U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

الأصول والجذور الأولى لظهور وتأسيّس الحركة الوطنية في الجزائر

 الأصول والجذور الأولى لظهور وتأسيّس الحركة الوطنية في الجزائر




الأصول والجذور الأولى لظهور وتأسيّس الحركة الوطنية في الجزائر

1- ميلاد الحركة الوطنية الجزائرية
2- تعريف الحركة الوطنية


1- ميلاد الحركة الوطنية الجزائرية:

 إن الــفكرة الشائعـــة والمتــداولة لدى الكثير من الباحثين والكّتاب بـخصوص ميـــلاد الحركــة الوطنية الجزائــريــة هــي أنهــا حركـــة حــديثــة الـــعهــــد والنشأة، فمعظم الكتاب والمؤرخون يعودون بتاريخ ميلادها عادة إلى الربع الأول من القرن العشرون 20م رابطين تاريخ ميلادها وظهورها بتاريخ ظهور النضال السياسي الاتجاهات السياسية المعروفة ذات المطالب والبرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية الواضحة ([1])،وهناك من يعود بتاريخ ظهور الحركة إلى شهر فيفري سنة 1912م تاريخ سن قانون التجنيد الإجباري الذي رفضه الشعب الجزائري رفضاً قاطعاً والذي خلف حالة من السخط والتذمر الشعبي العام([2]) وهذا ما جعل الكثير من الكٌتاب والمؤرخون يعتبرون تاريخ سن القانون بداية لمرحلة جديدة في نضال الشعب الجزائري وخاصة إذا علمنا بأن القانون كان هو السبب في دفع النخبة الجزائرية إلى تقديم عريضة مطالب  مقابل مشاركة الجزائريين في الحرب.

كما يوجد من المؤرخون من يحدد تاريخ ميلاد الحركة الوطنية الجزائرية بسنة 1919 تاريخ بداية انعقاد مؤتمر الصلح بفرنسا على إثر نهاية الحرب العالمية الأولى وهناك من يجعل سنة 1922م هي التاريخ الحقيقي لظهور الحركة لأن الأمير خالد الجزائري (1875-1936)([3]) أسّس في هذه السنة أول حزب سياسي جزائري هو حزب إخاء الجزائري أو الأخوة من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الجزائري.

   لكن هناك من الباحثين من يعود بتاريخ  ميلاد الحركة الوطنية الجزائرية إلى بداية الاحتلال مباشرة بحيث يعتبرون كل وسائل الرفض والمقاومة ضد المحتل هي من صميم الحركة الوطنية أي كل ( العرائض والوفود والمطالب والمقاومات الشعبية المسلحة التي شارك فيها الجزائريون هي من ضمن وصميم الحركة).

2- تعريف الحركة الوطنية: 

الحركة الوطنية كمصطلح متكونة من مفردتان هما الحركة والوطنيــــــة فالحركة تعني العمل العلني أو السري المنظم والمستمر وعادة ما تظهر في شكل برنامج سياسي أو إصلاحي شامل،أما الوطنية فهي مبادئ ووعي وفكر يتبناه أبناء الوطن من أجل استرجاع واسترداد سيادتهم وحقوقهم المسلوبة وذلك من خلال تعبئة طاقات المقاومة والنضال في الشعب من أجل طرد المحتل الأجنبي وذلك باستعمال كل الوسائل المتاحة، وعادة ما يكون مطلب الاستقلال واضح في برنامج الحركة.

  من خلال ما تقدم نستطيع أن نعتبر كل الأفكار والشخصيات والجمعيات والنوادي والأحزاب التي ظهرت في الجزائر في فترة الاحتلال الفرنسي بهدف الدفاع عن الوطن وحقوق الشعب الجزائري كلها من صميم الحركة الوطنية ([4])،وعلى ضوء ما تقدم يمكن اعتبار كذلك السيد حمدان بن عثمان خوجة (1773-1842)([5]) كأول جزائري فهم معنى الوطنية ومعنى القومية الحديثة كونه هو أول من طالب بتجسيد هذه الأفكار على أرض الواقع كما يعتبر من أوائل الجزائريون الذين تعرضوا للمضايقة بسبب مرافعاته ضد الاحتلال وبسبب دفاعه المستمر عن القضية الجزائرية فقد كرس الرجل معظم وقته للدفاع عن الشعب الجزائري وعن الوطن من خلال كتاباته ومراسلاته فهو صاحب الكتاب المعروف بالمرآة الذي كان في الأصل عبارة عن عريضة تقدم بها لرأي العام الفرنسي والدولي في الخارج من أجل التعريف بالقضية الجزائرية فالكتاب عبارة عن موجز ملخص لتاريخ الجزائر في الفترة الأخيرة من الحكم العثماني في الجزائر([6]).

 وإذا رجعنا إلى مفهوم الأمة فإن كل الشواهد والقرائن تدل على أن الدولة الجزائرية كانت موجودة وقائمة قبل الاحتلال الفرنسي بزمن طويل حيث كانت الدولة ممثلة في شخص الداي وفي أعضاء ديوانه وفي الحدود سياسية للبلاد الشبه مكتملة وفي العلاقات السياسية والدبلوماسية للجزائر مع معظم دول فمقومات الدولة والمجتمع كانت كلها متوفرة كاللغة العربية مثلاً والدين الإسلامي والتاريخ المشترك وقبل كل هذا كان هناك إحساس قوي وعميق من قبل الشعب الجزائري بفكرة الأمة الواحدة ([7]) غير أن هذا الإحساس لم يكن ظاهراً بالشكل الكافي بسبب عدم وجود وعي سياسي كافي لدى عموم الشعب وبسبب  حالة  القصور الثقافي العام الذي كانت تعيشه الجزائر، فالاحتلال الفرنسي كل ما قام به هو إحياء وإيقاظ ذلك الوعي بمفهوم الأمة والوطن لذا الجزائري ولم يكن له أي دور في صناعة ذلك الوعي كما كان يدعي.

   على ضوء كل ما سبق تكون كل حجج ومبررات الاستعمار الفرنسي بخصوص عدم وجود الدولة والأمة الجزائرية لحظة الاحتلال واهية وغير صحيحة فقد كان الهدف الأساسي للاحتلال هو طمس هوية وشخصية الشعب الجزائري المسلم.

 ولكن وللحقيقة فإن بعض الكتاب والمؤرخين الفرنسيين كانوا من البداية معترفين بوجود الأمة والدولة الجزائرية قبل وقوع الاحتلال ومن هؤلاء نجد المؤرخ بول غافاريل PAUL KAVARREL الذي كتب في عّدة مناسبات بأن فرنسا كانت تحارب في الجزائر أمة مدفوعة بالدين والوطنية والتاريخ كما نجد المؤرخ الفرنسي أندري جوليان ANDRE JULIAN  الذي أشار في كتابه لحقيقة مفادها أن الجزائريون هم أكثر الشعوب التصاق بالأرض والدين فهو يرى بأن الاحتلال هو المتسبب في نمو الوعي والتعصب في آنً واحد  فمفاهيم الحرية والوطنية والقوميةلم تكن متداولة من قبل في الأوساط الجزائرية حسب رأيه.

 أما رجل السياسة الفرنسي تيير TIERS فقد صرح سنة 1836 بأن الأمير عبد القادر الجزائري هو الممثل الشرعي والوحيد للأمة الجزائرية أما الجنرال ديميشال الذي تفاوض مع الأمير عبد القادر في شهر فيفري 1834 فقد اعترف أمام مجلس الشعب الفرنسي لحظة مساءلته بما يلي " ستبقى الجزائر رغم احتلالها بالقوة خاضعة للأمير عبد القادر فهو في نظر معظم الجزائريون الممثل الوحيد للشرعية بلا منازع وهو القادر على إعادة بعث الدولة الجزائرية الحديثة " ([8]).

    من خلال ما تقدم نستطيع أن نؤكد  على أن الكثير من الشخصيات الفرنسية السياسية والعسكرية كانت مقتنعة منذ اللحظة الأولى للاحتلال بفكرة وجود الأمة الجزائرية ذات السيادة الكاملة ولكن في مقابل هذا الطرف كان هناك طرف آخر في فرنسا يمثل الأغلبية المتعصبة لفكرة عدم وجود دولة وأمة جزائرية لحظة الاحتلال كان هذا الطرف الخير للأسف هو الغالب كان يدعم ويساند الحكومة الفرنسية بكل ما أوتي من قوة كان يدفع باتجاه المزيد من التوسع والاحتلال([9]) بحجة عدم وجود دولة جزائرية كان من بين هؤلاء القادة المتعصبين الاستعماريين  قائد الحملة الأولى ذي بورمن ومؤرخ الجيش الفرنسي بول آزان والجنرال توماس روبير بيجو صاحب سياسة الأرض المحروقة والماريشال كلوزيل والوزير المقيم روبير لاكوست والجنرال شارل ديغول في بداية حكمه.

-       خاتمة:  في النهاية ومن خلال ما تقدم نستطيع أن نقول أن الحركة الوطنية في الجزائر بدأت في الظهور مع الأيام الأولى لانتشار الاحتلال الفرنسي في الجزائر.

 

 



([1]) أبوالقاسم سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية ،ط6، دار البصائر للنشر والتوزيع، الجزائر ،ج2،2009،ص ص 94-95.

([2]) محفوظ قداش: تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، ط خ، دار الأمة للطباعة والنشر، الجزائر ، ج1،2012، ص ص34-35.

([3]) ولد الأمير خالد بن الهاشمي حفيد الأمير عبد القادر في مدينة دمشق بسوريا يوم 20 فيفري 1875م ، نشأ خالد في دمشق قلعة العروبة والإسلام حيث حفظ القرآن الكريم وتلقى تعليمه الابتدائي هناك انتقل خالد إلى الجزائر رفقة والده أين تابع دراسته الإعدادية ومنها التحق بباريس paris سنة 1885 لمزاولة دروسه بثانوية لويس الكبير وبعد نجاح خالد في البكالوريا التحق مكرها بالكلية العسكرية سان سير saint cyr، شارك خالد في الحرب العالمية الأولى ضمن صفوف الجيش الفرنسي ولكن في سنة 1915 تم إعفائه من الخدمة العسكرية ليظهر بعد سنة 1919  كأحد أهم رواد الحركة الوطنية الجزائرية للمزيد ينظر إلى شارل روبير أجرون : تاريخ الجزائر المعاصرة من انتفاضة 1871م إلى اندلاع حرب التحرير ،ط خ، دار الأمة للطباعة والنشر، الجزائر، ترجمة ،ج2،2013، ص ص 456-460ن وينظر كذلك إلى كتاب بسام العسلي: الأمير خالد الهاشمي الجزائري، ط3، دار النفائس،بيروت لبنان، 1984.

([4]) ينظر إلى المطبوعة غير المشورة التي أعدها الدكتور حباسي الشاوش لطلبة الدراسات العليا في جامعة أبوالقاسم سعد الله الجزائر ، ص ص 01-02.

 (5) أحد أهم كراغلة الجزائر عاصر فترة الاحتلال الفرنسي وكان من الرواد الأوائل المدافعين عن الأمة والوطن من أهم مؤلفات كتاب المرآة الذي كان عبارة عن عريضة قدمها للبرلمان والحكومة الفرنسية سنة 1833م للمزيد ينظر إلى حمدان بن عثمان خوجة: المرآة، تقديم وتعريب وتحقيق محمد العربي الزبيري،منشورات الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، الجزائر،2005،ص ص 3-5.     

([6]) للمزيد ينظر إلى حمدان بن عثمان خوجة : المرآة ،المصدر نفسه.

([7]) أبوالقاسم سعد الله: المرجع السابق،ج2،ص 118.

([8]) أبوالقاسم سعد الله: المرجع نفسه،ج2،ص 48.

([9]) أحمد مريوش: محاضرات في تاريخ الجزائر 1900-1954،ط1،مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع ، الجزائر،ج2،2013،ص 17. 


اقرأ أيضا:

أسباب وظروف وعوامل ظهور الحركة الوطنية في الجزائر

النهضة السياسية والإصلاحية في الجزائر 1830-1962م

الظروف العامة التي عاشتها الجزائر بعد الحرب العالمية الأولى

حركة الأمير خالد 1875- 1936 -الحركة الوطنية الجزائرية-

نشاط الأمير خالد الجزائري في فرنسا

حزب الشعب الجزائري 11 مارس 1937م

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة