U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

المغرب الاقصى خلال القرنين 18 و19م والضغوط الاروبية العسكرية والاقتصادية



المغرب الاقصى خلال القرنين 18 و19م والضغوط الاروبية العسكرية والاقتصادية


1-المغرب الاقصى خلال القرن 18

       -التطورات السياسية

        -تجديد اساس الدولة العلوية

 2- المغرب الاقصى القرن 19

     -سياسة الاحتراز من أوروبا

3-المغرب الأقصى والضغوط الأوروبية

       - المغرب الأقصى والضغوط العسكرية الأوروبية

       - المغرب الأقصى و الضغوط الإقتصادية


4-فشل سياسة الاصلاحات




(1) - المغرب الأقصى خلال القرن 18


1.  التطورات السياسية
        عرف المغرب خلال القرن 18 سلسلة من الأحداث نتجت عن الأزمات الداخلية للسلطة المركزية، إلى أن تمكن السلطان محمد بن عبد الله من القبض على زمام الأمور من جديد، وقد صاحب هذه التطورات نمو متزايد للمصالح التجارية للدول الأوروبية التي استمرت خلال هذا القرن في حصار موارد المغرب الخارجية، ومن أهم مظاهر هذه المرحلة:

- إستبداد جيش البخاري بالسلطة وتحكمه في إختيار وخلع الملوك.
         تحول الجيش إلى عامل تفكك للسلطة المخزنية، فصار يتدخل في شؤون الحكم، إذ كان يقوم بخلع وتنصيب عدد كبير من السلاطين من أبناء المولى اسماعيل، رغبة في الهدايا والهبات، فقد ساندوا على سبيل المثال المولى أحمد الذهبي سنة 1727 م بعد وفاة أبيه المولى اسماعيل ثم خلعوه سنة 1728م وبايعوا المولى عبد الملك  ثم عادوا لمبايعته من جديد ثم تحولوا عن المولى المستضيئ ثم عينوه من جديد إلى أن توفي سنة 1729م
ولعل ما يفسر ذلك أنهم كانوا يعيشون من مداخيل الضرائب والتكاليف المفروضة على القبائل والمدن، وبوفاة السلطان إسماعيل انقطعت كثير من تلك المداخيل عنهم.
لجأ العبيد إلى المدن والقرى في الشمال وقاموا بنهبها وفرض الغرامات على أهلها والإستيلاء على مخازن الحبوب بها، مما أدى إلى ثورة القبائل للحد من هذه التصرفات، فتقلصت بذلك رقعة المناطق الخاضعة للسلطة المركزية وقلت معها مداخيل بيت المال ولم تعد تجارة القوافل تتوفر على الضمانات اللازمة للوصول إلى المدن الكبرى والموانئ، الشيء الذي أدى إلى إيقاف الكثير من مداخيل المخزن من المكوس والأعشار.
- الضغط الجبائي
          تضرر المغرب الأقصى من الضغط الجبائي ولم يعد الجباة يفرقون بين الغني والفقير وبين سكان البوادي والحواضر ( المدن) والسكان القائمين على حماية الثغور ، الذين كانوا معفيون من بعض الضرائب سابقا، وكان هذا التعسف في جمع الضرائب من العوامل التي أثقلت كاهل السكان لذا وبمجرد وفاة المولى اسماعيل رفضت هذه المدن والبوادي أداء الضرائب والمكوس وما كان مفروضا عليها من أداءات.

- تضرر التجار والحرفيين
          تعرض التجار لنهب ثرواتهم وفرض المغارم الثقيلة عليهم،فطالبوا بالإستقلال الذاتي للمدن التي يقطنونها ( اعلن أهل مراكش الإستقلال مما عرضهم إلى تعسف السلطة فاضطروا للهجرة)

- هجوم القبائل الجبلية على المناطق الداخلية
          عرفت هذه الفترة نزوحا مكثفا للقبائل الجبلية المقيمة بالأطلسين المتوسط والكبير والريف نحو السهول
الخصبة الداخلية وساعدها على ذلك تفكك جيش البخاري الذي تخلى عن المناطق المرابط بها، وتميزت هذه الهجومات القبلية بالتشتت مما جعلها تتسبب في أضرار كبيرة للدولة.والتنافس فيما بينها ( عدم الإستقرار)

(2)- تجديد أساس الدولة العلوية

-  محاولة المولى عبد الله ( 1735 -1757)
          في جو مشحون بالصراعات على السلطة، بايع جيش الودايا[1] فتحولت منذ ذلك الصراعات إلى نزاع داخلي بين القبائل من جهة والعبيد من جهة أخرى وأخذ كل فريق يعين الأمراء المساندين له، فتعرضت فترة حكم المولى عبد الله للتذبذب بحث تم حذفه أربع مرات (1735 – 1737 -1740 -1749م ).
    - تمكن المولى عبد الله من أن يفرض نفسه على جيش البخاري بالتفاوض والهبات تارة وباستعمال العنف تارة أخرى حيث قتل منهم 10 آلاف (1735م) بعد ثورتهم عليه ومساندة أخيه المولى علي مستعينا بقبائل الودايا وغضب العامة عليهم. وبضرب العبيد تارة والبربر بالعبيد تارة، تمكن عبد الله من خلق توازن عسكري لصالح المخزن[2]. فأخضع قبائل الريف وسهل الغرب وأخمد ثورات العبيد.
    - استطاع استعادة السلطة بمراكش وبعض الموانئ الجنوبية فضمن بذلك مرور القوافل الصحراوية، مما مكنه من توفير مداخيل لبيت المال.
    - تمكن من إخماد ثورات إخوته المولى علي ، المولى المستضيئ وزين العابدين، وتغلب على ثورة بطنجة بقيادة عاملها عبد الكريم. وغنم ثروته التي قدرت ب 400 ألف دوقة سنة 1748م

عهد الإصلاح المولى محمد الثالث (1757 -1790 م)[3]
          تولى المولى محمد بن عبد الله الحكم في ظروف صعبة بعد عهد الإضطرابات، فاجتهد في المحافظة على بلاده ووحدتها وتأمين شواطئها.
          لجأ السلطان محمد بن عبد الله  إلى تطوير التجارة الخارجية وهذا لتوفير الحد الأدنى من المداخل لسير أجهزة الدولة، كما سعى إلى وضع نظام ضريبي شبه مستقل حتى لا يبقى المخزن بحاجة للجيش لجباية الضرائب من القبائل والمدن وأن لا يصطدم بقوة الزوايا.    
ومن إنجازاته لوضع دعائم جديدة للدولة:
- بناء جيش قوي يحفظ البلاد من الأطماع الخارجية، ويعيد الإستقرار والأمن للدولة، فجند جيشا يتركب أساسا من عناصر مغربية بعد فشل تجربة البواخر، حيث خفض عددهم من 100 ألف جندي إلى 15 ألف واعتمد على عناصر أخرى من القبائل فتكون جيشه من فيالق الودايا وبعض الفرق من القبائل البربرية ( بلغ جيشه من العبيد 15 ألف و من الأحرار 7 آلاف). واعتمد على مداخيل الجمارك لتمويل الجيش بدلا من الضرائب.
      حرص على بناء أسطول بحري كبير فشيد مصنعا للسفن بمدينة العرائش، وبلغ أسطوله البحري 60 قطعة وعدد بحارتها 6000 بحار. وفي هذا الإطار أرسل الى السويد لجلب البارود ومستلزمات السفن ( 1763) وإلى انجلترا للحصول على الذخائر. وعقد إتفاقية مع الدانمارك (1781) تدفع بموجبها هذه الأخيرة 25 مدفعا كل سنة للمغرب.
                                                     
- حماية البلاد والتجارة
      بواسطة هذا الجيش القوي الذي أنشأه استطاع حماية التجارة الخارجية والثغور وتمكن من إخماد تمردات بقايا العبيد التي دامت من 1776 إلى 1782م وإيقاف أطماع بعض افراد الأسرة العلوية الراغبين في الإستيلاء على السلطة ومنهم أبنه المولى يزيد (إ1775م)
        كما قاد حملات عسكرية لإستكمال وحدة البلاد، فطرد البرتغاليين من الجديدة ( 1782) وخاض حروبا ضد فرنسا في سواحل العرائش وسلا، ثم ضرب حصارا على مليلية ( 1784)( لكن السلطان الإسباني ذكره بمعاهدة عدم الإعتداء....) ، وكان حريصا عللا فك أسر المسلمين لدى الأوروبيين.

- مهادنة الزوايا ومعاداة دورهم الديني
        واصل محمد الثالث معاداته للزوايا وسعى دون أن تستعيد نفوذها، وعارض بحزم ما كان يدعيه المرابطون من اتصال مباشر بعالم الغيب، ووجد سندا قويا في الدعوة الوهابية التي ظهرت آنذاك بالحجاز. وفيما كان يفند دعاوي التصرف في الكون على ألسنة أرباب الزوايا وهي أمور هادمة للعقيدة في نظر الفقهاء لغايات سياسية، فإنه فتح لهم باب الإستغلال الإقتصادي للفلاحين فتحولت الحركة المرابطية إلى نظام شبه إقطاعي.
          تزايد نفوذ الزوايا المساندة للسلطة ( الوزانية – الناصرية) على الصعيد الإقتصادي، فقد منحها المخزن إمتيازات واسعة منها حق التصرف بالأعشار والزكاة المأخوذة من سكان المناطق التي تشرف عليها، وكان "العزيب "[4] أهم شكل من أشكال الإمتيازات التي قدمتها السلطة المركزية للزاوية. غيرأن أهم مصدر لتزايد ثروة الزوايا كان عمل " العزابة" حيث أصبح الفلاحون خاضعين لنفوذها. وكان للشرقاء الوزانيون نوع آخر من العزابة إذ اشتروا مساحات من الأراضي ووطنوا بها الخماسين لإستثمارها ، وكان العزاب يقدم للزاوية كل سنة الضرائب الشرعية ويحق لمقدم الزاوية أن يعير الخماس لشيخ آخر للقيام بخدمته. وفي الجنوب حبست الأراضي المسقية لصالح الزاوية الناصرية .
توفرت للزوايا يد عاملة مكونة الزنوج الأفارقة والفلاحين الذين يقدمون عملهم تبركا لها ثم الخماسون، كما دخلت الزاوية الناصرية في علاقة شراكة مع القبائل الرحل فضمنت أمن الفلاحين المستقرين في واد درعة وحمت القوافل والتجار المارين بالمنطقة مقابل الهدايا والأعشار.

- تأمين نظام مداخيل شبه مستقلة عن الداخل
          حتى لا يبقى المخزن بحاجة إلى جيش البخاري وأن لا تضطر إلى القيام بحركات مستمرة لجباية الضرائب من القبائل والمدن وأن لا يصطدم بقوة الزوايا، سلك محمد الثالث سياسة الباب المفتوح،من أجل تشجيع التجارة الخارجية،  فقد رمم ميناء آنفا (1760) وأسس ميناء الصويرة(1765) وبنى ميناء فضالة (1773) ، ثم قنن العلاقات التجارية مع الدول الأوروبية بمعاهدات واتفاقيات وتمكن من أن يجعل من أعشار الموانئ جزءا من مداخيل  المخزن ( مداخيل المخزن)، كما حاول إستعمال الجهاد البحري كوسيلة لجلب مزيد من المداخيل الإضافية خاصة بعدما أصبح لديه أسطول بحري مجهز بأحسن تجهيز.

- إعادة إعمار وبناء المدن المغربية
          عمل على إعادة إعمار مدينة آنفا التي أصبحت خالية من أهلها عقب زلزال 1755، ووضع بطارية مدافع قرب الميناء، واستخدم السفن الصغيرة لنقل البضائع من السفن التي تبقى في عرض البحر، ثم بنى مسجدا بالمدينة وحمامات ومدارس وأحاطها بأسوار وجلب إليها السكان من الجنوب من دكالا والشاوية وفي سنة 1766 بنى مدينة الصويرة ( موغادور) مستعينا بالمهندس الفرنسي كورنو، وجلب إليها التجار الأجانب لتنشيط تجارة الميناء الجديد واسقط عنهم الرسوم، فهرع إليها التجار من كل صوب وازدهرت المدينة واستمرالإعفاء سنين ثم أعاد فرضها كما كان الحال في باقي الموانئ.

- علاقات مولاي محمد الخارجية
          أقام مولاي محمد الثالث علاقات وثيقة مع المشرق الإسلامي فقد زوج إبنته من شريف مكة، وكان يرسل الهدايا والأموال في مواسم الحج .
        تخلى عن سياسة أسلافه في التحرش بالأتراك ومعاداتهم فتبادل معهم السفراء مع السلطان مصطفى الثاني (1757 -1774م) وحصل من الدولة العثمانية على أسلحة وذخائر وملتزمات السفن، وتبادل مع السلطان عبد الحميد الأول ( 1774- 1789) السفارات وزوده بالأسلحة والسفن والأموال أثناء حربه مع روسيا.
أما عن العلاقات الفرنسية المغربية فلم تشهد تحسنا يذكر خاصة بعدما رفض السلطان محمد الثالث مشروع معاهدة تضمنت شروطا غير مقبولة[5]. وعلى إثر أسر سفينة فرنسية، قصف الأسطول الفرنسي مدينة سلا وهاجم العرائش وفشلت محاولة إنزال قواته بالمدينة. وفي سنة 1767م عقدت فرنسا معاهدة مع المغرب حصلت فيها على امتيازات مهمة.
نتيجة العلاقة السيئة التي كانت بين إنجلترا ووالده، أصدر السلطان محمد أمرا يقضي بمغادرة التجار الإنجليز أغادير وأمر بالإستيلاء على سفنها بالموانئ المغربية وفي سنة 1756 م جرت أولى محاولات للتفاهم تم إثرها توقيع معاهدة سنة 1760 للتجارة، استفاد منها الجانب البريطاني لتموين المغرب لحامية جبل طارق وسفن الأسطول البريطاني.

 -----------------------------------------------------------------


[1]  - جيش الودايا. جمع ودي، وهي قبيلة تنحدر من عرب معقل، كانت تقطن جنوب المغرب، استقدمها السلطان اسماعيل خلال دخوله الثاني إلى مراكش, وشكل جيش الودايا درعا سياسيا واجتماعيا لمكان لالا خناتة داخل نظام الدولة، يتكون من مقاتلين محترفين من قبائل بدوية عربية.
[2]  - إتجه إلى توظيف قبائل بربرية منها أيت ادارسن في الجيش...
[3]  - بويع بمراكش سنة 1757م   وبويع بفاس سنة 1761م
[4]  - العزيب : هو عبارة عن أراضي فلاحية يصبح سكانها تابعين لها مباشرة أبا عن جد، يدفعون الأعشار والزكاة والهدايا للزاوية عوض دفعها للمخزن
 [5] - هذه الشروط:تحرير الأسرى الفرنسيين بسعر منخفض، تخفيظ رسوم الدخول بالنسبة للتجار الفرنسيين ،منح الفرنسيين مراكز بالمغرب شبيهة بمركز الفالة بالجزائر.




(3)    المغرب الأقصى في القرن التاسع عشر 19

       على إثر وفاة المولى محمد الثالث ( 1790م) ، خلفه أبنه الأكبر المولى يزيد المهدي ( 1790 -1792) غير أن إخوته استقلوا عنه خاصة في الجنوب ، المولى هشام بمراكش والمولى عبد الرحمان بتارودانت. انشغل المولى يزيد بمقاومة حركات الانفصال إلى أن توفي سنة 1792. وعقب وفاته عادت الفوضى السياسية لتعدد المرشحين على العرش فالمولى هشام كان استقل بمراكش وسوس، وبايعت المدن الشمالية : طنجة والعرائش وتطوان المولى مسلمة، أما فاس ومكناس فبايعت المولى سليمان. ولم ينتهي النزاع إلا بمقتل الأولين.
تولى الحكم بعد ذلك المولى إسماعيل ( 1792- 1822) وتميزت فترة حكمه بالعزلة والانطواء على النفس وهي سياسة إلتزمها المغرب أمام التوسعات الأوروبية.
- سياسة الاحتراز من أوروبا.
    تجسدت سياسة الإحتراز من أوروبا في التخفيف من التعامل التجاري مع دولها، وكان للمحاولات التوسعية الأوروبية دور في توجه المولى سليمان نحو تقليص مبادلات المغرب مع أوروبا، فقد دفعت حملة نابليون على مصر            ( 1798)  إلى الحذر من التوسع الأوروبي والفرنسي الى المغرب، وزاد احتلال نابليون لشبه الجزيرة الإيبيرية  من حذر المغرب، وبعد نهاية الحروب النابوليونية هدد أوربا المغرب العربي بالتدخل بدعوى مقاومة القرصنة ( مؤتمر فيينا 1815). هذه التحولات جعلت المخزن العلوي يطبق سياسة الحذر والإحتراز.
-  أخذت السلطة العلوية تدابير تقضي بغلق الموانئ على التجارة الأوروبية ومنها رفع الرسوم الجمركية على تصدير الحبوب والشمع (بنسبة 12%) والأبقار (27%) ومنعت تصدير الزيوت والصوف سنة 1814 [6] .
- فرضت على القناصل الأوروبيين الإقامة في طنجة منذ سنة 1805م
- أبطل المولى سليمان القرصنة ( الجهاد البحري) ومنع المجاهدين المغاربة من الإغارة على السفن  الأوروبية في البحر[7]
- اتخذ المولى سليمان تدابير اقتصادية أخرى عملت على عزل المغرب الأقصى لأسباب داخلية عامة. فالمغرب خلال عهد سليمان شهد كوارث طبيعية ( أوبئة ومجاعات) دفعته إلى توجيه المنتوج  الزراعي المحلي  لمواجهة هذه الكوارث     ( الجراد 1812 – مجاعات بين 1812 و1818م).
- إلى جانب ذلك عرفت التجارة الخارجية تدهورا ملحوظا بسبب الظروف الدولية التي تميزت بالحصار الإقتصادي الذي فرضه نابليون على انجلترا، فانخفضت قيمة العملة المغربية.
- الإنفتاح على التجارة الصحراوية
    بالمقابل، حاول سليمان الإنفتاح على التجارة الصحراوية والإفريقية والمشرقية غير أن موارد هذه التجارة التقليدية كانت قد شهدت فتورا عاما بسبب هيمنة الرأسمالية الأوروبية على التجارة الأفريقية.
بالعموم حاول السلطان سليمان من خلال سياسة الإحتراز الحفاظ على استقلال المغرب الأقصى في إطار بنياته المحافظة.

- صدى الدعوة الوهابية بالمغرب
    كان لهذه الدعوة صدا هاما في المغرب من خلال وفود الحجاج وبالخصوص من خلال الوسائل المتبادلة بين السلطان سليمان والأمير أبن سعود. وكان المغرب في عهد المولى محمد الثالث قد شهد حركة إصلاحية سلفية ونشطت هذه الحركة الإصلاحية في ميداني التشريع والتدريس بالدعوة إلى الإعتماد على الأصول وتجاوز الفروع.[8]
أخذ المولى سليمان بالمذهب الوهابي لأسباب منها الدعوة للتقشف بفعل أوضاع المغرب التي كثرت به الكوارث الطبيعية والفواجع العامة ( أوبئة ومجاعات) وكذلك لأنه كان يسعى إلى جمع السلطات بيده وضرب نفوذ الزوايا ( الدرقاوية – الطيبية – الحنصالية) الذي كان يهدد المخزن.
    هكذا حمل المولى سليمان على بعض الطرق الصوفية والزوايا ودعا الناس إلى التقشف فكان يلبس لباسا متواضعا ومنع التدخين وحرم المواسم التي كانت تقيمها الزوايا، واصدر ظهيره المشهور:" يا أيها الناس، أيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم وطهروا من دنس البدع إيمانكم... فيجب على من ولاه الله من أمر المسلمين شيئا من السلطان ... أن يمنعوا هؤلاء الطوائف من الحضور في المساجد وغيرها... فإياكم وإياكم من البدع"[9]

الصراعات الإجتماعية والسياسية
      اتجهت تجارة المغرب مع الصحراء الإفريقية والمشرق العربي إلى تعزيز القوى المحافظة كشيوخ القبائل والزوايا والبرجوازية التقليدية، بالمقابل أثار انقطاع العلاقات التجاية مع أوروبا غضب كثير من القوى الإجتماعية والتي مست مصالحها ( برجوازية المدن الساحلية بالخصوص )
-   كانت للكوارث الطبيعية نصيب من بروز حركات الإنتفاض، فوباء الطاعون والمجاعات التي عمت المغرب أفرغت البوادي  والمدن من سكانها ففي سنة 1796 م أتشر وباء الطاعون، فهلك من سكان الرباط (من أصل 30 ألف  ساكن انخفظ عدد السكان إلى 10 آلاف ساكن) وكان يموت بمراكش خلال أيام تفشي المرض ما يقرب 2000 شخصا يوميا، وفي سنة 1799 م تكرر الطاعون فهلك من جرائه 25.000 نسمة بمراكش و50.000 نسمة بفاس و20 ألف بالرباط حسب بعض المصادر.
- عمت المغرب كوارث طبيعية ( الجراد 1812) ومجاعات (1815 -1818 م)، أودت بحياة عدد كبير من البوادي والحواضر وتقلص عدد سكان المغرب بشكل كبير لهذا تمردت القبائل والزوايا لأسباب متعددة.
ففي سنة 1811 انتفضت قبائل الأطلس المتوسط وبدأت زحفها نحو مكناس وتحالفت مع الطريقة الدرقاوية والزاوية الوزانية ، فتقلصت السلطة المركزية ووقع المولى سليمان أسيرا عند إحدى المعارك التي خاضها ضد المتمردين.[10]
أعلنت قبائل الأطلس الكبير ( هكسورة) والشاوية (دكالة) عصيانها وتمكنت الزاوية الطيبية من محاصرة مكناس واستولت على فاس فبايعت المولى إبراهيم سلطانا على المغرب وجاءته البيعة من المدن الساحلية: القصر ، العرائش، تطوان طنجة سنة 1821 م.
---------------------------------------------------------------------

[6]  - يقول أ.بركان:" في سنة 1814 منع تصدير الحبوب والزيوت والشموع وتصدير المواشي والأنعام والأصواف وشدد في ذلك على معاقبة كل من يخالف الأمر". ص 158
[7]  - كان الجهاد البحري قد عرف فتورا ملحوظا في عهد المولى محمد الثالث الذي كان يسعى لتشجيع المبادلات التجارية مع أوروبا.
[8]  - يقول الناصري في حق المولى محمد الثالث : " كان يحض الناس على مذهب السلف والاكتفاء بالاعتقاد المأخوذ من ظاهر النص- أي الكتاب والسنة بل تأويل"
[9]  - عبد الرحمان بن زيدان.ع. إتحاف أعلام الناس
[10]  - ثارت قبائل آيت أمالو بالأطلس المتوسط  بقيادة زعيمها أبي بكر أمهاوش ضد المخزن وألحقت الهزيمة به في مناسبتين واقعة أزرو 1811، وواقعة زيان 1819. ويروي الناصري أن بني مكاليد لما أسروا السلطان سليمان أعظموا حلوله بين أظهرهم وأجلوه" ص 174


(4) - المغرب الأقصى والضغوط الأوروبية

  تزايد إهتمام الدول الأوروبية – فرنسا وانجلترا واسبانيا – بإمكانيات المغرب الأقصى عقب إستيلاء الجيش الفرنسي على الجزائر سنة 1830 م، فتعرضت البلاد للضغوط الإستعمارية على واجهتها الغربية والشرقية.
استعمل الأوروبيون التجارة كوسيلة لتنفيذ خطة بعيدة المدى استهدفت عزل الدولة أكثر فأكثر عن المجتمع وتحويلها إلى أداة طيعة تخدم مصالحها.
بعد إنتهاء الحروب النابوليونية وانعقاد مؤتمر فيينا 1815 م دخل الأوروبيون في مفاوضات طويلة ، فتوحدت أفكارهم حول نقاط تتعلق بالسياسة الخارجية اتجاه العالم الثالث واتفقوا على التدخل أينما دعت الضرورة باسم الحرية، ورفعوا شعار تحرير العبيد ومنع تجارة الرقيق ووضع حد للقرصنة وتأمين حرية الملاحة وحماية التجارة والتجار.
          تدخلت أوروبا مبكرا في الشمال الإفريقي المجاور لها، فانهارت الدولة التاريخية المغاربية على إثر تضافر عاملين إثنين: الضغط العسكري الإقتصادي ثم الأزمة الناتجة عن قرون من الجمود اي الإستقرار في ظل الإنحطاط.
 1-    المغرب الأقصى والضغوط العسكرية الأوروبية

          تسلم المولى عبد الرحمان بن هشام  الملك الجديد السلطة الوصية من عمه المولى سليمان قبيل وفاته سنة 1822 في ظروف مأساوية، إذا كان المغرب قد عاد إلى حالة حالة التفتت وعدم الإستقرار، فأعاد تنظيم الجيش وأرغم  على الطاعة رؤوس الفتنة كمحمد بن الغازي زعيم القبائل البربرية في الأطلس المتوسط، ثم واجه بحزم شيوخ الزوايا وعين على الأقاليم المضطربة كالحوز ووجدة عمالا منحهم سلطة مطلقة لإقرار الأمن في ظرف ثماني سنوات ( 1822 – 1830). واستطاع أن يرمم ما تصدع من بنيان المخزن فلقب بإسماعيل الثاني.

- معركة وادي إيسلي 1844
        كان سقوط الجزائر في جويليا 1830 م يمثل في عين المولى عبد الرحمان أولا وقبل كل شيئ، نهاية الحكم التركي الذي طالما تمناه واعتبره فرصة لمواصلة سياسة المولى اسماعيل التوسعية في الغرب الجزائري لكنه أدرك بعد مغامرة 1831-1832 أن ذلك يشكل خطرا على أمن مملكته.[11]
وحين انتظمت المقاومة على يد الأمير عبد القادر سنة 1832 م أعلن المولى عبد الرحمان الحياد الرسمي لكنه كان يزود المجاهدين الجزائريين بالسلاح والمال تشجيعا من انجلترا. سارت الأمور على هذا المنوال طالما كانت المعارك تجري على الأراضي الجزائرية (1832 -1844)، لكن عندما اضطر الأمير إلى اللجوء الى الريف لللإحتماء به ، شرعت القوات الفرنسية بمطاردته متوغلة في منطقة الحدود،فتوترت العلاقة بين المولى عبد الرحمان والأمير عبد القادر.
انتهى الأمر بوقعة إيسلي وهزيمة الجيش المغربي على يد الجنرال لامورسيير     ( 7000 جندي فرنسي ينتصرون على 30000 جندي مغربي بقيادة الأمير محمد بن عبد الرحمان). وتدخلت انجلترا حتى لا تستغل فرنسا الفرصة وتقتطع لنفسها جزءا من الأرض المغربية، فأبرمت إتفاقيتان الأولى في طنجة بتاريخ 10/9/1844 لبت فيها أهم مطالب فرنسا أي مطاردة الأمير ومغادرته المغرب. والثانية موقعة في لالامغنية يوم 18/3/1845 التي لبت دعوة المغرب الى ترسيم الحدود حتى لا يبقى لفرنسا ما تتذرع به للتوسع غربا[12].
------------------------------------------------------------
[11]  - حين جاءته بيعة بعض أعيان تلمسان ( وفد بنونة في أوت 1830) استفتى علماء فاس فأفتوه بالموافقة، شريطة أن تكون البيعة شاملة كاملة( لكنها كانت بدون إجماع أهل تلمسان) فأرسل جيشه بقيادة أبن عمه الأمير
علي بن سليمان إلى تلمسان من أجل تحصيل البيعة من المعارضين الكراغلة والدواير... ولم تعمل الحملة على إقرار الأمن وتنظيم المقاومة، فنشبت الحرب واستباح الجند المغربي الأهالي في المدن والأرياف، فأمر المولى عبد الرحمان جيشه بالعودة خاصة حين هددته فرنسا بالرد العنيف إن هو لم يلتزم سياسة الحياد وعدم التدخل في الشأن الجزائري.
[12]  - يقول البند الأول من إتفاقية لالامغنية : " اتفق الطرفان على إبقاء الحدود بين إيالتى المغرب والجزائر كما كانت سابقا بين ملوك الترك وملوك المغرب السابقين بحيث لا يتعدى أحد على حدود الآخر. ويقول البند الرابع :" أن أرض الصحراء لا حدود فيها بين الجانبين لكونها لا تحرث وإنما هي فقط لعرب الإيالتين التي تنزل فيها وتنتفع بخصبها ومائها ولكلا الملكين التصرف في رعيته بما شاء وكيف شاء بلا معارض". إتحاف اعلام الناس ج5


حرب تيطوان ونتائجها 1860-1861
          توفي المولى عبد الرحمان سنة 1859م، وخلفه إبنه محمد، فزاد الضغط العسكري على أطراف البلاد، حيث شن الفرنسيون الحملات التأديبية على بني يزناسن وبني كيل بناحية فجيج جنوبا، وكان الهدف منها إبراز ضعف المخزن، فتشجعت إسبانيا على فك الحصار المضروب على حاميتها بسبتة ومليلية منذ عقود فقررت ضم بليوتش لأهميتها في تموين سبتة بالماء،حينئذ وقعت مناوشات بين الحامية الإسبانية والقبائل المجاورة، ولما ضمنت اسبانيا حياد فرنسا وانجلترا احتلت الجزر الجعفرية المقابلة للحدود وارسلت إنذارا للعاهل الجديد، ثم ارسلت جيشا قوامه 50000 جندي ، أخذ طريق تطوان. إعترضت الغزاة قوة مغربية قوامها 6000 جندي، ورغم الفرق لم تتقدم القوات الإسبانية إلا ببطئ شديد لأن
القبائل المجاورة هبت لمساعدة الجيش، غير أن المولى محمد بن عبد الرحمان سلك طريق المهادنة بسبب الظروف الصعبة فانصب غضب القبائل على المخزن فهاجمت مدينة تطوان التي سارعت إلى فتح ابوابها للإسبان.
تدخلت انجلترا مرة أخرى لتحمي المغرب من الأطماع الإسبانية فأرغمتها على الإنسحاب من تطوان مقابل غرامة مالية قدرها 100 مليون فرنك ذهبي، مما أجبر المولى محمد على الإقتراض من البنوك الأنجليزية وأن يمنح كضمانة سداد، رسوم الجمارك(25% منها تقتطع لتسديد القرض)
أدت حرب تطوان إلى تهريب العملة الذهبية والفضية من المغرب وبالتالي غلى تضخم وارتفاع الإسعار واضطراب المخزن وإلى إضافة ضرائب جديدة. ودخل المخزن في دوامة الإقتراض الذي يؤدي إلى الإفلاس ثم ضياع الإستقلال.


2-    المغرب الأقصى و الضغوط الإقتصادية

1. إنهاء سياسة الإحتراز: معاهدة 1856
          كان المغرب بحاجة إلى مداخل مالية لتنظيم الجيش والقضاء على الفتن،فاضطر المخزن لمضاعفة الإيراد الجمركي وإلى التنازل عن بعض الإمتيازات لفائدة التجار الأجانب وعقد إتفاقيات تجارية مع البرتغال سنة 1823 وانجلتراسنو 1824، ثم فرنسا سنة 1825 ومملكة سردينيا سنة 1825. كان الهدف منها تعميم الإجراءات ومستو الرسوم مهما اختلفت جنسية التجار والمواد المصدرة والمستوردة.
كان الرأسمال الأوروبي في التصف الأول من القرن 19 بحاجة إلى أسواق خارجية، فجند الأوساط التجارية والصناعية الأوروبية ( لندن ، جبل طارق، ليون ومرسيليا) لعقد علاقات نشيطة بينها وبين المغرب ( حبوب ، صوف، جلود). وشكلت معاهدة 1856 م قاعدة ارتكاز للتغلغل الرأسمالي في المغرب.[13]
       أنهت هذه المعاهدة احتكار المخزن للتشريع الجمركي، فأصبحت الحرف المغربية مهددة بالمنافسة الأوروبية وأصبح القناصل يقضون في المنازعات بين الرعايا المغاربة والأجانب.
كانت معاهدة 1856 م خاصة بالانجليز ثم توسعت صلا حياتها على كافة التجار الأوروبيين. أقرت المعاهدة مبدأ حرية المبادلات، فألغت كل الاحتكارات السلطانية باستثناء التبغ والكيف ( العشبة)ومراقبة نظرية على مواد الحربية       ( أسلحة ،كبريت،ملح البارود).فلم يعد للسلطان الحرية في تنظيم ميزانيته بمضاعفة الرسوم على التجارة الخارجية، وكل ما يمكن القيام به هو تشجيع تجارة الأوروبيين مما يشكل خطرا على سلطته.

2.     اتفاقية مع فرنسا 1863 ومعاهدة مدريد 1880.
        لم يعد الأوروبيون يكتفون بالإمتيازات الخاصة بالمعاملات، بل أصبحوا يطالبون بتعميمها على الرعايا المغاربة الذين يتاجرون معهم. المخاليط في عرف المخزن من يهود ومسلمين إذ كل ما يحد أو يعرقل نشاط هؤلاء يؤثر سلبا على التجارة الأوروبية، هكذا حصل أعوان الأجانب من سماسرة وتجار على امتيازات جبائية وقضائية. بعد هذا جاءت المعاهدة الفرنسية المغربية المبرمة  بتاريخ 17/8/1863 لتتوج هذا التطور وتكرس ما يسمى بالحماية الفردية إذ كان للقنصل الحق في البث في كل قضية يكون الأجنبي طرفا فيها. ثم عمم هذا الحق على كل الدول الأوروبية.
بأصبح عدد مهم من المغاربة رعايا أجانب يخضعون لقوانين غير القوانين السلطانية ولم يعد لأي قايد أن يسلط عقوبة على الفلاحين والتجار الذين دخلوا تحت حماية القناصل إلا بموافقة هؤلاء.
شكلت الحماية الفردية ظاهرة خطيرة في العلاقات بين المغرب والدول الأوروبية فكان المغرب يلح على ضرورة تقليص عددهم لأنهم كانوا لا يدفعون الضرائب في حين كانت الدول الأوروبية تصر على الإحتفاظ بهؤلاء الوسطاء ومضاعفة أعدادهم. فتكاثرت الحمايات مع تزايد عدد التجار والسماسرة وشملت فروعا من القبائل،وهكذا تزايد عدد المغاربة المحميين في المدن والأرياف مما تسبب في تقليص الجباية.
بسبب الحماية الفردية، لم تعد الفئات الغنية – يهود ومسلمون – تدفع الضرائب للمخزن وقد كانوا يملكون عقارات لصالح الأوروبيين فاضطر المولى الحسن الذي خلف محمد بن عبد الرحمان ( محمد الرابع) إلى القيام بميعى لدى العواصم الأوروبية للحد من عدد المحميين، انتهت بعقد مؤتمر مدريد في يوليو 1880، الذي فشل في مهمة الحد من الحماية الفردية بل أصر على إبرام إتفاقية تنص على " حق الملكية العقارية للأجانب" بعد ترخيص المخزن.
سجعت هذه الإتفاقية الهجرة الأوروبية إلى المغرب وتكاثرت في المدن الساحلية الجاليات الأوروبية ثم تسربوا إلى الأرياف ففي سنة 1858 كانت الجالية الإنجليزية تمثل 50% من الأجانب، أما سنة 1894 فصارت الجالية الإسبانية تقدر ب 90% من الأجانب.


------------------------------------------------
[13]  - من أهم بنود معاهدة 1856:"  يحق للرعايا الأجانب أن يسافروا ويسكنوا حيث شاؤوا ولهم الأمن على أنفسهم وأموالهم."
أما السلع التي ترد على يد التجار الأجانب فلا يؤدون عنها سوى 10% من قيمتها المالية.




3.     تغير في البنية الاجتماعية
    أدت الضغوط الأجنبية إلى ظهور ضائقة إقتصادية حادة عمقت بدورها الأزمة السياسية الكامنة منذ مطلع القرن 19.
- نتج عن تحرير التجارة من كل قيد إلى نمو صادرات الحبوب والصوف،فارتفعت أسعارها في حين تكدست في السوق المواد الصناعية التقليدية – المنسوجات – المصنوعات الجلدية وانخفضت أسعارها.
- اختفت العملة الفضية، أما العملة الذهبية فلم تعد توجد إلا بيد الملوك وبعض الأعيان، وكثرت العملة النحاسية الرديئة، وعمت الفوضى في الصرف وتعثرت المعاملات.
زاد الطلب على النقود الأجنبية لشراء المستوردات في وقت كان الطلب على المصنوعات المحلية يقل.
- أضرت هذه الأوضاع بمصالح المخزن وأعوانه وكذلك بصناع المدن، أما كبار الفلاحين فكانوا يستفيدون من نمو حجم الصادرات وارتفاع أسعارها وكذلك الموالون ( تربية الماشية)لكنهم كانوايتضررون من إنخفاظ قيمة العملة النحاسية واختفاء العملة الفضية ، وفي كل الأحوال المستفيد الوحيد هو التاجر الأوروبي وأعوانه وسماسرة ومخاليط.
- كان كبار التجار في مقدمة الشرائح الإجتماعية التي انتهزت " إنفتاح المغرب" على أوروبا لدعم مكانتها الإجتماعية وبسط نفوذهم، حيث حصلوا على الحماية الفردية وافلتوا من دفع الجباية وأمنوا  ثرواتهم وذهب بعضهم إلى إعتناق الجنسية الأجنبية دعما لمصالحه الإقتصادية ( خاصة اليهود)، فزاد عددهم من 400 سنة 1855 إلى 8000 سنة 1885 ثم 20000 سنة 1894.
- استفاد المحميون من الوساطة في التصدير والإيراد ثم أخذوا يستثمرون أموالهم في شراء الأراضي والغلات وساهموا في الشركات الهامة وجنوا أرباحا هامة من القروض بفوائد هامة، وفي المضاربات العقارية، هكذا نشأت فئة اجتماعية جديدة ارتبطت مصالحها بالأجانب ولم تكن منسجمة، إذ كانت تشتمل على تجار ومزارعين وشرفاء وحتى عدد من الوزراء والموظفين الكبار
- تأزمت وضعية العامة في المدن والأرياف إذ عانت أغلبية السكان من تغلغل الرأسمال الأوروبي منذ النصف الثاني من القرن 19، فتضرر الفلاحون من تسلط التجار والأعيان والمخزنيين على الأرض.
- عان الحرفيون من ارتفاع الضرائب ومن المنافسة الأوروبية ولم تعد نقاباتهم قادرة على حمايتهم، فأنهار مستوى المعيشة وارتفعت أسعار الجلود والأصواف بسبب إقبال الأجانب عليها، فلم يتمكنوا من شرائها.
- أثار التدهور سخط الحرفيين، فتعددت الإضطرابات فيالمدن وحاولوا مقاطعة دفع الضرائب فكانت ثورة الدباغين بفاس نموذجا لحركات الحرفيين.

