U3F1ZWV6ZTIwMTU5Nzc5NjQ2Nzg5X0ZyZWUxMjcxODUzMjIzNDU3Nw==

الظاهرة الاقتصادية زمن المنصور الذهبي

الظاهرة الاقتصادية زمن المنصور الذهبي






يعتبر عصر المنصور الذهبي أرقي عصور دولة الأشراف السعديين، فهي في جوانب عدة ركيزة الحضارة المغربية في عصرها الحديث، وكانت الظاهرة الاقتصادية في زمنه عنوانا لهذا التميز، في جوانب عدة منها، يقول في مناهل الصفا: "إلى أن جاءت دولة أمير المؤمنين - أيده الله - فرفض التقليد واتسع التوليد والاختراع... وعظمت الأنفة من الاقتصار على الكفاية، فجاءت الآثار بادرار الفتوح ونبالة الصنائع، وتحكم الحضارة، ولطف الاختراع والتوليد، وسعة الدرع وضخامة الشكل، بحيث لا تشبيه بينهما وبين ما تقدم زمانها".

- السياسة الاقتصادية في البادية:

سعي المنصور لتوطيد الأمن في بلاده، لما له من علاقة مع الرخاء الاقتصادي. وانتعشت البادية المغربية، بفضل اهتمامه بالزراعة والري، ووجود الأراضي الخصبة الواسعة، والنسبة الكبيرة من سكان البوادي المعتمدين عليها. وسعى إلى تنظيم الزراعة بأنواعها، والاعتناء بأنواع الماشية، وقد أشاد بهذا السفير الإنجليزي (هنري روبرت). كما اهتم بالري وسقي الأراضي، باستغلال الأودية العظيمة، والشبكة المائية الغزيرة، واتقن حفر المجاري المائية والأقنية تحت الأرض (الخطارات).
وقام بتنظيم واسع لإقليم السودان، وتنظيم عملية الري، وقد قام محمود باشا بإنشاء نهر فرعي لذلك، وتوزيع الأراضي الزراعية على القبائل لزراعتها، وأجبر بعض رحالتها على الاستقرار لتعميرها، وتوزيع بعضها على المهاجرين الأندلسيين، خاصة بمراكش. وسعى لتنشيط الحياة الاقتصادية لسكان البادية، فكلفهم بمراكزها وقراها المستحدثة، بالاعتناء بالمسافرين وخدمتهم، مقابل تعويضات يدفعها المسافرون؛ فكان ذلك مكسبا ماديا لهم، وتشجيعا للتجارة الداخلية، واقرارا لأمنها.
وأقام قرى صناعية بالبادية، نتيجة الاهتمام بصناعة قصب السكر، وإقامة معاصر السكر وصناعته، وقد ازدهر العمران بلك القرى. وبانتعاش البادية وانتشار أغراض التجارة بها كثرت الجباية، وعمت فائدة الدولة وغناها، وامتلأت بيوت مالها ومخازن أقواتها، وتكاثر عدد السكان بالمدن والبوادي، وختم ذلك بأن حذف ضريبة النائبة المثقلة لكاهل أهل البادية. 
ب - السياسة الصناعية

سعي المنصور لتوسيع نطاق الحياة الاقتصادية بتطوير المجال الصناعي لدولته، خاصة في میادین: صناعة السكر، صناعة الأسلحة، استخراج المعادن، والصناعة الحرفية.

صناعة السكر:

ازدهرت بسبب ازدهار زراعة قصب السكر، وتأسيس الدولة معامل لها، ومن أهم مراكزها: وادي القصوب عند مدينة الصويرة، سهل السوس، وغربي تارودانت، وبوادي ماسة، وضواحي كولمين، وضواحي طنجة وسبتة وسلا. وكانت تسقى بفضل شبكة ري خاصة. وأنشأت مصانع سكرية عديدة، من أهمها أربع مصانع شمالي الأطلس الكبير، عند مدينتي شيشاوة والصويرة، وعشر مصانع بالسوس وتارودانت وما حولها، وجميعها بيد الدولة تتعاقد لاستغلالها مع الذميين المدة معلومة

- مصانع الأسلحة:

اهتم بإنشائها وتطويرها، لحاجة جيشه للذخيرة والعتاد الحربي، وأهمها دار العدة التي كانت بالقصبة الملكية بمراكش، ومن جملتها دور صناعة السفن التي عمل على تأسيسها الرباط وسلا) تمكينا للأسطول المغربي. - استخراج المعادن: كان بعضه يستخرج بالمغرب والآخر يصدر خاما، ومن أهمها ملح البارود، ومعادن النحاس والحديد والرصاص وملح الطعام. واستغل هذا استغلالا كبيرا، المستخرج منه خاصة من تيغازي، ووضف عليها مثقالا على كل حمل وارد من الآفاق، وكان بحرا لا ساحل له. وإذ استغلت مناجم الذهب بالسودان، وأوعز لجؤدر باشا أمر معادن الذهب الثلاثة ببلاد السودان " وأمر بالبناء عليها واختطاط الحون الجاثمة عليها، وترتيب الجيش فيها لاحتياطها".

الصناعات اليدوية:

شمل ازدهار هذه الصناعات كالنجارة والخياطة ومطاحن الحبوب ومعمل الشموع، التي يعكف عليها جهابذة يبارون النحل في نسيج أشكالها لطفا وادماجا، ومعامل الحسك وآلات البخور. وعمل المنصور على استقدام المهرة من الصناع الأجانب حتى من الفرنجة مما ساعد على إدخال بعض مستحدث الصناعات.

ج -العوائد المالية للدولة:

كثرت العوائد المالية لدولة المنصور ومن أهمها:

1- غنائم معركة وادي المخازن، من الكنوز والنفائس والمعدات الحربية والمؤن والذخيرة، وآلاف الأسرى من مختلف الأجناس الأوربية، خاصة عليتهم المفتدون بأموال باهظة.

2- عائدات البلاد المفتوحة، خاصة السودان، وقد بعث محمود باشا للمنصور بعد فتوحه: مائة ألف مثقال ذهب، وألف ومئتي مملوك، وغيره الكثير مع بقاء الجباية كل سنة.

 3- استثمار المناجم المختلفة، ومن أهمها مناجم الذهب بالسودان، ومناجم ملح الطعام بنغازيوغيرها، ومناجم النحاس والحديد والرصاص وملح البارود بالمغرب

 4- عائدات مصانع السكر، وكان الذميون يستغلونه كراء السنة 

5- مداخيل الديوان والمكوس، وقد بلغت 30 بالمائة على الواردات، وعشرة بالمائة علىالصادرات، وفي الداخل ما قيمته ربع دينار على الحمل على الأموال 

6- التلزيم، إذ كان المنصور يعمد إلى تلزيم الولايات 

7- الخراج، أو عشر المنتوجات الفلاحية. وهناك الضرائب المختلفة المفروضة على أنواع التجارة وهكذا كانت دولته كما قيل: "أثرت العديم وأكست المحروم".

 د- نمو التجارة الداخلية والخارجية

 1- التجارة الداخلية:

تمت هذه التجارة بسبب الاستقرار والأمن، وتزايد عدد القيصريات والفنادق والمدن والأسواق الأسبوعية، والمواسم الفصلية والسنوية في البوادي وساهم التجار المغاربة في حملة السودان وأشاد بهم المنصور، كانوا أدلاء ومرشدين فيهاوكانت البرجوازية المغربية تعلق آمالها في نشر النفوذ المغربي بالسودان وأواسط إفريقيا والتحكم في الطريق التجاري الهام الرابط بينهما. وساعدها حذف الحواجز الجمركية الداخلية کالمکوس، قال الفشتالي: "وقد رفع في أقطار ملکه عن رعيته أنواع الأمكاس كلها، كأعشار السلح في المراسي، والأبواب وغير ذلكوقام بتنظيم وضبط أمن طرق المواصلات وتأمين المسافرين وقوافل التجارة، بتعمیر منازلها وأماكنها المخوفة، بإنزال أهل البادية وقطاع الأراضي عليهم والقيام ببناء الجسور والقناطر على الأودية والممرات الصعبة، كقنطرة تانسيفت، وأم الربيع السفلي وغيرهاوأكد كل هذا بضرب نقود عديدة ذهبية وفضية وبرونزية ونحاسية في عدة مدن، وفي فترات عدد فضرب الدينار الذهبي ونصفه، وقد كان ببابه كل يوم أربعة عشر مائة مطرقة تضرب الدينار، وضرب الدرهم الفضي والنقود البرونزية. ضربها بكل من فاس ومراكش والمحمدية ولاكتاوا وسجلماسة ودرعة. ومما ضربه بعد وادي المخازن ودخوله قاسا دينار ونصفه جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم عن أمير المؤمنين المجاهد في سبيل الله، أمير المؤمنين أبي العباس، ضرب بمدينة فاس عام ست وثمانين وستمائة".

2- التجارة الخارجية:

نشطت هذه التجارة بقدوم الأوروبيين إلى المغرب، بسبب الأمن والاستقرار، ولحاجة المنصور للأسلحة والذخيرة الحربية، ولمشاريعه في الميناء؛ وقد وقع اتفاقا تجاريا مع دوق "طوسكانيا" لجلب المرمر والمهندسين والفنيين لقصره البديع. ومنح بعض الامتيازات لبعض التجار الأجانب، خاصة الإنجليز وشركتهم البربرية، لتنظيم أمور التجارة بين البلدين، حتى أصبحت تحتكر أمور التجارة، خاصة تجارة السكر، الذي كانت ملكة الإنجليز تفضلهوكانت هذه الشركة قد أنشأت بقرار من الملكة "إلزبيث الأولى سنة 1585 م، بتصريح مح الكونت "وارويك" وكونت "ليستير"، ومعهم أربعون عن تجار لندن. وكان عقد احتكار تجاري مع المغرب مدنه اثني عشر سنة، وكانت الملكة أرسلت وزيرها "روبرتز" للإقامة بالمغرب والحصول على الامتيازات التجارية، وكان تجارها قبل ذلك مندمجين في الشركة التركية (1581م)، وشركة البندقية (1583 م)، المندمجتين بعد في الشركة الشامية (1592م)۔وكان المغاربة يستردون من الإنجليز مختلف الثياب الرفيعة ذات اللون الأزرق، تصنع منها باب الطبقة الموسرة؛ وأيضا الطرابيش الحمر، وأنواع الأسلحة والأخشاب وصدر المغاربة إليها السكر الناعم والغليظ، والتمور والشموع، ومختلف الحبوب والزرابي، ومعادن الذهب وملح البارود والنحاس،وكانت أهم موانئ نزولهم آسفي کمناء لمراكش، وأكادير کمناء للسوس، والعرائش لفاس وتطوان، وكدا موانئ الرباط وسلا وأصيلا وأزمور وغيرها۔

المصادر والمراجع :

- أبو فارس عبد العزيز بن محمد الفشتالي ، مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفاء، ترجمة: عبدالکریمکریم، وزارة الأوقاف 

- الناصري أحمد بن خالد، الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى، ترجمة: جعفر الناصري و محمد.الناصري، دار الكتانية، الدار البيضاء، 1418هــ-1997.

- عبد الكريم كريم: المغرب في عهد الدولة السعدية،جمعية المؤرخين المغاربة،الرباط،ط الثالثة،1427هــ-2006م.

- إبراهيم حركات: المغرب عبر التاريخ،ج2،من المرينيين إلى السعديين،دار الرشاد الحديثة،الدار البيضاء،1420هــ-2000م.

- عبد الهادي التازي،التاريخ الدبلوماسي للمغرب،1988م.




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة