الصراع الإسباني العثماني على تونس
خلال النصف الثاني من القرن 16
-* مساهمة درغوث والعلج علي في تحرير المدن التونسية خلال النصف الثاني من القرن 16.
أولاً: مساهمة درغوث في تحرير المدن التونسية
أ) التعريف بدرغوث
ب)مساهمة درغوث في تحرير السواحل الشرقية لتونس
ج)جهود درغوث في تحرير السواحل الجنوبية لتونس
1- قفصه
2- القيروان
ثانيًا: مساهمة العلج علي في تحرير المدن التونسية
أ)التعريف بالعلج علي
ب) مساهمة العلج علي في تحرير مدينة تونس 1569م
ج) محاولة العلج علي فتح حلق الوادي
-* التدخل الإسباني في تونس خلال النصف الثاني من القرن 16.
أولاً: احتلال المهدية 1551م
أ)مجريات الحرب
ب)تداعيات سقوط المهدية
ثانيًا: محاولة احتلال جربة 1560م
أ) تغيير الوجهة من طرابلس الغرب إلى جربة
ب)مجريات الحرب في جربة
ج) نتائج الحملة على جربة 1560م
ثالثًا: حملة الدون خوان النمساوي على تونس 1573م
أ)إنعكاسات معركة ليبانت
-* التحرير العثماني لتونس وتداعياته خلال النصف الثاني من القرن 16.
أولاً: الاستعدادات العثمانية والإسبانية
أ) الاستعدادات العثمانية
ب )الاستعدادات الإسبانية
ثانيًا: تحرير حلق الواد وتونس
أ) تحرير حلق الواد
ب)تحرير تونس
ثالثًا: انعكاسات الفتح العثماني لتونس
أ) الأطماع الأوروبية والحفصية لاسترجاع تونس
ب) توطيد الحكم العثماني في تونس
صحيح أن شارلكان فرض الحماية على تونس وتمكن منها في
1535م ونصب مولاي الحسن حاكما عليها، لكن ذلك لا يعني أن أهالي تونس كانوا راضين على استنجاد
ملكهم بشارلكان، خاصة وأنهم كان يتلقون كل أنواع الظلم المادي والمعنوي في عُقر
دارهم على يد الإسبان، مما حملهم (أهالي تونس) على بذل الغالي والنفيس من أجل
تحرير المدن التونسية رفقة كل من درغوث باشا والعلج علي، وكان للدولة العثمانية دور
كبير في ذلك أيضا ،فواجهوا إسبانيا بكل ما أوتوا من قوة.
ومن خلال هذا الصياغ نطرح العديد من الأسئلة:
- من هو
درغوث باشا؟ وماهي المدن التونسية التي افتكها من الإسبان؟
- من يكون العلج علي؟ ولماذا لم يتمكن من الاحتفاظ بتونس بعد ماظفر بها؟
-كيف تمكن سنان باشا من تحرير تونس 1574م ؟ وماهو حال النظام العثماني في
تونس بعدما أصبحت إيالة عثمانية؟
-* مساهمة درغوث والعلج علي في تحرير المدن التونسية خلال النصف الثاني من
القرن 16
أولاً: مساهمة درغوث في تحرير المدن التونسية
أ)
التعريف بدرغوث:
من أشهر رياس البحر في عهد خير الدين وحسن آغا، أصله من
جزيرة رودس، وهو من أبرع تلامذة خير الدين([1])، ومن أعظم
رؤساء السفن في بحر المشرق، ذو خبرة في معرفة الجزر والمراسي والقراضات
الموجودة في البحر المتوسط([2]).
اختلفت الآراء حول مكان ولادته من رودس إلى أناضوليا إلى اليونان، المهم
أنه منذ الصغر لفت نظر خير الدين إليه، وصعد بسرعة حتى أصبح أقرب مساعديه، وكان
على رأس أحد أجنحة الأسطول العثماني في بريفيزا 1538م([3]).
أخذ حقه في مقاومة القراصنة الإسبان بالسواحل التونسية ([4])، فكان بحارا عثمانيا من طراز خير الدين ،حيث تصدى للقرصان أندري دوريا ([5])،إلا أنه تم القبض عليه من قبل ابن أخ دوريا بعد معركة غير متكافئة اضطر
فيها درغوث للاستسلام في 15جوان1540،حيث قضى4سنوات مقيدا في سفن عائلة اللوميليني
التي اشترته من دوريا ([6])
تم اتفاق خير الدين بربروس مع
أندري دوريا على إطلاق سراح درغوث باشا حيث كانت الفدية عالية ،فقد حصل البيت الجنوي اللوميليني على امتياز بإقامة
مرسى ومصنع لصيد المرجان على جزيرة طبرقة ،بينما حصل دوريا على ثلاثة آلاف دوكا ذهبية([7])،وهذا طبعا بعد موافقة السلطان سليمان القانوني ،بقي درغوث وفيا لسياسته المعادية للمسيحيين خاصة
المالطيين والإسبان ونظرا لاستحالة عودته إلى الإيالة الجزائرية بسبب التزام هذه
الأخيرة بالهدنة الموقعة بين الدولة العلية والإمبراطورية الإسبانية فكان لابد
للبحث عن مكان يزاول فيه جهاده البحري فكانت جزيرة تونس مكانه المفضل([8]) ، فحارب بعنف وشدة أساطيل العدو، وقتل
الأعداء تحت إمرة خير الدين وحسن آغا([9])، وفي سنة 1551م تمكن من تحرير طرابلس رفقة مراد آغا وسنان باشا ،فعينته
الدولة العثمانية والي عليها تكريما لجهوده ([10])ويعتبر عهد درغوث باشا العصر
الذهبي لطرابلس الغرب من الناحية الاقتصادية، توفي في (972ه/1564م) متأثرًا بإصابة
أُصيب بها عند مشاركته في حصار مالطا إلى جانب الأسطول العثماني([11])، وحُملت جثته بخمس سفن من أسطوله إلى طرابلس الغرب حيث دفن هناك([12]).
ب)مساهمة درغوث
في تحرير السواحل الشرقية لتونس:
تمكن درغوث من السيطرة على معظم الموانئ الساحلية
التونسية ومنها المهدية، وألحق بالحسن الحفصي الخاضع لحماية الإسبان هزائم متعددة([13]).
استولى على جزيرة جربة واتخذها قاعدة
له ومنها شن الحرب على السواحل الإيطاليا حيث كان يلقي القبض على كل سفينة لا تحمل
العلم الإسلامي ([14])،واستطاع أن يؤلف أسطولا قوامه 14 سفينة غزا بها سواحل نابولي ثم طرد الإسبان
من سوسة والمنستير وصفاقس واحتلها وكان يسعى إلى احتلال المهدية ليجعل منها قاعدة
لأعماله البحرية ([15]).
وفي بداية 1550م استولى درغوث
على المهدية التي كان لها موقع طبيعي قوي في التحصين وأبراج دفاعية جعلت منها إحدى
المواقع البحرية الإستراتيجية([16])،بعد مباغتتها تمكن منها بتواطؤ مع أحد أعيان المدينة و أقام نفسه حاكما
عليها على الرغم من معارضة السكان([17]) واتخذ مدينة
المهدية مركزا له([18]) ومن هناك كان يقذف بسفنه لسلب المراكب و السواحل المسيحية خاصة سواحل إيطاليا([19])، ونظرا لأهمية المدينة الإستراتيجية
عزم العثمانيون على تقوية دفاعها وتحصينها ، وعندما اكتشف أندري دوريا ذلك ،شن هجوما واسعا عليها في جوان 1550 وإستبسل درغوث في الدفاع عنها غير
أنه فشل لقوة الأسطول المسيحي([20]) .
ج) جهود درغوث في تحرير السواحل الجنوبية لتونس:
1- قفصه([21]):
عندما هُزم درغوث في المهدية وانتزعت منه اتجه نحو قفصه
، ولكن سكانها قاوموه فعاد أدراجه إلى جربة، التي قوبل فيها بالرفض وطلبوا منه
الانسحاب حتى لا يقدم القراصنة المسيحيون على غزوها([22]). وفي شهر
أكتوبر من نفس العام قام بغارة على إسبان المهدية وأحرق مركبا مسينيا وتوجه إلى
مدينة قابس، فتخوف حاكم المهدية الإسباني منه، وأبلغ حاكم صقلية باستقرار درغوث
بقابس ومدى خطورة ذلك على الأساطيل المسيحية([23]).
تمركز درغوث بقابس وأخذ يعد العدة بجمع المراكب
والمحاربين، وفي 26 ديسمبر 1550م غادر درغوث مدينة قابس على رأس 600 جندي تركي و150
أسير مسيحي وعدد من المدافع وعندما وصل إلى قفصه جدد محاولته في اقتحامها، فقاومه
السكان وتفوقوا عليه ولكنه سينجح بعد 6 سنوات من فتحها([24]).
وفي 20ديسمبر
1556 استولى درغوث على قفصه واستقبل جنوده فيها كمحررين([25])، واحتل في
نفس العام جزيرة جربة التي كانت تحت حماية فرسان مالطا([26]).
