U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

اندلاع الثورة التحريرية الجزائرية

اندلاع الثورة التحريرية الجزائرية





المحاور:
- مقدمة عامة.       

       1. ظهور اللجنة الثورية للوحدة والعمل.      

       2. تأسيس جبهة التحرير الوطني.

      3. مؤتمر الصومام 20 أوت 1956.

      4. تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

      5. صعود هيئة الأركان العامة.

      6. المفاوضات والاستقلال.

     7. مؤتمر طرابلس وتأسيس الدولة الجزائرية.

    8. أزمة صائفة 1962.




مقدمة عامة:
باستثناء أجهزة المخابرات الفرنسية، شكل انطلاق الثورة المسلحة عملا مفاجئا بالنظر إلى الواقع الذي كانت تعيشه حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث كان الفرنسيون يراقبون فقط سلوك قادة الحزب ولم يتفطنوا بذلك لمخططات المناضلين الشباب، ومع ذلك كان الفرنسيون يعرفون بعضا من التفاصيل، وكان السيد جيم لوجون رئيس المخابرات واحد من الشخصيات القليلة التي كانت على اطلاع بما يجري، حيث التقى بالمسؤولين السياسيين والأمنيين في مدينة باتنة قبل أيام قليلة من اندلاع الثورة، واخبرهم أن شيئا ما يطبخ في الخفاء، لكنهم شككوا في ذلك، وبعد عودته إلى مكتبه في العاصمة احضر احد المسؤولين الأمنيين قنبلة تقليدية عثر عليها في وهران ووضعها على مكتبه، وفي تلك الليلة 31 أكتوبر 1954، وعندما كان يهم بالنوم، رن الهاتف، وكان على الخط مفتش الشرطة كازورناك الذي اخبره بوقوع عدد من الانفجارات، كانت إيذانا باندلاع الثورة التحريرية.

وقد عرفت الثورة الجزائرية انطلاقة قوية في الفاتح نوفمبر 1954، وسط ذهول كبير لدى السلطات الاستعمارية، وترحيب واسع من قبل الشعوب العربية والإسلامية، أما الأحزاب السياسية فنظرت في بداية الأمر إلى الثورة بتحفظ، وهو الواقع الذي تغير تماما بداية من عام 1955، حيث التحق الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بالثورة، ثم التحقت أيضا جمعية العلماء وبعض عناصر الحزب الشيوعي بداية من 1956، أما المصاليون فقد انشؤوا في ديسمبر 1954 حركة لمناهضة الثورة، وهي الحركة الوطنية الجزائرية (M.N.A).(*)

و تؤكد الحقائق المتوفرة أن الثورة قد حققت في عامها الأول انتصارات لم تكن متوقعة رغم النقص الكبير في الوسائل، ورغم الصعوبات التي اعترضت قادة الولايتين الرابعة والخامسة على وجه الخصوص، حيث لم تنطلق الثورة في المنطقة إلا في ربيع 1955،(2) ومع ذلك كانت درجة الالتفاف
_____________________________________________________


(1)  عمار عمورة، الجزائر بوابة التاريخ، ما قبل التاريخ إلى  1962، ص 379.
(*) تولى بلونيس قيادة جناح مسلح من الحركى والقومية في الأرياف والقرى، مما صعب من عمل جيش التحرير، وقامت عصاباته  بأعمال شنيعة في حق الشعب الجزائري.


الشعبي عالية جدا، وعلى سبيل المثال ارتفع عدد المجاهدين من 400 شخص عند انطلاق الثورة إلى 04 آلاف مجاهد عند وقوع هجمات 20 أوت 1955، ناهيك عن مئات الفدائيين.(3)

لكن جاءت أحداث استشهاد مراد ديدوش جانفي 1955، ومصطفى بن بولعيد مارس 1956، واعتقال رابح بيطاط مارس 1955، ووجود بوضياف، بن بلة، خيضر، و آيت احمد في الخارج، لتترك فراغا سياسيا رهيبا في قيادة جبهة التحرير الوطني، ولم يبق من القادة الـ06 الذين فجروا الثورة سوى العربي بن مهيدي قبل إعدامه في مارس 1957، وكريم بلقاسم الذي اسند قيادة لجنة التنسيق والتنفيذ إلى عبان رمضان بعد خروج الأخير من السجن في جانفي 1955، بهدف خلق قيادة مركزية جديدة لجبهة التحرير.

_________________________________________________

(3) نفس المرجع السابق، ص 13.


I.            ظهور اللجنة الثورية للوحدة والعمل: (C.R.E.A) le Comité Révolutionnaire pour l'Union et l'Action

في خضم الصراع القائم بين المصاليين والمركزيين، دعا رمضان بن عبد المالك -احد أعضاء التنظيم العسكري- في المؤتمر الثاني للحركة 4-6 افريل 1953 إلى ضرورة إنشاء جناح عسكري، رغم انه في الواقع كان أعضاء المنظمة الخاصة قد أعادوا تنظيم أنفسهم بشكل سري منذ عام 1952 بدون استشارة الحزب، وكان من ابرز هؤلاء محمد بوضياف، ديدوش مراد، والعربي بن مهيدي، وكانوا يخططون لبداية الكفاح المسلح في خريف 1953 موازاة مع الكفاح في تونس والمغرب، لكن حادثة انفجار مصنع الذخيرة في جبال الاوراس جعل الأمر يتأخر إلى نوفمبر 1954.

وبعد عودة بوضياف و ديدوش مراد من فرنسا بداية 1954، وتأكدهما من أن مصالي مهتم بتطهير الحزب أكثر من اهتمامه بالعمل العسكري، تم الاتصال بقدماء المنظمة الخاصة بن بولعيد، بن مهيدي، وبيطاط، واتفقت هذه الأطراف على تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل يوم 23 مارس 1954، وضمت من اللجنة المركزية السادة: حسين لحول، سيد علي عبد الحميد، مصطفى بن بولعيد، 

وبشير دخلي، ومن المنظمة الخاصة ضمت اللجنة السادة محمد بوضياف، ديدوش مراد، رابح بيطاط، ومحمد العربي بن مهيدي، لكن عناصر المنظمة الخاصة ومصطفى بن بولعيد هي التي قدر لها تحضير اندلاع الثورة  بعد انشقاق المركزيين عنها واتهامات المصاليين بانحياز الثوريين للمركزيين، حيث قرر الأعضاء الـ05-في ظل حالة الانسداد التي عرفتها اللجنة- الانتقال إلى العمل العسكري.

مجموعة الـ22 ومرحلة الانتقال إلى العمل العسكري:
عقد هذا الاجتماع يوم 25 جوان 1954 بمنزل الياس دريش بـ Clos Salambier (المدنية حاليا)،(1) ترأس الاجتماع مصطفى بن بولعيد، وعرف تلاوة 03 تقارير قدمها كل من بوضياف، بن مهيدي، وديدوش مراد، وانتهى الاجتماع بالمصادقة على اللائحة التالية:

-         إدانة انقسام الحزب والمتسببين فيه.
-        التأكيد على ضرورة القيام بثورة مسلحة كوسيلة للتحرير ولتجاوز الخلافات القائمة.

وبعد الانتهاء من النقاش والموافقة الجماعية على الشروع في العمل العسكري، قامت مجموعة الـ22 بانتخاب محمد بوضياف كمسؤول وطني، تولى بدوره تشكيل الأمانة التنفيذية التي ضمت كل من بن مهيدي، بن بولعيد، ديدوش، وبيطاط، عقدت أول اجتماع لها في 25 جوان 1954 بحثت فيه المسائل التنظيمية وتوزيع المهام بين الأعضاء، والتأكيد على مبدأ القيادة الجماعية، وهو الاجتماع الذي حضره وفد من منطقة القبائل برآسة كريم بلقاسم وعمر اوعمران، فأصبحت الأمانة تضم 06 أعضاء بدل 05.

 II..            تأسيس جبهة التحرير الوطني: (F.L.N)
بعد سلسلة من الاجتماعات عقدتها مجموعة الـ06 بداية من شهر سبتمبر 1954، تم توزيع المسؤوليات على الأعضاء كمايلي:
-         المنطقة الاولى (الاوراس): بقيادة مصطفى بن بولعيد ونائبه شيهاني بشير.
-         المنطقة الثانية (قسنطينة): بقيادة ديدوش مراد ونائبه زيغود يوسف.

_____________________________________


(1) عمار عمورة، مرجع سابق، ص378.



-         المنطقة الثالثة (القبائل): بقيادة كريم بلقاسم ونائبه عمر اوعمران.
-         المنطقة الرابعة (الجزائر): بقيادة رابح بيطاط ونائبه سويداني بوجمعة.
-         المنطقة الخامسة (وهران): بقيادة العربي بن مهيدي ونائبه عبد الحفيظ بوصوف.(1)

 وبعد آخر اجتماعين للمجموعة فبل قيام الثورة في 10 أكتوبر ثم في اجتماع بولوغين في 23 أكتوبر 1954 قرر المؤتمرون خلالهما ما يلي:
-         تسمية التنظيم السياسي بـ "جبهة التحرير الوطني".
-         تسمية التنظيم العسكري بـ "جيش التحرير الوطني".
-         مباشرة العمل العسكري صبيحة يوم أول نوفمبر 1954.(2)

كما اقر المؤتمرون فتح باب العضوية لكل من يرغب في المساهمة في التحرير، كما اتفقوا على الاجتماع في شهر جانفي 1955 في القاهرة، وتم تكليف محمد بوضياف بنقل بيان أول لنوفمبر إلى القاهرة وإعلان خبر اندلاع الثورة من إذاعة "صوت العرب" هناك، وعاد القادة الـ05 إلى مناطقهم استعدادا لبدء العمل المسلح صبيحة الفاتح نوفمبر.

____________________________________


(1) نفسه، ص 379.
(2) سعيد بوالشعير، مرجع سابق، ص 359.



   III.      مؤتمر الصومام 20 أوت 1956:
في الواقع، كان قرار تعيين عبان رمضان منسقا عاما بين الولايات، بمثابة خلق نواة مركزية للثورة لتنسيق الجهود بين الولايات وتحديد الأهداف المشتركة، وهي ضرورة أملتها الاعتبارات المتعلقة بانتشار الثورة وانشغال القادة بشؤون ولاياتهم لتقوية العمل الثوري.

في سياق هذه التطورات، عقد قادة الولاية الثانية في ديسمبر 1955 اجتماعا تقييميا، وكذا لدراسة وضع منطقة الاوراس بعد استشهاد شيهاني بشير،(*) واستغل زيغود يوسف حضور ممثل عن مجموعة العاصمة لتوجيه الدعوة لعقد مؤتمر قرب الميلية، وهو الاقتراح الذي حظي بموافقة مجموعة العاصمة، التي اقترحت منطقة الصومام لعقد المؤتمر الذي حدد له يوم 20 أوت 1956.

ورغم أن بوضياف وبن بلة وخيضر قد ابدوا معارضتهم الشديدة لجهود عبان رمضان في تكوين قيادة مركزية جديدة للثورة، حيث اعتمد هذا الأخير على التحالف القوي الناشئ بين أقطاب الداخل كريم بلقاسم، عبان رمضان، عمر اوعمران، زيغود يوسف، العربي بن مهيدي، وهي العناصر
______________________________________________

(*)  قائد الولاية الثانية بعد سجن مصطفى بن بولعيد، تم اغتياله من قبل رفقاء السلاح في الولاية.



التي لم تكن راضية على أداء الوفد الخارجي، خصوصا أن بن مهيدي كان قد عبر عن اقتناعه بان قيادة الجبهة في الخارج لم تكن في المستوى، وكان يطالب بتوفير السلاح.



وعقد المؤتمر يوم 20 أوت 1956 وحضره قادة الولايات الـ05 في غياب ممثلي الولاية الأولى بسبب استشهاد قائدها بن بولعيد في شهر مارس ونائبه شيهاني بشير قبل ذلك، وأيضا في غياب ممثلي الوفد الخارجي، وقام العقيد عميروش بتجنيد 03 آلاف مجاهد لتامين المؤتمر الذي دام 14 يوما، وترأسه العربي بن مهيدي، وباختيار عبان رمضان كاتبا عاما.

نتائــج المؤتمر:
خرج القادة الـ05 بالقرارات التالية:
-         إنشاء تنظيم إداري جديد للوطن، وتقسيم الولايات إلى مناطق، والمناطق إلى قسمات.
-         إنشاء تنظيم عسكري جديد، ووضع مقاييس عسكرية موحدة لجيش التحرير الوطني.
-         تأسيس المجلس الوطني للثورة كبرلمان يجتمع حسبما تسمح به الظروف، ويضم 36 عضوا نصفهم دائمين.
-    إنشاء سلطة تنفيذية (لجنة التنسيق والتنفيذ) وهي منبثقة عن المجلس الوطني للثورة، ومهمتها تنفيذ القرارات السياسية والعسكرية التي يتخذها أعضاء المجلس .(1)

كما رسم المؤتمرون الإستراتيجية العسكرية المناسبة لاستمرارية الثورة، وتم إقرار الشروط الأساسية للدخول في أي عملية تفاوضية مع فرنسا في المستقبل، وعلى رأسها الاعتراف بجبهة التحرير كممثلا وحيدا للشعب الجزائري ووحدة أراضيه.

وبفعل مقررات مؤتمر الصومام أصبح المجلس الوطني للثورة هو السلطة السياسية العليا التي يحق لها إبرام الاتفاقيات والمعاهدات والتفاوض مع فرنسا، وهي في الحقيقة محاولة لتجسيد أولوية الداخل على الخارج، لان المؤتمرين كانوا يخشون إقدام الوفد الخارجي على التفاوض مع فرنسا بدون استشارة الداخل،
____________________________________________


(1)  سعيد بوالشعير، مرجع سابق، ص ص (394-397)

كما أن إنشاء لجنة التنسيق والتنفيذ قد ساعد على ضم باقي تيارات الحركة الوطنية إلى الجبهة، وتكثيف الاتصالات بين الولايات لتحقيق أهداف الثورة.

وتم عقد الدورة الأولى للمجلس الوطني للثورة في القاهرة في شهر أوت 1957، وسط خلافات كبيرة بين المؤتمرين، وتم رفع عدد أعضاء المجلس إلى 54 عضوا، و14 عضوا للجنة التنسيق والتنفيذ، وفتحت أبواب المسؤولية أمام العناصر القادمة من مختلف تيارات الحركة الوطنية رغم اعتراض البعض، كما تم التراجع عن مبدأ أولوية الداخل على الخارج مثلما اقر ذلك مؤتمر الصومام، وبدأت السلطة تنتقل إلى أيدي العسكريين،(*) رغم معارضة عبان رمضان الذي أصبح معزولا بسبب تخلي كريم بلقاسم عنه.(1)

   IV.      تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية:
في الواقع، لا يمكن فصل قيام الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 19 سبتمبر 1958 عن ذلك الصراع القائم بين لجنة التنسيق والتنفيذ والمجلس الوطني للثورة، وأيضا المأزق الحاد الذي وقعت فيه الثورة بفعل الانتهاء من مد خطي شال وموريس، وتولى الجنرال دوغول السلطة، كما أن اغتيال عبان رمضان-الشخصية السياسية الأقوى منذ مؤتمر الصومام- قد أزال العقبة الأخيرة في وجه العسكريين للسيطرة على أجهزة الثورة.

 ففي يوم 09 سبتمبر عقدت لجنة التنسيق والتنفيذ-كان الباءات الثلاث هم أصحاب الكلمة العليا فيها- اجتماعا لدراسة الوضع التنظيمي السيئ في هيئات الثورة، وبشكل خاص الولاية الأولى والقاعدة الشرقية (نواحي سوق أهراس)، وتم إقرار مجموعة من العقوبات في حق قادة المنطقتين تراوحت مابين تنزيل الرتبة والعزل النهائي عن النشاط، كما اطلع اللجنة على تقارير السادة فرحات عباس، بوصوف، بن طوبال، وكريم بلقاسم، حول إمكانية إنشاء حكومة مؤقتة، وفعلا تم الاتفاق على
__________________________________________________

(*) هم بلقاسم كريم، بن طوبال لخضر، وعبد الحفيظ بوصوف، وكان الفرنسيون يسمونهم الباءات الثلاث، وهناك إشارات قوية على أنهم من دبروا خطة اغتيال عبان رمضان في المغرب في ديسمبر 1957.
(1) الزبيري، مرجع سابق،ص ص99-102



إعلان قيام حكومة مؤقتة بدون استشارة المجلس الوطني للثورة باعتباره أعلى هيئة للثورة الجزائرية، وهو ما اعتبر من قبل البعض بمثابة انقلاب عسكري دبرته الباءات الثلاث.(1)


وقد كان لإقرار لجنة التنسيق والتنفيذ لجملة من العقوبات على السادة محمد لعموري، محمدي السعيد، عمارة بوقلاز، وعمار بن عودة، سببا رئيسيا في إقدام هؤلاء على تدبير محاولة انقلاب على الحكومة المؤقتة وإعادة إحياء المجلس الوطني للثورة فيما عرف بـ "مؤامرة العقداء"  نوفمبر 1958، لكن تفطن الباءات الثلاث أجهض المحاولة، وتمت محاكمة العناصر الانقلابية التي أصدرت أحكاما تراوحت بين الإعدام والمؤبد.(*) 

وبخصوص الحكومة المؤقتة فهي نفسها لجنة التنسيق والتنفيذ تقريبا، وهنا برز الخلاف فيما بين الباءات الثلاث، بين كريم الساعي إلى الرئاسة، وبوصوف وبن طوبال اللذان كانا يسعيان لمنع كريم منها، وضمت الحكومة الأولى 19 عضوا برآسة فرحات عباس الذي حصل على أغلبية واسعة من الأصوات على حساب لمين دباغين، لكن القيادة الحقيقية كانت للباءات الثلاث، وبعد يوم واحد فقط من إعلانها اعترفت بها 26 دولة كانت الجمهوريتين المصرية والعراقية في طليعتها، وبادرت القيادة الجديدة إلى القيام بجولات إلى العديد من العواصم العربية والعالمية لشرح القضية الجزائرية وكسب مزيد من التعاطف الدولي.(2)

وبالرغم من أن إعلان قيام الحكومة المؤقتة قد أعطى دافعا للقضية الجزائرية على المستوى الدولي، وسط اعتراف دولي متزايد، فالأمر مختلف تماما على الصعيد الداخلي، وفيما عدا الرفع من معنويات المجاهدين، لم يكن للحكومة المؤقتة أي نتائج ايجابية على الثورة في الداخل بفعل الانشقاقات الحاصلة بين أعضائها.
___________________________________________________


(1)  نفسه،  ص105
(*) ترأس المحاكمة العقيد هواري بومدين، واصدر حكم بالإعدام في حق العقيدين محمد  العموري واحمد نواورة، والرائدين عواشرية ومصطفى الأكحل، ونفذ الحكم في مارس1959، وحكم على عبد الله بلهوشات والشريف مساعدية ، واحمد دراية ولخضر بلحاج بالسجن المؤبد.
(2) عمار عمورة، مرجع سابق، ص337.


وعلى سبيل المثال، نجح كريم بلقاسم-الساعي إلى قيادة الثورة- في إقناع زميليه الفاعلين بوصوف وبن طوبال بتجميد الحكومة المؤقتة في صيف 1959، كحل للخروج من حالة الصراع بين السياسيين والعسكريين، وبين قدماء المركزيين وأعضاء حزب البيان داخل السياسيين من جهة، وبين العسكريين أنفسهم من جهة ثالثة، واستغلت هذه الأطراف قضية اغتيال المناضل علاوة عميرة لتحقيق أهدافها الشخصية.(1)


       V.      صعود هيئة الأركان العامة:
بعد تجميد الحكومة المؤقتة في جويلية 1959، تقرر استدعاء العقداء الـ10(*) إلى تونس لعقد أطول مؤتمر في تاريخ الثورة للخروج من المأزق، وهو المؤتمر الذي تخللته 48 جلسة عمل ودام أكثر من 03 أشهر بسبب الخلافات الحادة بين العقداء، وما ترتب عنه من إيقاف للجلسات بشكل مفاجئ في كثير من الأحيان، وكان من ابرز انعكاساته تقويض نفوذ الباءات الثلاث وبشكل خاص كريم بلقاسم.
كان من نتائج هذا المؤتمر تعيين مجلس وطني جديد والدعوة لعقد الدورة الثالثة للمجلس في شهر ديسمبر لتسوية مسألتي تعيين قيادة جديدة وتنظيم الجيش، وهو ما حصل فعلا في طرابلس في الفترة مابين 16 ديسمبر1959- 18 جانفي 1960.

تأسيس الهيئة:
في مؤتمر طرابلس وبعد الانتهاء من مناقشة التقارير، تم تشكيل ثلاث لجان لدراسة المسائل السياسية والعسكرية والدبلوماسية، أما الرابعة فقد سميت بـ "اللجنة الاستشارية" وحصرت مهمتها في الاستماع لآراء أعضاء المجلس فيما يخص تشكيل الحكومة، وضمت قائدا الأركان الشرقية والغربية محمدي السعيد وهواري بومدين وسياسي واحد هو سعد دحلب، ووافق الأعضاء مجددا على فرحات عباس
______________________________________________


(1) صالح بلحاج، أزمات جبهة التحرير الوطني وصراع السلطة 1956-1965، الجزائر، دار قرطبة للنشر والتوزيع، 2006
(*) هم الوزراء الثلاث كريم بلقاسم، بوصوف، بن طوبال، وقائدا هيئة الأركان الشرقية والغربية محمدي السعيد وهواري بومدين، وممثلو الولايات الـ05 وهم عبيدي حاج لخضر، وعلي كافي، وسي السعيد يازورين، وسليمان دهيليس، ودغين بن علي المدعو العقيد لطفي.



رئيسا للحكومة ومحمدي السعيد وزيرا، كما تقرر تشكيل قيادة موحدة لهيئة الأركان بقيادة هواري بومدين، على أن يكون خاضعا للجنة وزارية مشكلة من كريم، بوصوف، وبن طوبال.

وفي الواقع كانت نتائج مؤتمر طرابلس ضربة قاسية لطموحات كريم بلقاسم لقيادة الثورة، حيث ألغى المؤتمر وزارة الدفاع التي كانت تحت قيادته، وهذا يعني في الحقيقة فقدان سلطته على الجيش، خصوصا وان محمدي السعيد-احد مقربيه- تم تعيينه وزيرا بدون حقيبة في الواقع،(*) ولان بوصوف وبن طوبال بذلا ما في وسعهما لتدعيم صعود بومدين للحد من طموحات كريم، لكن الأحداث اللاحقة كشفت أن مؤتمر طرابلس كان هزيمة للثلاثي بأكمله.

لقد انتقلت قيادة الجيش الى جيل جديد من الضباط لم يشاركوا في تأسيس جيش التحرير، وبدأت الهيئة عملها فعليا في فيفري 1961وباشرت عملية توحيد قوات جيش لتحرير في الحدود الشرقية، وهي العملية التي انتهت منها بعد ستة أشهر، وأصبحت هيئة الأركان العامة القوة المسلحة الأساسية للجبهة، خصوصا بعد تراجع دور الولايات الداخلية،(1)

وبدافع من قوتها المتنامية، بدأت هيئة الأركان في تحدي اللجنة الوزارية والحكومة المؤقتة ككل، وعلى سبيل المثال رفضت الهيئة قرار الحكومة المؤقتة القاضي بدخولها إلى الجزائر قبل 31 مارس 1961، وبدأت عمليات التجنيد في صفوف اللاجئين الجزائريين في المغرب من دون موافقة اللجنة الوزارية، كما انتقدت هيئة الأركان بشدة تعيين كريم بلقاسم على رأس الوفد المفاوض، وأخيرا جاءت حادثة اعتقال الطيار الفرنسي في 21 جوان 1961 لتكرس القطيعة بين الطرفين، قدمت هيئة الأركان بعدها استقالتها إلى الرئيس عباس في 15 جويلية 1961 بدون أن تتخلى عليها فعليا، وقد كانت هذه مجرد إشارات فقط عن مخططات هيئة الأركان التي كانت قد وضعت نصب عينيها مسألة السيطرة على السلطة كما سنرى لاحقا.
_________________________________________________


(*) في شهر افريل 1958 ظهرت لجنة للتنظيم العسكري مقسمة إلى قسمين، ترأس الفرع الأول هواري بومدين ، والثاني بقيادة محمدي السعيد، وكانت قيادة المجلس الوطني للثورة تهدف من خلال هذا لتجاوز مفهوم الولايات.
(1) صالح بلحاج، مرجع سابق، ص 57


VI.      اتفاقيات أيفيان ووقف إطلاق النار:
إن الاتفاق بين جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية على وقفا إطلاق النار وتقرير المصير بموجب اتفاقية أيفيان، كان في الحقيقة تتويجا لمجموعة من الاتصالات بين الطرفين بدأت بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة التحريرية في نوفمبر 1954، وطبعا لم تتعامل الكومة الفرنسية مع مسالة التفاوض بشكل جدي منذ البداية، وفقط التطورات التي عرفتها الثورة والظروف المصاحبة هي التي أرغمت فرنسا في النهاية على الاعتراف بجبهة التحرير الوطني والتفاوض كحل وحيد للخروج من المأزق الجزائري.
 1- بداية مسار التفاوض:
في البداية، حصل أول اتصال (سري) بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية في عهد حكومة غي مولي (Guy Mollet) في القاهرة بتاريخ 10 افريل 1956 حيث اجتمع محمد خيضر بجورج قورس (Gorce) وبيقارا (Begarra) بوساطة الحكومة المصرية، حيث طالب الوفد الجزائري بضرورة الاعتراف بجبهة التحرير الطرف المفوض الوحيد وبحق تقرير المصير.(1)

هذا الاجتماع تبعته مجموعة أخرى من اللقاءات بين الطرفين في العاصمة اليوغسلافية بلغراد بتاريخ 21 جويلية 1956 ترأس محمد يزيد الوفد الجزائري وبيار كومين (Pierre Commin) الوفد الفرنسي، أعقبه لقاء ثاني بين الطرفين في احد مقاهي روما في 17 أوت 1956، وثالث بنفس المدينة في 02 سبتمبر 1956، وهي المفاوضات التي باءت كلها بالفشل بسبب تمسك الطرف الفرنسي بمواقفه حول وقف إطلاق النار، الانتخابات، والمفاوضات، وجاءت حادثة اختطاف طائرة قادة جبهة التحرير الوطني في 22 أكتوبر 1956،(*)  التي أدت إلى قطع كل الاتصالات بين الطرفين.(2)
 وجاء اعتراف دوغول بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره في 16 جوان 1960 ليشجع جبهة التحرير على استئناف المفاوضات قي مدينة مولان الفرنسية (Melun) في 25 جوان 1960
______________________________________________


(1) عمار عمورة، الجزائر بوابة التاريخ، مرجع سابق، ص 427.
(*) حادثة اختطاف الطائرة المغربية التي كانت تقل السادة محمد بوضياف، احمد بن بلة، حسين ايت احمد، محمد خيضر، ومصظفى الاشرف في رحلتهم لحضور مؤتمر مغاربي في تونس.
(2) عمار عمورة، مرجع سابق، ص 428


بوفد ترأسه عن الجانب الجزائري كل من احمد بومنجل ومحمد الصديق بن يحي، وآل اللقاء إلى الفشل بسبب عدم جدية المفاوضين الفرنسيين والضغوطات التي أحاطت باللقاء.

ويمكن اعتبار مظاهرات 11 ديسمبر 1960 نقطة التحول الحاسمة في مسار التفاوض بين جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية، حيث كشفت حجم الالتفاف الشعبي حول الجبهة، وهو ما اقنع الطرف الفرنسي بضرورة إنهاء القضية الجزائرية، تجسدت في شكل مفاوضات سرية جديدة في مدينة لوسارن (Lucerne) بسويسرا بتاريخ 20 فيفري 1961، وبوساطة الوزير السويسري اوليفي لونق (Olivier Long)، حيث التقى كل من احمد بومنجل والطيب بولحروف بجورج بومبيدو George Pompidou وهو اللقاء الذي سمح بوضع حجر الأساس للمفاوضات اللاحقة.(1)
 -2انقلاب 22 أفريل 1961 والمفاوضات النهائية:
لقد كان رد المستوطنين وقادة الجيش الفرنسي في الجزائر سلبيا حول تصريح دوغول بحق تقرير المصير في 16 سبتمبر 1959، وبادر زعيم الجالية الأوروبية بالجزائر الاسباني جو اورتيز (Jo Ortiz) بتكوين الجبهة الوطنية الفرنسية (F.N.F) في نوفمبر 1959، وهي منظمة عسكرية هدفها الحفاظ على الجزائر الفرنسية، وفي نفس الوقت ، كان قادة الجيش الفرنسي في الجزائر وعلى رأسهم جاك ماسو يعبرون عن استيائهم من سياسة دوغول، وباشر ماسو سياسة سرية للتنسيق مع الجالية الأوروبية للدفاع عن الجزائر الفرنسية وإسقاط الجمهورية الـ05، حينها قام ديغول بإنهاء مهامه في 22جانفي 1960، ورفض استقالة الجنرال شال موريس احتجاجا على إبعاد ماسو، وهنا اصدر أورتيز أوامر للأوربيين بالخروج إلى الشوارع والتظاهر لإسقاط حكومة باريس، ووقعت اصطدامات عنيفة بين المستوطنين الأوروبيين وقوات الدرك سقط فيها عدد من القتلى والجرحى في صفوف الطرفين، عاد الهدوء بعدها إلى شوارع العاصمة في الأول من شهر فيفري1960، وعين بعدها دوغول قيادة عسكرية جديدة في شمال إفريقيا خلفا للجنرال ماسو.
_________________________________________________________


(1) نفسه، ص 429.


وقد قابل المستوطنون الأوروبيون هذه الإجراءات بتشكيل منظمة جديدة هي جبهة الجزائر الفرنسية (F.A.F) في 14 جوان 1960، واستطاعت كسب تعاطف كل من الجنرالان سالان وجوهو اللذان قررا التقاعد والانتقال إلى الجزائر للاستقرار بها، حيث نصب الأول نفسه رئيس لمنظمات الأوروبيين المدافعة عن الجزائر الفرنسية، وفي خضم هذا الصراع، لجا دوغول إلى تعزيز موقفه من خلال استفتاء الشعب الفرنسي بتاريخ 08 جانفي 1961، وكانت النتيجة بـ75% نعم لحق تقرير المصير في فرنسا، و55% في الجزائر.(1)
لقد وجد دوغول نفسه في موقع صعب بسبب خيار التفاوض مع جبهة التحرير، وانقسم الجيش الفرنسي في الجزائر بين مؤيد ومعارض لسياسته، وفي الفترة مابين 20-24 أفريل 1961 قاد الجنرال شال -المدعوم من الحلف الأطلسي- رفقة الجنرالات جوهو(Jouhaux)، زيلر (Zeller)، وسالان (Salan) بانقلاب عسكري على حكومة دوغول شارك فيه أكثر من 40 ألف عسكري، وكان الغرض من هذه المحاولة إجبار دوغول على تغيير سياسته تجاه الجزائر، ورغم فشل هذه المحاولة بسبب الخلاف بين شال والجنرالات الثلاث، ورفض القوات البحرية الانضمام إلى الحركة الانقلابية، إلا أن نتائجها كانت عظيمة الفائدة على مسار التفاوض بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية، حيث برزت لدى هذه الأخيرة رغبة شديدة لاستئناف التفاوض لحل المشكلة، والهدف هو وضع الأوروبيين أمام الأمر الواقع والحيلولة دون امتداد العصيان إلى الداخل الفرنسي.(2)
3- اتفاقيات ايفيان:
لقد كان من نتائج انقلاب 22 أفريل عودة الطرفين إلى الاجتماع في لقاء بمدينة ايفيان (Evian) السويسرية بتاريخ 20 ماي-13 جوان 1961، ترأس الوفد الجزائري كريم بلقاسم والفرنسي لويس جوكس (Louis Joxe) انتهى بالفشل بسبب المواقف الفرنسية حول فصل الصحراء والحكم الذاتي وإقحام حركة مصالي الحاج في المفاوضات والجنسية المزدوجة للاوروبيين، وإصرار جبهة التحرير على موقفها المستمد من بيان أول نوفمبر وميثاق الصومام، مما دفع بدوغول إلى سحب رئيس الوفد
______________________________________________


(1) سعيد بوشعير، مرجع سابق، ص (451،452)
(2) نفسه، ص 453


المفاوض في 13 جوان مع الابقاء على المفاوضات بين التقنيين، وعاد الطرفان إلى الاجتماع مجددا في 20 جويلية بقصر لوقران (Lugrin) المطل على مدينة ايفيان، وانتهت إلى الفشل أيضا بسبب تعنت الطرف الفرنسي.

لقد كان من نتائج انقلاب 22 أفريل اعتراف دوغول رسميا في 05 سبتمبر 1961 بان الصحراء جزء لا يتجزأ من تراب الجزائر، (1) وهو ماشجع الوفد الجزائري على استئناف المفاوضات بمدينة بال (Bâle) السويسرية 28-29 أكتوبر 1961، ثم في 9 نوفمبر، وتم التوصل في محادثات لي روس (Les Rousses) 11-19 فيفري 1962 إلى اتفاق مبدئي حول الاستقلال ووحدة التراب الجزائري ومصير الفرنسيين بالجزائر، مع بعض الاختلافات حول إبقاء القواعد العسكرية والضمانات الواجب منحها للاوروبيين وثروات الصحراء، وهي الاتفاقية التي صادق عليها المجلس الوطني للثورة في ما بين 22-27 فيفري 1962 بطرابلس، ليتم استئناف المفاوضات بمدينة ايفيان يوم 07 مارس 1962 برئاسة كريم بلقاسم ولويس جوكس، وبعد 12يوما من النقاش وقع الطرفان على اتفاقية ايفيان مساء يوم 18 مارس 1962، ودخلت حيز التنفيذ منتصف يوم 19 مارس.(2)

 4- بنود اتفاقية ايفيان:
لقد اعتبرت هذه الاتفاقية بمثابة انتصار لجبهة التحرير الوطني لأنها تتماشى مع أهداف بيان أول نوفمبر، ومن أهم البنود التي نصت عليها هذه الاتفاقية ما يلي:
-   وقف إطلاق النار بكامل التراب الوطني ابتداء من منتصف نهار 19 مارس.
-   إنشاء لجنة تنفيذية مشتركة لإدارة المرحلة الانتقالية التي حددت بـ 04 أشهر.
-   الاعتراف باستقلال الجزائر وسيادتها الكاملة ووحدة أراضيها.
-   حرية الأوروبيين القاطنين في الجزائر في المحافظة على الجنسية الفرنسية أو اختيار الجنسية الجزائرية.
_________________________________________


(1) عمار عمورة، مرجع سابق، ص 429
(2)  نفسه، ص 431



-   تأجير قاعدة المرسى الكبير لمدة 15 سنة ومطارات عنابة، بوفاريك، بشار، ورقان لمدة 05 سنوات.
حاولت منظمة الجيش السري  (O.A.S)، وهي منظمة متطرفة، تزعمها جون جاك سوزيني (J. J. Susini) جمعت في صفوفها الأوروبيين المدنيين والعسكريين الفارين من الجيش من أنصار الجزائر الفرنسية تصعيد أعمالها التخريبية لدفع جبهة التحرير إلى نقض اتفاق وقف إطلاق النار وإفشال اتفاقيات ايفيان، وبتواطؤ بعض من العسكريين الفرنسيين، قامت المنظمة بسلسلة من التفجيرات والاغتيالات في المدن الكبرى، كما قامت بتخريب عدد من المنشات الاقتصادية والثقافية كإحراق 600 ألف كتاب بمكتبة جامعة الجزائر في 07 جوان 1962،(1) قبل أن تقرر أخيرا الاتصال بجبهة التحرير الوطني وتوقيف  العمليات العسكرية يوم 17 جوان 1962، وفرار الأغلبية الساحقة من الأوروبيين من الجزائر.(2)
وقد أشرفت على تسيير المرحلة الانتقالية هيئة تنفيذية مشكلة من 09 أعضاء جزائريين و03 أوروبيين إلى غاية إجراء الاستفتاء الخاص بتقرير المصير في 03 جويلية 1962، حيث عبر 5.951.581 جزائري عن إرادتهم في الاستقلال مقابل 16.534 صوتوا بـ لا للاستقلال، واعترفت فرنسا في نفس اليوم باستقلال الجزائر.

VII.      مؤتمر طرابلس وتأسيس الدولة الجزائرية:
في 27 ماي-07 جوان 1962 تم عقد مؤتمر بطرابلس العاصمة الليبية حضره قادة الثورة العسكريين والمدنيين وذلك بهدف:
         - مناقشة وإثراء برنامج طرابلس والمصادقة عليه.
         - تعيين قيادة جديدة لتتسلم مقاليد الأمور من الهيئة التنفيذية في بومرداس.(3)
___________________________________________


(1) عمار عمورة، مرجع سابق، ص 431.
(2)  نفسه، ص 432
(3) سعيد بوشعير، مرجع سابق، ص 506



ترأس هذا الاجتماع محمد الصديق بن يحي ونائبه علي كافي وعمر بوداود، وفي هذا الاجتماع تمت مناقشة برنامج يحدد معالم النظام السياسي، الاقتصادي والاجتماعي للجزائر المستقلة عرف "بميثاق طرابلس"، لكن الأطراف المشاركة فشلت في الاتفاق بشان القيادة السياسية التي ستتولى عملية استلام السلطة من الهيئة التنفيذية بعد إجراء الاستفتاء، وذلك بسبب تضارب مقترحات هيئة الأركان وبعض قادة الولايات الداخلية،(2) وتضمن الميثاق الخيارات الكبرى التالية:

1. الاختيارات السياسية :
                  - محاربة الاستعمار ودعم حركات التحرر في كل العالم.
                  - دعم السلم والتعاون الدولي المتوازن والعادل.
                  - تجسيد الوحدة المغاربية والإفريقية.
                  - بناء دولة عصرية على أسس ديمقراطية في إطار مبادئ اشتراكية.
2. الاختيارات الاقتصادية :
                  - محاربة التسلط الاحتكاري والإقطاعي.
                  - ضرورة بناء اقتصاد وطني متكامل وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
                  - تطبيق سياسة التخطيط.
                 - مراجعة العلاقات الاقتصادية مع الخارج مع تغيير جذري على هياكل الحياة  في الريف وتصنيع البلاد.
                 - التأكيد على النظام الاشتراكي كوسيلة للتنمية الشاملة المتوازنة.
3. الاختيارات الاجتماعية والثقافية :
                - رفع مستوى معيشة السكان بالقضاء على البطالة، الأمية، تحسين الوضعية الصحية وتوفير السكن.
              - استعادة الثقافة الوطنية وإعطاء اللغة العربية مكانتها.
_______________________________________________


(2) نفسه، ص (506.507)



              - دعم الثقافة الوطنية على أسس عـلمية وثورية.
              - ترسيخ القيم الوطنية في إطارها الحضاري العربي الإسلامي.
              - تأكيد التمسك باللغة العربية كعنصر أساسي للهوية الوطنية المتميزة.(1)

VIII.  أزمة صائفة 1962:
لقد سبقت الإشارة إلى تنامي دور هيئة الأركان التي تم إنشاؤها بموجب الدورة الثالثة للمجلس الوطني للثورة، وبروز طموحات قادتها للعب دور قيادي في الحكومة المؤقتة، خصوصا بعد نجاح جهودها في توحيد الجيش، وهي العملية التي انتهت منها في صيف 1961، وأصبحت تحوز بموجبها على كل مقومات القوة التي تؤهلها للعب دور اكبر في الصراع حول السلطة، وهو الصراع الذي اخذ أبعادا خطيرة قبيل وبعد إعلان الاستقلال.  
 1- جذور الأزمة:
في النصف الثاني من عام 1962 كانت الحكومة المؤقتة منقسمة إلى 03 مجموعات بشأن مواقفها تجاه هيئة الأركان، المجموعة الأولى تضم قدماء المركزيين بن خدة، دحلب، ومحمد يزيد، ترددت في البداية في اتخاذ مواقف متصلبة تجاه الهيئة، والثانية كانت تضم بوصوف وبن طوبال اللذان كانا يتخذان مواقف قريبة من مواقف هيئة الأركان للحد من طموحات كريم، أما الثالثة فتتشكل من كريم ومحمدي السعيد، والمجموعة الأخيرة- وعلى رأسها كريم- كانت تعلم أنها المستهدف الأول من هجمات هيئة الأركان.(2)
وبما أن بن خدة كان رئيسا للحكومة المؤقتة فقد حاول إخضاع الجيش إلى سلطته، وقد كان هذا سببا كافيا لدخول الطرفين في أزمة عميقة انتهت بتنازل بن خدة عن السلطة في صيف 1962 كما سنرى لاحقا، ففي زيارته الأولى إلى "غار الدماء" مقر قيادة جيش الحدود في تونس، قابل الضباط مشروع بن خدة بإعادة تنظيم الجيش بعداء صريح، أمر بعدها بن خدة قادة الولايات الداخلية
_________________________________________________


(1) العربي الزبيري، مرجع سابق، ص ص(182-184).
(2) صالح بلحاج، أزمات جبهة التحرير الوطني وصراع السلطة، ص 77.


بإيقاف التعامل نهائيا مع هيئة الأركان،(1) قام بعدها بن خدة بتعيين النقيب موسى بن احمد في منصب قائد الأركان مكان بومدين المستقيل-شكليا- منذ 15 جويلية 1961 (*).

 وفي خضم هذه الأحداث قررت قيادة الأركان العودة إلى تونس واستئناف النشاط لقطع الطريق أمام مخططات الحكومة، وأعلنت في جانفي 1962 أنها لم تعد تعترف بسلطة الحكومة المؤقتة، وكانت هذه الأخيرة عاجزة عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد قيادة الهيئة، بسبب نجاح بوصوف في إقناع قدماء المركزيين برفض اقتراحات كريم ومحمدي السعيد بإنزال العقوبات على قيادة الأركان وعزل قادتها في اجتماع المحمدية بالمغرب 16-17 جانفي 1962،(2) وقد زادت هذه المواقف من ضعف الحكومة المؤقتة وازدياد الثقة لدى هيئة الأركان، وغداة وقف إطلاق النار كان الوضع على النحو التالي، حكومة مؤقتة لا سلطة لها على جيش الحدود تراهن دعم الولايات الداخلية لها، وهيئة الأركان في الخارج مسيطرة على اكبر قوة عسكرية ومصممة على انتزاع السلطة.
 2- تحالف بن بلة مع هيئة الأركان:
مع بدء خلافاتها مع الحكومة المؤقتة، كانت هيئة الأركان تدرك تماما أنها تملك من القوة المادية ما يجعلها قادرة على لعب الدور رئيسيا في فترة ما بعد الاستقلال، لكنها كانت في حاجة إلى
________________________________________________


(1) نفسه، ص 78
(*) بعد استقالة قادة هيئة الأركان العامة-هواري بومدين، علي منجلي، قايد احمد- التحقوا بفدرالية الجبهة في بون بألمانيا، وشرحوا موقفهم لرئيس الفدرالية عمر بوداود كما قاموا بمراسلة السجناء الـ05 لاطلاعهم على الوضع.
(2) نفس المرجع السابق، ص 79.



تغطية سياسية ولم لفترة مؤقتة، لان قادتها الثلاث(*) لم يكن لهم أي ثقل سياسي أو نضالي، من هنا خرجت فكرة البحث عن شخصية سياسية تكون على رأس القائمة.(1)

ومنذ 1961 بدأت هيئة الأركان في التواصل مع السجناء الـ05 في فرنسا من خلال مرسولها عبد العزيز بوتفليقة، وقد كان الرهان في البداية على محمد بوضياف، لكن هذا الأخير كان يرفض التوجهات العسكرية لهيئة الأركان وكان يتبنى في الغالب طروحات كريم بلقاسم، وهو ما دفع بقيادة الأركان إلى التحالف مع بن بلة لاتخاذ موقف موحد تجاه الحكومة المؤقتة، وبعد زيارة كريم وبن طوبال السجناء الـ05 في قصر "أولنوي" في 03 فيفري 1962، أطلعهم خيضر وآيت احمد على خلافات السجناء وعلى تفاهم بن بلة مع قيادة الأركان.(2)

بعد إطلاق سراح السجناء في 18-19 مارس 1962 نزلوا ضيوفا على هيئة الأركان بمدينة وجدة يوم 25 مارس بناءا على دعوة تلقوها من بومدين دون باقي أعضاء الحكومة، ولما أعطيت الكلمة لبن بلة، بالغ هذا الأخير في انتقاد الحكومة المؤقتة وهو ما أثار استياء بوضياف وآيت احمد وقد لاحظوا ذلك التوافق الإيديولوجي بين بن بلة وبومدين. (3)
 -3         مؤتمر طرابلس وتفاقم الأزمة:
في مؤتمر طرابلس 27ماي-07 جوان 1962، تبلور الصراع بين قطبين أساسيين، الحكومة المؤقتة والولايتين الثانية والثالثة، والمنطقة المستقلة للعاصمة وفدراليات فرنسا وتونس والمغرب من جهة، وقيادة الأركان وبن بلة وخيضر بيطاط ومحمدي السعيد والولايات الأولى والخامسة والسادسة من جهة ثانية، أما الولاية الرابعة فكانت رافضة للتحالف مع أي من الطرفين.
_________________________________________________


(*) هم بومدين، وقايد احمد، وعلي منجلي، الأول لم يناضل في أي حركة وطنية، والتحق بالثورة في المغرب بعد 1956، اما الثاني والثالث فكانا مناضلين في حزب البيان وحركة انتصار ح.د.على التوالي التحقا بالثورة بعد 1955
(1) صالح بلحاج، مرجع سابق، ص 86.
(2)  نفسه، ص 86
(3)  نفسه، ص94



اشتد الخلاف بين الطرفين حول مسالة تشكيل المكتب السياسي، وكان هناك مقترحين قائمة كريم وقائمة بن بلة،(*) وبعد الاطلاع على مضمون القائمتين، أعلن بوضياف وآيت احمد انسحابهما من قائمة بن بلة، ولم تنجح أي من القائمتين في الحصول على أغلبية الثلثين، كما لم تنجح الحكومة المؤقتة في جمع ثلثي الأصوات لتجديد الثقة فيها ولم ينجح خصومها أيضا في سحب الثقة منها، وانتهى الاجتماع بتبادل الشتائم دون التوصل إلى تشكيل المكتب السياسي.
 4- اجتماع زمورة وعزل قيادة الأركان:
جرى الاجتماع في الفترة مابين 24-25 جوان 1962 بزمورة-نواحي سطيف- حضرته الولايات الثانية والثالثة والرابعة ومنطقة العاصمة وفدراليتي فرنسا وتونس، وغابت الولايات الأولى والخامسة والسادسة، وانتهى الاجتماع بالتنديد بالانشقاقات داخل الحكومة، وبإعلان الطوارئ في الولايات الثلاث، وتشكيل لجنة تنسيق بين الولايات لإعداد القوائم الخاصة بالمرشحين للمجلس الوطني التأسيسي.

رفعت هذه النقاط إلى الحكومة المؤقتة في تونس في 26 جوان 1962، وفي اليوم نفسه انعقد اجتماع للحكومة لدراسة مقررات مؤتمر زمورة ومسالة قيادة الأركان، وكان بن خدة والأغلبية بما في ذلك بوضياف و آيت احمد تؤيد عزل قيادة الأركان، وهو ما دفع ببن بلة وخيضر إلى الانسحاب من الاجتماع غاضبين، وبعد استشارة أعضاء الحكومة الحاضرين، وجه بن خدة، في 30 جوان 1962، نداءا إلى جيش التحرير أعلن فيه عزل بومدين ومنجلي وقايد احمد وتجريدهم من رتبهم،(1) وهو القرار الذي رفضه بن بلة وقيادة الأركان.
_________________________________________


(*) ضمت قائمة كريم 09 أعضاء هم السجناء الـ05 كريم، بن طوبال، بوصوف، ودحلب، بينما ضمت قائمة بن بلة 07 أعضاء هم السجناء الـ05 ومحمدي السعيد، والحاج بن علة.
(1) صالح بلحاج، مرجع سابق، ص 125


        5- انفجار الأزمة وبداية التصادم:
في يوم 11 جويلية 1962 دخل بن بلة مدينة تلمسان بترحيب جماهيري حار، واتخذ من فيلا ريفود (Villa Rivaud) مقرا عاما له، وبنفس الحرارة كانت تيزي وزو تستقبل كريم بلقاسم ومحمد بوضياف، وهكذا تشكلت جماعة تلمسان وتضم بن بلة وجيش الحدود، وجماعة تيزي وزو وتضم كريم وبوضياف وآيت احمد وبن خدة في بعض الأحيان والولاية الثالثة ومنطقة العاصمة، وبعد فشل قادة الولايات في الخروج بموقف موحد من اجتماع الأصنام 15 جويلية 1962، بادرت جماعة تلمسان في 22 جويلية إلى الإعلان عن قيام المكتب السياسي المشكل من السجناء الـ05 سابقا، وبن علة ومحمدي السعيد.

وفي يوم 25 جويلية هاجمت قوات قيادة الأركان الولاية الثانية واحتلت مدينة قسنطينة واسفرت المواجهات عن سقوط قتلى وجرحى وتم إلقاء القبض على بن طوبال، وهنا شكل بوضياف وكريم "لجنة الاتصال والدفاع عن الثورة" (C.L.D.R) بهدف التصدي لقيادة الأركان والمكتب السياسي، وفي اليوم التالي انعقد اجتماع حضرته قيادتا الولايتين الثالثة والرابعة وبوضياف وكريم وايت احمد وبوصوف، دعا المشاركون فيه الشعب إلى"كسر شوكة الديكتاتورية". (1)

وقد كان شهر اوت حافلا بانتصارات المكتب السياسي، حيث اعترفت جماعة تيزي وزو بالمكتب السياسي بعد اجتماع 02 اوت بين كريم وبوضياف ومحمد خيضر، كما أن الحكومة المؤقتة كانت قد اختفت نهائيا من الساحة السياسية بسبب تشتت أعضائها، وجاء تصريح بن خدة في 07 أوت ليتوج نجاحات المكتب السياسي، حيث أعلن بن خدة عن تفويض صلاحيات الحكومة المؤقتة إلى المكتب السياسي.

أما في الولاية الرابعة فقد وقعت مواجهات دامية بين جماعات ياسف سعدي المؤيدة لجماعة تلمسان وبين جماعات الولاية الرابعة، وفي يوم 29 أوت بدأت قوات قيادة الأركان في ناحية وهران بالتحرك نحو العاصمة، ووقعت اعنف المعارك بين قوات الولاية الرابعة وقوات هيئة الأركان التي تزعمها العقداء الزبيري، شعباني، وسليمان هوفمان، في قصر البخاري، وسيدي عيسى، وأولاد عبد القادر، كانت حصيلتها أكثر من 1000 قتيل،(2) ولحسن الحظ تم الاتفاق في 04 سبتمبر بين محند ولحاج وبن بلة على وقف إطلاق النار مقابل خروج الولاية الرابعة من العاصمة، وتكوين قوة عسكرية مشتركة في المدينة، وبعد خمسة أيام، دخل العقيد بومدين العاصمة وأعلن عن إجراء الانتخابات يوم 20 سبتمبر، وانتهت بذلك أزمة صائفة 1962.

____________________________________________


(1) صالح بلحاج، مرجع سابق، ص136
(2) نفسه،  ص 147


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة