ثـورة المقـراني1871
ثـورة المقـراني1871
تمهيد
أسبابها
مراحلها
دور الإخوان الرحمانيين في الثورة
نتائجها
تمهيد:
يعتبر
الشيخ المقراني من بين أهم العائلات الجزائرية الثرية التي تملك عقارات وأملاك
واسعة، ورثها عن آبائه وأجداده؛ وحسب الدكتور أبو القاسم سعد الله فإن أصول عائلته
تعود إلى السيدة فاطمة الزهراء (ض). وكعادة فرنسا فإنها عملت على التقرب من هذه
العائلة قصد توظيفها وفق ما يخدم مصالحها الاستعمارية في الجزائر، ولقد نجحت إلى
حد ما في استقطابها وإسناد وظائف رسمية إلى زعمائها، وتم ذلك بعد استسلام والد
محمد المقراني إلى الفرنسيين سنة 1838، بعدما خاض ضدهم عدة معارك عسكرية، فسارعوا
في الحين إلى إعطائه منصب الخليفة لهم على منطقة مجانة –كمركز- وعلى المنطقة
الممتدة من فرجيوه شرقا إلى بسكرة جنوبا وإقليم التيطري غربا.
وكان من بين الخدمات التي قدمها لهم هو تسهيل
عملية مرور ابن الملك الفرنسي سنة 1839 عبر مضيق البيبان.[1]
ولكن مع مرور الزمن بدأت الإدارة الفرنسية تقلص من نفوذه ومن الصلاحيات المخولة له،
إلى غاية وفاته سنة 1853؛ أين عينت ابنه محمد المقراني خلفا له، ولكن في مرتبة
الباشاغا؛ وكان من بين الإجراءات التي اتخذتها ضده:
-مطالبة
الإدراة الاستعمارية بضرورة تقديم حسابات وتقارير عن أعماله الإدارية.
-تلقيه
توبيخ قاس من الجنرال ديفو سنة 1864، على اثر بعض الشكوك بسبب وقوفه إلى جانب
الثوار في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزائر.
-تعيينه
في سنة 1868 كعضو بسيط في بلدية البرج مجرد من كل الصلاحيات، وأصبح لا يعتد برأيه،
رغم اللقب الإداري الذي يحمله. ولقد كان لهذه التصرفات من دون شك عامل قوي في
توجيه فكر المقراني نحو الثورة، وما يمكن ملاحظته هنا هو أنه هناك تشابه واضح بين
تصرف الفرنسيين مع أولاد سيدي الشيخ والمقراني، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل
الفرنسيين بسلوكهم هذا هم من دفع المقراني والشيخيين إلى الثورة؟ وهل بانعدام هذا
السلوك كانت ستكون هناك ثورة؟
أسبابها:
يمكن تتبعها في العناصر الآتية:
1-تقليص
نفوذ وصلاحيات عائلة المقراني، فبعد أن كان نفوذه يمتد كما ذكرنا أنفا، تقلص إلى
أن أصبح لا نفوذ له، كما تم إنزاله من مرتبة الخليفة إلى مرتبة الباشاغا، ولم
يكتفوا بذلك بل أصبح لا يُستشار في العديد من القضايا الفاعلة، عكس العديد من هم
دونه منزلة –استفزاز صريح-.
2-على
اثر المجاعة التي عرفتها المنطقة بين سنتي 1867-1868،- حيث أكل الناس العشب
واقتاتوا على الجيفة وماتوا جوعا في القرى والطرقات- يكون المقراني قد قدم مساعدات
مادية ومعنوية لصالح المتضررين منهم، من ماله الخاص وعن طريق القروض التي تلقاها
من البنك الفرنسي بالجزائر، ومن الثري اليهودي مسرين؛ فتعهدت السلطات الفرنسية
بتسديدها عنه، ولكنه في الأخير فوجئ بطلب تسديد هذه القروض المقدرة بحوالي
مليونين،[2] الأمر
الذي دفعه إلى بيع الكثير من ممتلكاته ورهن البعض منها للتخلص من هذه المشكلة، وهو
ما أقنعه في الأخير أن الفرنسيين لن يتوانوا عن نكث عهودهم معه، وانقلاب الدائرة
عليه.
3-سياسة
فرق تسد التي تبنتها فرنسا مع العائلة، وذلك بضرب العديد من العناصر
الجزائرية الفاعلة ببعضها؛ ونشر الأحقاد والضغائن، حيث قامت بإسناد مناصب ادراية
عليا مثلا لابن علي الشريف-آقبو ببجاية-وأخضعت جزء كبير من عائلة الحداد لنفوذه،
فلم يستسغ المقراني هذا الاحتقار المتوالي للعائلة. وللعلم فإنه م يسلم من هذه
السياسة حتى البسطاء من الفلاحين والعاملين لدى الفرنسيين فمثلا نجدها لم تساوي
بين هؤلاء والعاملين لديها من الأوربيين في عدد ساعات العمل وفي الأجور وتاريخ
دفعها-حضيرة العمل الواقعة في جبال البيبان-.
4-إصدار
فرنسا لقوانين إدارية واقتصادية صارمة ورادعة في حق الشعب الجزائري ...السيناتوس
كونسيلت لسنتي 1863+1865، قانون أدولف كريميو اليهودي 1870...الخ، الأمر الذي جعل
هذه العائلات في متناول الفرنسيين، بتفكيكها للملكية الجماعية خاصة في منطقة
القبائل، حيث أسرة المقراني، بينما كريميو قد أعطى صلاحيات واسعة لليهود المتجنسين
بالفرنسية للمساهمة في المشروع الاستعماري، وبالتالي فالشعب الجزائري أصبح بين
ثلاث مخالب(المعمرين المتعطشين للمزيد من الأراضي واليهود المتعطشين للمزيد من
الثراء والجيش الفرنسي المتعطش للمزيد من الدماء والانتصارات البهلوانية على شعب
أعزل. الأمر الذي دفع بالمقراني إلى أن يقول قولته المشهورة (( إنني مستعد أن أضع
رقبتي تحت السيف ليقطع رأسي، ولكن لا أطيع أبدا أحدا من غير الجنود، ولا أقبل أن
أخضع لحكومة من التجار واليهود))[3].
5-دور
الكنيسة في تنصير الأطفال اليتامى من أبناء الشعب الجزائري، على اثر المجاعة
السابقة الذكر، فالكاردينال –رتبة- لافيجيري لم يراع حرمة هؤلاء المساكين بل قدم
لهم رغيف الخبز مقابل الصليب، ولقد تمكن إلى حد ما من تنصير عدد هائل من أبناء
الشعب الجزائري، فحز ذلك في نفس المقراني وفي نفوس الكثير من الوطنيين، في الوقت
الذي كان فيه البعض الآخر من الجزائريين المدجّنين يطمحون إلى تولي المناصب ويقتاتون
من فُتاة الموائد الفرنسية.
مراحلها: يمكن
تقسيمها إلى مرحلتين رئيسيتين هما.
المرحلة الأولى: وتبدأ
من 16 مارس 1871 إلى غاية 05 ماي، أو ما يسمى بالمرحلة المقرانية.
على اثر صدور قانون كريميو السابق الذكر -24/10/1870- ونظرا لما ترتب عنه؛ استقال
محمد المقراني من وظيفته؛ إلا أن الإدارة الفرنسية حاولت ثنيه عن ذلك، وظل يحاول
إقناع السلطات باستقالته إلى غاية شهر مارس من سنة 1871؛ أين أكد لهم عدم جدوى
محاولاتهم وأنه سيعلن الثورة ضدهم، ولتحقيق ذلك قام بعقد العديد من الاجتماعات مع
أفراد أسرته الفاعلين، كأخيه بومزراق، الذي لعب دورا كبيرا في هذه المرحلة؛ وابن
عمه الحاج بوزيد، وصهره السعيد بن داود[4]...الخ؛
وحاول أن يقنع السكان بدوافع هذه الثورة.
ومن بين الأحدث التي يمكن تسجيلها في هذه
المرحلة القصيرة، هو أنه بعدما عقد مجلسه السابق الذكر، تمكن من تجنيد ما يقارب
7000 فارسا، وتوجه بهم نحو مدينة البرج لمحاصرتها، فدام حصاره لها حوالي أربعة
أيام أسفرت عن اقتحامه لبعض الأجزاء منها فقط؛ وأثناء هذه المدة تحركت القوات
الفرنسية بقيادة الجنرال سوسي وضربت عليه حصارا محكما من الخلف، بعدما تمكن من
الاستيلاء على قصر المقراني ثم قام بتدميره، في الوقت الذي قام فيه أنصار الثورة
بمحاصرة ومناوشة القوات الفرنسية المرابطة في مدينة سطيف، إلا أن المقراني تمكن من
اختراق هذا الحصار والتوجه نحو مدينة البويرة لمحاصرة الحامية الفرنسية المتواجدة
بها؛ إلا أنه فشل مرة ثانية –معركة طكوكة أفريل-.
ومع نهاية هذا الشهر تكون القوات الفرنسية
قد أعدت نفسها بشكل جيد للقضاء على زعيم الثورة، فمع مطلع يوم 05 ماي زحفت قوات
العقيد تروميلي بالتنسيق مع الجنرال سيريز وباغتت قوات المقراني، الشيء الذي أسفر
في النهاية عن استشهاده في اليوم نفسه. وفي هذه الأثناء تكون رقعة الثورة قد امتدت
بدرجة لم يكن يتوقعها المقراني لتشمل قرابة نصف البلاد حسب الدكتور يحي بوعزيز[5]
(من زكار ومليانة وشرشال غربا؛ إلى جيجل والقل شرقا وإلى الحضنة والمسيلة وبوسعادة
وتقرت وباتنة وبسكرة وعين صالح جنوبا-كمرحلة ثانية-). ومن أهم نتائج هذه المرحلة:
-قتل
المعمرين وهدم الأبراج والمباني الرسمية وقطع خطوط البرق.
-إعدام
المتعاونين من الجزائريين وحرق ممتلكاتهم.
-هدم
قنوات المياه وعدم الامتثال للفرنسيين بدفع الضرائب.
-محاصرة
العديد من المدن والمراكز والحاميات الفرنسية وإلحاق أضرار بالبنية التحتية للعدو.
أما على الطرف الجزائري فلقد تم إتلاف مطامير الحبوب للجزائريين والاستيلاء على
مختلف أنواع الماشية، وتخريب المنازل بل قرى بأكملها، والاعتداء على حرمة الزوايا
–زاوية صدوق والقريشي مثلا-.
المرحلة
الثانية: وهي تبدأ من 05 ماي إلى منتصف يوليو
1871-المرحلة الرحمانية-.
تولى
زمام الأمر في هذه المرحلة الشيخ الحداد
وولداه عزيز ومحمد؛ إلا أن عمر هذه المرحلة لم يعمر طويلا، كونهم طلبوا الأمان
لأنفسهم من الفرنسيين خلال شهر يوليو من العام نفسه. ولقد كان للشيخ عزيز الحداد
دورا كبيرا في إقناع الإخوان الرحمانيين بالانظمام إلى الثورة.[6]
دور
الإخوان الرحمانيين في الثورة.
مع انطلاق الثورة في المرحلة الثانية، تكون
فرنسا قد وقعت معاهدة فرانكفورت مع ألمانيا الدولة الناشئة -10 ماي 1871-، وهو ما
سمح لها بالتفرغ للثورة؛ فقامت بإرسال تعزيزات عسكرية وصلت إلى حد 86000 عسكري. حيث
تمكن هذا الجيش من فك الحصار المضروب عن المدن والأبراج والقرى المحاصرة من طرف
الثوار.
وفي هذه الأثناء دارت معارك طاحنة بين
الجيوش الفرنسية والثوار-معركة تامدا، المرقب، بوجليل، وجماعة الصهريج، سيدي
مبارك، رجاس، قصر الطير،-ومعارك أخرى وقعت
خارج مركز الثورة كالتي وقعت في جيجل
وزواوة والبابور وعنابة ونقاوس وتقرت وبوسعادة وأولاد شليح...الخ.[7]
ورغم هذه التطورات فإننا نسجل طلب الأمان المبكر من الفرنسيين، الذي بادر به سي
عزيز ووالده ثم بقية أفراد العائلة الفاعلين في الثورة، وهما أخوه محمد الذي
استسلم في 2 يوليو ووالدهما الشيخ محمد امزيان الحداد الذي استسلم في 13 يوليو،
والشيخ الجعدي الذي سبق وأن انظم إليها.[8]
لا شك أن هذه الاستسلامات ساهمت في تراجع
مفعول الثورة، مما ضيّق الخناق أكثر على بومزراق، الذي لم يكن أمامه بُدا من الانسحاب
نحو جبال المعاضيد رفقة أحمد باي والسعيد بن بوداود المقراني، فاستولى على برج
مقرة محاولا الدخول إلى القلعة؛ ومن هناك واصل ثورته بالتوجه نحو الجنوب-شهر أوت-مرورا
بمدينة المسيلة، على أمل الوصول إلى الصحراء، غلا أننا نجده يعود أدراجه من جديد
للتحصن بالمعاضيد -أكتوبر-، في الوقت الذي استولى فيه العدو الفرنسي على زمالته؛
الأمر الذي دفع برفيقه أحمد باي أن يطلب الأمان لنفسه فأمّنه الفرنسيون بالسجن؟،
ومن هناك توجه بومزراق نحو الجنوب وأصبح في ضيافة الشريف بوشوشة، ؛ مما دفع بالفرنسيين
إلى تعقبه بشكل مكثف، إذ لاحقته قوافل عسكرية إلى كل من تقرت بسكرة وورقلة، حيث تم
حصر أولاد مقران في مثلث ضيق يمتد ما بين واد سوف وتقرت، فحاول التخلص من هذا
الحصار على أمل الوصول إلى فرع الزاوية الرحمانية في نفطة؛ لكنه ظل الطريق حسب ما
ذهب إليه الدكتور أبو القاسم سعد الله، فألقي عليه القبض من طرف الجيش الفرنسي؛ في
منطقة الرويسات بين تقرت وورقلة.[9]
نتائجها:
-الخسائر
البشرية الفادحة في صفوف الشعب الجزائري الذي ساند بكل شرائحه ثورة المقراني.
-مصادرة
أراضي الثوار عن أخرها -446.000 هكتار بقيمة 19 مليون فرنك-؛ كما تم تغريمه بغرامة
قدرت بـ36.582.000 فرنك فرنسي كضريبة حرب. ناهيك عن المصادرات والسلب والنهب
العشوائي الذي قام به الجيش الفرنسي. وخلاصة الأمر فإن الثورة كلفت الجزائريين ما
قيمته 63.212.252 فرنك فرنسي-مصادرة-؛ وهو أمر لا يسعنا الحديث عنه بإسهاب.[10]
-فرض
غرامات على النحو الآتي: 70 فرنك عن كل بندقية، 140 فرنك عن كل من شارك فر الثورة،
210 فرنك للعرش الذي شارك في الثورة، وكان كل من لم يلتزم بدفع هذه الغرامات تصادر
املاكه فورا، الأمر الذي دفع بالفرنسيين إلى مصادرة 1.210.907 رأسا من البقر، ما
بين 1872-1873، و 1.458.907 سنة 1876.
-الثورة
أعطت دفعا قويا وتجاوبا كبيرا للشعب الجزائري مع قضيته العادلة، عكس ما روجت له
الدعاية الفرنسية المنادية بمقولة-الجزائر أصبحت هادئة-. كما بينت للفرنسيين رفض
الجزائريين للهيمنة الفرنسية.
-تتشكيل
المعمرين لمجموعات شبه عسكرية تجوب القرى والأرياف، لإجراء الإعدامات الصورية
للجزائريين المشبوه في مشاركتهم في الثورة، دون محاكمة.
-طرد
الجزائريين من أراضيهم وممتلكاتهم وفرض التوجه القسري عليهم نحو الجبال
والمرتفعات.
-محاكمة
زعماء الثورة إذ حكم على عبد العزيز بالنفي على جزيرة كاليدونيا الجديدة؛ ولم يسلم
مئات الجزائريين أن يكون مصيرهم نفس مصير عزيز-النفي إلى كاليدونيا-.
[1] -يحي، بوعزيز: نفسه، ص، 196.
[2] -أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية
الجزائرية، ج، 1، ص، 251.
[3] -يحي، بوعزيز: ثورات الجزائر في القرنين التاسع
عشر والعشرين، ص، 200.
[4] -صالح، فركوس: المختصر في تاريخ الجزائر، المرجع السابق، ص، 128.
[5] -يحي، بوعزيز: المرجع السابق، ص، 202.
[6] -أبو القاسم، سعد الله: الحركة الوطنية
الجزائرية، ج، 1، المرجع السابق، ص، 257.
[7] -نفسه، ص-ص، 258-259.
[8]
[9] -نفسه، ص، 262.
[10] -نفسه، ص، 269.
إرسال تعليق