(6)- فشل سياسة الإصلاحات

                   جاءت سياسة الإصلاح كرد فعل بعد هزيمة إيسلي وحرب تطوان، تهدف إلى إصلاح الجيش وتحديث بعض القطاعات الإقتصادية بقصد تنمية موارد الدولة الجبائية ، غير أن النتائج لم تكن في مستوى الطموحات، لقد فشلت هذه الإصلاحات لأن السلاطين كانوا يعتقدون أنهم يواجهون الرجال في حين أنهم كانوا أمام نظام اقتصادي  واجتماعي  وثقافي شامل.
- أدرك المولى عبد الرحمان أن الإصلاح لايتم في حالة تطويق دولي ( ضغط إقتصادي وعسكري) فلجأ إلى حماية انجلترا وبالفعل طيلة 50 سنة ( 1830-1880) لعبت انجلترا هذه الورقة ودافعت بقوة على استقلال المغرب ووحدة أراضيه، إلا أن سياسة الإنجليز كانت متناقضة، تدافع من جهة على السلطة ومن جهة أخرى تطالب بإصلاحات تؤدي حتما لإفراغ هذه السلطة من كل محتوى، وهكذا أدخلت سياسة الإصلاح التي باشرها المولى عبد الرحمان وابنه محمد والمولى الحسن الأول، المغرب  في حلقة مفرغة.
إذ كان يعفي الأغنياء ويثقل كاهل الفقراء والضعفاء بالضرائب، وفي موضوع الإصلاح العسكري الذي كان الهدف منه تحديث الجيش للدفاع عن استقلال البلاد، استخدم في النهاية لقمع الثورات المحلية وتأمين المسالك حتى تتمكن الرأسمالية الأجنبية من التوغل داخل القطر.
- فشل إصلاحات جهاز الدولة والجيش
                   أدخل السلطان[14] عبد الرحمان تغيرات على مهام الوزراء التي أصبحت محددة. فالوزير الصدر يسهر على الشؤون الداخلية والمراسلات بين السلطة المركزية والإدارة المحلية من باشاوات وقياد وأمناء محليين. أما أمين الأمناء، فكان يسهرعلى الجبايات ( جبابات الجمارك والرسوم) وحارب اختلاس أموال الدولة بتعيين أمناء مأجورين بالموانئ وينتظر من ذلك رفع مداخيل بيت المال.
على الصعيد الجهوي تم تدعيم الإدارة المخزنية في المناطق الجبلية والنائية وتعيين رجال أشداء عللا رأس هذه المناطق[15]وتخويلهو سلطة مطلقة لإقرار الأمن، غير أنها أدت إلى تكوين فئة من القياد الكبار هددت وجود المخزن، فحاول المولى حسن الأول التخلص منهم،فجزأ قياداتهم إلى قيادات صغرى غير قادرة على تحدي أوامر السلطة المركزية، واهتم بشيوخ الزوايا سيما من كان يتعامل مع الأجانب ( الزاوية الوزانية) فبذل جهودا لإخضاعها.
لكن أهم إصلاح مس الجيش، اهتم المولى محمد الرابع والحسن الأول بإحداثه على النمط المعاصر،هي إجراءات تجلت في إرسال طلبة مغاربة إلى الخارج وجلب مدربين أجانب واستيراد أسلحة وإقامة مصانع لإعداد الأسلحة والذخيرة.
إلتحق الطلبة المغاربة بالمدارس العسكرية في جبل طارقوانجلترا وألمانيا وفرنسا قصد تكوينهم في المدفعية والهندسة العسكرية ، ووظف المخزن ضباطا لتأطير الجيش وتدريبه على الأسلحة الحديثة، وأقام دار " الماكنة" بفاس لصناعة البنادق و "فابريكة القرطوش" بمراكش، ثم اشترى سفنا حربية لحراسة الشواطئ ومنع تهريب الأسلحة لصالح القبائل الثائرة.
- عدم جدوى الإصلاح الإقتصادي
     - تم بناء الجسور لتأمين الطرق ولا سيما الطرق الرابطة بين طنجة وفاس عبر سهل الغرب وجبل زرهون والطريق الرابط بين الدار البيضاء وفاس عبرغابة المعمورة والطريق الرابط بيم فاس ومراكش عبر سهل تادلة.
    - شهت الموانئ حركة تعميرية تجلت في بناء وتوسيع المخازن والبيوت المأجورة للتجار الأجانب.
   - استورد المغرب البخور والآلات الفلاحية ( المحراث الحديدي ) وشجع المحاصيل الصناعية كالقطن وقصب السكر بهدف إمداد المعامل الجديدة بما تحتاجه من مواد أولية، وأقام المعامل لأنتاج الورق والزجاج والسجائر والمطاحن ومعامل الزيت بفاس ومراكش.
  - حاول المولى عبد الرحمن أن يسوي أزمة الصرف فأقر إنخفاض قيمة العملة المغربية بالنسبة للعملات الأوروبية الرائجة في البلاد ليعيد الثقة إلى النفوس      ( 1852) لكن المحاولة لم تنجح إذ ساءت الوضعية بعد حرب تطوان ، فاتخذ محمد الرابع طريقا معاكسا، أي أراد العودة إلى رفع قيمة الدرهم المغربي، وقرر سنة 1869 إحياء الدرهم الشرعي الذي كان رائجا أيام المولى محمد الثالث، ففشلت محاولته لأن الواقع هو ما عبر عنه الناصري:" إن سكتهم هي الغالبة والأكثر رواجا فلا بد أن يكون الحكم والتأثير لها."
  - لم يستطع السلطان محمد الرابع أن يتصرف في مداخيل الجمارك لأن القسم الأكبر منها أصبح مخصصا لتسديد الدين الخارجي ( نفقات الإصلاح العسكري والأتاوات)، فاضطر إلى فرض رسوم على سكان المدن واستثنى التجار الأجانب والمحميين، ففرض المكوس على الأبواب ( الأسواق) سنة 1861 في فترة توالت فيها الكوارث والأوبئة (1866 وما بعدها).
أما الولى الحسن فأدخل تغييرات على الجباية والأعشار والزكوات ( أصبحت تفرض نقدا) وفي سنة 1884 أعاد تنظيم جهار الأمانة وحاول إنهاء تدهور العملة.
- أسباب فشل الإصلاحات
- تغلغل الرأسمال الأوروبي في الإقتصاد المغربي فأصبح يتحكم في دواليبه
- المشاكل النقدية وتدهور العملة المغربية باستمرار مما جعل المجال مفتوحا لرواج العملات الأجنبية خاصة الفرنك الفرنسي والبسيطة الإسبانية
- ساهمت بعض الفئات الإجتماعية مثل التجار والمحميين في تأزيم الوضعية لأنها لم تكن تدفع الضرائب والقروض التي تستلمها من الدولة، وكذلك كبار المزارعين في البوادي.





[14] - سلطان المغرب وهو في نفس الوقت أمير المؤمنين له السلطة الروحية والدينية على المغاربة لا يحدها أي شيء سوى الشرع الإسلامي ، وهو الإمام الذي يحفظ سيادة الشرع، وهو القاضي الأعلى ترجع له الفتاوي ويبث في القضايا الفقهية الشائكة. وهو المشرع الأول وعميد الشرفاء تقدم له الهدايا والزيارات، وهو القائد الأعلى للجيش وينوب عنه ولي العهد. وهو المولى الذي تخضع له الرعية وتذعن. وتستند مشروعية السلطان إلى ثلاث : الشرف ، الشرع ،البيعة.
[15] - تم تعيين القياد والباشاوات والقضاة والعدول والنظار يساعدهم في مهامهم الإدارية والقضائية شيوخ القيائل والمقدمون والأعوان علاوة على الأمناء والمحتسبين المكلفين بالجبايات.











جميع التهميشات:


[1]  - جيش الودايا. جمع ودي، وهي قبيلة تنحدر من عرب معقل، كانت تقطن جنوب المغرب، استقدمها السلطان اسماعيل خلال دخوله الثاني إلى مراكش, وشكل جيش الودايا درعا سياسيا واجتماعيا لمكان لالا خناتة داخل نظام الدولة، يتكون من مقاتلين محترفين من قبائل بدوية عربية.
[2]  - إتجه إلى توظيف قبائل بربرية منها أيت ادارسن في الجيش...
[3]  - بويع بمراكش سنة 1757م   وبويع بفاس سنة 1761م
[4]  - العزيب : هو عبارة عن أراضي فلاحية يصبح سكانها تابعين لها مباشرة أبا عن جد، يدفعون الأعشار والزكاة والهدايا للزاوية عوض دفعها للمخزن
 [5] - هذه الشروط:تحرير الأسرى الفرنسيين بسعر منخفض، تخفيظ رسوم الدخول بالنسبة للتجار الفرنسيين ،منح الفرنسيين مراكز بالمغرب شبيهة بمركز الفالة بالجزائر.
[6]  - يقول أ.بركان:" في سنة 1814 منع تصدير الحبوب والزيوت والشموع وتصدير المواشي والأنعام والأصواف وشدد في ذلك على معاقبة كل من يخالف الأمر". ص 158
[7]  - كان الجهاد البحري قد عرف فتورا ملحوظا في عهد المولى محمد الثالث الذي كان يسعى لتشجيع المبادلات التجارية مع أوروبا.
[8]  - يقول الناصري في حق المولى محمد الثالث : " كان يحض الناس على مذهب السلف والاكتفاء بالاعتقاد المأخوذ من ظاهر النص- أي الكتاب والسنة بل تأويل"
[9]  - عبد الرحمان بن زيدان.ع. إتحاف أعلام الناس
[10]  - ثارت قبائل آيت أمالو بالأطلس المتوسط  بقيادة زعيمها أبي بكر أمهاوش ضد المخزن وألحقت الهزيمة به في مناسبتين واقعة أزرو 1811، وواقعة زيان 1819. ويروي الناصري أن بني مكاليد لما أسروا السلطان سليمان أعظموا حلوله بين أظهرهم وأجلوه" ص 174
[11]  - حين جاءته بيعة بعض أعيان تلمسان ( وفد بنونة في أوت 1830) استفتى علماء فاس فأفتوه بالموافقة، شريطة أن تكون البيعة شاملة كاملة( لكنها كانت بدون إجماع أهل تلمسان) فأرسل جيشه بقيادة أبن عمه الأمير
علي بن سليمان إلى تلمسان من أجل تحصيل البيعة من المعارضين الكراغلة والدواير... ولم تعمل الحملة على إقرار الأمن وتنظيم المقاومة، فنشبت الحرب واستباح الجند المغربي الأهالي في المدن والأرياف، فأمر المولى عبد الرحمان جيشه بالعودة خاصة حين هددته فرنسا بالرد العنيف إن هو لم يلتزم سياسة الحياد وعدم التدخل في الشأن الجزائري.
[12]  - يقول البند الأول من إتفاقية لالامغنية : " اتفق الطرفان على إبقاء الحدود بين إيالتى المغرب والجزائر كما كانت سابقا بين ملوك الترك وملوك المغرب السابقين بحيث لا يتعدى أحد على حدود الآخر. ويقول البند الرابع :" أن أرض الصحراء لا حدود فيها بين الجانبين لكونها لا تحرث وإنما هي فقط لعرب الإيالتين التي تنزل فيها وتنتفع بخصبها ومائها ولكلا الملكين التصرف في رعيته بما شاء وكيف شاء بلا معارض". إتحاف اعلام الناس ج5
[13]  - من أهم بنود معاهدة 1856:"  يحق للرعايا الأجانب أن يسافروا ويسكنوا حيث شاؤوا ولهم الأمن على أنفسهم وأموالهم."
أما السلع التي ترد على يد التجار الأجانب فلا يؤدون عنها سوى 10% من قيمتها المالية.
[14] سلطان المغرب وهو في نفس الوقت أمير المؤمنين له السلطة الروحية والدينية على المغاربة لا يحدها أي شيء سوى الشرع الإسلامي ، وهو الإمام الذي يحفظ سيادة الشرع، وهو القاضي الأعلى ترجع له الفتاوي ويبث في القضايا الفقهية الشائكة. وهو المشرع الأول وعميد الشرفاء تقدم له الهدايا والزيارات، وهو القائد الأعلى للجيش وينوب عنه ولي العهد. وهو المولى الذي تخضع له الرعية وتذعن. وتستند مشروعية السلطان إلى ثلاث : الشرف ، الشرع ،البيعة.
[15] - تم تعيين القياد والباشاوات والقضاة والعدول والنظار يساعدهم في مهامهم الإدارية والقضائية شيوخ القيائل والمقدمون والأعوان علاوة على الأمناء والمحتسبين المكلفين بالجبايات.





تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة