U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

المغرب الأقصى والدولة العثمانية- التجاذبات -


 المغرب الأقصى والدولة العثمانية- التجاذبات -


1- تمهيد.

2  -العلاقات العثمانية السعدية.

3-العلاقات العلوية العثمانية.


    1-تمهيد: 

  فالدولة العثمانية منذ هيمنتها على جزء كبير من شمال إفريقيا في القرن 16 م، ظلت تشكل بالنسبة للمغرب الأقصى، الكابوس المزعج والخطر الدائم، الذي طالما هدد وحدته واستقراره بالنظر إلى استراتيجيتها الرامية إلى توحيد دول المغرب الإسلامي تحت راية الخلافة العثمانية في إسطنبول، وبالنظر كذلك لرغبة المغرب الأقصى في التوسع والهيمنة عمى الأقاليم المتاخمة لحدوده لاسيما المغرب الأوسط والأدنى.كيف يمكن إدراك العلاقة  الغنية والمعقدة بين الدولة العثمانية والمغرب الأقصى ؟

2-العلاقات العثمانية السعدية:   بعد ضم خير الدين بمساعدة الأتراك الجزائر سنة 1519م، وطرابلس سنة 1551م،وبعد  فتح تونس سنة سنة 1574م،بقي المغرب الأقصى البلد الوحيد في الغرب الإسلامي الذي لم ينظم إلى التبعية العثمانية، ومن ثم يمكن تفسير طابع التوتر الحذر الذي ميّز علاقات الدولتين(1)،لذلك ترواحت هذه العلاقة بين التوترمن جهة والتقارب والتعاون من جهة أخرى.
(1) مصطفى الغاشي: الرحلة المغربية والشرق العثماني-محاولة في بناء الصورة،ط1، مؤسسة الإنتشار العربي، بيروت 2015، ص68.

حيث تبدأ بلجوء الوطاسيين إلى أتراك الجزائر،و تبعيتهم للعثمانيين، كالأعتراف بالسلطة العليا للخليفة العثماني،ونقش إسمه على العملة المغربية، والدعاء له في خطبة الجمعة،والهدايا التي كانت تقدم إلى إسطنبول على عادة بقية الولايات الخاضعة للدولة العثمانية(2).
   ويعد الصراع الوطاسي السعدي( 1524-1554م/930-960هـ) الذي بدأ بصلح منطقة آنماي سنة 1528م بينهم، وهزيمة الوطاسيين في معركة بوعقبة سنة 943هـ/ 1536م،وتقسيم المغرب بين الوطاسيين عقب هذه المعركة،وبعد حصار فاس من طرف أحمد الأعرج السعدي سنة 955هـ/ 1548م،التي فشل في دخولها  بعد حصار دام شهورا،وكان دخوله النهائي لمدينة فاس سنة 956هـ/ 1549م،ثم الثاني سنة 961هـ/ 1554م(3).
    وفي سنة 1549م وجه محمد الشيخ السعدي أبناء محمد المهدي الشيخ السعدي،مولاي محمد الحران ومولاي عبد الله ومولاي عبد القادر،على رأس 5000 عسكري،وفيها قتل الحران وعبد القادر(4).
     ثم الحملة الثانية في سنة1550م/ 957هـ ،والتي أدت إلى السيطرة السعدية على تلمسان وبلغوا مستغانم، وقلعة بني راشد الأمر الذي أدى بأتراك الجزائر إلى حملة مضادة مكونة من 5000 بندقي و1000 صبايحي و10 مدافع،وقام الباب العالي بإرسال سفارة إلى محمد الشيخ السعدي على رأسها الفقيه أبي عبد الله محمد الخروبي الطرابلسي بهدف رسم الحدود والتبعية للباب العالي وإقترحت عليه هذه السفارة المساعدة على قتال المسيحيين مقابل الخطبة بإسم السلطان العثماني(5).
     وهوالأمر الذي رفضه السلطان المغربي،مما أغضب السلطان العثماني الذي أمر بإغتياله سنة 964هـ/1558م.ولما تولى عبد الله الغالب،إستمر التوتر مع الدولة العثمانية،والذي في عهده إلتجأ كل من عبد المؤمن وعبد الملك وأحمد إلى الجزائر خوفا من بطش أخيهما عبد الله الغالب،وكان قد راهن


(2) ينظر: إبراهيم حركات: "مظاهر التعاون بين المغرب والدولة العثمانيةفي مجلة دار النيابة، العدد 06، السنة الثانية 1985، ص 21.(3)  ينظر: عمار بن خروف: العلاقات السياسية بين الجزائر والمغرب في القرن 10هـ/ 16م، ط1،  دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، ج1، الجزائر 2006، ص ص 52-58.
(4) ينظر: محمد حجي:"العلاقات المغربية التركية في القرن 16م"،في مجلة المناهل، العدد 25،السنة التاسعة، الرباط 1982،ص10.
(5) ينظر: مصطفى الغاشي: المرجع السابق، ص
73.

على إرسال سفارة إلى أسطنبول على رأسها التمكروتي سنة 1573م،ولكن وفاته سنة 1574مجاءت قبل أن تكتمل هذه السفارة،وإنتهى الأمر إلى دعم السلطان العثماني عبد الملك السعدي(1576-1578م) للوصول للحكم ضد المتوكل(1574-1576م)،الذي استمر في بعث الهدايا إلى الباب العالي،ويلقي الخطبة باسم السلطان العثماني،وظل الباب العالي مساندا لعبد الملك السعدي، وهو ما تجلى في مشاركة الأتراك وزواوة في معركة وادي المخازن(6).
   أما فترة أحمد المنصورالذهبي(1578-1603م)،فقد استمر في بعث الهدايا،ولكن الخطب أصبحت تلقى بإسمه،وكانت سياسته  تتأرجح بين الإسبان والعثمانيين،وكان كثيرا ما يلجأ إلى الأسلوب الدبلوماسي مع الدولة العثمانية،حيث بعث سفارة إلى الباب العالي سنة 1582م،وبعث بسفارةإلى الجزائر(7)، ورسالة من السلطان العثماني إلى أحمد المنصور سنة 1603م،تطلب فيها أحمد المنصور الكف عن مضايقة السفن الفرنسية(8).

- العلاقات الجزائرية المغربية في فترة أبناء المنصور:على إثر حروب أبناء أحمد المنصور، زيدان وأبي فارس ومحمد الشيخ، وصراعهم على الحكم بعد وفاة أبيهم، انهزم زيدان في المعركة الأولى التي جرت بينه وبين عبد الملك بن أبي فارس، وأخيه محمد الشيخ في بداية جانفي من سنة 1604م بتادلا ولاحقه الجيش إلى فاس ففر إلى تلمسان، ليستعين بأتراك الجزائر حيث أقام عندهم بضعة أشهر(9).
- العلاقات مع سكان  مدينة سلا :
        كانت سلا جمهورية مستقلة في سنة 1627م، وظهر تقاربها مع أتراك الجزائر في الجهاد البحري ،وحققت المدينتان الجزائر وسلا غنائم كثيرة من جراء ذلك و تصريف الأسلاب وبيع الأسرى والتموين بما يلزم ، وكان أهل سلا عيونا للأتراك العثمانيين في الجزائر على المغرب(10) .


(6) ينظر: خاليد فؤاد طحطح:" العلاقات المغربية العثمانية خلال العصر الحديث،القرن16م وأواخر القرن18مفي مجلة كان التاريخية، العدد 14، ديسمبر 2011، ص 107.


(7) ينظر: عبد الله كنون: رسائل سعدية،دار الطباعة تطوان 1954،ص ص 72-73.

(8) مصطفى الغاشي: المرجع السابق، ص 92.

(9) محمد الصغيربن الحاج الأفراني :نزهة الحادي بأخبار القرن الحادي،تحقيق هوداس،مطبعة أرنست لوروا،باريس 1889، ص ص   222، 223.
(10)Coindraus: les corsairs de Salé , Paris 1948 , p 146,147.                                                 


- العلاقات مع الزاوية العياشية:  وكان على رأس هذه الثورة المجاهد العياشي ،الذي بدأ حملته في مهاجمة الإسبان ، وخاصة حول الثغور المغربية المحتلة ،وكان العياشي على علاقة طيبة مع أتراك الجزائر ،حيث يذكر المؤرخون بأنه تمكن من أسر عددا كبيرا من الأسبان في المعركة التي انتصر فيها بحلق المعمورة  سنة 1627م ،وكان من بينهم ضابطا كبيرا ، قام بمبادلته مع أحد القادة الجزائريين المأسورين في إسبانيا، كما كانت لحركة  الخضر غيلان- وهو الرجل الذي حمل عبء الجهاد من بعده- بعلاقات جهادية مع أتراك الجزائر(11)حيث التجأ إليهم  سنة 1668م .
- العلاقات مع مقدمي مدينة تطوان: بعد الإضطرابات التي حدثت بالمغرب، قام مقدمو تطوان بمد علاقات جيدة مع الجزائر، وكانت سفن الجزائريين تترد على ميناء تطوان، إمّا لنقل الحجاج أو المسافرين أو للتموين أو للاستراحة أو لبيع الأسرى وغنائم الغزو البحري(12)   . كماكانا يشتركان  في الغزو، وفي عمليات الجهاد البحري ضد أعدائهم.

- العلاقات مع الزاوية الدلائية: كما رأينا ،ظلت السفن الجزائرية والسلاوية والتطوانية الجهادية ،تتعاون فيما بينها في الجهاد البحري ، كما كانت تتردد من قبل على موانئ البلدين ،بقصد التجارة، أو التزود بما يلزمها أو للإستراحة أو لإصلاح الأعطاب، وبقيت التجارة بين سلا والجزائر نشطة حتى بعد وفاة عبد الله الدلائي (13). ويذكر المؤرخون بأن المولى الرشيد، لما قضى على هذه الزاوية، نفى أهلها إلى فاس ووجة آخرون إلى تلمسان(14).


(11)  الأفراني : المصدر السابق ، ص  266. وانظر كذلك أحمد بن خالد الناصري :الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى،  تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري ،9ج ،دار الكتاب ، الدار البيضاء 1955، ج 6،ص 190.
(12)  Haedo Diego de: Topographie D' alger ,trad,monnereau ,paris 1870,p46.                   
(13) هو أحد أبناء محمد الحاج ،كان يمتاز بالعلم والشجاعة،عينه والده قائدا على سلا والرباط والقصبة .كما كان يقوم بوظيفة وزير الخارجية للزاوية الدلائية وعقد الإتفاقيات الدولية ،كما كانت تلقبه المصادر الأوربية بأمير سلا أنظر ،محمد حجي : الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والساسي،ط1،المطبعة الوطنية، الرباط 1964، ص 177.
(14)  أحمد بن خالد الناصري : المرجع السابق  ص 36.

- العلاقات مع أحفاد المنصور :
          لقد إتبع محمد الشيخ الصغير بن زيدان سياسة منفتحة على الدول الأوروبية، وفتح لهم المجال للتجارة ،وبناء دور العبادة وعمل على معاداة أتراك الجزائر، وأراد جر بريطانيا في 05 نوفمبر 1637م لشن حرب ضد الجزائر ، وبعد إنهزامه أمام محمد الحاج بن محمد بن أبي بكر الدلائي في سنة 1638م، إنتهت مشاريعه إزاء الجزائر(15)،ولم يستطع ابنه أحمد العباس أن يقوم بأي دور سياسي قوي ، حيث قتل في سنة 1659م / 1069هـ فسقطت بقتله الدولة السعدية فعليا ونهائي(16).    

    3- العلاقات العلوية العثمانية:
         منذ إنطلاقهم من جنوب المغرب في سجلماسة في سنوات 1636م و 1640م عملوا على توسيع سلطتهم على حساب الأراضي الجزائرية ، فقد استولى المولى محمد الشريف على وجدة وشن غارات على تلمسان ونواحيها (17) ، وسيطر على بني يزناسن ،ونهب أموالهم ومواشيهم ثم سار إلى مدينة ندرومة وقد عاود الغارة عليها وعلى القبائل المحيطة بها ( مطهرة وولهاصة ) ثم أعاد الغارة على تلمسان، وقتل الكثير من عسكر الترك ،ومن الأهالي الجزائريين، كما هاجم القبائل العربية ،كجعافرة وحميان وزغبة، ووصل إلى الأغواط وعين ماضي والغاسول(18).
       ولما عزم عثمان باشا الحاكم العثماني بالجزائر على القيام له، سحب أتباعه إلى داخل المغرب وقد تبادل مع عثمان باشا رسائل(19) والتي أدت إلى مفاوضات و اتفاقيات بين الطرفين بخصوص رسم الحدود بينهما ،وجعل وادي التافنة حدا فاصلا للحدود الطبيعية بين الدولتين(20). وقد وفىّ في قطعه

(15) عمار بن خروف : العلاقات السياسية بين الجزائر والمغرب ( 1516م-1659م) ، رسالة ماجستير في التاريخ الحديث، كلية الآداب ، جامعة دمشق  1983م ، ص 268.
(16) الأفراني : المصدر السابق ، ص ص  257، 258.
 (17) أحمد بن خالد الناصري : المرجع السابق  ، ج07، ص 20.
(18) نفسه :ص 21،وينظر:  أحمد بن محمد بن عبد السلام الرباطي : تاريخ الضعيف الرباطي، تحقيق محمد البوزيدي،ط2،دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء 2007، ج01، ص 107.
(19)  نفسه ، ص ص 108، 109، 110.
(20)محمد بن الطيب القادري : نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني،3ج،دار الرشاد الحديثة،الدار البيضاء1978،ج2، ص 219. وأنظر كذلك الإستقصا ، ج7، ص 22.


 على نفسه ،واحترم أخوه الرشيد تلك الاتفاقية حتى جاء السلطان مولاي إسماعيل العلوي وفسخ تلك المعاهدة .وفي عهد مولاي الرشيد (1664م - 1672م)،إستعمل هذا الأخير قبائل جزائرية كبني عامر وسويد وغيرهم في عملية توسعه في شرق المغرب،كما قام بنفي الخضرغيلان وبعض الدلائيين إلى تلمسان ،وجدد إتفاق أخيه، بإحترام الحدود الجزائرية المغربية(21).وأثناء حكم المولى إسماعيل (1672م-1727م)،تميزت العلاقات الجزائرية المغربية،بنوع من الحذر ،الذي غذته الأطماع الإسماعيلية في التوسع شرقا على حساب الأراضي الجزائرية،ونقض المعاهدات التي أبرمها أخويه من قبله . كما تميزت أيامه بجملة من المنازعات والإعتداءات على الجزائر،وثقت في المصادر والمراجع المغربية والفرنسية،وقد إزداد حذر المولى إسماعيل من الأتراك العثمانيين في الجزائر لما رآهم يقفون إلى جانب  تمرد ابن أخيه "الأمير محرز "بجنوب المغرب،وتأكد له وجود إتفاق بينهما، يهدف إلى كسر شوكة المولى إسماعيل(22)، وسرعان ما استفحل الإعتداء الإسماعيلي على الأراضي الجزائرية ،حيث إمتدت إلى جنوب تلمسان،وهاجم قبائل حميان وبني عامر ومنطقة الشلف،ثم نزل جنوبا إلى منطقة جبال لعمور،ووصل إلى عين ماضي،والغاسول بجنوب الجزائر(23).

     ولما سمع مولاي إسماعيل بما يعّدُه الداي شعبان ،طلب العفو والأمان،فلم يقبل الداي منه ذلك  فسارع إلى لقائه في 04جويلية 1992م في معركة على الضفة الشمالية لنهر ملوية، فأنهزم المغاربة فيها، وواصل الداي زحفه حتى اقترب من فاس، فوجد في طريقه جيشا بقيادة السلطان نفسه، وبعد تدخل علماء من الجانبين، هذا الجو وحصل الاتفاق وتعهد السلطان المغربي بإحترام الحدود (24).  


(21)  محمد بن عبد السلام الرباطي:المرجع السابق،ص ص148- 151،ثم أنظر عبد الله العمراني:سياسة مولاي إسماعيل الخارجية، في مجلة البحث العلمي، العدد 04و05، المغرب 1965،ص300.
(22)  عبد الهادي التازي: التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم،9ج،مطبعة فضالة، المحمدية 1988،ج9،ص16.
(23)  نظر مولاي بلحميسي:إرشاد الحيران في أمر الداي شعبان، في مجلة الدراسات التاريخية،العدد 02،جامعة الجزائر 1986م،ص ص،39-51.
(24) (Grammond(H de):un épisode déplomatique a alger au xviii e siécles,paris1882,pp130       ,138.           


     تتجددت الإشتباكات في سنة 1700م، وتوترت العلاقات وتأزمت بينهما، فهاهو القنصل الفرنسي في" سلا"يصرح في رسالة ذكر فيها : أن هناك إشتباك مغربي جزائري(25)  ،ويؤكد هذه الأحداث رسالة داي الجزائر إلى الوزير الفرنسي بتاريخ 20ماي 1701م،يخبره بأن(26)  "الداي مصطفى" قد تغلب على جيش السلطان المغربي في وادي الجديدة ،في 20ذي القعدة 1112هـ/28أفريل 1701م.





(25)  عبد الهادي التازي: المرجع السابق ،ص21.
(26)  رسالة الداي شعبان إلى لويس الرابع عشر،بتارخ 01 سبتمبر 1694م، أنظر إيجين بلانتي: المرجع السابق ، ص418.   




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة