سياسة الجمهورية الفرنسية الثالثة في الجزائر 1871-1900
سياسة الجمهورية الفرنسية الثالثة في الجزائر 1871-1900
تمهيد
مرحلة 1830-1834
مرحلة 1834-1845
مرحلة 1845-1870
في المجال السياسي
في المجال الاجتماعي والثقافي
لجنـة جـول فـيري
طريقة عملها
تمهيد.
لقد شهد التاريخ الفرنسي عدة تطورات
زاوجت بين النظام الملكي الرجعي والنظام الجمهوري التقدمي؛ فالثورة الفرنسية (1789-1814)
بقيادة نابليون بونابرت قضت على النظام الملكي في فرنسا، وأعلنت عن النظام
الجمهوري –الجمهورية الفرنسية الأولى 1792-1799- إلا أن هزيمة نابليون العسكرية في
معركة واترلو 1815؛ وما ترتب عنها من مؤتمرات أوربية كمؤتمر فيينا المنعقد سنة 1815، قد ساهمت في القضاء على
النظام الجمهوري وأعلنت عودة النظام الملكي الرجعي، هذا الأخير الذي سيتم إلغاؤه عقب نجاح ثورة جويلية 1830، التي عصفت
بنظام شارل العاشر الرجعي، وجاءت بنظام الملك لويس فيليب، لكنه لم يعمّر طويلا إذ
تم إزاحته عن العرش في ثورات 1848.
أسفرت
هذه الأخيرة عن ميلاد الجمهورية الفرنسية
الثانية – 1848-1851 لويس نابليون-إلا أن هذه الأخيرة لم تعمر طويلا إذ سرعان ما
تم الإعلان عن ميلاد الإمبراطورية الفرنسية الثانية-1852-1870 لويس نابليون باسم
نابليون الثالث-فرهنت فرنسا مرة ثانية بالنظام الرجعي؛ ولكن مع نهاية الحرب
البروسية الفرنسية(1870-1871) تكون فرنسا قد عادت مرة أخرى إلى ممارسة النظام
الجمهوري؛ في إطار ما عرف بالجمهورية الفرنسية الثالثة-1871-1945- ومن سنة
1946-1958-حكمت الجمهورية الفرنسية الرابعة.[1]
وما يمكن قوله هنا هو ضرورة التمييز بين
نوعين من الدولة الفرنسية: فرنسا الحرية، الأخوة، المساواة؛ بأوربا، وفرنسا
الاستعمارية بالجزائر؛ وسينصب حديثنا بالإجابة عن السؤال الآتي: ما هي سياسة
الجمهورية الفرنسية في الجزائر على المستويين السياسي والاجتماعي؟ قبل الإجابة عن
هذا السؤال يجدر بنا الحديث-من باب الفهم-عن السياسة الفرنسية في الجزائر من
1830-1870، حيث مرت بالمراحل الآتية:
-مرحلة
1830-1834: وهي ما تعرف عند الكثير من المؤرخين
بمرحلة التردد الفرنسي في طبيعة نظام الحكم الفرنسي الذي سيحكم في الجزائر، وعلى
اثر ذلك تم إيفاد لجنة فرنسية إلى الجزائر سنة 1833 لدراسة أحوالها عرفت باللجنة
الإفريقية؛ فخلصت في الأخير إلى ضرورة تمسك فرنسا بالجزائر، الشيء الذي تمخض عنه
صدور مرسوم 1834 الذي اعتبر الجزائر ولاية فرنسية وسكانها مواطنين فرنسيين، وتم
إخضاع الجزائر لنظام حكم عسكري، تحت إشراف ما يعرف بالحاكم العام.
-مرحلة
1834-1845: تم خلالها إخضاع الجزائر لنظام حكم
عسكري، تحت إشراف ما يعرف بالحاكم العام، ولكن مع مرور الزمن والتطور الحاصل في
نمو حركة المعمرين بالجزائر بدأت بعض الأصوات البرلمانية الفرنسية-الميركانتالية
والسانسيمونية ودعاة التهدئة- تنادي بضرورة إلغاء النظام العسكري الذي حال دون
تحقيق مصالحهم.
مرحلة
1845-1870: في 18 أفريل تم صدور مرسوم 1845،
نص على تقسيم الجزائر إلى ثلاث ولايات: الجزائر، قسنطينة، وهران، وأسندت إدارتها
إلى والي عام فرنسي-مدني- على غرار نظام الحكم بفرنسا؛-المنطقة المدنية- بينما
باقي المناطق الخاضعة للاحتلال الفرنسي فهي تحت حكم عسكري –المنطقة العسكرية-وتم
خلال هذه الفترة توظيف ما يعرف بالمكاتب العربية بقرار 8 أوت 1854 غير أنها لم
تستمر في أداء مهامها إذ حلت محلها البلديات في 18 أوت 1866؛[2]
التي ساهمت إلى حد ما في تمرير المشروع الاستعماري الفرنسي على حساب الجزائريين
والمعمرين الفرنسيين؛ الرافضين للسلطة العسكرية، ولقد ظل تتابع صدور هذه القوانين
حتى متم سنة 1871؛ التي تعتبر بمثابة تاريخي معلمي ينبغي الوقوف عنده، لأسباب عدة:
-الصراع
الدائر على الجبهة الأوربية بين فرنسا وبروسيا؛ وما سيترتب عنه؟
-تصاعد
حدة الثورات الشعبية في الجزائر.
-صدور
عدة مراسيم لصالح المشروع الاستعماري في الجزائر-لقد سبق ذكرها سابقا-.
وإذا سايرنا هذه المرحلة نسجل التطور الحاصل
في: سقوط الإمبراطورية الفرنسية وقيام الجمهورية الفرنسية الثالثة؛ جمهورية جاءت
بالمتغيرات الآتية:
-
في المجال السياسي.
على اثر سقوط الإمبراطورية الفرنسية الثانية
ونتيجة لضغط الكولون تم العمل بمقتض المرسوم الصادر في 24 أكتوبر1870 والذي نص
على:
-إلغاء
النظام العسكري والمكاتب العربية وامتيازات رؤساء الأهالي.
-إنشاء
محاكم الجنايات وإخضاع الجزائريين لها.
-تجنيس
يهود الجزائر بالجنسية الفرنسية من دون استثناء. في الوقت الذي تم فيه إلغاء
المناطق العسكرية وتحويل ها على السلطة المدنية، أي بسط نفوذ المعمرين على المناطق
التي كانت خاضعة للمكاتب العربية. وفي هذا الإطار قررت حكومة الجمهورية الثالثة أن
يكون التمثيل النيابي في البرلمان الفرنسي لكل ولاية جزائرية، ثم السماح للمعمرين الأوربيين
سنة 1857 أن يكون لهم ممثل في مجلس الشيوخ الفرنسي لكل ولاية.[3]
فبهذا الخصوص يذكر عبد الرحمان بن محمد
الجيلالي أن رئيس الوزراء كامبيطا تقدم بمشروعين عظيمين، كانا هما الأثقل على كاهل
الشعب الجزائري، كونهما بني على أساس التمييز العنصري والاضطهاد الديني؛ فالأول هو
قانون كريميو الذي منح الجنسية الفرنسية لليهود، وبموجب ذلك لهم حق التقدم والأولوية
على الأهلي المسلم الجزائري، والثاني هو إبعاد المسلم عن دائرة الحق العام، وخضوعهم
للإدارة الفرنسية التي أصبح من حقها لأدنى شبهة: طرده، نفيه، حجز أملاكه،
مصادرتها، ولم يكتف كامبيطا بذلك بل حجر على الحكومة العامة والبرلمان؛ من التدخل
في أعمال الولاية العامة بالجزائر؛ لصالح توطيد ركائز الحكم الفرنسي بالجزائر.
في
المجال الاجتماعي والثقافي.
على اثر الظروف الاجتماعية المتدهورة جدا،
بسبب الاستعمار والجوائح التي حلت بالقطر الجزائري في متم الستينيات من القرن
التاسع عشر، كالمجاعات والجفاف وهجمات الجراد المتتالية، كانت هناك ثورة المقراني
التي حاولت إلى حد ما التخفيف من وطأة الاحتلال، ولكن حدث ما لم يكن يتوقع أبدا،
ففرنسا تمكنت من توقيع معاهدة فرانكفورات في 10 ماي 1871 وتفرغت بموجبها للقضاء
على ثورة المقراني، ولممارسة ما عرف أثناء بسياسة التهدئة، بكل ما أوتيت من قوة.
وللحيلولة
دون إقدام الشعب الجزائري على التفكير في القيام بثورة أخرى ضد الفرنسييين اتبعت
فرنسا إجراءات ردعية على المستويين الاجتماعي والثقافي.
-قهر الشعب الجزائري بالمزيد من الغرامات والضرائب المجحفة
في حقه، وسن العديد من القوانين الردعية في إطار ما عرف بقانون الانديجينا.
-تجويع الشعب الجزائري وذلك بحرمانه من مصادر رزقه، وعدم
قبوله للعمل كفلاح او كعامل في صفوف الفرنسيين، وإذا حدث ذلك فهو لن يأخذ مقابل
إلا ما يسد رمقه.
- غلق المدارس والمساجد والمعالم الثقافية والحضارية في وجه
الجزائريين، ومحاولة حصر التعليم إلا على فئة النخبة الجزائرية من أبناء القياد
والباشاوات الذين تعاملوا معها، ومحاولة توجيههم وفق ما يخدم مصالحها، وتربيتهم
على حب الوطن الأم فرنسا.
-بناء الكنائس ومراكز التنصير للجزائريين.
لجنـة جـول فـيري.
لم
تكن هذه اللجنة الأولى من نوعها التي ترسل إلى الجزائر؛ وإنما سبقتها لجان فرنسية
عدة، كتلك التي تعود إلى سنة 1833، والمعروفة باللجنة الإفريقية، التي أقرت وللأسف
الشديد بضرورة تمسك فرنسا بالجزائر. وهذه المرة ترسل لجنة أخرى إلى الجزائر
في سنة 1891، برئاسة جول فيري. وقبل الحديث عنها يجدر بنا التعريف بهذه الشخصية،
فمن هو جول فيري؟
جول فيري سياسي فرنسي استعماري ماهر عاصر
الحركة الاستعمارية في العالم العربي والإسلامي، سبق له الفضل بزيارة الجزائر مع
مطلع الثمانينات رفقة بعض الوزراء الفرنسيين، فوقف على حقيقة معاناة الشعب
الجزائري من ظلم الإدارة الاستعمارية، كان له الفضل في تعيين جون كامبون حاكما
عاما على الجزائر.
وفي سنة 1892 زار الجزائر وشاهد حالة البؤس
الشديد والشقاء الذي يتخبط فيه الشعب الجزائري فقال: (( رأينا هاتيك القبائل
البئيسة التي تسلط عليها الاستعمار فأجلاها، والحجز فأرهقها، ونظام الغابات
فأطردها، وقوانينه فأفقرها، سمعنا شكواهم ورأينا رأي العين بؤسهم ولمسناه لمسا، رأينا
وسط الغابات بقعا محروثة وحقولا سلبت من يد الجزائري سلما وضمت على أملاك الغابات،
ورأينا في تلال القبائل الصغرى [ٍٍٍٍِتقسيم استعماري لهذه المنطقة الحيوية من
الجزائر، وتاريخيا لا توجد حسب علمنا ما يعرف بالقبائل الصغرى والقبائل الكبرى؛
وكل من شاطر هذا التقسيم فهو من دعاة المدرسة الاستعمارية] نظام الضرائب
الفرنسي ينازع العربي المرتدي الأسمال، الأعشاب التي تكسو الأرض في فصل الربيع حول
باقات الدفل. لم يتأثر قلبنا فحسب من رؤية هذه المناظر، بل ثارت عقولنا فأدركنا
بان الجزائر تجري أمور ليست أهلا بفرنسا، تتنافى مع العدل ومع سياسة كمتبصرة)).[4]
وكان يتمنى أن تكون لهذه اللجنة صلاحية
النظر والدراسة ثم تقديم الاقتراحات لتنفيذها؛ إلا أن وزارة الداخلية الفرنسية
رفضت ذلك.ولقد توفي في 17 مارس 1893.[5] فخلفه
زميله كونستانس
طريقة
عملها:
ترأسها جول فيري ونائبه بارتيلو وكتابة
شيفو وبولونيا، وكانت تضم إلى جانب هؤلاء حوالي 18 عضوا؛ وهم بين المدنيين
والعسكريين، وخلال شهر مارس كانت اللجنة قد أرسلت سبعة من أعضائها للتوجه نحو
الجزائر-منهم فيري نفسه- فتمكن هؤلاء من أداء مهامهم خلال الأشهر الآتية: أفريل
وماي وجوان؛ ودامت مدة تحقيقهم حوالي 50 يوما، طافوا خلالها مختلف أنحاء القطر
الجزائري، واستمعوا إلى أراء الجزائريين والأوربيين سياسيين وغيرهم.[6]
وكان من بين المطالب التي رفعتها فئات الشعب الجزائري لهذه اللجنة ما يلي:
-البقاء
على قانون الأحوال الشخصية-دون تجنس-.
-تخفيف
الضرائب وإلغاء قانون الانديجينا أو التخفيف من قسوته.
-رفض
الخدمة العسكرية الإلزامية.
-عدم
إلزامهم بتغيير الحالة المدنية على الطريقة الفرنسية-اتخاذ الألقاب العائلية
وتغيير التلقيب والأسماء-.
-عدم
إلزام الجزائريين بالتعليم الفرنسي.
-المطالبة
باستعادة نظام القضاء والعمل في إطار الشريعة الإسلامية.
وعندما أنهت مهمتها بالجزائر استمعت أيضا إلى شخصيات عدة لها إطلاع واسع
على أحوال الجزائر: تيرمان-حاكم عام سابقا- وجانمير-مدير التعليم بالجزائر- وزيس
رئيس المحكمة العليا، وفلاندان ولورا الذي كان رئيس منظمة جمعية حماية أهالي المستعمرات،
وجون كامبون وواهل-أستاذ مؤلف- ...الخ. ومن الجزائريين فإنه لم يستدعى إلى باريس
سوى الدكتور بلعربي ومحمد بن رحال. وكانت اللجنة قسمت أعمالها إلى محاور كبرى،
واختص كل عضو بمحور درسه من مختلف جوانبه، ثم قدم عنه تقريرا مفصلا أمام مجلس
الشيوخ، ولقد جاءت المحاور على النحو الآتي[7]:
1-التعليم
الابتدائي الأهلي (كومبس).
2-التنظيم والاختصاصات (صلاحيات الحاكم
العام في الجزائر-فيري-).
3-النظام الجبائي (كلامجران).
4-نظام الغابات (قيشار).
5-الملكية العقارية (فرانك-شوفو).
6-المسئولون الوزاريون (دوبوي).
7-التعليم العالي الإسلامي –المدارس
الرسمية الثلاث (كومبس).
8-القضاء الإسلامي والفرنسي: الشرطة
والأمن (إسحاق).
9-الاستعمار (لابيش). ومن دون شك فإن
اللجنة سعت إلى معرفة الحقائق إلا أنه واجهتها صعوبات عدة:
- تفتقر إلى الكثير من الصلاحيات.
- كانت تخضع لضغوطات كثيرة.
-وفاة جول فيري المبكر التي حرمتها من
حماسته وخبرته. الأمر الذي جعل اللجنة تدخل في مناقشات ومناورات مائعة في مجلس
الشيوخ، ولم تحقق ما كانت تطمح إليه، فمالت الكفة من جديد لصالح الكولون.[8]
ومن بين العناصر الفاعلة في اللجنة شارل جونار –كانت أراؤه منسجمة مع أراء أعضاء
اللجنة، كما طالب بإنشاء مكتب للجزائر في باريس، وإلغاء الاندماج مع الاكتفاء
بالمراقبة الدقيقة للإدارة، على أن تكون مهمة هذا المكتب هو السهر على تنفيذ
السياسة الفرنسية- وكميل صابتيه الذي عمل كل ما في وسعه على إحداث انقسام بين
الجزائريين استنادا على نظرية الأعراق والانثربولوجيا الجديدة.
وبناء على ذلك قال إن في الجزائر ثلاثة أجناس هم
العرب والقبائل والشاوية، وتمسك هو بضرورة فرنسة القبائل-زواوة- وإعدادهم إلى الاندماج
مع الفرنسيين؛ وشاطره الرأي كل من ماسكري وبيردو الذي ادعى أن الأجناس في الجزائر
ليس لها نظم واحدة وأكد على ضرورة بقاء العرب والقبائل منفصلين، وتساءل مع صابتيه
لماذا لا نمنع اتحادا لا يمكن إلا أن يكون ضد فرنسا.[9]
ورغم أن تقارير اللجنة ليست صريحة في مسألة التفريق بين الجزائريين فإن مبدأ
صابتيه ظهر واضحا في إنشاء الحكومة لمجلس الوفود المالية سنة 1898، إذ نص فيه على
وجود فرع عربي وفرع قبائلي.[10]
[1] -كرم، البستاني وآخرون: المنجد في اللغة
والإعلام، ط، 31، دار المشرق، بيروت، 1991، ص، 668.
[2] -صالح، فركوس: المختصر في تاريح الجزائر، المرجع
السابق، ص، 201.
[3] -صالح، فركوس: المختصر في تاريخ الجزائر، المرجع
السابق، ص،-ص، 210-211.
[4] -عبد الرحمان ابن محمد، الجيلالي: تاريخ الجزائر
العام، ج، 4،ط، 7، د، م، ج، الجزائر، 1994، ص، 298.
[5] -أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية
الجزائري، ج، 1، المرجع السابق، ص، 526.
[6] -نفسه، ص-ص، 526-527.
[7] -نفسه، ص، 527.
[8] -نفسه، ص، 529.
[9] -نفسه، 530.
[10] -نفسه، ص، 531.
إرسال تعليق