2- القيروان:
لم يكن مولاي الحسن مرغوبا من سكان جنوب البلاد فبقي هذا
الجزء خارجا عن نفوذه ، فكانت القيروان عاصمة لإمارة مستقلة يحكمها رجل من
الأولياء الصالحين من قبيلة الشابية يدعى سيدي عرفة([27])، الذي اعتبر أن مولاي الحسن كافر بالشريعة الإسلامية
لأنه تحالف مع المسيحيين ضد المسلمين، وخلفه أخوه في رئاسة الشابية الذي لاحق بعنف
كل من يعارضه ولا يشاطره آراءه([28])، في المنطقة
وكان اسمه محمد بن أبي الطيب([29]).
وخلال هذه الفترة ذاع صيت درغوث
باشا لما حققه من انتصارات أكسبته سمعة كبيرة وجعلته محط الآمال في تخليص أهالي
السلطنة الحفصية مما يعانونه من تسلط وقهر([30])، مما جعل سكان القيروان يستنجدون به ضد بن الطيب الشابي وذلك لقبح سيرته في الناس([31]).
انتهز درغوث باشا الفرصة
واستولى على القيروان عاصمة الشابيين بعد أن قتل محمد بن الطيب الشابي في (966ه/3
جانفي 1558م) ([32])، وبذلك تمكن درغوث من توطيد نشاطه في كامل الجنوب التونسي وعمل على تقوية الحزام
البري حول طرابلس والسواحل التونسية، وجعل تحركه البحري اتجاه سواحل كالابريا([33]).
فبعد أن ضم درغوث باشا القيروان لسيادة العثمانيين ولى عليها حيدر باشا سنة
(965ه/1558م) ([34]).
ثانيًا: مساهمة العلج علي في تحرير المدن التونسية
أ)
التعريف بالعلج علي:
العلج علي ويدعى جلبي كرد أو
علي، أصله إيطالي([35])، وقع في أسر المسلمين أثناء واحدة من الحملات التي نظمها خير الدين ضد
جنوب إيطاليا ما بين 1524-1528م، اشتهر باسم الفرطاس([36]).
بالنسبة لتاريخ الميلاد فهو غير معروف بالضبط فهناك من يحدده بسنة 1500 م([37]).
بعد إسلامه أطلق عليه أولوج
علي، وخلال فترة وجيزة ارتقى إلى مناصب رفيعة وعلت مكانته، حيث عين القلج علي باشا
واليا على مدينة تلمسان وقاد عدة حروب ضد الإسبان([38]).
ما يلاحظ عن القلج علي أنه كان
طيب القلب من خلال معاملته الإنسانية مع عبيده، وبفضل ذكاءه الفطري ترقى بسرعة حتى
أصبح قبطان لسفينة حربية، وما لبث أن حظي بثقة درغوث، حيث عينه في 1556م قائدا على
جربة، وبعد وفاة درغوث 1565م([39])، عين واليا على طرابلس، وفي 1568م أصبح صاحب السلطة العليا في مدينة
الجزائر متمتعا بلقب بايلرباي، وفي عهده كثفت البحرية الجزائرية نشاطها، حيث كان
يهدف إلى تحرير بلاد المغرب من بقايا الإسبان([40]).
تمكن من فتح تونس في 5ربيع
الأول سنة (977ه/1569م ) ([41]) كما كان للعلج علي مكان هام في معركة ليبانتو باعتباره أميرالاً في قيادة
الأسطول([42]) ، توفي في 27 جوان 1587م في القسطنطينية عن عمر يناهز الثمانين([43]).
ب) مساهمة العلج علي في تحرير
مدينة تونس 1569م: لقد كان أهالي تونس مستائين من
ظلم وجور السلطان أحمد، إزاء ذلك طالب أعيان المنطقة العلج علي بالمجيء لإنقاذهم،
فكانت المراسلة الأولى عام 1568م، ثم كرر له الطلب في 1569م، مما جعل العلج علي
يقرر الزحف إلى تونس([44])،ولهذا الغرض بعث العلج علي رسالة إلى السلطان العثماني سليمان القانوني
يعلمه بالأوضاع السائدة في تونس ورغبته في ضمها قالآ:"لإن أقصى مراد حضرتنا منها ومن كان فيها من رعايا
وعلمائها وصلحائها وفقرائها وضعفائها ان يكونوا مصونين ومأمونين بأنفسهم وأموالهم
وعيالهم ومساكنهم ومواطنهم من مضرة العدى وفساد المفسدين في ايام عدالتنا مرفهين
مطمئنين مواظبين على الدعاء بالخير لدولتنا الباهية ودوام سلطتنا الزهرة"([45]).
ينظر الملحق رقم (06).
في سبتمبر (797ه/1569م) اتجه
العلج علي إلى تونس بجيش يتألف من 5000 جندي مسلح بالبنادق و6000 جندي من القبائل،
ولدى وصوله إلى باجة تقابل مع قوات أحمد([46])،وقد وقع الصدام بين الجيشين ،لكن بمجرد بداية المعركة تخلى عساكر تونس عن
أحمد مما جعل هذا الأخير
يهرب إلى تونس التي أغلقت الباب في وجهه([47])
،وإثر ذلك لجأ إلى الإسبان في حلق الوادي طالبا يد المساعدة لاسترجاع حكمه([48])، وهكذا دخل العلج علي تونس عام 1569م([49])،ولم يجد صعوبة تذكر في احتلالها ([50])، بل وجد ترحابا من التونسيين، ونادى في الناس بالأمان فاجتمع إليه وجوه
البلد وأخذ البيعة للسلطان سليم الثاني وأعلنت الخطبة بالدعاء له من المنابر وضربت
السكة باسمه([51]).
عمل العلج علي على تنظيم البلاد وحدد طرق السير، ووضع لها جيشا متكونا
من 5000 رجل موزعين على مائتي كتيبة تتكون الواحدة منها من 25 رجلا تسمى الأوجاق([52]).
أمضى العلج علي كل الشتاء في تونس، أخضع كل
المدن والقرى والمقاطعات تقريبا، بعد أن عين القائدين رمضان([53]) وهو علج سرديني ومحمد وهو علج
من نابولي على رأس حامية تونس([54])، وعاد العلج علي إلى الجزائر([55]). ينظر الملحق رقم (07)
نجح القائد رمضان في إشاعة
الأمن والاستقرار في تونس ونال رضى الأهالي ،حيث أرسل أعيان تونس ومن ضمنهم أبو
الطيب رسائل إلى الديوان الهيمايوني ([56])أشار فيها إلى حسن واستقامة رمضان في معاملته مع الأهالي وبذله قصارى جهده
من أجل اصلاح أمورهم ،وبذلك تمت تزكية تفويضه كقائم مقام عليها ([57])، لكن القلعة الحصينة في حلق الوادي بقيت بيد الإسبان، وعدم الاستقرار بقي
يسود بعض مناطق القطر التونسي([58]).
أما عن ردة فعل إسبانيا من ضم مدينة تونس فقد
كانت شديدة عليها، لأنه أصبح باستطاعة العثمانيين التحكم في المضيق الصقلي وتهديد
إيطاليا وإسبانيا معا، خاصة أنه بعد احتلال تونس، هجم العثمانيون على قبرص التابعة
للبندقية([59]).
ج) محاولة العلج علي فتح حلق
الوادي
لقد كان فتح تونس ضربة موجعة
لإسبانيا، غير أن بقاء حلق الوادي بيد الإسبان يعتبر تهديدا لتونس، لهذا حاول
العلج علي فتحها وتطهير السواحل التونسية من الوجود الإسباني([60])، وخلال الأشهر الأخيرة من إقامته في تونس أعطى أوامر إلى مامي قورصو لجعل
الأسطول في حالة جيدة ([61])، حتى يتمكن من الإبحار بمجرد وصوله إلى الجزائر وأعلمه أن القصد من ذلك هو
فتح حلق الوادي، بعد حصوله على مساعدات من الباب العالي([62])،حيث سيذهب بنفسه إلى إستانبول لطلب هذه المساعدة([63]) .
عندما وصل علج علي إلى الجزائر
جهز جيشا يتكون من 19 سفينة منها 7غاليرات
و12 غليوطة، فخرج بها إلى البحر وعزم على الذهاب إلى إسطنبول لطلب المساعدة، وفي
طريقه أعلن الحرب على السواحل الإيطالية
والإسبانية المالطية التي كانت تحركاتها تزعج السلطان العثماني([64])، وكان مع العلج علي ألمع الرياس مصطفى الأرنؤوطي، الرايس جعفر، مامي...
وبفضل جهودهم تمكنوا من الإستيلاء على 4 سفن مالطية في الحروب التي خاضوها مع
الدول المسيحية في الطريق([65])، وفي تلك الأثناء استجدت التطورات في شرق البحر المتوسط، دفعت بالعثمانيين
إلى فرض الحصار على قبرص مما أشغلهم عن إرسال المساعدات إلى علج علي ([66])، عندئذ أرسل علج علي أسطوله إلى الجزائر ومعه السفن والأسرى التي استولى
عليها، مؤجلا أمر حلق الوادي ليوم آخر([67]).
وفي رواية أخرى ورد أن
التونسيين قد ساعدوا العلج علي في حصار قلعة حلق الوادي مع السفن التي جاءت من
الجزائر، غير أن حاكم صقلية فرونسوا فرديناند (Françoi Ferdinand) أنجد القلعة بـ25 غليوطة،
إضافة إلى عدد من السفن المالطية مما حمل العلج علي رفع الحصار([68]).
-* التدخل الإسباني في تونس خلال النصف الثاني من القرن 16
أولاً: احتلال المهدية 1551م:
أ) مجريات الحرب:
باحتلال المهدية عام 1550م من
قبل درغوث، انزعجت إسبانيا من ذلك فأرسل شارل الخامس رسالة إلى السلطان العثماني
يحتج فيها عن هذا العمل واعتبره نقضا للهدنة التي كانت قد أُبرمت بين الطرفين عام
1545م، إلا أن السلطان العثماني كان رده بأن درغوث من الرياس الأحرار لا ينتمي
لدولته([69]).
من ماي إلى جوان 1550 بدأت
التجهيزات لأسطول قوي بقيادة دوريا للهجوم على المهدية، وتوقعا لهذا الهجوم قام
درغوث بتحصين المنطقة بالمدافع والبنادق، كما عمل مع نائبه العلج علي بتنظيم
عمليات لتشتيت قوات العدو وإشغالها بمناطق أخرى([70]).
وفي 22 جوان 1550م اقترب أسطول
أندري دوريا من المهدية وفرض عليها حصارا صمد خلاله سكانها مدة 80 يوم، وفي 10
سبتمبر 1550م اقتحم المدينة([71])، ولابد أن نذكر أن الحامية العثمانية بقيادة عيسى أحد القواد الموالين
لدرغوث قد استطاع بالاستعانة بالمواطنين من تقوية خط المواجهة العسكرية بقلعة
المهدية التي صمدت لهجمات الإسبان أكثر من شهر([72])، كما نشير إلى أنه أثناء هذا الحصار بعث درغوث 4 سفن من نوع غليوطة إلى
مراد آغا في تاجوراء طالبا عونه، وقد هاجم هذه السفن جيوفاني مورت (Moret) ( قرصان من نيس)، حيث قتل العديد من الأشخاص مما أدى إلى إنسحابهم ([73]).
وفي ظل هذه الظروف
استسلمت المهدية، حيث أستشهد فيها ألف ومائتان من المسلمين، خلال فترة محاصرتها،
كما تم أسر تسعة آلاف آخرين([74]).
بعد دخول الإسبان للمهدية، رحل الدون خوان دوفيجا (Don Juan D’Autriche) ([75]) عنها تاركا أخيه دون الفار (Dan alvar) حاكما عليها ومعه 1500 رجل مدرب مع
تمويناتهم([76])، غير أنه وبسبب عدم تحمل العبء الكبير في نفقات تحصينات المدينة والحامية
الموجودة بها، أمر الملك الإسباني شارلكان في سنة 1553م القائد دون فرناند دي أكينا
(Don Fernand D’Acuna)بتدمير المدينة و تحصيناتها([77]).
وبحلول عام 1554م تخلى الإسبان
عن المهدية بعدما دمروا حصونها([78]).
ب)تداعيات سقوط المهدية:
بعد استيلاء الإسبان على المهدية
حاصروا جربة، ولم يكن درغوث رايس في وضع يمكنه من مواجهة القوات الإسبانية هناك،
فقرر ترك معقله واستطاع بمقدرة فائقة اختراق الحصار الإسباني واللجوء إلى الدولة
العثمانية([79]).
وبسقوط المهدية استفحل تقدم الإسبان بالأراضي التونسية، فزاد اهتمام الدولة
العثمانية بهذه المنطقة ودفع السلطان سليمان القانوني إلى اعتبار احتلال المهدية
انتهاكا لشروط المعاهدة، وهذا ما حتم توجيه الأسطول العثماني لاسترجاع المهدية
ووضع حد للوجود المالطي([80]).
التحق درغوث بالأسطول العثماني
الذي كان يقوده الأميرال سنان باشا ونائبه صالح رايس وجرى بينهم اجتماع لتقرير خطة
العمل فقام درغوث بمهاجمة اوغستا (Augusta) وغيرها من المراكز في صقلية([81])،حيث تم فرض حصار على مالطا في 18 تموز لكنه لم يكن موفقا، ليتوجه بعد ذلك
الأسطول العثماني إلى جزيرة قوزو بناءً على اقتراح درغوث، واستطاعوا أن يحصلوا على
5000 أسير منها([82]).
وفي أوت وصل الأسطول إلى طرابلس الغرب التي كانت قاعدة فرسان مالطة منذ 1510م،
وبعد حصار دام تسعة أيام استسلمت القاعدة، فأمام عدم التكافؤ الكبير بين القوى
أُجبر المرتزقة الكالابريون والصقليون وعددهم 650 مقاتلا أن يقبلوا الاستسلام([83]).
ثانيًا: محاولة احتلال جربة 1560م
أ) تغيير الوجهة من طرابلس الغرب
إلى جربة:
كان درغوث قد فرض سيطرته على
جربة منذ (966ه/1558م) وبعد مدة عين عليها غازي مصطفى التركي، وأخذ بعد ذلك يواجه
القراصنة الأوروبيين في موانئ إيطاليا نفسها مثل ريجيو وغيرها([84]).
ولا يزال درغوث ينتصر على أعداء المسلمين مما أثار حفيظة الأوروبيين أمثال
فيليب الخامس الذي أقسم بأخذ الثأر من درغوث وأمر أسطوله بمتابعته أينما كان([85]).
وهذا ما ترك فرسان القديس يوحنا
يفكرون في الاستيلاء على طرابلس الغرب مرة ثانية بتحالف الإسبان وقوى أوروبية أخرى
معهم، غير أن الحملة تفككت وأخذت كل مجموعة تتلقى أوامر من قائدها ومع ذلك استطاعت
أن تصل إلى جربة([86])، وتوقفت عند روكيتا (Roccetta) للتزود بالمياه وهناك دخلت في
أول صدام مع العرب والأتراك الذين يحمون الجزيرة ويدافعون عنها([87]).
أخذ درغوث وجنوده في مضايقة الجنود المسيحيين الذين كانوا يحاولون النزول
إلى البر للحصول على الماء، وهذه الاشتباكات قد كلفت الجيش المسيحي بضعة مئات من
الموتى، فقرر الأسطول المسيحي العدول عن فكرة الهجوم على طرابلس وتوجيه الهجوم
مباشرة إلى جربة([88]).
ب)مجريات الحرب في جربة:
بعد قرار توجيه الغزو ضد جزيرة
جربة، أقدم النصارى بعرض صداقتهم على بعض شيوخ المحاميد، فخرطوهم في خدمتهم مقابل
معاش دفع لهم للعمل ضد درغوث مع 400 أو500 من فرسانهم شريطة أن يعهد إليهم بحراسة
ممر جربة([89])، وقد سلم الشيخ مسعود شيخ جربة قلعة برج الكبير قرب حومة السوق إلى القائد
الإسباني ،وأعلن تبعيته له ملتزما في نفس الوقت بدفع اداء سنوي ([90]).
وقد بذل القائد الإسباني ميدينا سيلي (Medina celi) وقتا في إقامة حكومة عملية في جربة وبناء
حصن صغير لحامية كانت ستقام هناك لتأمين السيطرة الإسبانية على الجزيرة([91]) في هذا الوقت كان درغوث يعمل لمواجهة هذا الظرف وكلف العلج علي فرطاس بالسفر
إلى القسطنطينية وطلب النجدة العاجلة([92])، حيث أرسل السلطان أسطولا يضم 120 سفينة حربية بقيادة بيالي باشا إلى
المنطقة وفي الطريق أغار الأسطول العثماني على بعض الأماكن في جزيرة مالطا ودمرها
،ثم توجه إلى جربة([93])،ويؤكد بروديل أن الأسطول قطع المسافة بين استانبول والسواحل الطرابلسية
خلال 20 يوما وهذه المدة
قصيرة جدا وغير مألوفة تماما([94]).
وصل بيالي باشا إلى جربة على رأس قطعة قوية من الأسطول التركي بطريقة غير
منتظرة([95]) ، وكان يعزز قيادته خبرة قليج علي باشا فضلا عن درغوث ،وقد باغث الأسطول
المسيحي في الجزيرة والذي لم تكن الفرصة سامحة لتنظيم انسحابه أو مقاومته ومع هذا دارت بعض المعارك الحربية وكانت غير متكافئة ([96])، حيث جرت معركة ضاربة بين الطرفين ،تعرض فيها الأسطول الصليبي إلى هزيمة
قاسية إذ غرقت 60 سفينة من سفنه وقتل من أفراده 20 ألفا ،ثم حاصرت القوات العثمانية
قلعة جربة ، واجتاحتها بعد حصار دام 80يوما وقتل معظم المدافعين عن القلعة ([97]) ،وقد استماتت الحامية الإسبانية بشجاعة مؤلمة في وصول النجدة ،ولكنها
استسلمت بعد أن نفذ الماء
والطعام ،وذلك في شهر
جويلية سنة 1560([98]).
ج) نتائج الحملة على جربة 1560م:
1- إلحاق هزيمة قاسية بالجنود
المسيحيين ورئيسهم دون ألفاردي سانت.
2- إقامة برج من جماجم الأعداء قرب
البرج الكبير([99]) ارتفاعه من عشرين إلى ثلاثين قدما وقاعدته زادت عن مائة وثلاثين قدما، سمي
ببرج الجماجم، كما أقام الرايس درغوث إثر انتصاره على الإسبان الأفراح، حيث عرف
آنذاك بالقائد الذي لا يقهر([100]).
3- أن انتصار العثمانيين على جربة
أكد تفوقهم البحري والعسكري.
4- أن هذا الانتصار توج عصر
السلطان سليمان القانوني الذي أصبح يمثل أزهى العصور العثمانية([101]).
5- نستطيع القول أن هذا الفشل مس
بسمعة إسبانيا بل وبأمنها أيضا.
6- شجع الموريسكيين بالاعتماد على طلب
المساعدة من الشرق في نزاعهم مع مضطهديهم الإسبان([102]).
7- لم تنتهي مشاكل إسبانيا البحرية
في حوض المتوسط بهزيمة جربة، فقد فآجأ درغوث الأسطول الإسباني وأغرق عددا من
السفن، لذلك فإن البحرية الإسبانية لم تستطع القيام مرة ثانية باستعراض قوتها بشكل
جدي إلا في 1564م([103]).
ثالثًا: حملة الدون خوان النمساوي على تونس 1573م
أ)
إنعكاسات معركة ليبانت:
لقد كان التحالف المسيحي بين
البندقية وإسبانيا وبعض الامارات الإيطالية([104]) الذي كانت مدته ثلاثة سنوات
(1571_1573م) يشكل تهديدا لكل من إيالة الجزائر وتونس وطرابلس ، وهو ما جعل السلطان
العثماني يندد في مراسلاته بوجوب الاستعداد والانتباه من أن يلحق الضرر بهذه المناطق([105]) حيث جاء في رسالته المؤرخة يوم
17 محرم 979\11جوان1571 الموجهة إلى بيلرباي طرابلس الغرب يخبره فيها بأن الحلفاء
المسيحيين اتحدوا للهجوم على قلعة تونس
،فلقد توجب اعداد الأسطول العثماني وأرساله إلى المنطقة المذكورة على وجه السرعة
،و عليك بحفظ وحراسة المملكة والعمل على تعمير وتحضير كل اللوازم للتصدي للكفار
والأعداء([106]) .
و في 7 اكتوبر 1571م، جرت في
خليج ليبانتو([107]) إحدى أكبر المعارك في تاريخ
البشرية إذ تمكن الأسطول الموحد للدول الكاثوليكية من تطويق وتحطيم الأسطول
العثماني([108])، بقيادة الدون خوان أخ فيليب الثاني،
وقد أثر ذلك في نفسية العثمانيين بشكل خاص([109])، حيث قتل أكثر من 30 ألف من
الجنود العثمانيين، إضافة إلى الأسرى الذين قطعت رؤوسهم، وأخذت 130 سفينة عثمانية([110]).
ومن نتائج هذه المعركة:
1-
شكل هذا النصر ضربة قوية للتفوق العسكري في حوض البحر المتوسط، حيث أدى إضعاف
النشاط البحري الإسلامي في غربي حوض البحر الأبيض المتوسط إلى دفع هذا الانتصار الإسباني
والإيطالي للتفكير بمشاريع مستقبلية لمهاجمة المغرب العربي والعمل على طرد
العثمانيين([111]).
2-
توقف النفوذ العثماني في الحوض الغربي للمتوسط، واحتفاظ الإسبان ببعض
الجيوب الساحلية في شمال إفريقية وبقاء جزيرة مالطا بيد فرسان القديس يوحنا ([112]).
3-
بروز قليج علي وتفانيه في الجهاد والغزو مما أدى بتقديم خدمات جليلة للباب
العالي ،ولهذه
الأعمال تم استدعاؤه من قبل السلطان وتعيينه أميرالا للأسطول ([113]). .
4-
شجعت هذه الخسارة دون خوان على محاولة استرجاع مناطق كانت فقدتها إسبانيا
في شمال إفريقيا وكانت بدايته بتونس مفتاح الحوض الشرقي للمتوسط([114]).
ب) توجه الحملة الإسبانية إلى
تونس:
خرج الدون خوان النمساوي
في7أكتوبر 1573 ليقود حملة بحرية لاحتلال تونس تشبه الحملة التي قادها أبوه عليها
سنة 1535م،حيث كانت الحملة ضخمة تتكون من حوالي 138 سفينة وبارجة حربية([115])
وعدد كبير من سفن النقل
والغليوطات([116]) وكان الجيش يتكون من 13 ألف إيطالي و 9ألاف إسباني و5 ألاف ألماني وتحركت
تلك القوى بخطى سريعة بإتجاه مدينة تونس([117])
،ولما بلغ الأسطول المسيحي حلق
الوادي لم يجدوا قوات تعترض طريقهم ،فتقدموا إثر ذلك نحو مدينة تونس بقيادة سانتا كروز (Santa Gruz) فهاجمها واستولى عليها دون مقاومة اذ لم يكن بمقدور أفراد حاميتها البالغ عددهم نحو2000 الذين كانوا تحت قيادة رمضان باشا من الوقوف في وجه القوات المسيحية الضخمة([118]).
ج) استيلاء دون خوان على تونس: بعدما استولى الإسبان على تونس، فرت
الحامية التركية من تونس العاصمة إلى الحمامات ونجت من مطاردة الدون خوان وجنوده
هناك، ووجدت أن ملاذها مدينة القيروان التي كانت محكومة بالقائد التركي حيدر باشا([119])، وبينما كانوا في طريقهم إليها لاحقتهم القوات الإسبانية ووقع بين
الطرفين قتال شديد تمكنت القوات الإسلامية من الانتصار على الأعداء، ولما قفل
الإسبان عائدين إلى تونس منهزمين([120])، رجعوا إلى الحمامات فحاصروها وأخذوها عنوة وقتلوا من قدروا عليه من
الرجال وفر الباقون وسبيت أولادهم وحريمهم ونهبت أموالهم وفعلوا بهم الفاقرة([121]).
قام الجنود الإسبان بتخريب
شوارع تونس، حيث ظلوا لأيام عدة ينشبون المنازل ويحفرون الساحات والسطوح، حتى لم
يبق بيت سليماني في المدينة، وحطموا الأثاث ومعالم الزينة والزخرفة وباعوا سجاجيد
القيروان والأقمشة والأواني الفاخرة بأبخس الأثمان([122])،ولم يكتفوا بهذا بل تجرأوا على جامع الزيتونة بربط خيولهم هناك ، ورميهم
للكتب العلمية في الطرقات تدوسها خيول عساكرهم ، فلقد عانى سكان تونس من ظلم
الإسبان حتى خرجوا إلى الجبال والغابات والبوادي ونالهم الجوع والعطش ([123]).
لما ظفر دون خوان بتونس واستقر له الأمر نهائيا قام بتنصيب مولاي أحمد
الحفصي سلطانا عليها وفرض عليه شروط مذلة وقاسية وجعله حاكما تابعا لعرش الملك
الإسباني، أمام هذه الوضعية المخزية تنازل مولاي أحمد عن الملك لأخيه محمد الذي
قبل أن يخضع للإسبان وشاركه في تولي السلطة سيربيوني غابريال (Gabriel Serbelloni) ([124]).
قام الدون خوان بتحصين قلعة حلق
الواد وقلعة تونس بدلا من هدمهما من أجل تعزيز مراكزه على السواحل الإفريقية، فلقد
بنى قلعة الباستيون خارج باب البحر من مدينة تونس على شكل مدينة أروبية أطلق عليها
اسم شيكلي عمرها وأسكنها الإسبان، ([125])، وهي تحتوي على أحياء متميزة للإيطاليين والإسبانيين وبناءات من الخشب
وآبار مياه ومخازن للمؤون ومطاحن للقمح ومعامل للحدادين ويضاف إلى هذا وجود المستشفى
و الصيدلية والكنيسة, وهذه القلعة تبعد حوالي 150 أو200من سور المدينة وهي أكبر من
قلعة حلق الوادي وبها 6أبراج([126]) ،وكان الدون خوان يطمح لتنصيب نفسه ملكا على هذه القلعة وهو ما أدخل الرعب
في نفسية الملك
فيليب الثاني (philipe II)([127]) فألح في طلب أخيه ([128])الذي خاف أن ينفرد الدون خوان بحكم تونس ويجعلها مملكته الخاصة لذلك وجه له
الأوامر بالعودة فورا إلى إسبانيا فما كان من الدون خوان إلا تلبية الطلب فورا
والعودة إلى إسبانيا تاركا وراءه 8000 جندي يقودهم غبريال سربيوني للمحافظة على
المواقع المحتلة([129]).
-* التحرير العثماني لتونس وتداعياته
أولاً: الاستعدادات العثمانية والإسبانية
أ)
الاستعدادات العثمانية
استاء السلطان سليم الثاني مما
حدث في تونس جراء الغزو الإسباني فخاطب وزراءه بقوله: "من يقوم منكم بهذا
الأمر، ويتقدم لنصرة الإسلام وإذلال عبدة الصليب والأصنام"، فبادر الوزير
الأعظم سنان باشا، فتم قبوله والثناء عليه([130])، وإثر ذلك أصدر السلطان سليم الثاني أوامره إلى وزيره سنان باشا وقبودانه
قلج علي بالاستعداد للتوجه إلى تونس لفتحها نهائيا وإعادة نفوذ الدولة العثمانية
إليها([131])، كما قام بإرسال فرمانات إلى الحكام العثمانيين مخبرا إياهم بقرار الحملة
الرسمية على تونس وناشدهم بتقديم المساعدة مهما كان نوعها([132]).
وهذه نماذج من رسائل السلطان
العثماني:
-
رسالة موجهة إلى حاكم تونس: جاء فيها تعيين القائد رمضان أمير أمراء على الجزائر،
وأنه من أجل فتح قلعة حلق الواد تم إعداد 300 سفينة مشحونة بالعساكر والجنود، وأنه
تم تعيين سنان باشا قائد لهذه الحملة،
وسيوجه سائر القادة وأمراء الإنكشارية والمحاربين المتطوعين أوائل محرم 982ه، وطلب
منه إرسال العساكر والذخيرة([133]).
-
رسالة موجهة إلى أحمد باشا حاكم الإيالة الجزائرية: يخبره فيها بتعيينه
لرمضان باشا على رأس الحكم بالجزائر بدلا منه
،كمكافأة له على بلاءه الحسن بتونس، وفي نفس الوقت يطلب منه التوجه بقواته
البحرية إلى تونس والمشاركة في فتحها وأن يكون تحت إمرة علج علي([134])
-
رسالة موجهة إلى القائد رمضان باشا: أعلمه فيها عن التجهيزات المعدة لتحرير
حلق الواد، وأمره بتجهيز عساكر الجزائر من الفرسان والمشاة بكامل عدتهم وعددهم
والتفاهم مع أمير أمراء كل من طرابلس وتونس([135]).
إثر ذلك قام القائد رمضان باشا
بقيادة 3000 انكشاري وآلاف المتطوعين من أهالي تونس وبسكرة، قسنطينة، عنابة، بنزرت
والقيروان، وتوجه بهم إلى تونس([136])،كما قاد مصطفى باشا بكلربكي طرابلس الغرب جيشا كثيفا([137])، يضم 4000 رجل وشيوخ جزيرة جربة والقيروان بمعية 6000 فارس و2000 جندي من
قسنطينة وعنابة وقد انضم إليهم عدد كبير
من الأهالي وتوجه بهم إلى تونس([138]).
كما أبحر الأسطول العثماني
بقيادة سنان باشا والعلج علي إلى تونس يوم 14 ماي 1574م([139])، ولقد اختلفت المصادر العربية في عدد قطع الأسطول، فعلى حسب محمود مقديش
عدد السفن وصل إلى 1500سفينة في قوله: "فقد شحنوا 200 غراب وعدة كثيرة من
شونات المراكب الكبار لحمل الأثقال والمدافع وكان عدة السفن 1500 سفينة" ([140])بينما أورد لنا علي بن محمد التمقروتي أن عدد السفن بلغ 450 سفينة بقوله : "خرج
الأسطول العثماني في 450 سفينة من القسطنطينية وسائر إفريقية فيها مائة ألف مقاتل
وأزيد"([141])، أما المصادر الأجنبية على حسب
دراسة طاهر تومي تذكر أرقام مختلفة تماما عما ذكرته المصادر العربية، فقد ذكر
هايدو أن عدد قطع الأسطول العثماني 250 سفينة حربية من نوع غاليرة و40سفينة لنقل
الجنود ،أما برودال أورد أن عدد قطع الأسطول كانت 250 سفينة، والملاحظ أن المصادر
والمراجع الأجنبية تقاربت في إعطاء العدد وهو ما نأخذ به، وخاصة أن المصادر
الأجنبية غالبا ما تحاول تضخيم مثل هذه الأحداث لإعطاء مصداقية أكبر للجانب الأوروبي، أما في هذه الحالة لم تستطع إعطاء
أكثر من هذه الأرقام([142])، وخلال سير الأسطول العثماني إلى تونس استولى في طريقه على سفينة مسيحية وأخذ مابها من غنائم، ومن هناك قطع الأسطول عرض البحر في 5 أيام، وفي هذا الوقت وصل حيدر باشا وقوة من
الجزائريين بقيادة رمضان باشا، وقوة من طرابلس بقيادة مصطفى باشا ومتطوعون من مصر([143])،إلى تونس قبل الأسطول العثماني،وقاموا بقطع طرق التموين على الإسبان
واستولوا على عيون الماء والآبار.. ،و في 12جويلية 1574 وصل الأسطول العثماني إلى
تونس، وأنزل قواته بالمنطقة التي تمركزت بها القوات العثمانية التي سبقته هناك
والجدير بالذكر أنه عند وصول القوات إلى تونس لقيت ترحابا ومساعدة كبيرة من
الأهالي كمنح المواد الغذائية والجمال والحمير([144])،وفي اليوم الموالي وجه القائد سنان باشا الجيوش القادمة من البر بمحاصرة
تونس ، وجعل حيدر شيخ القيروان قائد للعمليات ،في حين كلف أحمد عرب باشا والعلج
علي بشن الهجوم على حلق الوادي ، فقد عمل سنان باشا على تنسيق الجهود بين القوات البرية والبحرية
،وضبط الخطط اللازمة لمهاجمة حلق الوادي وتونس، قسم يحاصر تونس وقسم يهاجم حلق
الواد، لتبدأ المعارك يوم 17جويلية ([145]).
ب )الاستعدادات الإسبانية
عندما علم الكونت سيربيوني الذي
كان يقاسم محمد الحفصي حكم تونس بنزول الجيش العثماني إلى تونس قام بإغاثة النقاط
الإسبانية الأكثر تعرضا للتهديد، فأمر بإجلاء قواته عن مدينة بنزرت ودفع بحاميتها
إلى حلق الواد([146]).
كما تمت مراسلات بين الدون خوان
والدون غارسيا دي توليدو (Garcia de Toledo) نائب ملك نابولي، اللذان تبادلا الآراء حول
الأوضاع في تونس وقد اقترح الأخير تحطيم حصني تونس وشيكلي الواقع في رأس قرطاج([147]).
أشرف سيربيوني على تنظيم
الدفاعات، وكانت موزعة كمايلي:
-
حصن حلق الوادي: تحت قيادة ديبور توكاريرو (Peitro de part de Cariero) ومعه 4 كتائب عسكرية من الإسبان و5 من الإيطاليين.
-حصن الباستيون :بقيادة الدون زاموغيرا (G.De.Zamogurra)([148]).
-
حصن باب البحر :بقيادة سيربوني ومعه ألف جندي إسباني وإيطالي .
وبتاريخ 29 ماي 1574م وصلت القوات
من إيطاليا إلى حلق الواد، ونقل سيربيوني المرضى والعاجزين على حمل السلاح من تونس
إلى إيطاليا لأنهم يشكلون عبئا في مثل هذه الظروف([149]).
فلقد سعت إسبانيا في الحال
للقيام برد فعل سريع للمحافظة على تونس غير أنها لم تقم بأي نشاط هام وحاسم وذلك
لأسباب مالية وقيادية وعامل الوقت([150]).
ثانيًا: تحرير حلق الواد وتونس
أ) تحرير حلق الواد:
أرست العساكر العثمانية بمرسى
حلق الوادي، ونصبت أوطاق العلج علي وغيره من الكبراء وأنزلوا المدافع الكبار،
وشرعوا يقتربون قليلا قليلا إلى القلعة ويبنون المتاريس ويستترون بها ويحفرون الخنادق
فينزلون فيها وأخذوا يتقدمون على هذا الأسلوب إلى أن وصلوا حلق الوادي([151])،ولقد أبدى أحمد عراب
فعالية ليس فقط كونه كقائد وإنما كمقاتل كذلك حيث دخل غمار المعركة مثل الجندي
العادي وساهم في بناء المتاريس ،كما أبدى العلج علي هو الآخر دور فعال في الهجوم على
حلق الوادي فقد ساهم كثيرا في تقدم الحصار في كل مكان ،يوجه ويشجع الرجال بأقواله
وأفعاله([152])،فقد قامت قوات المسلمين بتضييق الحصار على حلق الوادي، حيث يقول ابن أبي
الضياف :"وحاصر قلج علي باشا حلق الوادي ووالى عليه القتال إلى أن أخذوه عنوة" ([153]).
وشارك في هذا الحصار الجيش
الجزائري بقيادة رمضان بــ3000 مقاتل وأهالي تونس، بسكرة، قسنطينة وعنابة
والقيروان([154]). واستمر الحصار في حلق الوادي وكانت المعارك بين الإسبانيين والعثمانيين
عنيفة([155])، وعندما طال الحصار بدون نتيجة قام الأتراك بردم الخندق بالصوف والحطب والرمال
والرصاص حتى يتغلبوا على الماء ويعبروا الخندق([156]). وبعدما تمت الاستعدادات الضرورية، بدأ القصف المدفعي الإسلامي في يوم 21
جويلية1574 انطلاقا من الساحل مما أدى إلى هدم أجزاء كبيرة من الأسوار، ونفذت
القوات المحاصرة شيئا فشيئا إلى أن بلغتها([157]).
وبعد قصف دام حوالي شهر كامل، أحدث العثمانيون
بعده ثغرة في الحصن([158])، وذلك يوم 2 جمادى الأولى 982ه/ 20 أوت 1574، وتم الاستيلاء عليها نهائيا
يوم 23 أوت1574([159])، وبعد هجوم دام يومين من الاستيلاء على حلق الوادي أباد العثمانيون
المدافعين عن القلعة حتى آخر رجل فيهم، وأعدم جميع الأسرى بمن فيهم المرضى في
المستشفيات انتقاما لأرواح المسلمين الذين قتلوا، كما استولى العثمانيون على 200
مدفع وأكثر من 30 راية([160])، وغنموا جميع ما بها من ذخائر وعدة وعتاد([161]). غير أن العثمانيين احتفظوا بــ300 شخص إسباني لطلب فديتهم بالأموال
الكثيرة أو مبادلتهم بالأسرى المسلمين الموجودين في يد المسيحيين([162])، ونسفت قلعة حلق الوادي للحيلولة دون وقوعها بأيدي الإسبان مرة أخرى ([163]).
ب)تحرير تونس:
أرسل
سنان باشا إلى تونس قوة عسكرية تقدر بــ1000 رجل على رأسهم مصطفى باشا وحيدر باشا،
وأرسل معهم إبراهيم بك من صنجاق مصر ومحمود بك من صنجاق قبرص، و1000 من العساكر
مزودين بالمدافع([164]).
وتوجهوا في الحال إلى تونس
وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم، وناوشوها بالقتال من كل جهاتها([165]).
واجهت القوات العثمانية
الدفاعات الإسبانية التي قدرت بــ30ألف وتمكنت من هزيمتها، حيث خسر الإسبان 2000
رجل بين قتلى وجرحى ومدافعين([166])، وأمام هذه القوة للجيش العثماني رأى كل من السلطان محمد والقائد الإسباني
ترك المدينة والتوجه إلى حصن الباستيون الذي تحصنا به بعد أن زوداه بالمدافع
والطعام والماء، فدخل العثمانيون تونس دون مقاومة وحصنوها([167]).
بعث العثمانيون يخبرون الوزير
سنان باشا بما وقع لهم ويطلبون منه المدد بالإغاثة لاقتحام حصن الباستيون ([168])، فأرسل إلى نصرتهم القلج علي بطائفة من العساكر، غير أن القلج علي واجه
صعوبة في التوغل لحصن الباستيون، فطلب عسكر آخر وعدة، فأرسل سنان باشا إليه 1000
يكنجري مع علي آغا سلحدار([169]) الباب العالي و8 مدافع([170]).
كان الكفرة ومن معهم من
المرتدين كثيرين ما بين فارس وراجل، كما جاءت لنصرتهم طوائف من العربان وخرجوا من
قلعتهم مرارا ومات من الفريقين خلق كثير([171]).
وإثر ذلك اجتمع العثمانيون بقلب
واحد لحصار هذا الحصن وضيقوا على أهله من كل جهة([172])، حيث باشر سنان باشا الحرب بنفسه كواحد من الجند، فأمر هذا الأخير بعمل
متراس يشرف منه على قتال من في البستيون، كما نجده قد نقل الحجارة والتراب على
ظهره، وشدد الحصار على البستيون حتى استطاع فتحه([173])، وبطرد الإسبان منه انتهى العهد الحفصي([174])،و أصبح القطر التونسي بعد ذلك (982ه/1574م) ولاية عثمانية([175]). واثر ذلك أرسل سنان باشا إلى السلطان العثماني رسالة يعلمه فيها
باتمام فتح قلعة حلق الوادي وتونس وهدمهما ،وردا على هذه الرسالة أمر السلطان بتتبع الأعداء في الأطراف
المذكورة والتجسس عليهم وعدم التساهل في ذلك([176])
ثالثًا: انعكاسات الفتح العثماني لتونس
أ) الأطماع الأوروبية والحفصية
لاسترجاع تونس:
بسقوط الباستيون سقطت الدولة
الحفصية نهائيا، وخرج الإسبان من تونس إلى الأبد وأصبحت المنطقة جزءا من الدولة
العثمانية([177]).
كانت أوروبا في دهشتها تنتظر رد
فعل إسباني سريع ولكن فيليب الثاني كان يختلف عن شارل الخامس، وكان من أولئك الذين
يستسلمون حين يكون الحظ في غير جانبهم([178])، وهذا راجع إلى شخصيته التي تختلف عن شخصية والده شارلكان([179])، وكذلك يعود إلى الضائقة المالية التي كانت تعاني منها إسبانيا، كل هذا
يفسر انصراف فيليب الثاني عن البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقية ورغبته في وضع حد
للصراع مع العثمانيين ولم يدّخر وسعا لذلك سواء بالمال أو الوعود([180])، فاتجهت أنظاره إلى عرش فرنسا وبريطانيا([181]).
غير أنه كانت هناك بعض المضايقات، فلقد كانت الأساطيل الإسبانية تقوم
بطلعات على سواحل تونس، حيث قامت بحرق بعض القرى وإغراق بعض السفن القديمة([182])، ففي ربيع الأول 1576م نزلت القوات الإسبانية في كركنة على سواحل طرابلس
الغرب وهددوا سواحل تونس، ثم أنزلوا جنودهم في المهدية إلا أنهم جوبهوا بمقاومة
شديدة من الأهالي([183]).
أما عن المحاولات الحفصية في
استرجاع تونس فلقد بدأت منذ أن التجأت الأسرة الحفصية إلى صقلية وبدأ أحمد الحفصي
يبعث الرسائل للملك فيليب الثاني طالب منه المساعدة([184])، ولهذا بعث السلطان العثماني رسالة إلى بايلر باي إيالة طرابلس جعفر
باشا يعلمه فيها بذلك وأنه قد تم تحالف أحمد
(أحد أولاد الحكام التونسين الحفصيين ) مع أعيان هذه الإيالة ومراسلة العربان
العصاة للقيام بالتمرد وثورة ضد الأتراك وأمام هذا الوضع أمر قليج علي باشا بتحضير
كل ما هو ضروري لمساعدة بيلر باي تونس والتصدي لأي هجوم يقع عليها ، و طلب منه
تحضير الجيش والمعدات وعدم التأخر في تقديم المساعدة إلى الإيالة التونسية ([185]).
وفي عام 1578م بعث السلطان
الحفصي رسالة أخرى للملك فيليب الثاني يطلب فيها استعادة كل القطر التونسي وذلك
بأن تجهز له حملة يشرف عليها بنفسه، إلا أن الملك فيليب الثاني لم يلبي طلبه هذه
المرة([186])، وفي سنة 1581م وقعت محاولة لإعادة الحكم الحفصي في تونس ولكن هيبتهم كانت
قد ضاعت، فكانت هذه المحاولة أشبه بسحابة صيف([187])، حيث تمكنوا من النزول على الشاطئ التونسي نواحي صفاقس والقيروان التي انطلقوا
منها إلى العاصمة صحبة 40 000 رجل، إلا أن الحاكم التونسي تمكن من سحق
قواتهم في منطقة تقع بين قصور الساف والجم([188]).
ويبدو أن حيدر باشا اقتنع بأن
التحصينات والقوات الموجودة في تونس ليست كافية لدرء الأخطار الخارجية عنها ففكر
في تعزيز استحكامات تونس وبنزرت، ولإمكانياته المحدودة طلب من الدولة العثمانية
إلحاق المنستير والقيروان بتونس وفعلا تم ذلك، أما القيروان التي يحكمها الشيخ عبد
الصمد فقد سلمت إلى بكلربكي تونس 1586م([189]).
ب) توطيد الحكم العثماني في تونس:
إن النجاح العثماني في الإيالات المغربية يعتبر تتويجا لكل النشاطات
العثمانية فردية كانت أو حكومية وهو في نفس الوقت يعتبر بداية لعثمنة الأنظمة
والإدارة بإيالة تونس([190])، حيث تحولت إلى مقاطعة تركية للباب العالي في إستانبول([191]).
فلقد جعل سنان باشا للولاية
الجديدة نظاما يرتب أمورها وإدارتها، بحيث يدير شؤون البلاد ويباشر سياستها والي
يلقب بالباشا، توليه عليه الدولة العلية وهو مسؤول عن الولاية([192])، يساعده ديوان الضباط الكبار للأوجاق، بالإضافة إلى وجهاء تونس([193])، فلقد عين حيدر باشا في إدارة الإيالة التونسية([194]).
أما بالنسبة لضبط أوطان المملكة
واستخلاص جبايتها فقد أُسندت إلى رمضان بن حسن من جند الجزائر تحت مسمى الباي([195])، كما عهدت الشؤون البحرية إلى قابودان ريس وأنشأ بالقصبة ديوان تجتمع به
هذه الهيئة لفصل قضايا الجند([196]).
وبخصوص تسيير القضايا اليومية
على مستوى الحي أو القرية فقد كان يتولى أمرها شيخ يختاره القوم([197]).
كما رتب سنان القضاة وسائر
المأمورين، فكان القاضي يحكم في القصاص والمعاملات بين المتداعيين، وله النظر في
الأيتام والمحجور عليهم والأحباس ونحو ذلك([198]).
وفي ذلك الحين كانت المقاطعة تسمى رسميا وجقا أو سنجقا وهو ما يؤكد طابعها
العسكري([199])، وقد انتصب بتونس 3000 رجل عسكري من الإنكشاريين وكان ذلك العسكر عمود
النظام، والمجلس الأعلى لهذا العسكر يسمى الديوان([200]).
وقبل عودة سنان باشا إلى
الاستانة قام بتنظيم إدارة تونس وحكومتها، حيث ترك فيها قوة عثمانية بلغ عددها
4000 رجل مقسمين إلى 40 فئة، وعين على رأس كل منها رئيس منح لقب الداي فانتخب 40
دايا من صناديد الرجال الغزاة والمجاهدين([201]).
كما قام بإنشاء ديوان يجتمع فيه المسؤولون لتدبير شؤون الولاية وفصل قضايا
العسكر وغيرها، وتم انتخاب بعض أعيان البلاد ليحضروا الديوان ويشاركوا في النظر([202])، بالإضافة إلى ذلك أصبحت تلقى خطبة صلاة الجمعة باسم السلطان العثماني
وكذلك تضرب السكة باسمه([203]).
وعندما توطد الأمن بتونس وجرى العمل بالنظام المتقدم رجع سنان باشا إلى
الاستانة([204])، واستمر العمل بالترتيب المذكور مدة لا تزيد عن 16 سنة، ثم في 1590م قامت
ثورة قام بها صغار جند الإنكشارية على رؤساءهم، وكانت نتيجة الثورة أن انعقد مجلس
ضم الباشا والباي و40 دايا وانتخبوا من بينهم دايا يتولى إدارة العسكر بالتعاون مع
الآغا([205])
ومن خلال ما سبق نستنتج:
- أن لكل من درغوث باشا والعلج علي دور كبير في تحرير المدن التونسية من
الإسبان رفقة الاسطول العثماني.
-
لقد كان التدخل الإسباني في شؤون المدن التونسية جليا في النصف الثاني من
القرن 16 من خلال احتلال المهدية عام 1551م، ومحاولة احتلال جربة في 1560م، وحملة
الدون خوان النمساوي على تونس 1573م.
-
أن استيلاء الدون خوان النمساوي على تونس في 1573م بعد تمكن العلج علي منها
في 1569م رفقة الأسطول العثماني، راجع لعدة عوامل من ضمنها انتصار الدون خوان في
معركة ليبانت 1571م كعامل أساسي في تشجيعه لاحتلال تونس.
-
أن سنان باشا قد بذل جهد كبير في تحرير تونس من الإسبان وهذا راجع لقوة
الاستعدادات (العدة والعتاد) وكذا راجع إلى الإستراتيجية المتبعة في ذلك أيضا .
-
أنه كان من بين انعكاسات تحرير تونس نهائيا من الإسبان 1574م وجود محاولات
للدول الأوروبية والحفصية لاسترجاعها مرة أخرى لكنها باءت بالفشل.
-أن سنان باشا قد اتبع نظاما عثمانيا محكما
في تونس منذ دخوله فيها دام 16 سنة تغير بسبب ثورة الجنود الصغار عام 1590م.
([6])محمد سي يوسف: قليج علي باشا ودوره في البحرية
العثمانية، رسالة ماجستير في التاريخ الحديث، إشراف: أبو القاسم سعد الله، جامعة
الجزائر، 1988م، ص64.
([16])المنور مروش: دراسات عن الجزائر في العهد العتماني،
القرصنة،الأساطير والواقع ،2ج، دار القصبة، الجزائر،2006م، ج2، ص113.
([17])كوستانزيو برنيا: طرابلس من1510إلى1830، تح: خليفة
محمد التليسي ،دار الكتب الوطنية ،بنغازي، 1985م، ص39.
([21]) قفصه: تميزت هذه
المدينة القديمة بموقعها المحوري، في شبكة الطرقات الرابطة بين بلاد السودان
والقيروان من جهة والمغرب الأوسط والأقصى والمشرق مرورا بقابس من جهة ثانية. ينظر:
محمد حسن: المدينة والبادية بإفريقية في العهد الحفصي، 2ج، جامعة تونس
الأولى، تونس، 1999م، ج1، ص297.
([26]) نيكولاي ايليتش بروشين: تاريخ ليبيا في
العصر الحديث من منتصف القرن السادس عشر حتى مطلع القرن العشرين، تع وتق: عماد
حاتم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2001م، ص ص28-29.
([27]) محمد الطالبي: في تاريخ إفريقية أعلام، مواقع، قضايا، تر: محمد العربي
عبد الرزاق، رياض المرزوقي، دار المعارف التونسية، تونس، 1994م، ص149.
([28]) صالح عبّاد: المرجع السابق، ص ص92-93.
([29]) ايتوري روسي: ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة 1911م، المرجع السابق، ص222.
([30]) محمد العروسي المطوي:السلطنة الحفصية
تاريخها السياسي ودورها في المغرب الاسلامي: المرجع السابق، ص718.
([33]) عبد الجليل التميمي: الولايات العربية
ومصادر وثائقها في العهد العثماني، تق: محمد المزالي، الاتحاد العام التونسي
للشغل، ط1، تونس، 1984م، ص81.
([37]) رشيد بن جدي: رياس البحر في الجزائر
ودورهم العسكري والاقتصادي منذ بداية الوجود العثماني إلى غاية نهاية مرحلة البايلربات (1518-1587م)، مذكرة لنيل شهادة
الماستر في تاريخ الجزائر الحديث، إشراف: أحمد رواجعية، جامعة بوضياف المسيلة،
2018/2019م، ص27.
([40]) حكيمة حدون، خديجة
بن رنجة: مساهمة البحرية الجزائرية في حروب الدولة العثمانية خلال فترة
الدايات، حروب اليونان أنموذجًا (1821-1829م)، مذكرة لنيل شهادة الماستر تخصص
تاريخ حديث ومعاصر، إشراف: أمين محرز، جامعة الجيلالي بونعامة بخميس مليانة،
2015/2016م، ص09.
([41])ابن المفتي حسن بن رجب شاوش:تقييدات ابن المفتي
في تاريخ باشوات الجزائر وعلماءها ،جمعها :فارس كعوان ،بيت الحكمة،الجزائر،2009
ص41.
([49]) Robert Mantran : L’écho de la bataille de lepante à Constantinople, in Annales Economies Sociétés Civilisation 28e année, N 2, Mars-Avril 1973, P403.
([53]) بعث السلطان
سليمان القانون فرما إلى قبائل تونس ومن بينهم أولاد سعيد يطلب منهم الأمتثال
لسلطة رمضان الذي عينه علي باشا قائم مقام على تونس ...للمزيد ينظر : مهمة دفتري
رقم 10، ص 167 ، حكم رقم 253، 25 شوال 979ه.
([57])عبد الجليل التميمي : دراسات في التاريخ العثماني
المغاربي خلال القرن السادس عشر ،منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ، (د.م.ن)،2009م، ص 197. مهمة دفتري رقم12، ص541،25\10\979ه.
([62]) رتيبة زرداني،
سعيدة بلهتهات: الجزائر في عهد العلج علي، مذكر لنيل شهادة الماستر في
التاريخ الحديث والمعاصر، إشراف: عبد القادر فكاير، جامعة الجيلالي بونعامة خميس
مليانة، 2015/2016م، ص62.
([65]) عبد القادر فكاير: الصراع الجزائري الإسباني في الحوض الغربي للبحر المتوسط خلال القرن السادس
عشر، المرجع السابق، ص243.
([67]) عبد القادر فكاير: الصراع الجزائري الإسباني
في الحوض الغربي للبحر المتوسط خلال القرن السادس عشر، المرجع ،المرجع نفسه،
ص244.
([75]) دون خوان: هو ابن غير شرعي
لشارل الخامس، ولد سنة 1545م، عينه أخاه فيليب الثاني على رأس قيادة القوات التي
أوكل إليها القضاء على ثورة مسلمي غرناطة سنة 1570م، تولى قيادة الجيش الإسباني لاحتلال تونس لكنه لم
يظفر بها، توفي سنة 1578م.للمزيد ينظر: عبد القادر
فكاير: الصراع الجزائري الاسباني في الحوض الغربي للبحر المتوسط خلال القرن السادس
عشر، المرجع السابق، ص ص 272- 273.
([78]) Zoé Courdier :Les Batailles entre
chrétiens et Ottomans dans la Méditerranée du XVI siècle,
L’étude d’une iniconographie, 1535-1575, Diplôme national de master spécialité cultures de l’écrit et
de l’image, le directeur : Dominique Valerian universités –
Lyon2, 2013, P52.
([99])A. Brulard: Monographie de l’ile de Djerba, Besançon Typ. & Lith . CH.
Delagrange ,Villefranche-sur-Mer,
1885, P41.
([100]) محمود علي عامر، محمد خير فارس: تاريخ
المغرب العربي الحديث"الغرب الأقصى- ليبية، (د.د.ن)، دمشق، (د.س.ن)،
ص172.
([101]) عبد الجليل التميمي:الولايات العربية
ومصادر وثائقها في العهد العثماني، المرجع السابق،
ص ص85-86.
([103]) الشافعي درويش: علاقات الإيالات
العثمانية في غرب المتوسط مع إسبانيا خلال القرن العاشر الهجري / السادس عشر
الميلادي، المرجع السابق، ص94.
([106])عبد الجليل التميمي : دراسات في التاريخ العثماني
المغاربي خلال القرن السادس عشر، المرجع السابق، ص 189،مهمة دفتري رقم 10،
ص4،17\1\979ه.
([107]) خليج ليبانتو: يعرف
عند الأتراك باسم اينختي، وهي مدينة تقع شمال المضيق الذي يمتد في البحر الأيوني
إلى خليج كورنيت والذي أصبح منذ العصور الوسطى يعرف بخليج ليبانت.. ينظر: إلهام يوسف،
ولاء علي صقر: المرجع السابق، ص411.
([108]) Odile Wattel
de Groizant, Gérard. A.
Montifroy : Europe
entre Orient et Occident du mythe à la géopolitique ,Editions l'Age d'Homme,
Suise, 2007, P112.
([113])عبد الجليل التميمي
:دراسات في التاريخ العثماني المغاربي خلال القرن السادس عشر، المرجع السابق،
ص 195. مهمة دفتري رقم10 ،ص571، 8\11\579ه.
([115])الشافعي درويش:
علاقات الإيالات العثمانية في غرب المتوسط مع إسبانيا خلال القرن العاشر الهجري /
السادس عشر الميلادي، المرجع السابق، ص512.
([118])عبد القادر فكاير: الصراع الجزائري الإسباني في
حوض الغربي للبحر المتوسط خلال القرن السادس عشر،المرجع السابق، ص245.
([119]) محمد العروسي
المطوي، السلطنة الحفصية تاريخها السياسي ودورها في المغرب الإسلامي،
المرجع السابق، ص729.
([120]) عبد القادر فكاير:الصراع
الجزائري الإسباني في حوض الغربي للبحر المتوسط خلال القرن السادس عشر، المرجع
نفسه، ص246.
([123]) محمد بن محمد بن عمر قاسم مخلوف: شجرة النور الزكية في
طبقات المالكية (التتمة)، 3ج، المطبعة السلفية، القاهرة، 1931م، ج2، ص154.
([126]) عبد الجليل التميمي
: الولايات العربية ومصادر وثائقها في العهد
العثماني،المرجع السابق، ص ص103-104.
([127]) فيليب الثاني: (1527-1598م): ملك نابولي وحاكم هولندا، ثم ملك إسبانيا (1556-1598م) بعد
تنازل أبيه شارل كونت. ينظر: نجيب دكاني: المرجع السابق، ص126.
([130]) محمود مقديش: نزهة الأنظار في عجائب التواريخ
والأخبار، تح: علي الزاوي، محمد محفوظ، 2مج، دار الغرب الإسلامي، ط1، بيروت،
1988، مج2، ص71.
([133]) عبد الجليل التميمي:دراسات في التاريخ العثماني المغاربي
خلال القرن السادس عشر، المرجع السابق، ص224. مهمة دفتري رقم 24، ص59، 5/12/981ه.
([135]) عبد الجليل التميمي :دراسات في التاريخ العثماني
المغاربي خلال القرن السادس عشر، المرجع السابق، ص225.
مهمة دفتري رقم 24، ص60، 5/11/981ه.
([137]) قطب
الدين محمد بن أحمد النهروالي: البرق اليماني في الفتح العثماني، (د.د.ن)،
الرياض، 1967م، ص446.
([147]) عبد القادر فكاير: الصراع الجزائري الإسبان في الحوض الغربي للبحر
المتوسط خلال القرن السادس عشر، المرجع السابق، ص250.
([152]) عبد القادر فكاير:
الصراع الجزائري الإسباني في حوض الغربي للبحر المتوسط خلال القرن السادس عشر، المرجع
السابق، ص252.
([156]) محمد المطوي العروسي: السلطنة
الحفصية تاريخها السياسي ودورها في المغرب الإسلامي، المرجع السابق، ص ص 732-733.
([157]) عبد القادر فكاير:
الصراع الجزائري الإسباني في الحوض الغربي للبحر المتوسط خلال القرن السادس عشر، المرجع
السابق، ص168.
([169]) سلحدار: لفظ فارسي معناه
صانع الأسلحة غير أنه في نهاية العصر المملوكي أصبح يعني المسؤول عن أماكن حفظ
السلاح في الدار السلطانية... للمزيد ينظر: مصطفى عبد الكريم الخطيب: معجم
المصطلحات والألقاب التاريخية، مؤسسة الرسالة، ط1، بيروت، 1996م، ص256.
([176]) عبد الجليل التميمي: دراسات في
التاريخ العثماني المغاربي خلال القرن السادس عشر، المرجع السابق ،ص 230. مهمة
دفتري رقم26 ص288 ،15 /7
/982ه.
([179]) الشافعي درويش: علاقات
الإيالات العثمانية في غرب المتوسط مع إسبانيا خلال القرن العاشر الهجري / السادس
عشر الميلادي، المرجع السابق، ص130.
([185]) عبد الجليل التميمي:
دراسات في التاريخ العثماني المغاربي خلال القرن السادس عشر، المرجع السابق،
ص 236. مهمة دفتري رقم 29، ص85،3\7\984ه.
([192]) إمام راشد: سياسة
حموده باشا في تونس (1782-1814م)، منشورات الجامعة التونسية، تونس، 1890م،
ص44.
([205]) الإمام رشاد: المرجع نفسه، ص45.
الملحق
رقم(06) ([1]):
ترجمة
الرسالة:
هذا مرسومنا الشريف العالي
السلطاني وأمرنا المنيف السامي الحقاني لازال (...) بالعفو الرباني ومطاعا له
بالمن السبحاني قد أرسلناه إلى فخر الأعيان ذخر الأقران قايد جيش الجيوش سليمان
زيد كبك ينهي اليدان أمير أمراء الكرام
بولاية جزاير الغرب سابقا قيود ان علي
باشا دام قبله قد عرض منك خلوص الطوبة لدتنا التنية وحسن معاشرتك مع جيوش الاسلام
ومثابرتك على اتمام الامور والمهام بدل السعي والاجتهاد بجلوس الفود في امرا جهاد
وورد الى عقبتنا الجلية من اعيان ولاية تونس المحمية فلا يخفى عليك ان تلك الديار
كنت يرحمها الله لكنا الجلية الاعتبار والعساكر المنصورة فيها كجند الملازمين
بيبيتنا التنيا بل هم اعز من هؤلاء قدرا وشرفا من حيث انهم يواظبون الجهاد ويحرسون
البلاد عن فساد المفسدين واضرار أعداء الدين لان أقصى مراد حضرتنا منها ومن كان
فيها من رعايا وعلمائها وصلحائها وفقرائها وضعفائها أن يكونوا مصونين ومأمونين
بأنفسهم واموالهم وعيالهم ومساكنهم ومواطنهم من مضرة العدى وفساد المفسدين في أيام
عدالتنا مرفهين مطمئنين مواظبين على الدعاء بالخير لدولتنا الباهية ودوام سلطتنا
الزهرة ولأجل هذا الحقنا تلك الولاية بلواء الوفي اليد فقررنا الوكيل المرفق علي
وكالة قائما مقام ايالة فعليك ان يتخذ ويتفق معه كل الاتفاق ويكون معه دائما على
اجمل الوفاق فيما يتعلق بصيانة عرض الدولة والدين واجراء احكام الشرع المبين
وترقية قلوب المؤمنين ودفع فساد المفسدين ورفع احكام الشرع المبين ويعاشر مع
العشائر ويعامل مع العساكر يظاهر أقوى المظاهرة ويعين بالعساكر وبالزواد والدخاير
ان استعان هو منك بحيث يتحقق عند الداني والعاصي ولدى كل مطيع وعاصي كانكم نفس
واحدة عادية من شق الشقاق والاختلاف الولاية محروصة الجوانب والاطراف كالوفاق
والاتفاق لإصلاح أحوال الخوص والعوام والصلحاء وإعلاء كلمة الإسلام والسلام والحمد
لله وحده والصلوة والسلام على من لا نبي بعده.
([1]) مركز الأرشيف العثماني: مهمة دفتري رقم10، ص 170، حكم رقم 256، 25 شوال 979ه
الملحق
رقم (07):
رسالة من
السلطان سليمان القانوني إلى أعيان أولاد سعيد يعلمهم بتعيين رمضان قائم مقام على
تونس، ويأمرهم بطاعته([1]).
ترجمة نص
الرسالة.
هدا مرسومنا الشريف العالي السلطاني وأمرنا المنيف السامي الحقاني قد
أرسلناه إلى مفخر الأماجد والأعيان أولاد السعيد وتوابعكم دام مجدكم أوفي إليكم .
انه لما وردت علي اعتابنا العلية المكاتيب من أعيان ودايات تونس المتمثلة (في عرض
خلوصهم لتنبأ العالية وشكرا منهم عن (أزروباش) وسد قوله وقد قررنا رمضان زيد حبك
الدي اقيم مقام (ليس للأمراء ) الكرام
(قبوله) علي باشا وقع اقباله الجزير الغرب سابقا والتي منهم تعليمة الولاية
اليه وتفويض جميع الامور وتحميلها وقررنا رمضان الموصي اليه في وكالته قائما مقام
ايالته وفوضنا محافظة تلك البلاد وضبط العساكر وترفيه قلوب العباد وغيرها مما
يتعلق بصيانة عرض الدولة والدي وادراء احكام الشرع المبين ف المامول منكم ان تكونوا
على الوكيل المشار اليه على العمل اتفاق .واكمل اتحاد لسانكم واحد وجرتكم واحدة
مجدا ساعيا فيما يتعلق بالدين والدولة وقيام ناموس سلطتنا المتين مع زيد الاعتبار
وتمام الجد والاهتمام بحيث يظهر من جدكم المشهور وسعيكم المشكور اطمئنان البلاد
وحراسها وحفظ الولاية والعباد على ان نظرنا الشريف العالي دايما ابدا الى تلك
الارض بالطول والعرض السنتهم رطبة واكفههم مبسوطة مبتهلين بأنواع الادعيتنا
الصالحة والاتنة المقبوله .والله تعالى هو الموفق والمعين عنه وعين .
إرسال تعليق