحكم. فبعد أن كانوا يحكمون معتمدين على الجيوش التي يجمعها الأشراف في زمن الحرب، عمدوا إلى إنشاء الجيوش الثابتة التي تبقى زمن الحرب وزمن السلم. كحارس ومدافع ضد أطماع الأشراف وضد العدو الأجنبي، وتقوم تلك الجيوش بالغزوات والفتوحات التي فكر الملوك في القيام بها. وجاء اختراع البارود والمفرقعات في نهاية العصور الوسطى أكبر معين للملك ضد فروسية العصور الوسطى فساعد ذلك على دك معاقل الأشراف وتحطيم حصونهم، وقد استغرق القضاء على الأشراف زمنا ليس بالقصير.

ومما ميز العصور الحديثة ظهور روح جديدة، وهي النزوع إلى التفكير الحر، أو ما أطلق بكلمة الفردية. فظهرت تلك الروح في التفكير الديني، وكان من نتيجتها ظهور حركة الإصلاح، ومحاولة المصلحين تغيير ما يرونه ضد العقيدة الحقة والدين الصحيح. على أن ذلك لا يعني أن الفرد كان حرا في العصور الحديثة، بل إنه كان مقيدا في بلده برأي حكومته، إنما كان باستطاعته أن يهاجر إلى بلاد أخرى. فمذهب لوثر كان مذهبا عاما ودوليا ظهر في ألمانيا، فمن للم يرتح إليه من الألمان يستطيع أن يرحل من ألمانيا إلى دولة أخرى لا تعتنق هذا المذهب.

كذلك ظهرت الروح الفردية في الحكم والسياسية، ونجدها واضحة في الظروف التي نشأت فيها الدول القومية. ولو أنها لم تنشأ في أوائل العصور الحديثة بل احتاجت إلى ثلاثة قرون حتى تم نضجها في أوربا، وكذلك ألمانيا. بل إن شعوبا كثيرة ظلت تجاهد من أجل قوميتها وتستغرق جهادها سنين طويلة امتدت إلى نهاية الحرب العالمية الأولى. على أن روح الفردية لم تظهر فجأة في تاريخ محدد، بل احتاجت إلى أجيال متعاقبة تنمو فيها وتتطور. فالفكرة وجدت في بداية العصور الحديثة ولكن لم يكن الفرد حرا كل الحرية في معتقداته السياسية، أو في إبداء رأيه علنا، فقد بدأت العصور الحديث ولا تزال الدولة هي صاحبة الحق في كل شيء، والفرد خاضع لها ويسير على دربها، حتى إذا جاءت الثورة الفرنسية، وأعلنت حقوق الإنسان، ورفعت شعار الحرية والإخاء والمساواة، بدأت الفكرة تنساب من فرنسا إلى الشعوب المتعطشة لتحقيق تلك الشعارات. ومع ذلك لم يكن تحقيقها سهلا ميسورا. وحتى في فرنسا ذاتها احتاج الشعب إلى زمن طويل للحصول على هذه الحقوق وفي حدود ضيقة.

وكان لظهور المدن في أوائل القرن الحادي عشر أثره في حياة المجتمع الأوربي، وقد نشأت المدن كنتيجة لنمو التجارة والصناعة، بعد أن تخلص عدد كبير من الناس من سيطرة الأشراف الزراعية.

وقد كان لظهور المدن أثره في إضعاف النظام الزراعي الإقطاعي واستطاعت بعض المدن، ولا سيما المدن الإيطالية والألمانية، أن تنجح في تدعيم وجودها حتى تطورت وأصبحت جمهوريات حرة منفصلة عن الدولة الإقطاعية التي كانت جزءا منها. وبعض المدن في دول أخرى كفرنسا وإنجلترا ساعدت الملك على تقوية نفوذه ضد نبلاء الإقطاع. قد رأى سكان تلك المدن أن من مصلحتهم تدعيم سلطان الملك، لأن قيام حكومة مركزية قوية على رأسها سلطان الملك، لأن قيام حكومة مركزية قوية على رأسها الملك أدعى إلى استتباب أمن الدولة واستقرارها، وأصلح لهم من التقسيم الإقطاعي الذي يقف حجر عثرة في سبيل حرية التجارة وبضعف مكاسبها، وهكذا ساعدت المدن في بعض الدول الأوربية على تدعيم سلطة الملكية المطلقة وعلى الأخص في أوربا الغربية.

هذا إلى أن المدن أصبحت مراكز للثقافة والإشعاع الفكري حيث تجمع المفكرون والمثقفون في مكان واحد كبير، يختلط بعضهم ببعض، يتبادلون الأفكار فيما بينهم، ويعملون على تحقيق الإصلاح والسعادة للشعب.

ومع أن ظهور المدن بدأ منذ العصور الوسطى المتأخرة، إلا أن مظاهر النهضة فيها لم تبد واضحة إلا في المجتمع الأوربي الحديث، عندما ازدادت الثروة عن طريق نمو التجارة والصناعة.

ومنذ أن ظهرت المدن حوالي عام 1000 الميلادي، نمت التجارة والصناعة نموا مضطردا حتى ظهرت النهضة الأوربية، وقد تميزت المدن الإيطالية بالذات عن غيرها بذلك النمو، فلتلك المدن تقاليدها التجارية منذ العهد الروماني عندما كانت إيطاليا مركزا لتجارة العالم وظلت ذائعة الصيت في علام التجارة، وقد ساعدها على ذلك موقعها الجغرافي في منتصف حوض البحر المتوسط، ذلك الموقع الذي جعلها على مدى العصور الوسطى وفي عهد النهضة الأوربية أعرق البلاد الأوربية حضارة وأكثفها سكانا، وبذلك تفوق المجتمع الإيطالي على غيرها من المجتمعات الأوربية التي تعيش في إسبانيا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا.

ولعل أكبر ربح جناه الإيطاليون هو اتصالهم بالدولة البيزنطية المجاورة لهم وبالبلاد العربية التي ربط الإسلام فيما بينها، واليت كانت على جانب كبير من الحضارة والتقدم، وقد تجلى ذلك في تقدمهم التجاري إذ كانت تجارتهم الخارجية تنشط حتى تصل إلى الهند والصين.

وكان الإيطاليون يحلمون بما في الشرق من نفائس وبضائع وثروات، ولم يكن هناك بد من عقد أواصر الصداقة مع البلاد العربية حتى تصبح إيطاليا الوسيط التجاري الطبيعي بين الشرق والغرب فأقاموا العلاقات التجارية معها، وتكونت في المدن الإيطالية الساحلية، مثل بيزا وجنو والبندقية، شركات تجارية كانت سفنها تبحر إلى الإسكندرية ويافا وعكا والقسطنطينية لجلب البضائع الشرقية من حرير وجواهر ومنتجات ذهبية وعاجية، وكل ما كان ينقص أوربا من نفائس الشر وبضائعه النادرة، ومنها الأصباغ والتوابل والرقيق الذي لم يكن محرما في الأسواق الشرقية. وهكذا تخصص الإيطاليون في جلب كل ذلك عن طريق الأسواق العربية ثم ينقلونه عبر جبال الألب إلى فرنسا وألمانيا، ومنذ القرن الرابع عشر، عندما تقدمت الملاحة عبر البحار، كان الإيطاليون ينقلون تجارتهم عبر مضيق جبل طارق إلى إنجلترا والبلاد الواقعة على سواحل بحر الشمال.

بذلك استغل الإيطاليون كل منفذ بري أو بحري لنشر تجارة الشرق في أربا الغربية مقابل ما كانوا يحصلون عليه من نقود ذهبية وفضية، أو بمبادلة تلك البضائع ببعض المواد الخام كالكتان والصوف والجلود والفراء، تحمل إلى إيطاليا ليقوم الإيطاليون بما عرف عنهم من مهارة في الصناعة بتحويل تلك المواد الخام إلى منتجات رائعة تذهب بالتالي إلى الشرق، ليتم بذلك التبادل التجاري المنشود.

وقد نتج عن قيام تلك التجارة العالمية على هذه الصورة حركة تقدم واسعة النطاق في مختلف المجالات، فقد احتاج الأمر إلى إصلاح شامل في وسائل المواصلات لتسهيل العمليات التجارية بين إيطاليا وأوربا، وجرى الإصلاح في الطرق الرومانية القديمة، وأنشئت الجسور فوق الأنهار، ولكي يأمن التجار على أموالهم، فكرت الحكومات المتجاورة ذات العلاقة بالتجارة الإيطالية في عقد معاهدات واتفاقيات كانت أساسا فيما بعد لنشأة القانون الدولي، واهتدى التجار إلى وسيلة التعاقد الكتابي فيما بينهم، وتأسست المصارف (البنك) لتساعد على عقد الصفقات بين مختلف البلدان، لتذليل صعوبة التعامل بالعملات المختلفة.

وقد ربح التجار الإيطاليون أموالا طائلة حتى أنهم كانوا يقرضون البابوات والأمراء ما يحتاجون من المال. ولما كثرت الأموال في أيديهم ازدادوا تعلقا بالترف والرفاهية، فصاروا يقتنون أنفس ما تخرجه أيدي الفنانين من تحف فنية، مما شجع أهل الفن على الاستزادة من استغلال مواهبهم وابتكار المزيد من روائع الفنون. ونتج عن ذلك تطور عظيم في ذلك المضمار، وازداد الإقبال على اقتناء ما كانت تخرجه أيديهم وقرائحهم، وعلى الأخص تلك الروم النادرة التي رسموها بالزيت تمثل صورا بشرية تنطق ملامحها بمختلف الانفعالات وضعت على أسس أكثر واقعية ومطابقة للحقيقة، وكانوا يستعينون في إحكامها ببعض العلوم التي تقدمت في عصر النهضة كالرياضيات التي تعينهم على حساب قواعد الرسم المنظور وعلم التشريح، فجاءت صورهم تكاد تنطق بالحياة حتى أصبحت أكثر تعبيرا عن الأشخاص أكثر من ذي قبل، وبذلك أصبح تصويرا للوقائع، مثال ذلك الصورة التي رسمها بلليني Bellini التي تمثل رئيس عصابة من المحاربين المرتزقة، وكذلك اللوحات الزيتية المشهورة التي رسمها الفنان الإيطالي الكبير ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci التي تمثل "العشاء الأخير" للمسيح مع حواريه. الذين يظهرون حوله كجماعة من الرجال لكل منهم خصائصه ومميزاته الشخصية، إلى غير ذلك من الصور الخالدة التي رسمها الفنان رفائيل وغيره من الفنانين الذين بقيت آثارهم مرموقة حتى عصرنا الحاضر.

وكانت أهم المدن الرئيسية التي اشتهرت بالتجارة والغنى والثورة هي المدن القريبة من ممرات الألب شمال شبه الجزيرة الإيطالية، لأن تلك الممرات الجبلية ساعدتها على نشر تجارتها في أوربا، لذلك استحضرت ميلان، وجنوا، وبولونيا، وفيرونا، وبادوا، وفاقتها جميعها مدينتا البندقية وفلورنسه اللتان احتلتا اسمي مكانة بين المدن الإيطالية، فكانت البندقية أهم مركز لتوزيع تجارة التوابل ونفائس الشرقن وكانت فلورنسه المركز الرئيسي لصناعة النسيج من صوف وحرير.

ويقابل تلك المدن الإيطالية في الجانب الآخر مدن فرنسا الجنوبية الواقعة في وادي الرون، والشمالية الواقعة في وادي السين ووادي المارن، وكذلك المدن الألمانية على طول نهر الرين من استراسبورج إلى كولون، وجميع تلك المدن الفرنسية والألمانية كانت على صلة تجارية وثيقة بالمدن الإيطالية. وقد امتدت الصلات التجارية بينها جميعا وبين المدن في شمال أوربا.

وقد أثرت المدن الإيطالية من التجارة وقام التنافس بينها حيث كانت كل منها تصر على استقلالها عن جيرانها، ولذلك لم تكن إيطاليا في بداية العصور الحديثة سوى تعبير جغرافي لا يمثل وحدة تقوم بين سكان شبه الجزيرة، بل كانت ولايات لم تفكر آنذاك في تحقيق الوحدة القومية الشاملة كتلك التي قامت في فرنسا وغيرها من الدول الغربية التي تمتعت بوحدتها في ظل الملكية.

ويرجع تأخير قيام الوحدة الإيطالية إلى سببين: أولهما قوة سلطان الباب الذي منع بنفوذه قيام زعيم يوحد البلاد، وكان الباب في روما هو الزعيم الروحي الذي تهفو إليه قلوب جميع المسيحيين في العالم، وكانت شخصيته تطغى على جميع الشخصيات وله الزعامة السياسية والدينية، ومع ذلك فقد عجز عن جعل إيطاليا جولة موحدة تحت حكمه. وكان الباب خلال العصور الوسطى يقحم الولايات الإيطالية في صراعه مع الإمبراطور. وقد زاد خطورة الموقف أن بعض البابوات كانوا يدعون فرنسا تارة، وإسبانيا تارة أخرى إلى إرسال قوات إلى إيطاليا لنصرة الباب على الإمبراطور، وأكثر من ذلك أن منح تاج نابلي لأسرة أنجو Anjou.

والسبب الثاني هو التنافس التجاري الذي تحدثنا عنه بين المدن الإيطالية وجعلاه تفضل الاستقلال عن جيرانها وألا تخضع لدولة أخرى أو تضم إليها ورأت كل منها أنها لا تستطيع تدعيم وجودها إلا باتباع سياسة المنافسة التجارية. وكانت المدن التي تكون ولايات صغيرة تختلف حجما، وبعضها كان من صغر المساحة بحيث لم يكن لها أثر في تاريخ إيطاليا، ولكن استطاعت خمس ولايات إيطالية أن تنمو وتطور نفسها حتى أصبحت مراكز قوة لتقرير مصير إيطاليا بأكملها فيما بعد، تلك كانت الولايات البابوية، ونابلي، وميلان، والبندقية، وفلورنسه.

أما ولايات البابوية فكانت تمتد في وسط شبه الجزيرة الإيطالية من جنوب مصب نهر التيبر إلى مصب نهر البو وتشتمل على عدة مدن وحصون تحت سلطة حكام يعترفون بسيادة البابا ويخضعون لسلطانه، ونظرا لأهمية مركز البابا أصبح له مركز الصدارة في قيادة السياسة الإيطالية، إذ لم يكن مركزه دينيا فحسب، بل لقد استغل عدد كبير من الباباوات مراكزهم وزجوا بأنفسهم في السياسة وعاشوا حياة الغنى والترف.

وكانت فكرة الذين يؤمنون بحكم الباب الدنيوي تنبع من اعتقادهم بأن زعامته الروحية في العالم المسيحي لا تكون فعالة إلا إذا أيدها ملك دنيوي. ومن هنا كان تدخل البابوات في السياسة الإيطالية والأوربية حتى أصبحوا عنصرا فعالا في العلاقات الدولية بين إيطاليا كلها وبين الدول الأوربية الأخرى.

الولايات الإيطالية:

ميلان:

وهي دوقية تمتد في الشمال وسط سهل لمباردي الخصيب، ولذلك توفرت لديها ثروة زراعية كبيرة، وإلى جانب ذلك ازدهرت صناعاتها التي كان أهمها صناعة المنسوجات الحريرية.

وكانت ميلان تحت حكم أسرة عريقة هي أسرة فسكونتي Visconti التي سعت لجعل ميلان مركزا للتوسع تحو المدن المجاورة وتأسيس حكومة تميل تحو الدكتاتورية العسكرية. وقد قام أحد الحكام من أسرة فسكونتي بتحويل ميلان إلى دوقية وأطلق على نفسه لقب الدوق، وقام التنافس بين دوقية ميلان وبين الدولتين الكبيرتين المجاورين لها وهما البندقية وفلورنسه.

وفي عام 1450 انتقل الحكم في الدوقية إلى شخصية عسكرية، وهو فرنشسكو سفورزا، الذي أسس أسرة جديدة بعد أن اقتنص الحكم من آخر سلالة أسرة فسكونتي وهو صبي صغير. وكانت هناك صلة قرابة تربط الأسرة الملكية في فرنسا بأسرة سفورزا، مما جعل لميلان أهمية سياسية قصوى بالنسبة لفرنسا، وظلت ميلان محتفظة باستقلالها إلى أن أقدم أحد أفراد هذه الأسرة وسامه "لودفيكو سفورزا" على الاتصال بفرسا لتساعده على انتزاع الحكم من ابن أخيه القاصر والذي كان لودوفيكو وصيا عليه. ولذلك يعتبره المؤرخون المسؤول عن غزو شارل الثامن ملك فرنسا للأراضي الإيطالية، مما دعا الإسبانيون للتدخل وقيام الحروب التي عرفت في التاريخ باسم الحروب الإيطالية.

البندقية

 كانت البندقية من أهم الولايات الإيطالية، نشأت في أول أمرها مدينة مؤسسة على الجزر الممتدة في شمال بحر الأدرياتيك في المياه الضحلة المتصلة بالبحر، ولذلك كانت شوارعها قنوات ومواصلاتها قوارب تعرف بالجندول. وكان طبيعيا أن يشتغل أهلها بالملاحة التجارية، حيث كانت سفنها تجوب البحر المتوسط وتقيم علاقات تجارية بموانئ الشرق العربي ولا سيما الإسكندرية وتنقل البضائع الآتية من بلاد الشرق الأقصى، وقد نشطت هذه التجارة منذ العصور الوسطى، وعقدت البندقية صلات سياسية واقتصادية مع سلاطين مصر المماليك عادت عليها بالخير الوفير، وكادت تحتكر تصريف تجارة الشرق في أوربا، وأصبحت تتحكم في الأسعار حتى جمع تجارها ثروات كبيرة، واستلزم هذا تأسيس البنوك لتدعيم العلاقات التجارية مع المدن الأوربية، وأصبح كبار التجار هم أصحاب النفوذ في المدينة، وكونوا طبقة هي التي انحصر فيها الحكم، حيث أسسوا ما يشبه الإمبراطورية في المياه الشرقية ضمت ساحل دلماشيا وجزيرة كورفو وكريت وقبرص وعدد كبير من جزز بحر إيجه وبذلك أصبح للبندقية سلسلة من المواقع تمتد على طول الطريق عبر شرقي البحر الأبيض المتوسط.

وكانت البندقية جمهورية اوليجاركية Oligarchy([1])، السلطة فيها في يد مجلس مكوّن من عشرة، ومجلس العشرة هو الذي ينتخب الحاكم، وأبناءهم موزعون على المناصب الكبيرة في الدولة، وتمتعت الجمهورية في ظل هذا النظام باستقرار لم تتمتع به جيرانها حتى أصبحت ذات مركز مرموق عند الولايات الإيطالية الأخرى التي كان بعض أمرائها يلجئون إليها لعقد القروض أو لمصاهرة طبقة الأشراف بها.وظلت حدود البندقية كما رأينا قاصرة على مدينة البندقية وقطعة صغيرة من الأرض تحيط بها وحكم الجزر الواقعة في المياه الموصلة إلى البحر المتوسط ولم تتوسع نحو الداخل في الأراضي الإيطالية لأن عنايتها كانت موجهة نحو البحر وهمها منحصر في تأسيس إمبراطورية تجارية تربطها بمنطقة الشرق (الليفانت) وذلك لتأمين خطوطها البحرية.

على أن هذا المركز الممتاز الذي تمتعت به البندقية ما لبث أن تضعضع بعد كشف طريق رأس الرجاء الصالح، بسبب عزم البرتغاليين على الوصول إلى الهند من طريق آخر لا يتحكم فيه البنادقة. بذلك بدأ معين المال ينضب من يد حكام البندقية، الذين وجدوا أن الزعامة البحرية بدأت تفلت من أيديهم، يضاف إلى ذلك سقوط القسطنطينية في يد الأتراك العثمانيين عام 1453 وصولهم إلى شرقي حوض البحر المتوسط، حيث الجزر التي كانت البندقية تسيطر عليها، عندئذ لم يجد البنادقة بدا من البحث عن مخرج لهذا المأزق فولوا وجودهم شطر الأرض بدلا من البحر، ورأوا أن تمد البندقية حدودها في إيطاليا نفسها، وكانت نتيجة هذا الاتجاه أن بقية الولايات اعتبرت أن في السياسة الجديدة التي تريد البندقية إتباعها خطرا يهدد كيان كل منها، فقد كان واضحا أن أي اتساع تحققه البندقية سوف يتم على حسابها، ولذلك بدأت تنظر إلى البندقية بحذر شديد، وعلى ذلك تكوّن من فلورنسه ونابلي وميلان حلف كانت مهمته كبح جماحها إن فكرت في التوسع على حساب أراضيها.

فلورنسه:

كانت فلورنسه من أكثر المدن الإيطالية ازدهارا، لا تقل اقتصاديا عن البندقية وتفوقها من حيث الثقافة ونشر الفنون. وكانت مركزا صناعيا في المقام الأول، ولذلك تكاثف فيها السكان وعلى الأخص عمال الصناعة الذين كانوا يشتغلون بصناعة الأقمشة الصوفية. ومنذ العصور الوسطى ظهرت فيها طبقة من كبار التجار وأصحاب البنوك استطاعوا أن يتحكموا في مقادير الشعب ويصبح لهم في الحكومة نصيب الأسد، وحرصوا على إخماد حركة نقابات الحرف التي حاول أعضاؤها تنظيم أنفسهم والمحافظة على مصالحهم.

ورغم تلك الخلافات الداخلية التي اتسم بها ذلك العهد، إلا أن أهل البلاد كانوا حريصين على الحرية السياسية، وفضلت فلورنسه أن تؤسس نوعا من النظام الجمهوري طال عهده أكثر من أي نظام في المدن الإيطالية الأخرى.

وفي النصف الأول من القرن الخامس عشر تمكنت أسرة من التجار وأصحاب البنوك، وهي أسرة مديتشي Midici من الاستيلاء على الحكم عندما تمكن أحد رؤسائها كوزيمودي مديتشي في عام 1434 أن يقوم بثورة ضد الحاكم ويؤسس جمهورية توالي على حكمها رؤساء من تلك الأسرة.

وكان أشر من حكم من أسرة مديتشي هو لورنز دي مديتشي (1469-1492) الذي كان ملقيا "بلورنز والفاخر" الذي طار صيته في أنحاء أوربا، واشتهر بأنه راعي النهضة الفنية، وقد كان شاعرا يحب الشعر ويجمع من حوله الشعراء والفلاسفة والفنانين، وبلغت فلورنسه في عهده قمة مجدها وشهرتها في الفن والأدب.

مملكة نابلي:

أما البلاد الإيطالية الواقعة في أقصى الجنوب فكانت تختلف اختلافا بينا عن غيرها من الولايات، فمملكة نابلي كانت حكومة إقطاعية يحكمها ملك، ولم تتأثر بالنهضة التي نمت في الولايات الإيطالية في الشمال، واحتفظ مجتمعها بطابع العصور الوسطى، ولكن نظرا لاتساع رقعتها، فقد كان لها أثرها القوي في مجرى السياسة الإيطالية، وبعد أن حكمتها في العصور الوسطى ثلاث أسرات ملكية، انتقل العرش في القرن الخامس عشر إلى أسرة كان لها صلة قوية بالأسرة المالكة في أراجون الإسبانية.وكانت نابلي –لعدة قرون- فريسة لصراع الدول الأوربية خارج إيطاليا ويرجع ذلك إلى عام 1265 عندما منح البابا مملكة نابلي –بما في ذلك صقلية إلى شارل أنجو شقيق الملك لويس التاسع ملك فرنسا (وكان ذلك خلال صراع البابا مع الإمبراطور)، وفي سنة 1282 قام الصقليون بلا ثورة ضد أسرة أنجو، ودعوا ملك أراجون بإسبانيا لتولي عرش بلادهم، وظل الأمر كذلك إلى أن استطاع ملك أرجوان أن يغزو مملكة نابلي ويضمها إلى حكمه، وظلت نابلي وصقلية تحت حكم أسرة تمت بصلة القربى لأسرة أراجون، إلا أن فرنسا لم تسلم أبدا بأحقية تلك الأسرة في تاج نابلي وتتطلع إلى الفرصة التي تسنح لها لاسترداد عرش نابلي وقد تجلى ذلك في الحروب الطويلة التي نشبت بين فرنسا وإسبانيا في أواخر القرن الخامس عشر عندما أقدم الملك شارل الثامن ملك فرنسا على غزو إيطاليا عام 1394. وقد غير هذا الغزو وجه شبه الجزيرة الإيطالية وأحدث أثرا واضحا في تاريخ أوربا الحديث، وذلك عندما قام النزاع بين فرنسا وإسبانيا كل منهما تدعي حق وراثة العرش في مملكة نابلي وتسعى كل منهما إلى التوسع في شبه الجزيرة الإيطالية.

تلك هي نظرة عامة على إيطاليا نخرج منها بفكرتين: الأولى، أن إيطاليا لم تستطع لعدة قرون أن تحقق الوحدة القومية التي ظلت أملا بعيد المنال، نظرا للظروف السياسية والاجتماعية التي عاشتها في فرقة وخلاف، رغم أن أبناءها أبناء جنس واحد، ويتكلمون لغة واحدة، ولم تتحقق لهم الوحدة الشاملة إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. والثانية: أن إيطاليا كانت مهد حضارة عريقة وكان الشعب الإيطالية في الولايات المختلفة يتمتع برخاء اقتصادي ورقي علمي وحب عميق للفنون والآداب جعل إيطاليا مركز إشعاع للنهضة الأوربية.



([1])-الأوليجاركية هي حكم القلة أو هي حكومة تهيمن عليها جماعة صغيرة همها الاستغلال وتحقيق المنافع الذاتية.


قائـمة المراجع المعتمدة

1-                             موريس كروزيه، تاريخ الحضارات العام،ط2، منشورات عويدات، بيروت، 1987.

2-         جان بيرنجيه وآخرون، أوروبا منذ بداية القرن الرابع وحتى نهاية الثامن عشر، ط1، منشورات عويدات، بيروت، 1995.

3-         خليل علي مراد وآخرون، دراسات في التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل،1988.

4-         عبد الحميد البطريق وعبد العزيز نوار، التاريخ الأوروبي الحديث من عصر النهضة إلى أواخر القرن الثامن عشر، دار الفكر العربي، القاهرة،1982.

5-                             عبد الحميد البطريق، التيارات السياسية المعاصرة1815-1960،بيروت،1974.

6-         عبد العظيم رمضان، تاريخ أوروبا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوروبية إلى الحرب الباردة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،1997.

7-         جلال يحيى، التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر حتى الحرب العالمية الأولى، الإسكندرية،1983.

8-                             هـ.أ.ل .فشر، تاريخ أوروبا في العصر الحديث(1789-1950)،ط7، القاهرة،1976.

 

   اقرأ ايضا:

التوسع الأوروبي وحركة الكشوف الجغرافية

حركة الاصلاح الديني

النهضة الأوروبية

انتعاش الكنيسة الكاثوليكية حركة الإصلاح المضادة

حرب الثلاثين عاما(1618-1648)

إنجلترا في القرن السادس عشر (عصر أسرة تيودور) 1485-1603

إسبانيا وثورة الأراضي المنخفضة

الثورة الفرنسية

 

 

 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة