U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

ثورة الزعاطشة 1849

 ثورة الزعاطشة 1849



ثورة الزعاطشة 1849


معركة واحة الزعاطشة:
الموقع الجغرافي
أسبابها
الطرف الفرنسي
الطرف الجزائري


معركة واحة الزعاطشة: بداية من سنة 1844 تكون السلطة الفرنسية استولت رسميا على أهم مناطق الزيبان بعد أن تقلّص منها نفوذ الأمير عبد القادر؛ وتوقف بعدها الحاج أحمد باي عن مواصلة الكفاح، إذ وصل الفرنسيون إلى مدينة بسكرة بعد تمكّنِهم من احتلال باتنة عام 1844 وتعيين الضابط " سان جرمان " على رأس القيادة في المنطقة. ومنذ ذلك الحين بدأت فرنسا تتطلع إلى وضع يدها على الجنوب الجزائري.

 ونلمس ذلك في الخطاب الذي أرسله "المارشال سولت" تحت إشراف وزير الحربية إلى الملك الفرنسي ومن أهم ما جاء فيه: (( يجب أن تُؤلف الصحراء الجزائرية أو بعبارة أخرى المناطق الواقعة بعد التلال صنفا ثالثا من الجهات الإدارية، ففي هذه الجهات لا أثر للمعمرين ولا تطأها الجيوش إلاّ عرضا لقمع الفوضى أو لإعداد ظروف ملائمة لإقامة العلاقات التجارية أو توسيعها، وهي مناطق تفتح لنا المجال لطرق هامة في الحركة التجارية المؤمّنة، ومن علامات تغلبنا أن جلالتكم تقضي بتعيين قُواد من الأهالي في هذه المناطق ))[1].

ومن خلال هذا التصريح تتضح لنا الغاية الاستراتيجية والتجارية والأمنية من عملية توسيع الاحتلال الفرنسي نحو الجنوب. وإذا كان لابد من تجسيد هذه الطموحات فإن واحة الزعاطشة كانت إحدى أهم ضحايا هذا التوسع الاستعماري، فأين تقع هذه الواحة؟ وما هي أسباب اندلاع هذه الثورة بها؟ وما هي أهم تطوراتها ونتائجها؟.

الموقع الجغرافي: تقع بمنطقة الزاب الظهراوي على بعد 35كم جنوب غرب بسكرة والتي سبق وأن سقطت في يد الاحتلال الفرنسي بقيادة "دومال" سنة 1844.

أسبابها.

1-تحرير الوطن الجزائري من الاستعمار الفرنسي (دافع وطني وديني).

2-طرد الحامية الفرنسية المتمركزة في بسكرة.

3-رفع قيمة الضريبة المفروضة على النخيل من 15 سنتيما إلى 45 سنتيما أي بزيادة مئوية قدرها 300‍‌% على الرغم من تدهور محصول التمور بين الحين والآخر[2].

4-محاولة استغلال الظروف الفرنسية إثر تفرغها إلى القضاء على العديد من الثورات مثل: ثورة أولاد بانوس في الظهرة، وأولاد دراج في الحضنة، وبني سليم في التيطري، وبني سليمان وبني يعلي وقشتولة في جرجرة، وثورة زواوة بقيادة سي الجودي وثورة أحمد بن يمينة في الواد الكبير بسكيكدة، وثورة زواغة وفرجيوة وغيرها[3].

لا شك أن هذا الوضع قد ساهم في تقليص عدد الجنود الفرنسيين المتمركزين في كل من بسكرة وباتنة والتي لم يكن يزيد عددهم عن 800 جنديا، وفي ظل هذه الأوضاع المتدهورة دعا الشيخ بوزيان أنصاره إلى جمع الأسلحة وإعلان الاستعداد للجهاد، وهذه الحركة دفعت بنائب المكتب العربي ببسكرة "سيروك" إلى محاولة إلقاء القبض على بوزيان في إحدى جولاته بواحة الزعاطشة؛ إلاّ أن هذه المحاولة باءت بالفشل وترتب عنها قتل بعض حراس "سيروك" وترك وراءه حصانين وبرنوسين وبندقية.

 وعلى إثر هذا الموقف المتأزم قام "ديبوسكي" بالتوجه إلى الواحة على رأس 50 فارسا وطلب من السكان تسليم الشيخ بوزيان، وهو ما زاد في تأزم الوضع. وقام على اثر ذلك سكان واحات طولقة وفرفار وليشانة وبوشقرون بإعلان الجهاد دفاعا عن بوزيان وأنصاره. هذا الوضع حمل "ديبوسكي" على الانسحاب نحو بسكرة والتخطيط من هناك لمواجهة الثوار.

ولاحتواء هذا الوضع قامت السلطات الفرنسية من باتنة بتوجيه قوة عسكرية نحو الجنوب تقدر بحوالي 2000 جنديا على رأسها القائد "كاربوسيا" لكنه سرعان ما انهزم أمام الثوار وخلف وراءه 31 قتيلا و117 جريحاً[4].

حدث ذلك في شهر جويلية 1849؛ ولكن هذا الفشل لم يثن من عزيمة الفرنسيين الذين لجأوا إلى تطويق الثورة وتقليص نفوذها فكلفوا شيخ العرب ابن قانة بفرض رقابة  صارمة على سكان الزاب الظهراوي وقطع أي اتصال خارجي يُقيمونه مع الثوار؛ إلاّ أن هذه المحاولة فشلت هي الأخرى إذ انتشرت الثورة خارج الزيبان. ففي 27 جوان 1849 كان قد هاجم أولاد سحنون زمالة سي مقران، وعمّت الثورة أيضا كل منطقة الزمالة في جبال الأوراس، وقدِم الكثير من المساندين من أولاد جلال وأولاد سيدي قائد والمسيلة وبوسعادة وأولاد نايل وجبال الأوراس للمساهمة في الثورة.

 ولتصوير خطورة الوضع في المنطقة أشير إلى ما كتبه "ديفو" في إحدى رسائله إلى الحاكم العام يوم 10 أوت 1849 في ما نصه ((…لقد أدت الحالة الخطيرة التي تفجرت في منطقة الزاب إلى إسقاط هيبتنا وسلطتنا في أعين أهالي المنطقة …))[5]. وخلال شهر سبتمبر كانت هناك محاولة أخرى لتطويق الثوار؛ انطلقت من مدينة بسكرة بقيادة "سان جرمان" نفسه، إلاّ أن محاولته باءت بالفشل رغم استشهاد قائد الثوار الشيخ عبد الحفيظ الخنقي، ولكن قتل "سان جرمان" في هذه المحاولة رفعت من معنويات المجاهدين رغم فقدانهم لحوالي 200 شهيدا. وفي ظل هذه الهزائم المتتالية استنجد الفرنسيون بالحامية الفرنسية المتواجدة في  القسم الشمالي في كل من قسنطينة، باتنة، بوسعادة، سكيكدة، وعنابة.

 ولقد أشرف على هذا الدعم "هيربيون" حاكم مقاطعة قسنطينة؛ التي انطلق منها يوم 28/09/1849 باتجاه باتنة، ومن هناك انضم إليه جيش من القياد والشيوخ وكان على رأسهم شيخ العرب بن قانة ، وفي يوم 04/10/1949 وصل مدينة بسكرة؛ وبعد يومين استأنف مسيره وبصحبته فيلق من اللفيف الأجنبي بقيادة العقيد "كربوسيا" وتمركز بكدية المائدة المقابلة للواحة يوم 07 أكتوبر في الساعة 8 صباحا بمعظم قواته  المقدرة بحوالي 1000 محاربا[6].

وعلى إثر ذلك قام الجيش الفرنسي بمحاصرة الواحة والاقتراب منها شيئا فشيئا بعد أن حرق واقتلع كل ما وجده أمامه، وفي هذه الأثناء كانت الاشتباكات متواصلة مع الثوار المدافعين عن الواحة، ورغم استخدام سلاح المدفعية في هدم السور الخارجي للواحة فإن هذه الهجمات كلّفت الطرف الفرنسي حوالي 30 قتيلا و57 جريح ولتوضيح صعوبة الموقف أشير إلى ما كتبه القائد الأعلى لقوات قسنطينة ((… والواقع أن هذا الاشتباك الأول يثبت لدينا أن العرب مصممون على منازعتنا كل شبر من الأرض التي تفصل بيننا وبين الزعاطشة… ونحن نعرف أنها محاطة بخندق واسع وعميق مليء بالمياه… مما يجعل الاستيلاء عليها أمرا مستحيلا…)).[7]

وأملا في الانتصار استخدم الثوار كل ما لديهم من قوة في الدفاع عن أنفسهم أمام وحشية الجيش الفرنسي الذي سرعان ما وصله دعمٌ رفع من عدد جيوشه إلى حوالي 1512جنديا وضابطا وبمعيتهم مختلف أنواع الأسلحة خاصة بطاريات المدافع،  ورغم ذلك ازدادت خسائر الطرف الفرنسي وهو ما جعل قائد الحملة يصرّح بما يلي:

      (( شعرنا بهذه الأحداث البائسة شعورا عميقا، وأدركنا أهمية التستر من نيران القرية المحاصَرة في أسرع وقت ممكن، فإن هؤلاء الثوار قد أعطونا دليلا قاسيا على مهارتهم في القتال…)).[8] وهكذا استمر حصار الواحة إلى غاية الهجوم النهائي الذي شنه الجيش الفرنسي يوم 28 نوفمبر 1849؛ هجوم انتهى باقتحام الواحة، ويمكن  رصد الخسائر التي ترتبت عن ذلك في النقاط الآتية:

الطرف الفرنسي: قتل 10 ضباط و60 منهم جرحى، وقتل 156 جنديًا وجرح 740 آخرين.

الطرف الجزائري:

1-تدمير الواحة عن آخرها وطمس معالمها.

2-استشهاد الشيخ بوزيان وابنه الحاج موسى الدرقاوي (بوعمار) وحوالي 300 شهيدا، هذا فضلا عن الذين دُفنوا تحت الأنقاض وغُمروا بالمياه. وعليه فإن التقدير الإجمالي للذين استشهدوا قد يصل إلى حوالي 1000 شهيدا.

3-ازدياد شكوك السلطات الفرنسية في ولاء عائلتي بوعكاز بقيادة ابن شنوف على أولاد صولة وعائلة ابن قانة بقيادة شيخ العرب محمد الصغير بن قانة ابن أخ بوعزيز بن قانة. وعملاً على إضعافهم قسّمت فرنسا مناطق نفوذهما؛ فأما العائلة الأولى فأعطيت لها قيادات صغيرة في الحضنة ونواحي سطيف وبقية الزاب الشرقي تحت قيادة ابن شنوف، وأما العائلة الثانية فأضافوا بني بوسليمان بالأوراس إلى بني شنوف وقسّموا الزاب الغربي إلى العرب الشراقة والعرب الغرابة قصد مراقبة  تحركات السكان وابن قانة، وأنشأوا في شمال بسكرة قيادة جديدة هي قيادة السحاري بقيادة بولخراص بن قانة[9].

3-احتلال مدينة بوسعادة مع مطلع سنة 1850 بعد معركة حامية الوطيس -معركة بوسعادة- وذلك على إثر الإمدادات التي قدّمها القائد محمد بن شبيرة لسكان واحة الزعاطشة؛ ولقيامه أيضا بإرباك الجيش الفرنسي بين الحين والآخر إثر انتفاضته التي تزامنت ووقت حصار الواحة.

4-تدمير واحة نارة بعد معركة حاسمة مع الجيش الفرنسي؛ والتي لاقت نفس مصير واحة الزعاطشة، فقُطِّعت أشجارها وغابات نخيلها على يد القائد "كاروبير" الذي ادعى أن سكانها رفضوا دفع الضرائب المفروضة عليهم؛ فتقدم إليهم وأحرق عنهم واحتهم بثلاثة فيالق عسكرية، كان ذلك يوم 05 جانفي 1850 وقد خسر الفرنسيون حسب إحصاءاتهم 8 قتلى من بينهم الضابط "بوكوتو" وحوالي 30 جريحا[10].



[1] - أندري، نوشي وآخرون: الجزائر بين الماضي والحاضر، ترجمة اسطنبولي رابح ومنصف عاشور، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1984، ص 385.

[2] - جعنيط، عيسى: (( مقاومة سكان الواحات للاحتلال الفرنسي في القرن 19)، ثورة الزعاطشة، أسبابها وتطوراتها ))، الدراسات التاريخية، العدد 9، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1415هـ/ 1995م، ص 148.

[3] - نفسه، ص 148.

[4] - سعد الله، أبو القاسم: الحركة الوطنية الجزائرية، الجزء الأول، القسم الأول، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1992، ص 353.

[5] - جعنيط، عيسى: المرجع السابق، ص 143.

[6] - إسماعيل، العربي: (( الترتيبات التكتيكية لحصار قرية الزعاطشة أكتوبر، نوفمبر 1849))، الدراسات التاريخية، ،العدد 9، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1415هـ/1995، ص 156.

[7] - نفسه، ص 159.

[8] - نفسه، ص 160.

[9] - سعد الله، أبو القاسم: المرجع السابق، ص، 357.

[10] - نفسه، ص 358، وللمزيد من المعلومات حول واحة الزعاطشة يراجع:

          - أحميده، عميراوي: بحوث تاريخية، دار البعث قسنطينة 2001،.

         - البخاري، حمانة: (بعض أسباب فشل ثورة الزعاطشة) الدراسات التاريخية، العدد 9، ص-ص، 165-171.

         - محمد الطيب العلوي: مظاهر المقاومة الجزائرية (1830-1954).


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة